15 نوفمبر، 2024 8:52 ص
Search
Close this search box.

“ماريو فارغاس يوسا” .. تصويره بالغ العمق لمقاومة الفرد وثورته وهزيمته !

“ماريو فارغاس يوسا” .. تصويره بالغ العمق لمقاومة الفرد وثورته وهزيمته !

خاص : كتبت – سماح عادل  :

“ماريو فارغاس يوسا”.. هو “خورخي ماريو بيدرو فارغاس يوسا”؛ روائي وصحافي وسياسي بيروفي، ولد في “اريكويبا” في بيرو عام 1936.. عاش فترة من طفولته مع والدته وجده في مدينة “كوشاباما” في “بوليفيا” قبل أن يعود إلى بلاده في 1946، أبويه ينتميان للطبقة المتوسطة وتنحدر أصولهما من إسبانيا.

حياته..

انفصل والداه بعد شهور قليلة من ولادته، ليعرف بعد ذلك أن والده كان على علاقة بامرأة ألمانية، وأصبح له شقيقين لأم ألمانية، هما “إنريكي” و”أرنستو” فارغاس.. حين بلغ “يوسا” عشر سنوات عاد إلى وطنه “البيرو” مع أبويه الذين استأنفا علاقتهما بعد الانفصال لسنوات، وكان قبل ذلك قد أخبرته أمه أن أبوه متوفي، وعندما بلغ 14 عاماً أرسله والده ليلتحق بالأكاديمية العسكرية في “ليما”، كما عمل قبل تخرجه بسنة واحدة مراسلاً صحافياً لصحيفة (لا إنداستريا)، ثم ترك الأكاديمية العسكرية ليتفرغ للكتابة، اختار “يوسا” أن يدرس الأدب والحقوق في جامعة “سان ماركوس” الوطنية في “ليما”.

تزوج “يوسا” بـ”غوليا أوركيدي”؛ وكانت تكبره بـ 13 عاماً، وكان في عمر (19) حين تزوجها، حيث كانت تربطهما علاقة قربى.. وكان زواجه هذا ملهماً لكتابة روايته (العمة غوليا والناسخ).

بعد طلاقه في 1964، تزوج مرة ثانية في العام التالي، وأنجب ثلاثة أبناء “الفارو” و”غونزالو” و”مورغانا”، وقد تنقل “يوسا” في بلدان أوروبا، وكانت باريس ولندن ومدريد أهم الدول الأوروبية التي عاش فيها.

الكتابة..  

أصبح “يوسا” كاتباً شهيراً ومشاركاً في النهضة الأدبية التي شهدتها أميركا اللاتينية في الستينيات، بسبب أسلوب كتابته الذي يعتمد التنقل في الزمن، والانتقال في السرد بين رواة مختلفين.. وقد كتب في أنواع أدبية مختلفة، منها الرواية الكوميدية والبوليسية وروايات الإثارة والتشويق كما اهتم بالنقد الأدبي وكتب فيه.

تحولت عدة روايات من أعمال “يوسا” إلى أفلام سينمائية، منها الفيلم الأميركي (تيون إن تومورو) الذي قام ببطولته “باربره هيرشي” و”بيتر فولك” و”كينو ريفز” في 1990، والذي أخذ من روايته (العمة غوليا وكاتب السيناريو”.

بدأ “يوسا” بنشر أول كتاباته الأدبية في 1957، وكانت عبارة عن قصص قصيرة حملت عناوين مثل: (الجد) و(القادة)، وقد لاقت روايته الأولى معارضة شديدة من الجنرالات البيروفيون؛ بسبب ما كتب فيها من نقد شرس لممارسات هؤلاء الجنرالات وأسلوب الحياة العسكرية في بلاده.

اشتهر “يوسا” في بداية ستينات القرن الفائت، مع صدور روايته الأولى (المدينة والكلاب) بين عامي 1963 و1966، وكانت تدور حول تجربته في المؤسسة العسكرية، ومع ازدهار أدب أميركا اللاتينية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.. اشتهر “يوسا” ككاتب روائي، تتابعت أعماله مثل رواية (المنزل الأخضر) 1965، وقد نالت أولى جوائز “روميللو غوليغوس” الأدبية في 1967، واعتبرها الناقد “غيرالد ماردين”: “إحدى أهم الروايات في الأدب اللاتيني على الإطلاق”.

وكتب رواية (محادثة في الكاتدرائية) بين عامي 1969 و1975، لكنه لم يكن متفرغاً تماماً للكتابة الروائية، فقد قدم إلى جانب رواياته، التي اشتهرت في العالم، مساهمات نقدية في الأدب، والصحافة بشكل عام.

في أعماله الروائية، تتضح ملامح عديدة يعمد إلى الزج بها وإحاطتها بسياقات وتطورات في العمل الواحد، فتلمس الملمح التاريخي، إلى جانب التشويق البوليسي، والمواقف الساخرة والطريفة، التي سرعان ما تجتاحها تراجيديات متأملة لا تسقط في البكائية، وإنما في مراجعة الحدث، أو الموروث الواقعي فروايتا (الكابتن بانتوخا والخدمة الخاصة) و(العمة غوليا والناسخ)؛ اللتان تحولت كل منهما فيلماً سينمائياً في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، يبدو تأثر “يوسا” فيهما بمعايشته المجتمع البيروفي تحديداً وسيرته الشخصية كبيروفي أباً عن جد، واضحاً في كتاباته، فهو ينهل من هذه المكتسبات التربوية والشخصية لتعزيز عناصر عمله الروائي متحدياً المخيلة الأدبية، وبناء خطوطها بصورة متماسكة وعنيدة.

إنخراطه بالسياسة..

أيد “يوسا” الثورة الكوبية، لكنه في السبعينيات تخلى عن ذلك التأييد وندد بنظام “فيدل كاسترو” الشيوعي، وأعلن مناصرته لنظام السوق الحرة وإيمانه بالديمقراطية وكراهيته للنظم الإستبدادية، وكانت تلك التحولات سبباً في سخط كثير من قراءه ومعجبيه وأصدقاءه من الأدباء.

كانت “بيرو” تعاني من التضخم وعنف “حرب العصابات” والفساد، عندما رشح “يوسا” نفسه للرئاسة بصفته مرشحاً ينتمي ليمين الوسط ويؤمن بالإصلاح، ولقد اقترح خفض الميزانية وانتهاج سياسات السوق الحرة وهو ما أعجب المحافظين الأثرياء وأثار مخاوف الفقراء، لذا فقد خسر أمام “ألبرتو فوغيموري”، وهو أستاذ جامعي اتهم فيما بعد بانتهاك حقوق الإنسان في جرائم ارتكبت أثناء رئاسته. ثم حصل “يوسا” على الجنسية الإسبانية وانتقل للإقامة في إسبانيا بعد خسارته انتخابات الرئاسة.

“يوسا” لا يختلف عن الكثير من كتّاب أميركا اللاتينية من حيث انخراطهم في الأمور السياسية، وهو ما ينعكس في كتاباته، لكن “يوسا” يختلف عن باقي معاصريه بتاريخه الشخصي الذي بدأ بانتقاله بالتدريج من المعسكر اليساري الإشتراكي إلى خانة اليمين المتشدد، كما يظهر في مواقفه السياسية، فقد كان أحد المؤيدين للثورة الكوبية وانجذب إلى شخصية “فيديل كاسترو” تحديداً قبل أن ينقلب بشكل صارخ ضد الثائر الأكبر في العالم، وشريكه الأممي “غيفارا”، وليعلن في وقت لاحق قطيعته مع الأحزاب والمنظمات اليسارية التي وصفها بـ”المتطرفة”، ثم يعود فيشن بين الحين والآخر حملات عنيفة ضد “كاسترو” تحديداً.

شارك” يوسا” في 1988، في تأسيس حركة قامت على تحالف أحزاب يمينية، وسميت بـ”حركة الحريات” وقرر ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية البيروفية عام 1990، إلا أن الهزيمة التي لحقت به كانت ضربة قاسية له أجبرته على التخلي عن الطموحات السياسية، ولقد تعلم الكثير خلال أعوام نشاطه السياسي، ولم يتردد أكثر من في الإشارة إلى “فساد السلطة وتحريضها الناس على التضحية بكل شيء في سبيلها”.

صداقة مع “ماركيز”..

ربطت بين “يوسا” والكاتب الكولومبي “غابرييل غارثيا ماركيز” صداقة قوية، لكنها أصبحت فيما بعد من أشد العداوت في عالم الأدب، فقد وجه “يوسا” لكمة قوية لوجه “ماركيز” أثناء وجودهما في مسرح بمدينة “مكسيكو سيتي”؛ سببت هالة سوداء حول عينه، وقيل أن سبب الخلاف انفصال “يوسا” عن زوجته، واستمرار “ماركيز” في التعامل معها.

أعماله في الرواية..

“شقاوة الفتاة الخبيثة” (2007)، “الفردوس، أبعد قليلاً” (2003)، “حفلة التيس” (2000)، “حرب نهاية العالم” (1981)، “محادثة في الكاتدرائية” (1969)، “المنزل الأخضر” (1965)، “المدينة والكلاب” (1963)، “لغة الشغف” (2001)، “دفاتر دون ريغوبيرتو” (1998)، “رسائل إلى روائي شاب” (1997)، “السمكة في الماء” (1993)، “الحقيقة من الأكاذيب” (1990)، “بين سارتر وكامو” (1981).

وفي المسرح: “مجنون الشرفات” (1993)، “المزحة” (1986)، وقد تُرجمت أعماله إلى الفرنسية والإيطالية والبرتغالية والإنكليزية والألمانية والروسية والفنلندية والتركية واليابانية والصينية والتشيكية، والعربية وغيرها.

أما مقالاته فجمعت في ثلاثة مؤلفات صدرت أعوام: 1983، 1986 و1990، وقد قدِمت في مختارات أعدّها “جون كينغ” بعنوان (صناعة الموجة).

جائزة نوبل..

أثنت الأكاديمية السويدية في حيثيات تقديمها الجائزة لـ”يوسا” على “تصويره بالغ العمق لمقاومة الفرد وثورته وهزيمته”، مضيفة: أنه “راوٍ موهوب قادر على تحريك مشاعر القراء”.

الأدب والسياسة..

في حوار معه أجرته “كوليت مرشليان”، يقول “يوسا” عن الرواية: “يجب ألا ننسى أن الرواية هي وسيلة لتصوير الحياة وكل تفاصيلها؛ وبالتالي فالسياسة جزء من حياة الإنسان، فكيف إذا كنا ننتمي إلى بلد يُعرَّف عنه أنه من العالم الثالث حيث تلعب السياسة دوراً أساسياً في حياة الفرد على عكس سياسات الدول العظمى حيث ولحسن حظهم هناك ما يشغلهم في الفن والفلسفة والعلم والحياة الاجتماعية أكثر من السياسة على أساس أنها محلولة وواضحة وجلية في كل الأمور، حسب رأي السياسيين فيها، وأعتقد أن الناس في هذه الدول محظوظون. لكن في البيرو وفي كل أميركا اللاتينية السياسة تشغل الناس وبالتالي الكاتب، ولكن أحب أن أضيف شيئاً هنا وهو أن الأدب يمكن أن يستفيد من السياسة لكن الأدب لا يمكن أن يفيد السياسة إلا في حال قرار هدم الأدب أو الناحية الأدبية”.

ويضيف: “حين تصبح الرواية في خدمة قضية لتسويقها أو لضربها يكون الجانب الإبداعي في إجازة، لكن ثمة ترابط وثيق وغير مباشر ما بين الرواية والواقع الذي تستقي منه، فإذا كان واقع أو محيط الروائي مغمساً بقضايا سياسية ملحة وبالتالي إنسانية ملحة لا يمكن أن يغفل الروائي عن واقعه حين يكتب وبالتالي تنتقل أحاسيسه وانفعالاته حيال هذه الأمور من حوله، ولكن يكون الجانب الأهم هنا هو النقد غير المباشر للواقع والإضاءة عليه على أساس أن الرواية هي هنا أقرب من الواقع أو أبعد منه وهذه المسافة هي الفاصل حيث يمكن للإبداع الكتابي أن يشير إلى احتمالات أو وجوه أخرى لا نراها في الواقع أو نتوق إلى رؤيتها”.

روائي أم رئيس..

يقول “يوسا” عن ترشحه للرئاسة: “أحب أن أوضح أنني لست سياسياً بكل معنى الكلمة، لكني مارست السياسة بشكل مختلف لأني في الأساس لم أكن أطمح إلى منصب بقدر ما كانت هناك ظروف صعبة جعلتني أشعر بالحماسة للوصول لهدف التوصل إلى حلول ممكنة لأمور حياتية ومعيشية وسياسية مزعجة للغاية في بلادي، فأردت أن أتحرك، أن أعبر عن رأيي، في بداية التسعينيات، كان الجو العام في البيرو رهيباً مع كل الخلافات السياسية وموجات العنف والقتل والوضع الاقتصادي المتردي، مع كل هذا شعرت ومن موقعي كروائي معروف نوعاً ما أنني يمكن ان أخدم بلادي في حال وصولي إلى موقع الرئاسة. وبالفعل عملت لهذا الهدف فترة سنوات ثلاث كنت خلالها بعيداً كلياً عن الكتابة إذ لا يمكن ممارسة الأمرين معاً وبالطبع شعرت بأنني لست موهوباً كفاية للاستمرار في هذا المضمار، وعدت إلى الكتابة، أي إلى موقعي الطبيعي. ولكن لم أتوقف كلياً عن الاهتمام بالأمور السياسية الملحة، فأنا أشارك في ندوات، في برامج، أكتب رأيي في الصحف والمجلات وأعتقد انه أيضا من واجب المفكر والمثقف أن يهتم بشؤون بلاده والسياسة من حوله”.

طقوس الكتابة..

عن طقوس الكتابة لديه يقول “يوسا”: “أنا أكتب كل يوم وفي كل الأوقات خاصة في الصباح الباكر، وبعد الظهر حين أكون في باريس، في المقاهي أو في مدينتي ليما أبقى في منزلي. أحب كثيراً أن أكتب في المقهى حين أكون في مدريد أو في باريس وفي المنزل حين أكون في ليما أو في لندن أنا حالياً أتنقل بين هذه البلدان جميعها”.

المرأة و”يوسا”..

عن المرأو وحضورها في رواياته يقول “يوسا”: “هي دائماً موجودة بشكل أو بآخر، لكن إذا أردت أن أقول أنني كتبت فعلاً عن المرأة والحب فهو كتابي الأخير الذي سيصدر قريباً وعنوانه: (مكائد الفتاة المحتالة) أو ما شابه. لا أعرف لماذا كتبته الآن لكنها قصة حب طويلة تستمر 40 عاماً: تبدأ في البيرو في الخمسينيات ثم تنتقل إلى باريس في الستينيات وبعدها إلى لندن وإسبانيا”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة