7 أبريل، 2024 9:57 م
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (5) .. حنا مينة : الرواية المٌعربة أصبحت عربية خالصة

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتبت – سماح عادل :

في هذه الحلقة من الملف سوف نعرض لرأي روائي عربي كبير، استطاع بإنتاجه الأدبي الذي زاد عن الثلاثين رواية، أن يحفر لنفسه مكانة متميزة في تاريخ الرواية العربية، الروائي السوري “حنا مينة”.. الذي ترك الحياة بعد أن ناهز التسعين عاماً في عام 2015، فقد ولد في 9 آذار/مارس عام 1924 في “اللاذقية”.. وقد صدر له كتاب تحدث فيه عن الرواية بعنوان “الرواية والروائي”.

غاية كتابة الرواية..

في مطلع كتابه “الرواية والروائي”، يقول حنا مينة: “لم أكن أتصور حتى في الأربعين من عمري أنني سأصبح كاتباً معروفاً،.. الرواية الأولى كانت “المصابيح الزرقاء” لكنني لم أفكر بشرارتها، وهل أنا نيرودا حتى تطلق قصائدي شرارات.. إنني “بابا نوئيل” أوزع الرؤى على الناس كي أفتح عيونهم على الواقع البائس، واحسب أني ناجح إلى حد ما، لأن كلماتي، التي أكلت عيوني على مدى نصف قرن، لم تكن مجانية، لقد حرصت دائماً على شيئين: “الإيقاع والتشويق”.. وكتبت لغايتين: “توفير المتعة والمعرفة للقراء”، وهذا سر نجاحي الكبير فلا أبوح به إلا للنشر.. كانت غايتي من كتابة الرواية تصوير قطاع عريض من البيئة المحلية التي عشتها، وكان هذا النوع من العمل الروائي يعتمد الحدث كما في “المصابيح الزرقاء” وذلك لأن الأحداث التي عرفتها وعانيتها كانت كثيرة، وكانت الرواية كآداة استيعابية بالنسبة لي، إضافة إلى النفس الطويل في القص، الذي استشعرت قدرتي عليه، وتنوعت رواياتي بين الحدث، والموقف، والرؤية لكنها ظلت في جميع أشكالها وأساليب تعبيرها تستند إلى البيئة المحلية الشعبية والجماهيرية”.

الشخصيات..

عن شخصيات رواياته يقول: “في أعمالي الأدبية أكثر من 30 رواية حتى الآن، بها شخصيات كثيرة جداً، هناك عالم متكامل من مخلوقات متباينة على أرضية واقعية تمتزج معها الرومانتيكية وتتبلور في تصرفاتها والأقوال، فقد كلفت صديقاً بأن يجمع لي أسماء شخصيات رواياتي قبل أن أبدأ كتابة رواية “والنجوم تحاكم القمر”، وقد كانت رواياتي وقتها 20 رواية، فقام بالمهمة حتى عجز عنها، قال لي: هناك أكثر من 560 شخصية في عشر روايات فقط، فكم يكون العدد في الروايات العشر الأخرى، إنني وأنا أقرأ الرواية تستهويني الأحداث فأنسى إحصاء الشخصيات، ويكون على أن أعود من جديد، وهذا ما لا أستطيعه، ضحكت وقلت: أنا تلميذ بالنسبة لأستاذي نجيب محفوظ، فكيف لو كلفك هو بما كلفتك أنا به ؟”

ويواصل: “كيف أحصي الشخصيات التي لم أكتبها بعد، والتي لا تزال حبيسة في طاسة رأسي، تدق على صدغي  طالبة الخروج إلى النور، أحيلكم في الجواب إلى روايتي “النجوم تحاكم القمر” و”القمر في المحاق” ففيها متحف مخلوقات.. عرفتم الآن لماذا أنا معذب ؟.. ولماذا أفكر باعتزال الكتابة ؟.. إنها ملهاة إنسانية كاملة، وإنها لسخرية أن تحاكم الشخصيات الروائية مبدعها الروائي، بكل ما تعنيه المحاكمة، ذلك أننا بعبارة واحدة محكومون جميعاً بالإعدام مع وقف التنفيذ، حتى نواصل حياة الأديب العربي، التي هي مع التخفيف والرحمة حياة تعاسة دراماتيكية بامتياز”.

وعن حبه لشخصيات رواياته يقول: “أحب أكثر شخصياتي.. إنها منقوشة في الذاكرة، ليتها لم تكن كذلك، وليتني أصاب بفقدان الذاكرة حتى أنساها مرة واحدة وإلى الأبد، تعرفون لماذا ؟.. لأننا أنا وأنتم مصيرنا إلى الجلجلة، وعندئذ نصلب فنموت، وننزل صليبنا الذي نحمله منذ أمسكنا القلم، إن الكاتب الذي يرى ما لا يراه الآخرون، يعرف أن كل إنسان يحمل صليبه في هذه الحياة، مع الفارق في حجم الصليب وثقله، نحن الأدباء الفقراء، وكذلك أبناء الشعب الذين مثلنا، نحمل صليب الركض وراء لقمة العيش، الإبداع رسالتنا إلى العالم، به وحده نجابه التحديات الثقافية في الجوار وفي العالم، لكن الإبداع نبتة تحتاج إلى الشمس وهذه اسمها الحرية الفكرية”.

قلق الكتابة..

عن حالته أثناء الكتابة يقول حنا مينا: “إني إنسان قلق.. ويلاحظ النقاد والقراء قلقي هذا، وقد تطور هذا القلق وصار وسواساً قهرياً، وما كنت لأعيش، وأكتب، وأبلغ هذا العمر لولا إنني، استناداً إلى الإرادة، ألوي شكيمة الوسواس، منتصراً عليه في كل نزال بيننا، فالامتلاء الذي يستشعره الفنان قبل الإفراغ يعود إلى ضغط مخزون التجارب عليه، والضغط يسبب إرهاقاً عصبياً عند المبدعين الكبار وحدهم، لا عند كل من أمسك قلماً وخط حرفاً، وهذا المخزون من التجارب يبهظ النفس، مولداً فيها شعوراً بالرغبة في أن يتخفف المبدع مما يعانيه، إنه يفكك عالماً قائماً متعارفاً عليه ويبني عالماً جديداً، وفق تصوراته وأحلامه غير المعروفة من أحد إلا هو، المبدع الحق يعيش هذه الأحلام دائماً، ويمارس نوعاً من التصعيد، طارحاً بديلاً لما هو كائن، يتمثل بما يريد أن يكون”.

ويضيف: “ومنذ أن تتجمع ذرات الصورة الواقعية، عبر التجربة المأخوذة بوطأة معاناتها داخل المبدع، يحس بضغطها على نفسه المرهفة، إلا أنه يتحمل، يكابر يصبر، حتى تتبدى هذه الصورة المتخيلة أكثر، حتى تتشكل بما هو أجلي، وتتبلور في الذات بحدث ما، ناتج عن التجربة ذات المعاناة الشديدة، ويتضح هذا الحدث وتكتمل معالمه، يتضح ما يريد أن يقوله من خلاله، فيتم الحمل ثم الوضع ثم الندم أحياناً، لأن رسم الحدث، والسياق، والشخصيات لم يكن على النحو الذي يرغبه صاحبه، وفي هذا قلق يحرك الطموح نحو الأفضل دائماً”.

واقعية الحدث الروائي..

يؤكد مينا على أن “الحدث الواقعي بالضرورة لا تشفع له واقعتيه، إذا لم ينعكس انعكاساً فنياً، ويصاغ بعد ذلك صياغة فنية، ويقدم دليلاً جديداً مع كل عطاء جديد على أن واقعيته قد أضافت قيمة إبداعية، أثبتت أن الواقعية الخلاقة تشكل مدرسة إبداعية، هي الأساس لكل المدارس الأدبية لأنها تستوعبها كلها، لأن انعكاس الواقع لا يكون انعكاساً ميكانيكاً جاهزاً، وإلا جاء في إفراغه على الورق مسطحاً، فوتغرافياً، مزيفاً، ودخل في باب الواقعية غير الفنية، التقريرية العجفاء والخائبة، وهذا هو السبب في أن بعض الكتاب الواقعيين، في الخمسينيات من القرن العشرين، قد أساءوا إلى الواقعية، بما أنتجوا من أدب أجوف، يفتقر إلى الحياة ونبضها، وإلى نضوج الفكرة في الذات الإبداعية، وإلى الابتكار الذي يجعل من الفكرة العادية فكرة فنية بامتياز”.

ويضيف: “الحدث الروائي يكون واقعة معاشة، أو مسموعة، أو حتى متخيلة مما يقاربها، لابد أن يكون الكاتب على معرفة بالبيئة التي وقع فيها الحدث الروائي، ومعرفة بالشخصية الروائية، فالمسألة في نجاح الحدث إبداعياً تتوقف على طريقة معالجتها، إنني بعد كتابة ثلاثاً وثلاثين رواية نأيت بنفسي قدر المستطاع عن الأحداث العادية، وإننا نخسر كثيراً من قيمة الحدث، مهما يكن جديداً ومتفرداً، إذا لم نحسن انتقاء أبطاله وأسماءهم، وهذا مهم من وجهة نظر مدى ارتباط الأسماء بالبيئة، فلكل حدث أبطال يناسبونه، ولكل بطل اسم يناسبه، والمسألة مرهفة في انتقائيتها”.

صعوبة البداية والنهاية..

أصعب ما في كتابة الرواية البداية والنهاية، رغم الحدث المتكون في الواقع، والذي يمكن أن نضع له مخططاً أولياً، قابلاً للتبديل والتعديل في السياق والشخصيات، ورغم أن هذا الحدث، واقعياً كان أم متخيلاً، انعكس في تخييله في الذات انعكاساً خلاقاً، فصار جزءاً منها، بعد معايشة أو رؤية كابد الروائي من جرائهما، وعانى معاناة شديدة.. إن البداية بالنسبة لي صعبة جداً، وقد تكفي زمناً طويلاً من التفكير، وهذا يحدث لي مع كل رواية، فلكي تكون الرواية ناجحة يتوافر فيها عنصر الإيقاع والتشويق فلابد من مدخل جيد، يخدم كل هذه الأغراض، وحتى مع وضع مخطط للرواية، كما هي عادتي، تبقى قضية شائكة.. كيف أبدأ ؟.. ومن أين ؟.. وما هي المقدمة التي تشد القارئ ؟.. هنا عقدة لا ينبغي أن نقلل من أثرها وخطرها على مجمل البناء المعماري للرواية، وقد يأتي حل هذه العقدة بومضة ذهنية بارقة، وعندئذ يبدأ النسج الروائي، وقد لا تأتي هذه الومضة خلال أسبوع أو شهر، ويكون علينا أن نبحث دون كلل ألا نقبل هذا الحل أو ذاك، فالتعب في العثور على إبرة المقدمة في كومة من العشب يستحق عناءه، وكثيراً ما يصدف أن أقضي أسابيع في البحث عن هذه الإبرة الضائعة”.

وعن الخاتمة أيضاً يقول: “وكذلك نعاني في العثور على الخاتمة.. ذلك أن المقدمة تفرش على المهاد العديد من الصور، وتمد العديد من الخيوط، لابد من جهد هندسي نعرف معه أن جزء الصورة في الصفحة العشرين مثلاً ينضاف إلى جزء آخر في الصفحة السبعين أو المئة، ثم تنضاف إليهما الأجزاء الأخرى على مدى السياق، وهذا ينطبق سردياً على المشاهد الموصوفة للطبيعة، وعلى تكامل الشخصيات، وتطاول السياق نمواً، وتكمن الصعوبة في الخاتمة في جمع الخيوط التي بعثرتها المقدمة، وعلى اكتمال القول الذي نريد قوله في الرواية، بدلالة الحدث لا بالتعسف، والإسقاط، والافتعال، فالقارئ مأخوذ إلى جو العمل، مروضاً على متابعته إلى النهاية، التي يحسن أن تأتي مفاجئة حسب اللعبة الفنية الذكية، التي لا تدعه يكتشف النهاية من البداية أو ما يليها، لأنه عندئذ يبدأ بالفتور”.

تاريخ الرواية العربية..

عن تاريخ الرواية عربياً، يقول حنا مينا: “الرواية هي عطاء عصر النهضة.. بما كان لعصر النهضة من انفتاح على الغرب والترجمة لأدبه، وقد بدأنا في الوطن العربي الأخذ بالرواية تعريباً، لكن طلوع البرجوازية تطلب آداته التعبيرية، فكانت الرواية، وتعثرت ولادة الرواية بصفتها ملحمة البرجوازية مع تعثر هذه البرجوازية، وقصور مشروعها الأيديولوجي، وكان علينا بعد ثورة 1919 المخفقة أن نشتغل على الرواية، في محاولات تجريبية ظلت قائمة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، في بعض أقطار الوطن العربي، مع “توفيق الحكيم وطه حسين” بدأت الرواية العربية بزوغاً خجولاً، ثم مع “نجيب محفوظ ويحيى حقي” كان تأسيسها الذي تطلب هويتها العربية، بجهد تراكم فيه الكم متحولاً إلى نوع، ومنذ منتصف الأربعينيات حققت الرواية العربية، بجهد “محفوظ” خاصة، والروائيين عامة، حضورها الدائم الفاعل، وفازت بهويتها نهائياً مع ثلاثية “قصر الشوق”، ثم دشنت مع روايات “سهيل إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي، وفتحي غانم، وغائب طعمة فرمان، وحنا مينا” وغيرهم، عهداً واقعياً جديداً، كان خلفاً للعهد الرومانسي، الذي كان أبرز ممثليه “محمد عبد الحليم عبد الله وشكيب الجابري” وغيرهم”.

ويواصل: “في المرحلة التالية، وعلى المهاد الواقعي نفسه، وبعد أن ترسخت الرواية كجنس أدبي معترف به، حدثت نقلة نحو الابتكار في الشكل، والجرأة في الطرح، فكانت روايات “إبراهيم أصلان، الطيب صالح، عبد الرحمن منيف، إميل حبيبي، جبرا ابراهيم جبرا”، وغيرهم، ثم الجيل التالي “جمال الغيطاني، يوسف القعيد، صنع الله ابراهيم، إميل نصر الله، غادة السمان، حيدر حيدر، هاني الراهب” وغيرهم، فالرواية التي أخذنا جنسها الأدبي عن الغرب أصلاً قد أصبحت شكلاً ومضموناً عربية خالصة، استحقت اعتراف العالم الذي شرع بترجمتها على نطاق يزداد اتساعاً”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب