خاص: إعداد- سماح عادل
“مارتن لويس أميس” روائي بريطاني عمل أستاذ في الكتابات الإبداعية في مركز للكتابة الجديدة في جامعة مانشستر حتى عام 2011. وصنفته جريدة “التايمز” البريطانية كواحد من أعظم خمسين كاتبا بريطانيا منذ 1945 وكان هذا التصنيف عام 2008.
حياته..
ولد في الخامس والعشرين من أغسطس 1949. في أكسفورد، إنجلترا. والده هو الروائي الإنجليزي الشهير السير “كينغسلي أميس”، ووالدته “هيلاري باردويل” ابنة موظف مدني بوزارة الزراعة، له أخ أكبر يُدعى “فيليب”، وتوفيت أخته الصغرى “سالي” في عام 2000. تزوج والداه في عام 1948 في أكسفورد، وانفصلا عندما كان “أميس” بعمر الثانية عشرة. درس في عدد من المدارس في خمسينات وستينات القرن الماضي، منها مدرسة كامبريدج الثانوية للبنين، ووصفه مدير المدرسة بأنه «غير واعد». وفي عام 1965 عندما كان بسن الخامسة عشرة لعب دور “جون ثورنتون” في النسخة السينمائية لرواية “ريتشارد هيوز هاي ويند إن جامايكا”.
الكتابة..
لم يكن “أميس” قد قرأ شيئاً سوى الكتب المصورة حتى قامت زوجة والده الروائية “إليزابيث جين هوارد” بتعريفه ب”جين أوستن” التي قال عنها “أميس” فيما بعدأنها أول شخص أثر عليه. تخرج “أميس” من كلية إكستر في جامعة أكسفورد مع مرتبة الشرف في اللغة الإنجليزية. عمل بعد تخرجه من جامعة أكسفورد في ملحق التايمز الأدبي، وفي سن السابعة والعشرين أصبح محررا أدبيا لمجلة “نيو ستيتسمان”، والتقى هناك ب”كريستوفر هيتشنز” الذي ظل صديقاً مقرباً له حتى وفاته في عام 2011.
لم يبدِ والد “أميس” أي اهتمام بأعمال ابنه المبكرة، وانتقد خروجه عن القواعد وتلاعبه بالقارئ ولفت الانتباه إلى نفسه بصورة مستمرة.
فازت روايته الأولى “أوراق راتشيل”1973 التي كتبها في منزل العائلة في شمال لندن بجائزة سومرست موم، وحولت الرواية إلى فيلم غير ناجح. تحكي الرواية قصة مراهق مغرور والذي يعترف أميس بأنه يمثل سيرته الذاتية، وعلاقته مع صديقة قبل ذهابه إلى الجامعة. كتب “أميس” بالإضافة لذلك سيناريو للفيلم “ساتورن “3، وهي التجربة التي اعتمد عليها فيما بعد في كتابة روايته الخامسة «المال».
أما رواية “ديد داديز” التي نشرت في عام 1975 فتحكي قصة حياة بعض الأصدقاء الذين يجتمعون في منزل ريفي لتعاطي المخدرات، وفي هذه الرواية بالتحديد تبدأ شخصية “أميس” الأدبية بالظهور لأول مرة: الفكاهة السوداء الهشة، هوسه بالتدخل في مجريات الأحداث، الشخصية المعرضة لسوء الحظ والإذلال السادي، وروح التحدي والجرأة. نشر “أميس” في عام 1981 رواية جديدة بعنوان «أشخاص آخرون: قصة غامضة»، تحكي هذه الرواية قصة امرأة شابة تفيق من غيبوبة. كانت هذه الرواية نقلة نوعية في أسلوب أميس الأدبي، فقد أظهر طريقة سردية جديدة ولغة شديدة الدقة في وصف البطلة وتفاصيل حياتها اليومية، بالإضافة لذلك كانت هذه أول رواية كتبها “أميس” بعد أن بدأ العمل ككاتب بدوام كامل.
العبثية..
ونشر “أميس” كروائي وكاتب سيناريو على مدار حياته 14 رواية ومذكرات مجموعتين من القصص وثماني مجموعات من الأعمال غير الخيالية على مدار حياته واستوحى كتاباته مما رأى حوله من العبثية المُستشرية في مرحلة ما بعد الحداثة والفظائع التي يعاني منها المجتمع الغربي الرأسمالي. لذا فقد وصفته جريدة نيويورك تايمز الأمريكية بأنه السيد الذي لا يُضاهى فيما سمته «السخط الجديد».
تأثر في كتاباته بروائيين آخرين أمثال “سول بيلو، وفلاديمير نابوكوف، وجيمس جويس” وترك فيه والده “كينجسلي أميس” أثرا. كما كان له تأثيره الهام على جيلٍ من الكُتاب بأسلوبه المميز، منهم “ويل سيلف” والكاتبة “زادي سميث”.
كتب عنه الروائي البريطاني “آدم ثيرلويل”: “الرواية الإنجليزية الهزلية هي طريقة مروعة للتعبير الأدبي: معطلة وغير كافية. لكن أميس كانت لديه بطريقة ما الموهبة والحدس لجعل الرواية الهزلية متماسكة فقد قاد الرواية الكوميدية الإنجليزية إلى أعلى الآفاق”.
من عام 1977 إلى عام 1980 عمل كمحرر أدبي لمجلة نيو ستيتسمان، وهي صحيفة اشتراكية أسبوعية وكتب روايتين أخريين، النجاح (1978) وأشخاص آخرين (1981) وفي عام 1984، ظهرت روايته كتابه المال الأكثر مبيعًا، ثم مجموعة من القصص القصيرة تحت عنوان “وحوش أينشتاين” عام 1987 والتي ركزت على التهديد النووي.
تناولت روايته “لندن فيلدز” الصادرة سنة 1990 مرة أخرى التهديدات النووية وموت الكوكب، وصف أحد النقاد الرواية بأنها “مؤثرة بشدة”، بعد ذلك، نشر “أميس” مجموعة صحفية أخرى بعنوان “زيارة السيدة نابوكوف” ورواية بعنوان “السهم الزمني” سنة 1992.
غيرة الكاتب..
في حوار معه لمجلة “باريس ريفيو” يقول “مارتن أميس” عن متى اعتبر نفسه كاتبًا: “لست مترددًا على الإطلاق في الحديث عن تأثير والدى “كينجلسى أميس” على توجهي إلى عالم الكتابة، لكن ما أود قوله أن الموهبة الأدبية لا تورث، عمل والدى ككاتب ساعدني فربما كان الأمر أكثر صعوبة بالنسبة له، لا أعرف كيف سأشعر إذا بدأ أحد أولادي الصغار في الكتابة، لكنني أعلم أنني أشعر بالاستياء بشكل عام من الكتاب الأصغر سنا”.
ويواصل عن شعوره بالاستياء من الكتاب الأصغر سنا: “لن تكون سعيدًا برؤية بعض المواهب المبهرة تظهر بجانبك. إن الاستياء من الكتاب الأصغر سناً أمر عالمي إلى حد ما بين الكتاب، وقد يكون أكثر إزعاجا، كما تعلم، عندما يكون الكاتب الأصغر سنا ابنك كما في حالتي أنا ووالدي، يبدو لي أنه من الطبيعي تماما أنني يجب أن أُعجب بعمل والدي وأنه كان ينبغي أن يكون مرتابا وأن يكون نصف مشارك فقط في عملي، قال لي والدي أنه عندما يضع كاتب في الخامسة والعشرين قلمه على الورق، فإنه يقول لكاتب الخمسين أن الأمر لم يعد كذلك، إنه هكذا. هناك نقطة أخرى فبكل تأكيد سيفقد الكاتب الأكبر سنًا في مرحلة ما الاتصال باللحظة المعاصرة على الرغم من أن بعض الكتاب يقومون بجهود رائعة للحفاظ على قدرتهم على التواصل مع اللحظة المعاصرة”.
وعن كيفية بداية رواية يقول: “من وجهة النظر الشائعة يتخيل الكاتب قائمة من الشخصيات وقائمة من الموضوعات، وإطار عمل لمخططه، ويحاول ربط العناصر الثلاثة، في الواقع، الأمر ليس كذلك أبدا، ما يحدث هو ما وصفه نابوكوف بالخفقان. خفقان أو بصيص، فعل تقدير من جانب الكاتب. في هذه المرحلة يعتقد الكاتب أن هناك شيء يمكن كتابة رواية عنه. في غياب هذا الاعتقاد لا أعرف ماذا سيفعل الكاتب. قد لا يروق لك شيء يتعلق بهذه الفكرة التي واتتك ككاتب البريق أو الخفقان بخلاف حقيقة أنها مصيرك، وأنها كتابك التالي، قد تصاب بالفزع أو الرهبة سرا أو تنفصل عن الفكرة، لكنها تتجاوزك لتعشش في رأسك. في المرحلة التالية تكون مطمئنا لأن هناك رواية أخرى ستكتبها، يمكن أن تكون الفكرة ضعيفة بشكل لا يصدق، لكنك تكتبها”.
ويكشف بشكل أكثر تفصيلا: “مع رواية Money أشهر رواياتى على سبيل المثال، كانت لدي فكرة عن رجل سمين كبير في نيويورك، يحاول صنع فيلم وكان هذا كل شيء. عندما وضعت البذرة نمت النبتة على الشكل الذي ظهر للناس، في بعض الأحيان يمكن أن تتوالى خيوط الرواية بشكل جميل في رأسك لكنها في النهاية رحلة تبدأ من أول سطر وحتى اكتشاف الحبكة، هناك طرق متوازية عليك أن تختار من بينها أثناء الكتابة لإدخال الأبطال فيها وعلى أساس الطرق التي تختارها تكون النهاية”.
الحبكة..
وعن أهمية الحبكة يقول: “الحبكة مهمة فقط في أفلام الإثارة. في الكتابة السائدة، ماهي؟ إنها مجرد خطاف يشد القارئ. طريقة تجعل يتساءل القارئ عن كيفية سير الأمور. في هذا الصدد، كانت رواية المال أو money أصعب بكثير من كتابة London Fields لأنها رواية بلا حبكة. هذا ما أسميه رواية صوتية، في رواية المال كان هناك صوت واحد فقط، في حين كان هناك في رواية “لندن فيلدز” أربعة أصوات. لم يكن البيض في سلة واحدة. كان في أربع سلال. كنت واثقًا تمامًا من أن الخطاف أو الحبكة “فكرة قيام امرأة بترتيب جريمة قتلها” ستثير الفضول، لذا فعلى الرغم من عدم حدوث الكثير في خمسمائة صفحة اهتم الناس بمعرفة كيف انتهي الأمر، إنها رواية تشويقية بهذه الطريقة”.
سيرة موجعة..
قبل حوالي 20 عاما، تلقى “آميس” رسالة “الوالد الخطأ” من صديقته السابقة قالت فيها إن والده ليس هو الروائي الشهير “كينغسلي آميس”، وإنما هو الشاعر “فيليب لاركن” الذي كان يعد من أفضل أصدقاء “كينغسلي آميس”. ومن قلب هذا اللغز نشأت رواية «القصة الداخلية» ذات السرد المعقد المتشابك، وهي آخر ما كتب الروائي “آميس”، وتقع في 523 صفحة، وتعد واحدة من أطول الروايات التي ألفها في حياته المهنية، والتي يصفها بنفسه بأنها ربما تكون آخر ما يؤلف من روايات.
تأتي هذه الرواية في صور سرد للسيرة الذاتية في إطار روائي، ضمن مزيج غير مستقر ولكنه جذاب للغاية من الواقع والخيال. ويعاود فيها “آميس” تذكر القصص التي كتبها من قبل في مذكراته الشخصية التي حملت عنوان «التجربة»، وجرى استمداد بعض المقاطع الروائية الأخرى من مقالات وخطب أخرى من تأليفه، وهو يعمل على استنساخ مقال كامل لمجلة «نيويوركر» بالنمط والأسلوب أنفسهما.
ويغلف لغز الرسالة الغامضة نوع من الاستياء الواضح. فالصديقة السابقة التي يطلق عليها الروائي “آميس” تسمية «فوبي فيلبس» يصفها بأنها «تمثل مزيجاً مثيراً للإزعاج ممن كان يعرف من النساء»، وأنها امرأة غير مستحقة للثقة بصورة صارخة. ومع ذلك، فإن ما تحمله الرسالة العجيبة من الالتباس بشأن نسبه يخدم غرضه الذاتي ضمن إطار مثير للاستغراب، لا سيما مع اقتراب القصة الحقيقية ذات الأفق القاتم للغاية من الظهور إلى العلن: وفاة ثلاثة من الكتاب المقربين المحببين إلى نفس الروائي “آميس”، وهم: الشاعر “لاركن”، والروائي “شاول بيلو”، ثم كاتب المقالات “كريستوفر هيتشنز”.
واصل “آميس” العمل على إتمام هذه الرواية طوال 20 عاماً كاملة. وكان قد استكمل نسخة واحدة منها، ثم أعلن أنها نسخة فاقدة للحياة بائسة للغاية. وفي رواية «القصة الداخلية» يحاول توصيف التحديق إلى البحر، وحالة البحث المحمومة عن الذات، ضمن بحث أكثر ضراوة عن مكامن الإلهام. وبالنسبة إلى أي مؤلف روائي، فهذا يعد من التجارب المريعة بصورة خاصة. أما بالنسبة إلى”آميس”، فقد كان الأمر بمثابة جولة من جولات التعذيب الذاتية الموجعة؛ لقد كانت اللحظة الخاصة التي ظل في انتظارها منذ زمن”.
وفاته..
توفى 19 مايو 2023.