7 أبريل، 2024 7:07 ص
Search
Close this search box.

“ماركس ضد نيتشه: الطريق إلى ما بعد الحداثة”.. د. محمد دوير

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : قراءة بقلم – حمودي عبدالجبار:

يناقش الكتاب علاقة ما بعد الحداثة “الفكرة والمفهوم والتصورات” بفلسفتي كل من ماركس ونيتشه، ويطرح رؤية نقدية لعدد من القضايا التي يتم تناولها بوصفها مسلمات مفروغ من صدقها، من بينها علي سبيل المثال أن الصورة الراهنة للدراسات الثقافية إنما هي التعبير الأمثل والممثل الوحيد لما بعد الحداثة. ومن ثم يرى المؤلف أننا أمام حالة إقصاء تاريخية كبرى لمجمل الإبداع الفلسفي والأدبي الذي يخرج عن قواعد وتصورات ما بعد الحداثة كما وردت عند مجموعة من المفكرين الغربيين أمثال: “رولان بارت” و”جاك دريدا” و”جياني فاتيمو” و”ليوتار” و”فوكو” وغيرهم.

والمؤكد أن تصورًا جديدًا لابد وأن يطفو على سطح الفكر العالمي، بمفاده أن ثمة ارتباط عضوي وتاريخي ومنطقي بين الرأسمالية من جهة كنظام اقتصادي/اجتماعي تحيا البشرية في ظله الآن؛ وأفكار الحداثة الغربية من جهة أخرى، ذلك أن كل ما يتعلق بالحداثة هو بصورة ما انعكاس شرطي ومباشر لعملية التحديث التي جرت في رواق المجتمعات الأوروبية، فالعلاقة إذاً شرطية بينهما، كعلاقة العلة بالمعلول والسبب بالنتيجة، بل وأعتقد أن ما بعد الحداثة تدور مع الرأسمالية وجودًا وعدمًا. وبناءً عليه لا يمكن الحديث عن “ما بعد الحداثة” على الصعيدين النظري والعملي دون أن يلوح في الأفق نظام جديد نتجاوز به المرحلة الرأسمالية، فلا يجوز – من الناحية المنطقية – أن يبقى السبب كما هو ثم نُقرر – بقرار عقلي بحت لا صلة له بالواقع – أننا نمر بمرحلة ما بعد الحداثة، هنا تركت العلة المعلول، وانفصل السبب عن النتيجة، وبدت ما بعد الحداثة وكأنها أفكار لا تُعبر عن حالة ميلاد من رحم المجتمع السابق، بقدر ما كانت تعبيرًا عن حالة ضجر من طرق التفكير التقليدية، وبقدر ما جاءت تعبيرًا عن المرحلة الثالثة من تطور الرأسمالية (مركنتلية – صناعية – ما بعد صناعية).

وإذا كنا بصدد البحث عن طريق لما بعد الحداثة، فلن نجد أمامنا – على الأقل في الوقت الراهن – سوى صورتين لها، تمثلت الصورة الأولى في “أبناء نيتشه” الذين استلهموا تراثه الفكري وقفزاته الفلسفية ومنطقه الذي يُحارب به الميتافيزيقا والحقيقة والصدق؛ ليُعيد النظر في مفهوم الإنسان ودور وأهمية اللاشعور مع نقد جذري لمفاهيم العلوم الإنسانية ومنطق نظرية العلم. وإنطلاقًا من مقولات “نيتشه” أسسوا لمنظومة جديدة في التفلسف وتناول التجربة الإنسانية، حتى تحولت ما بعد الحداثة – بصورتها النيتشوية – إلى الطريق الوحيد والمسار الإجباري لكل مثقف في دخول عالم ما بعد الصناعي، عالم الإمبريالية الثقافية كما أطلقت عليه. أما الصورة الثانية فقد نجدها لدى “ماركس”، حيث أسهم “رفاق ماركس” في توطين الحداثة الثورية التي تمثلت في البلدان الاشتراكية والأحزاب الشيوعية خارج منظومة الكتلة الاشتراكية والأممية والتحرر الوطني وكذا في إسهامات الماركسيين في النقد الأدبي والفني والسياسي. ولكن، كيف نفهم إذاً “ماركس” بوصفه ما بعد حداثي، وهو لم يُشّر مباشرة لذلك المعنى ؟.. وهذا أمر حقيقي فعلاً، ولكن المصطلح لم يكن قد ظهر بعد، وبالتالي فليس ضروريًا أن نجد المصطلح دارجًا برسمه في كتابات “ماركس”، ولكن المؤكد أن سمات ما بعد الحداثة وتحديدًا سمة التجاوز البنيوي تكشف عن نفسها بوضوح في كل إنتاج “ماركس” بل وممارساته السياسية، وبالتالي سنجد أنفسنا مضطرون إلى فهم دعوة “ماركس” لتجاوز الرأسمالية؛ أي فهم الماركسية بوصفها “ما بعد الرأسمالية”، لا يعني سوى ما بعد الحداثة. ذلك أنه من المؤكد أن الحداثة هي الشكل المعرفي لنمط الإنتاج الرأسمالي، ومهما تحولت وتغيرت صوره يظل قانون حركة رأس المال هو المُحّدد أو المّوجه لنظرية المعرفة، ومن ثم فإن أهداف ومباديء الحداثة هي ذاتها أهداف ومباديء الرأسمالية، بل لا أتجاوز حينما أقول أن الحداثة كانت أكثر التصاقًا تاريخيًا بالرأسمالية من الليبرالية كمفهوم، فالحداثة كانت أسبق تاريخيًا في علاقتها بالرأسمالية – هنا لا يعتقد القاريء أنني أفصل بين الليبرالية والحداثة؛ فقط أردت أن أؤكد على ارتباط عضوي بين الرأسمالية والحداثة – وأن هناك فارق كبير بين الدعوة لضرب سلطة العقل بوصفها دعوة تخضع لمبدأ حرية التعبير وبين تطبيق ذلك عمليًا، وهذا لم يحدث في المجتمعات ما بعد الصناعية التي يدعي الكثيرون أنها تعبير عن ما بعد الحداثة، فالذي يحدث من قبل مفكرين انحازوا ونظّروا وفسّروا مباديء وشروط ما بعد الحداثة ليس سوى ممارسة حرية النقد التي اتسم بها الفكر الحداثي منذ انقلاب “مارتن لوثر” على تعاليم الكنيسة وانقلاب “فرنسيس بيكون” على تعاليم “أرسطو”، ولا أعتقد أن انقلاب “نيتشه” أو غيره على “سقراط” أو “كانط” يرقى لدرجة ندعي فيها التجاوز إلى ما يدعونه بما بعد الحداثة.

إننا إذاً إزاء صورتين لما بعد الحداثة، الأولى قدمتها المادية التاريخية بتأويلها للتاريخ وتنبؤها بالمستقبل، عبر الدراسات الماركسية التي شاركت في صناعة الثقافة العالمية المعاصرة، وفي تشكيل الوعي، وأثبتت أهمية الطبقة العاملة والشغيلة، وشاركت في بناء قوى التحرر الوطني، إنها جزء من واقع العالم، والرؤية العقلانية الوحيدة لمستقبله بعيدًا عن الرأسمالية. أما الصورة الثانية، فقد طرحتها رؤى انطلقت من هدم كل شيء ورفض بناء أي بديل بالدليل النيتشوي التفكيكي الذي يُخرج بناء عن دائرة التحضر الإنساني. وقد اختزلت تلك الرؤيتين في التضاد بين “ماركس” و”نيتشه”، “ماركس” الذي واجه الرأسمالية مواجهة علمية ومنهجية، وقدم نقدًا يدعو به إلى تجاوز الرأسمالية وبناء عالم ما بعد الرأسمالية، و”نيتشه” الذي انشغل بهدم الميتافيزيقا وإعادة تأسيس المصطلح المعرفي بما يتوافق مع التحرر الذاتي للإنسان من عبوديته الأصولية من أجل خلق إنسان جديد، ينفض عنه غبار الماضي والماوراء، وأن ظل قابعًا تحت سماء الاستغلال الذي يراه “نيتشه” قانون الحياة الذي يجب الحفاظ عليه ودعمه والفخر به.

وفي تقديري المتواضع أن ثنائية “ماركس-نيتشه” ستستمر معنا في القرن الحالي “الحادي والعشرون”، وربما بصورة أكثر وضوحًا من ذي قبل، ذلك أن الماركسية أثبتت قدرة ما على تفسير الواقع والتعامل معه، وأن النيتشوية عبرت بوضوح وسخاء عن الطور المعاصر للرأسمالية العالمية، رأسمالية المستهلك – بحسب “فريدريك جيمسون” – التي توافقت تمامًا مع نظرية سلطة القاريء بوصفه زبونًا مستهلكًا للمنتج/للنص، أي جزءًا من تدوير حركة رأس المال بالمعنى الاقتصادي. فالقرن الحالي إذاً هو قرن التضاد والصراع الفكري بين النيتشوية والماركسية، تضاد يصل إلى حد النفي، بوصف النيتشوية مشروعًا يهدم معظم المحددات الفكرية للحداثة، بل وللتاريخ البشري المكتوب، وكذا بوصف الماركسية مشروعًا فكريًا يبحث في ساحة الوعي ومعطاه الواقعي. إنه تضاد وصراع بين الإنسان كقوة عمل والإنسان المعاصر كهيولي للإنسان الأعلى، بين فيزيقيا الإنسان الذي يعتبره “ماركس” جزءًا من الطبيعة، وميتافيزيقا الإنسان الذي ينشده “نيتشه” في المستقبل، هو صراع بين الإنسان في سعيه الثوري لتحقيق ذاته، والإنسان في سعيه الارادوي لنفي وجوده الزائف وخلق وجوده الحقيقي بإرادة القوة. بين الإنسان بوصفه كائنًا اجتماعيًا والإنسان بوصفه ذاتًا متفردة غير قابلة للاندماج أو الانقسام.

إن الحديث عن “ماركس” و”نيتشه” ليس حوارًا بين فيلسوفين فحسب، وإنما هو بحث في امتداد فلسفتهما في الفضاء الثقافي العالمي، وبحث في تجليات أعمالهما في إبداعات المفكرين اللاحقين لهما، سواء أكانوا مفسرين أو نقادًا، بهدف إخضاع المقولات الفلسفية لدى كل منهما إلى وضعيتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفلسفية خضوعًا لا يُقارن بحسب القيمة الفلسفية والأصالة الفكرية والمنهجية العلمية فقط، وإنما جاءت تلك الضدية بالأساس إنطلاقًا من رؤية أعتقد فيها وأعتنقها وهي أن “كارل ماركس” كان صوت سلب البورجوازية أي صوت الطبقة العاملة، وما يتبع هذا السلب من خصائص متباينة سحبت خلفها مقولات فلسفية عديدة ظهر بعضها في كتابات “ماركس” نفسه كالاغتراب والقيمة الزائدة والتفسير المادي للتاريخ ونظرية الثورة وفلسفتها ووظيفة الفلسفة ودورها في الحياة الإنسانية. والبعض الآخر في كتابات المفكرين الماركسيين الذي استكملوا مسيرة نقد الرأسمالية والدعوة لتجاوزها. وأن “فريدريك نيتشه” كان صوت الحرية الذي لا يقاوم، وصرخة التمرد التي لم يُمحى صداها حتى الآن، وصاحب النصيب الأوفر في الاستدعاء الفلسفي والاجتماعي اليوم.

من هنا تكمن أهمية هذا التناول الذي انشغل به الكتاب، وأعني التناول الذي وضع كل من “ماركس” و”نيتشه” في تضاد فلسفي جذري وعميق، ثم وضعت الدراسات الثقافية والتجارب العملية أبحاثهما ومقولاتهما في حيز الفعل والتنفيذ والاستعداء والتناول، بحيث أضحى كل تجاهل لإبداعهما وإنتاجهما الفلسفي خروج عن دائرة الأثر والتأثير.. ولذلك تُصبح هناك ضرورة لطرح قضية ما بعد الحداثة من منظور نقدي جذري، وليس من منظور نقدي جزئي فحسب، وأحسب أن العودة بالقضية/الإشكالية إلى جذورها الأولى، إلى “ماركس” و”نيتشه”، هو المدخل المناسب لمناقشة هكذا قضية.

ويتضمن الكتاب الفصول والأقسام التالية:

مقدمة

الفصل الأول: فلسفة جديدة لعالم متغير: التضاد الذاتي

أولاً: القرن التاسع عشر

ثانيًا: ماركس: سيرة حياة.. ومسيرة فكر

ثالثًا: نيتشه: حياته وأعماله

الفصل الثاني: المقولات: التضاد الموضوعي

أولاً: المقولات الماركسية

ثانيًا: المقولات الأساسية في فلسفة نيتشه

الفصل الثالث: الحداثة الثورية: التضاد الواقعي

أولاً: القرن العشرين: الإمبريالية والاشتراكية

ثانيًا: منظروا الحداثة الثورية

ثالثًا: الحداثة من الثورة إلى النقد

الفصل الرابع: نظريات الإمبريالية الثقافية: الهروب إلى الأمام

أولاً: ورقة التوت المعلقة في دولاب الملابس

ثانيًا: ما بعد الحداثة أو عولمة الثقافة

ثالثًا: بوفيه مفتوح وضيوف قليلة

الفصل الخامس: ماركس ضد نيتشه: التضاد الفلسفي

أولاً: التجاوز الفلسفي، صورتان لما بعد الحداثة

ثانيًا: لمحات من أوجه التشابه

ثالثًا: التضاد الفلسفي “1”: الوجود والمعرفة والفلسفة..

رابعًا: التضاد الفلسفي “2”: التاريخ والأخلاق والفكر السياسي

خامسًا: ما بعد الحداثة: البحث عن طريق

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب