14 نوفمبر، 2024 9:01 ص
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (4) .. كولن ولسون : الرواية رحلة “أفيونية” موجهة

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (4) .. كولن ولسون : الرواية رحلة “أفيونية” موجهة

كتبت – سماح عادل :

“كولن ولسون” كاتب انكليزي، تنوع إبداعه ما بين الرواية والفلسفة، وكتب في علم النفس الإجرامي، والوجودية والتصوف، أشهر كتبه “اللا منتمي” الذي أصدره على أجزاء، وفي كتابه “فن الرواية”، ترجمة “محمد درويش”، اهتم بعمل رصد للرواية منذ نشأتها وحتى أواسط القرن العشرين، وقدم تحليلاً نقدياً لمعظم كتاب الرواية.. وما يعنينا هنا هو رأيه في الرواية بشكل عام، وكيفية كتابتها.

الرواية مرآة متسعة الزاوية..

يرى “ولسون” في كتابه أن “الإبداع ليس سراً مقدساً، إنه موهبة حل المشكلات، فالفن مرآة يرى فيها المرء وجهه هو، لسبب مهم أنه حتى وقت رؤيته لوجهه لا يعرف من هو، والرواية هي محاولة الكاتب لإحداث صورة ذاتية واضحة لنفسه، وما وصف الواقع وقول الحقيقة إلا أهدافاً ثانوية، أما هدفه الحقيقي هو أن يفهم نفسه ويدرك غرضه، وبهذا يكون قد مكن القارئ من فهم نفسه وإدراك غرضه الخاص به، الحقيقة لا يمكن تحقيقها في النهاية إلا بواسطة تعرف أكثر وضوحاً للصورة الذاتية، هدف الفن ليس رفع مرآة أمام الطبيعة بل أمام وجهك، ليس وجهك اليومي بل الوجه الكائن وراء وجهك أي وجهك النهائي”.

ويؤكد: “هدف الروائي أن يكون مرآة متسعة الزاوية، هدفها ليس ببساطة إظهار العالم بصدق أكبر بل جعل القارئ واعياً بتجربته، إن الحرية حق لكل البشر، بيد أن المتاهة الموجودة في أعماق كل واحد منا مختلفة، وهدف الروائي هو الوصول إلى الحرية الموجودة في الطرف الثاني من متاهته الخاصة”.

الرواية أفيون موجه التأثير..

يعتقد ولسون أن “منذ البداية ارتبط الهدف الأساسي من الرواية بالإحساس بالحرية، كما أصبحت مشكلة الحرية أحد موضوعاتها الرئيسة، كانت تأثيرات التجارب الفكرية بشأن الحرية في الرواية تشابه تأثيرات “الأفيون”، لأن “الأفيون” يعطي الشعور بالتحليق والحرية، وعندما ندفن أنفسنا في إحدى الروايات لابد من الشعور بالاسترخاء من التوتر والقلق، وبداية نوع خاص من المتعة الهادئة، غير أن الرواية حققت تأثيرها من خلال ما يشبه توسيع مدى الرؤية، حيث أن وعينا ضيق مثل آلة تصوير ذات عدسة حادة الرؤية، تلتقط صوراً مقربة ومداها محدود، والرواية تقوم بإدخال عدسة متسعة الزاوية إلى الدماغ، وبالتالي كانت الرواية رحلة “أفيونية” موجهة وكانت وسيلة لتقديم وعي متسع الزاوية”.

أحلام اليقظة والتجربة الفكرية..

عن الكاتب أثناء صنعه لروايته يقول: “السر في إبداع وقائع بديلة هي صورة الذات، هذا لا يعني أن هدف الروائي إيجاد صورة ذاتية تعبر عن سيرة حياته، فهذا ليس أمراً مهماً، إن الهدف الحقيقي إسقاط صورة ما يريد أن يكونه، وأحياناً ما يريده يكون غائم تماماً، يمكن اعتبار الرواية طريقة لاكتشاف قوانين العقل البشري من خلال التجربة الفكرية”.

ويضيف: “إن البشر على ما يبدو الحيوانات الوحيدة التي تستغرق في أحلام اليقظة، الأحلام كافة تعطينا نوعاً من الحرية، إذ أن تجربتنا الإنسانية هي الشعور بالحدود، حيث تقيدنا عشرات الحبال الرفيعة، غرائزنا والتوق إلى الأمان… الخ، إن كل أحلام اليقظة والتجارب الفكرية تقدم نوعاً من الحرية الفكرية، حتى لو كانت عبارة عن قتل شخص نكرهه، ذلك التأثير هو الخلاص من القمع، وكل الكتاب الجيدين يقومون في البداية بتجسيد وجهة نظرهم بالحياة في أعمالهم، ويعيشون تجاربهم الفكرية في شخصياتهم، لهذه التجارب الفكرية شيئاً من القيمة الموضوعية التي تمتلكها التجارب العلمية الحقيقية في المختبرات”.

وعن أهمية الرواية تاريخياً يقول: “إن الرواية لم يبلغ عمرها سوى قرنين ونصف، ولكنها غيرت من ضمير العالم المتمدن، تأثير الرواية كان أعظم من تأثير “داروين” و”فرويد” و”ماركس” الثلاثة مجتمعين، لأن أعظم انجازات الرواية هو تحرير الإنسان من نفسه، وفتح إمكانيات جديدة للارتقاء، فنشوء الرواية ارتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية الحرية الإنسانية”.

الخيال..

عن بداية الكتابة يقول: “عندما يجلس كاتب شاب أمام الأوراق فإن السؤال الذي يواجهه ليس.. ماذا أكتب ؟”، بل “من أنا ؟.. ماذا أبغي أن أكون ؟”، وهدفه من الكتابة يكون مرتبط بإحساسه بذاته، وإذا كانت صورته الذاتية مشوهة، سيكون عاجزاً عن إحداث أي شئ عظيم”.

وعن الخيال يقول: “إن الروايات تستطيع أن تزودنا بتجربة بديلة، بل تزودنا في الواقع بتجربة أوسع من تلك التي يمكن أن تحدث في الواقع، الرواية تتطلب من القارئ مشاركة أعمق مشاعره، والخيال يمنح الرضا الداخلي الذي تمنحه التجربة الحقيقية”.

الفشل والشهرة..

الفشل بالنسبة لولسون: “أن الروايات الفاشلة هي تجارب فكرية أخفقت في الظهور بشكل صحيح، مثل عملية حسابية لم تأت بنتيجة صحيحة أو كتجربة في المختبر ارتكب صانعها خطأ جسيماً، فالهدف من جميع هذه التجارب الفكرية الإحساس الصحيح بالواقع، بل وإدراك التعقيد الهائل والمثير للعالم، أنه معرفة الحرية البشرية”.

وعن الروائيين الشعبيين يقول: “إن أسماء معظم الكتب الأكثر رواجاً في أوائل القرن العشرين أصبحت اليوم منسية، ومن المحتمل أن الكتب الأكثر رواجاً اليوم ستصبح منسية في غضون خمسين عاماً، هناك هوة ساحقة ثابتة بين الروائيين الجادين والروائيين الشعبيين، ولقد استطاع عدد قليل من الروائيين تقليل حجم هذه الهوة، والفوز بالميزتين”.

تجنب الأزقة المسدودة..

أما بالنسبة للقواعد، حيل الأسلوب، والبناء، وبناء الشخصيات يقول: “هي من الأمور التي يتوصل إليها الكاتب أثناء مواصلته سيره، أو يتعلمها من خلال قراءة روايات الآخرين، ولا توجد أساساً إلا قاعدة واحدة، هي: تجنب الأزقة المسدودة.. إن معظم الكتاب الذين انتهوا إلى أزقة مسدودة أقدموا على ذلك لأنهم أولوا الحدث الفني إيماناً زائداً، والفكر إيماناً قليلاً، إن ما هو مهم فوق كل اعتبار بالنسبة للكاتب فهم الأهداف والطرق الأساسية للرواية، أي الوسيلة التي فهم بواسطتها حريته، إن ذلك المفهوم عن الحرية يملي كل شئ آخر في الرواية”.

ركض صامت..

يؤكد ولسون على أن “أخيراً الهدف من الرواية ليس أن تكون عالماً مستقلاً ومنعزلاً، إنها في الأساس تجربة فكرية، ونوع من الركض الصامت من أجل التجربة الفعلية، فالكتابة بالنسبة للروائيين العظام جميعاً كانت عاملاً مساعداً لهضم التجربة، أو أداة علمية كـ”الميكروسكوب” جرى تصميمها لزيادة قوة ملكاتنا المحدودة، الرواية هدفها تربية الكاتب بالإضافة إلى القارئ، فإدراك الروائي هدفه الحقيقي والذي هو ليس مجرد عكس بانوراما هائلة عن اللاجدوى والفوضى، اللتين تمثلان في التاريخ المعاصر، بل تحرير الخيال الإنساني، وإعطاء الإنسان لمحة لما يمكن أن يصبح، إنه الكشف عن طريق ارتقاء البشر في المستقبل”.

مراوغة الوعي الإنساني..

عن الوعي الإنساني يقول ولسون “معظم الأشياء التي نحبها مخفية معظم الوقت، وكأنها تحت الضباب، إذ لدينا مئات الأسباب للسعادة، على الأقل كوننا على قيد الحياة، وكوننا نبني بيوتاً وعوائل وحياة، إلا أن هذه الأشياء تظل تحت الوعي، باستثناء لحظات نادرة من البهجة المفاجئة، الروائيين يمتلكون هذه القدرة لجعل الأشياء الجميلة، المحبوبة، المخفية تومض في الوعي كالشهاب، تستطيع الرواية من خلال إحداث عملية انعكاس ذاتي عمل حالة مستمرة ومعتدلة من التجربة البالغة الذروة، وهذا يعني أنه لا يوجد موضوع غير ملائم للرواية وحتى العدمية”.

الرواية الأولى فارقة..

عن تجربته الروائية يحكي ولسون: “كتبت روايتي الأولى وأنا في الثامنة عشرة في 1949، ونشرت تحت عنوان “طقوس في الظلام” بعد مرور أكثر من عشر أعوام، قمت خلالها بتعديلات هائلة، إن معظم الكتاب يتعلمون من روايتهم الأولى أكثر مما يتعلمونه من أية رواية أخرى، وكان طموحي أن أكون ديستوفيسكي انكليزي”.

مضيفاً: “إن جدية الكاتب لا تقاس بمدى استيعابه للمشاعر القوية، بل وبعمق اهتمامه في العالم الموضوعي أيضاً، ومحاولة التعبير عن ذلك في عمله، من الجائز أن تستحوذ الرواية التي تعالج الحقيقة والملاحظة فقط علينا حتى لو لم يكن في ميسورها أن تغدو رواية رائعة، أما الرواية التي تعالج المشاعر الذاتية فقط لا غير فإنها ستكون غير مقروءة على وجه التأكيد”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة