23 ديسمبر، 2024 3:19 ص

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (8) .. تولستوي : أداة الكتابة هي لغة الشعب

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (8) .. تولستوي : أداة الكتابة هي لغة الشعب

كتبت – سماح عادل :

في هذه الحلقة من الملف سوف نتناول كتاب رائع.. كتاب يجمع آراء عدد من الروائيين والمبدعين في الكتابة الأدبية، كتاب (لعبة الأدب) ترجمة “فتحي خليل”، حيث عرض لآراء كتاب من بلدان مختلفة.

“وليم سارويان”..

“وليام سارويان”.. ولد في كاليفورنيا عام 1908، وتوفى في 1981.. وهو روائي وكاتب مسرحي أميركي من أصل أرمني.. كتب “وليم سارويان” رسالة إلى كاتب ناشئ، كان الكاتب الناشئ يبعث إليه بإنتاجه غير المنشور، والرسالة عبارة عن خبرة مركزة كان فيها “سارويان” صريحاً قاسياً.. يقول “سارويان”: “ثمة أمور أنت في حاجة إلى معرفتها عن النثر، إن حسنة النثر الأولى أن يكون واضحاً وسلساً، ينبغي أن يفهم القارئ قصدك بالتحديد، مهما كان قصدك معقداً، وإن كنت لا تعرف بالضبط ماذا تعني، وكثيراً ما يحس الكاتب بإحساس قوي ومع ذلك يجد صعوبة في التعبير عن هذا الإحساس بوضوح، وفي هذه الحالة عليك أن تقول للقارئ أنك لا تعرف بالتحديد معنى ما تريد قوله، وإلا عليك ألا تعبر عما لا يمكن التعبير عنه بنثر سهل”.

ويوضح في نصائح مباشرة: “طريقة توضيح شعور معقد هي التعرض له ببطء، وتناوله بسهولة، اترك جانباً كل الكلمات التي لا تعبر عن معناه، وإذا خلت منها القصة أصبحت أشد تأثيراً، انس إنك كاتب لم ينشر إنتاجه بعد، اعتبر أنك الكاتب الوحيد في العالم، ينبغي أن تؤمن أنك وحدك من بين كل كتاب العالم الذي تكتب قصة الأحياء، احرص على أن تنعم بهدوء داخلي، وأن تتأمل كل الأحياء بعين صافية، وأن تكون جزءاً من العالم، اقرأ مادتك بصوت عال بينما أنت تكتب، وسوف تستطيع أن تدرك متى تكون الجملة أو الفقرة نشازاً، واكتب بأسلوب لم يكتبه غيرك في العالم، الكاتب الحقيقي يقدر على ذلك ولكي يتم ذلك، اذهب إلى العالم نفسه وتترجم بأسلوبك الخاص ما تراه، وما تسمعه، وما تشمه، وما تتذوقه، ترجم الشئ، أو الفعل، أو الفكرة، أو الحالة بلغتك الخاصة، واعتمد على نفسك وثق بما تصنعه، يستحيل أن ينتابك الشعور بأنك مدين لأحد ثم تكون كاتباً عظيماً، وانس محاولاتك الأولى ولا تشغل نفسك بها، عليك أن تتصف بالاعتداد والقوة وأيضاً التواضع، وأن تكن قوي الملاحظة، لو منعك أو أوشك أن يمنعك شئ في العالم، حرب، مجاعة، وباء، أو جوع شخصي عن الكتابة فانس الكتابة، لأنه إذا وجد ما يمكنه أن يمنعك عن الكتابة فأنت لست كاتباً”.

“اليكسي تولستوي”..

الكونت “ليف نيكولايافيتش تولستوي”.. ولد في 1828، ومات 1910، من عمالقة الروائيين الروس.. يعد من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق.

تحت عنوان “نصائح إلى الأديب”، يورد الكتاب كلام ينسبه لتولستوي: “كل عمل فني هو وليد الحاجة والرغبة في خلق شئ، الفن خبرة الحياة الشخصية كما ترويها الصور والأحاسيس، إنه الخبرة الشخصية التي تحاول أن تصل إلى التعميم، والأديب يعلم من التجربة أن الكتابة عملية يسيطر فيها على مادته، ومن خلال ذلك يسيطر على نفسه، وتجربة الكتابة يواجهها دائماً عقبات يجب حلها، لا يوجد أديب يفيض قلمه بسهولة، إن الكتابة صعبة وكلما كانت صعبة كلما جاءت نتائجها طيبة، يجب عليك أن تختار الحل الذي يعجبك أنت، الحل الذي يضايقك لا تقربه وإذا جربته فإن النتيجة ستكون زائفة، إذا كتبت وأنت في حالة ضيق أو بدون حماسة فإنك تسير في الطريق الخطأ، يجب أن تحلق وتطير، الفن هو عملية خلق في الوقت الذي يرغب الفنان نفسه أن يخلق، ليس الفنان بحاجة إلى الكم في التجربة، الفن يسعى إلى الحقيقة النمطية، تلتقي بشخص ما تجاذبه أطراف الحديث تحس أنك قادر على استخدامه كنمط، أن تخلق منه نمطاً لهذه الفترة أو المرحلة، وقد تسأل عن الأساس الذي يجعلني أقرر أن هذا الشخص يمكن أن يكون مادة لخلق نمط من أنماط المرحلة، الإجابة بشرف أنني لا أعلم، كن شجاعاً وواثقاً من نفسك، سوف تشعر من خلال ملاحظاتك وأحاسيسك أنك تخلق النمط المطلوب، ولكن يجب أن تكون صادقاً لا تشوهه أو تزيفه في خلقك له”.

ويحكي “تولستوي”، عن طريق الكتابة لديه، قائلاً: “كنت في الخامسة عشرة حين بدأت أكتب شعراً، كانت قصائد رديئة، وفي ثورة 1905 كتبت قصائد ثورية ولم تكن لها قيمة أيضاً، لم أكن قد فكرت في أن تكون الكتابة حرفتي، ولكنني كنت مشدوداً إلى الإبداع الفني، كنت أحول المشاعر والذكريات والأفكار إلى كلمات، وذات صيف سمعت شاعراً يقرأ ترجمة أعماله من الفرنسية، تأثرت بحيوية الصور ونبضها، أحسست أني أريد تقليد ما سمعته، لقد بدأت بالتقليد، أصبح نصب عيني نموذج، طريق تتجه نحوه قوة الإبداع لدي، لم يكن ذلك طريقي بل طريق شخص آخر، قضيت ستة أشهر أعمل تحت هذا التأثير ثم وجدت نغمتي الخاصة، قصصاً عن أمي وأهلي تحكي حياة الأعيان الذين أفلسوا، عالم من الغرائب له ألوانه الخاصة وغموضه في 1909، و1910 قبل الحرب حين كانت روسيا بتأثير نمو رأسمالي تتحول إلى شبه دولة استعمارية، كان هؤلاء الأعيان يمثلون أنماطاً لمرحلة العبودية الذاهبة، كان هذا اكتشافاً فنياً وبتأثيره كتبت كتابي الأول وكتب النقاد عني واعتبرت نفسي أديباً، ولكن كانت تنقصني المعرفة الحقيقية باللغة الروسية والأدب والفلسفة والتاريخ، ولم أكن أعرف حتى قدراتي ولا أعرف كيف ألاحظ  وأتعرف على الحياة”.

يواصل “تولستوي”: “بعد كتابي الأول حاولت أن أعثر على نغمة وعلى أسلوب، حاولت أن ألاحظ الحياة لكني كنت مفتقراً إلى التجربة، وإلى عدة ملاحظة الحياة بطريقة مثمرة، كانت النتيجة مجموعة من القصص الضعيفة، وعدت إلى كتابة ما يعتمد على الذكريات، واندلعت الحرب، انقلب عالمي رأساً على عقب، كانت هذه البداية الحقيقية بالنسبة لي، من تلك الفترة بدأت أتعلم أصبحت وسط الأحداث الكثيفة، قررت أن اتخذ الأداة وهي لغة الشعب، هذا قانون للأديب أن يبدع أعمالاً عن طريق الرؤية الداخلية للأعمال التي يصفها، وبالطبع عليه أن يطور في نفسه هذه القدرة على الرؤية، والطريق إلى ذلك هو ملاحظة الحياة من حولك، بالاختلاط بالناس، بالتفكير، بالقراءة والفهم، وأهم من ذلك بالمشاركة في بناء الحياة نفسها، على الأديب أن ينمي في نفسه الاعتياد على الملاحظة وألا يتوقف عن ممارستها، عليه أن يخمن الماضي والحاضر لرجل من حركة له من عبارة”.

“سومرست موم”..

“وليام سومرست موم”.. ولد في 1874، وتوفى في 1965، وهو روائي وكاتب مسرحي إنكليزي، كان من أشهر كتاب بداية القرن العشرين، وكان من أكثر الكتاب ربحاً في الثلاثينيات، اشتهر بكثرة كتاباته التي تنوعت ما بين “روايات مسرحية وقصص وكتب سياسية”، امتاز بأنه كاتب واقعي يستمد قصصه من الحياة ومن ملاحظته للناس.

يقول “موم”: “الكتابة نفسها كانت عملية طبيعية بالنسبة لي كعملية التنفس، لم اكتشف إلا بعد سنوات أن الكتابة فن جميل يحتاج إلى جهد شاق ليصل به الكاتب إلى درجة الإتقان، كنت أكتب الحوار بسلاسة، ولكن حين كنت أواجه ضرورة إنشاء صفحة وصف كاملة كنت أجد نفسي متخبطاُ، وكنت أجهد نفسي ساعتين أو ثلاث في كتابة جملتين، عندئذ قررت أن أعلم نفسي كيف أكتب، كان القراء في ذلك الحين يعجبون بالأسلوب المنمق، وثروة البناء الفني تعتمد على الجمل العسيرة ذات التشبيهات الغريبة، رحت أقرأ كتب الأدب، وأدون الكلمات المنمقة، ولكني أدركت أن هذا الأسلوب لا قيمة له وأنه يخفي تحت المظهر المزخرف شخصية ضعيفة مرهقة، وحتى هذه الفترة لم يخطر ببالي أن أسلوب القرن الثامن عشر لم يعد طبيعياً في عصرنا، قررت إذاً أن اكتب بدون تزوييق، بأسلوب سهل بسيط وكان كل همي تسجيل الحقائق”.

ويفصل: “خرجت من تجاربي الأولى وقد قررت أن أتجنب النعوت ووصف الأفعال والأشياء، اعتقدت أن الكلمة المحددة الموفقة تغني الكاتب عن وصفها، وبعين الخيال تصورت كتبي في المستقبل أشبه بالبرقيات، وكتبت فعلاً كتاباً على هذا النحو، ومحاولاتي لتحسين أسلوبي لم تتوقف، إنني لا أطيق هؤلاء الكتاب الذين يطالبون القارئ ببذل الجهد في فهم معاني كتابتهم، والكاتب الذي يكتب بغموض، هناك قانون يحكم ميزات الأسلوب، هو الذي تبدو فيه الكتابة كأنها متعة للكاتب نفسه، على الكاتب أن يكتب باللغة السائدة في عصره لأن اللغة كائن حي دائم التطور والتغير”.

“تشيخوف”..

هو “أنطون بافلوفيتش تشيخوف”.. ولد في 1860، وتوفى في1904.. وهو طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي كبير، ينظر إليه على أنه من أفضل كتاب القصص القصيرة على مدى التاريخ، ومن كبار الأدباء الروس، كتب المئات من القصص القصيرة، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين.

اهتم “تشيخوف” بتقديم النصيحة للكتاب الشبان الذين نشؤوا في ظروف اجتماعية شاقة، وعانوا معركة تحصيل الثقافة والقوت، لأنه كان على وعي دائم بقسوة المجتمع الطبقي الذي عاش فيه، فقد عاني طوال حياته من ظروف اجتماعية وعائلية قاسية، وكان يعلم أن الموهبة الفنية وتنميتها وديمومتها لدى الكتاب النابغين من الفقراء تقتضي جهداً مضاعفاً، كان جد “تشيخوف” من رقيق الأرض وكانت معجزة أن يصبح حفيده طبيباً ثم أديباً عالمياً، كانت تحصيل الثقافة ومعرفة الحياة والمحافظة على الإبداع وصقل الخلق الشخصي للكاتب هي مسألة الموهبة في نظر “تشيخوف”، وهي معركة يومية لا تنتهي إلا بالموت بالنسبة لأبناء الطبقات الشعبية.. في رسالة إلى صديقه “سوفورين”، يقول “تشيخوف”: “على كتاب القاع أن يحصلوا في شبابهم ما حصله الكتاب الارستقراطيين في طفولتهم”، الموهبة لدى “تشيخوف” معركة بين الكاتب وبين التخلف، سواء داخل نفسه أو في الوسط الذي يعيش فيه، وهي معركة ينبغي أن تكون جماعية، وأن يكون الكاتب مخلصاً غاية الإخلاص مع نفسه وهو يبدع، أن يكون على علاقة وطيدة مع أعماقه لأن أجمل ما في الفن الإخلاص والبساطة، والموهبة هي الشجاعة لأن الجبن لا ينتج فناً بل مرضاً يلبس مسوح الفن.. الكاتب لدى “تشيخوف” إنسان متحضر مهذب يكره الكذب كما يكره الطاعون، لا يتكلف في سلوكه ويجب أن يتجنب الأضواء ويفضل أن يكون بين الجمهور في الظل، ويكون معتز بموهبته واع بأنه مطالب أن يؤثر في الناس ويعلمهم، دائب على صقل أحاسيسه الجمالية، وعلى التسامي بغرائزه، كما لابد أن تضم الموهبة بين عناصرها الإحساس بالالتزام نحو الشعب، ونحو قضية الثقافة في وطنه، يقول “تشيخوف”: “على الكاتب أن ينمي في نفسه ملكة الملاحظة بلا كلل”.

“مكسيم غوركي”..

كاتب روسي شهير.. من أحد أعلام “الواقعية الاشتراكية”، عاش ما بين (1868 – 1936).. جذبه المشردون وكتب عنهم عشرات القصص قبل أن يكتشف الطبقة العاملة.. يقول “غوركي” في مقدمة كتاب روسي عن تاريخ الأدب الأجنبي: “إنني أدين للكتب بكل ما هو طيب في نفسي، حتى في صباي أدركت أن الفن أغزر سخاءاً وكرماً من الناس، إن وجودنا كان على مر الزمان وفي كل مكان وجوداً تراجيدياً، ولكن الإنسان قد حول هذه المآسي التي لا تحصى إلى أعمال فنية، إننا نعيش في عالم يستحيل فيه أن نفهم الإنسان دون أن نقرأ كتباً كتبها عنه رجال العلم ورجال الأدب”.

الأدب عند “غوركي” عملية تجميل للحياة، سواء بالنسبة للكاتب أو للجمهور، تدفع هذه العملية إلى احتمال الحياة والبحث عن وسائل تغيرها لتصبح أجمل، لتقترب بإرادة الإنسان من خيال الفنان.. الأدب هو محاولة لدفع الحقيقية إلى وصف الخيال عن طريق تجسيمه في عمل فني.

“ارنست فيشر”..

أديب وناقد نمساوي.. ولد 1899، درس الفلسفة، ثم اشتغل عاملاً ثم صحافياً، كتب الشعر وتوالت مسرحياته.. من أهم مؤلفاته كتاب “ضرورة الفن”، وهو كتاب أثار جدلاً عنيفاً في أوروبا.

يرى “فيشر”، في كتابه، أن الفن بديل للحياة، وأنه وسيلة الإنسان إلى التوافق بينه وبين العالم المحيط به، ويتساءل: “لماذا يحقق الإنسان ذاته بالإصغاء إلى قطعة موسيقية أو بتتبع شخصيات رواية و مسرحية أو فيلم ؟، لماذا ننفعل بهذا اللاواقع كما لو كان هو الواقع الأكثر غنى، من الواضح أن الإنسان يريد أن يكون أكثر من نفسه يريد أن يكون الإنسان الكلي، إنه غير راض عن وجوده كفرد منفصل، إنه يكافح ليصل إلى كمال يحسه وتطلبه نفسه المفردة، إنه يسعى نحو حياة مفعمة وعالم أكثر معقولية وعدلاً، عالم له معنى، إنه يريد أن يوحد بين ذاته المحدودة القاصرة وبين وجود الجماعة، لكي تصبح شخصيته المفردة اجتماعية”.

ويعتقد “فيشر” أن “الفن الوسيلة الضرورية لاندماج الفرد في الكل، ويتضمن الفن وظيفة أخرى هي الانفصال عن موضوع الفن، عن بطل الرواية، وبذلك يتمتع الإنسان بالحرية التي يحرمه منها واقع الحياة اليومية، إذاً وظيفة الفن مزدوجة، فهو يدمج الفرد في الواقع ويمنحه القدرة على التحكم فيه معاً، نفس هذه الوظيفة المزدوجة للكاتب، فعمل الكاتب على درجة عالية من الوعي، يتحكم ويسيطر على التجربة من خلال إدراكه لصنعته وقواعدها وأصولها، الكتابة لابد أن تكون نتاج تجربة واقعية غنية، يجب أن يكون العمل الأدبي بناءاً مشيداً، للأدب وظيفة اجتماعية تختلف من عصر إلى آخر، ولكن تظل له قوة الدوام والتأثير لأنه يتضمن ذلك الجوهر البشري الذي يتخطى حدود الزمان والمكان”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة