16 نوفمبر، 2024 8:41 م
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (24) .. إمبرتو إيكو : الرواية غابة للتنزه !

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (24) .. إمبرتو إيكو : الرواية غابة للتنزه !

خاص : كتبت – سماح عادل :

في هذه الحلقة من الملف سوف نتناول كتابات الكاتب والروائي الإيطالي الشهير، “امبرتو إيكو”، عن الرواية.. وهو باحث شهير في علم الدلالة وعالم اللغة، بدأ كتابة الروايات في سن الخمسين، وحققت رواياته شهرة عالمية، ومن أبرز رواياته: (اسم الوردة) و(بندول فوكو).

الرواية بناء عالم..

في كتاب (في آليات الكتابة السردية)، لـ”امبرتو إيكو”؛ ترجمة “سعيد بنكراد”، يقول “إيكو” عن الرواية: “اعتقد أن رواية قصة ما تفترض بناء عالم، ويستحب أن يكون هذا العالم كثيفاً في أبسط جزئياته.. هناك ملامح خاصة بأسلوب السرد، يجب بناء هذا العالم وستأتي الكلمات فيما بعد من تلقاء نفسها، فامتلاك الأشياء سابق على وجود الكلمات، إن الدخول إلى رواية أشبه برحلة إلى الجبل، يجب اختيار نفس واختيار إيقاع للسير، وإلا فإننا سنتوقف في البداية، في السرد النفس لا يعود إلى الجمل بل مرتبط بوحدات كبرى، إن التناغم لا يكمن في طول النفس بل في انتظامه وإذا حدث أن انقطع النفس في لحظة ما وتوقف فصل أو مقطع قبل النهاية التامة للنفس فإن هذا سيلعب دوراً هاماً في الشكل العام للمحكي، فهو قد يشكل نقطة قطيعة أو قلباً مفاجئاً للأحداث، وهذا ما يقوم به المؤلفون الكبار منهم على الأقل، إن الرواية العظيمة هي التي يعرف مؤلفها متى يسرع ومتى يتوقف ؟.. وكيف يقدر درجة الوفقات أو الإسراع ضمن إيقاع أصلي ثابت”.

القارئ أثناء الكتابة..

عن تخيل الكاتب لقارئه أثناء الكتابة، يقول “إيكو”: “نحن نفكر في قارئ ما أثناء الكتابة؛ فعندما يتم العمل يبدأ حوار بين النص وقارئه، والمؤلف مستبعد من هذا الحوار، أما أثناء صياغة العمل فيكون هناك حواراً مزدوجاً، حوار بين هذا النص وبين جميع النصوص السابقة، لأننا لا نكتب كتباً إلا انطلاقاً من كتب أخرى وحولها، وحوار آخر بين المؤلف وقارئه النموذجي، يفكر المؤلف وهو يكتب في جمهور فعلي كما كان يفعل ذلك مؤسسو الرواية المعاصرة، فهؤلاء كانوا يكتبون للباعة الذين كانت تقصدهم نساؤهم للتسوق، وجويس نفسه كان يكتب للجمهور، سواء كتبنا ونحن نفكر في جمهور يوجد على عتبة الباب ومستعد للأداء أو نكتب لقارئ ينتمي إلى المستقبل فإن الكتابة تعني بناء قارئ نموذجي من خلال النص، فماذا يعني التفكير في قارئ نموذجي قادر على تجاوز العوائق التي تخلقها المئة صفحة الأولى، إنه يعني كتابة مئة صفحة بهدف بناء قارئ مناسب للصفحات التي ستأتي بعد ذلك”.

ويتساءل: “هل هناك كاتب يكتب فقط من أجل المستقبل ؟.. لا وجود لكاتب من هذا النوع حتى وإن أكد هو ذلك، وذلك لسبب بسيط أن الكاتب لن يتصور المستقبل إلا من خلال النموذج الذي يبلوره انطلاقاً مما يعرفه معاصروه، هل هناك كاتب يكتب لقلة من القراء ؟.. نعم إذا كان ذلك يعني أن القارئ النموذجي الذي يتصوره ليس له حظوظ كبيرة في أن يتجسد في جمهور عريض، ورغم ذلك وحتى في هذه الحالة فإن المؤلف يكتب وله أمل في أن يستجيب لكتابه أكبر عدد من النماذج الممثلة لهذا القارئ المنشود بإلحاح، وهو ما يفترضه النص ويشجع عليه، هناك اختلاف بين النص الذي يهدف إنتاج قارئ جديد وبين ذاك الذي يروم إرضاء رغبات جمهور عريض، عندما يبحث الكاتب عن الجديد ويسقط قارئاً مختلفاً فإنه لا يريد أن يكون دارساً للسوق من أجل تحديد نوعية الطلبات، بل يريد أن يكون فيلسوفاً، إنه يكشف لجمهوره ما يجب عليه أن يرغب فيه حتى وإن كان هذا الجمهور لا يعرف ذلك إنه يريد أن يعرف القارئ بنفسه”.

كيف نكتب ؟

يرد ” إيكو” عن السؤال المتكرر “كيف نكتب ؟”.. يقول: “أولاً ننطلق من فكرة تعد بذرة، وثانياً بناء العالم الروائي يحدد أسلوب كتابته، لا وجود لطريقة واحدة لكتابة رواية على الأقل بالنسبة لي، كتابة رواية تقتضي أن يكون فعل الكتابة لاحقاً للتفكير فيها يجب أولاً أن نقرأ ونجمع قصاصات ونرسم بورتريهات للشخصيات، وخرائط المكان وخطاطات لمقاطع زمنية، هذه الأشياء تتم بالحاسوب حسب الأوقات والمكان الذي نوجد به ونوعية الفكرة السردية أو المعطى الذي نود تسجيله، لا أمتلكك طريقاً أو يوماً ولا ساعة ولكن من الرواية الثانية إلى الرواية الثالثة بلورت عادة، أجمع أفكاراً وأسجل ملاحظات ثم أقوم بتحرير أولي حيثما كنت، ولكن عندما تتاح لي الفرصة لكي اقضي أسبوعاً في منزلي الريفي فإنني أقوم بتحرير فصول على الحاسوب، وعندما أعود استنسخها وأصححها لأتركها بعد ذلك تنضج في دواليب مكتبي إلى أن أعود من جديد إلى المنزل الريفي”.

لذة الكتابة..

ويواصل “إيكو” عن لذة الكتابة: “ما هو جميل حين نكتب ليس اللذة المباشرة بل ما سيأتي بعد ذلك، كثيرا ما انزعج عندما أدرك أن روايتي وصلت إلى النهاية أي وفق منطقها الداخلي إلى اللحظة التي تنتهي لكي أتوقف، أنا حينها أشعر أنني لو واصلت الكتابة لأسأت إليها أن الجميل والسعادة الحقيقية هي أن أعيش ست أو سبع أو ثمان سنوات وإذا أمكن إلى ما لا نهاية في عالم أنا من قام ببنائه شيئا فشيئا، وقد أصبح ملكي في النهاية، الحزن عندما تنتهي الرواية إنه السبب الوحيد الذي يدفعني إلى كتابة رواية أخرى”.

تعامل القارئ مع النص..

وفي كتاب (تأملات في السرد الروائي)، للكاتب الإيطالي “امبرتو إيكو”، ترجمة “سعيد بنكراد”، يقول عن كيفية تناول القارئ للنص: “إن القارئ لا يعرف دائماً كيف يتعاون مع سرعة النص، أن القارئ النموذجي في قصة ما ليس هو القارئ الفعلي إن القارئ الفعلي هو أي كان، نحن جميعاً أنت وأنا ونحن نقرأ النص فهذا القارئ قد يقرأ بطرق مختلفة، فلا وجود لقانون يفرض عليه طريقة معينة في القراءة وعادة ما يتخذ النص وعاء لأهوائه الخاصة وهي أهواء مصدرها عالم آخر غير عالم النص، ولا يقوم النص سوى بإثارتها بشكل عرضي، القارئ النموذجي قارئ نوعي يتوقعه النص باعتباره محفلاً للتعاون، فأنا كقارئ إذا كنت في الغابة النص السردي فمن حقي أن استعمل كل تجربة وكل اكتشاف من أجل استخلاص دروس تخص الحياة والماضي والمستقبل، وبما أن الغابة النص السردي هي ملك الجميع فليس من حقي أن أبحث عن وقائع ومشاعر لا تخص سواي؛ وإلا فإنني سأكون قد استعملت النص ولم أؤوله، وهذا ما يجعلنا نتحرك داخل الغابة السردية كما لو أنها حديقتنا الخاصة، هناك قواعد خاصة بكل لعبة والقارئ النموذجي هو الذي يعرف كيف يحترم القواعد، وبطبيعة الحال يتوفر المؤلف على إشارات خاصة لكي يعطي توجيهات لقارئه النموذجي إلا أن هذه الإشارات هي دائما إشارات ملتبسة، لذا فالتفكيك المتزايد للنص والغلو في البحث عن قراءة مطلقة له لا يقتل سحر هذا النص، فأنا كلما أعدت قراءة رواية ما سقطت في هواها كما لو أني أقرؤها لأول مرة، على الرغم من أنني اعرف بعمق تفاصيلها وربما لهذا السبب ازداد عشقا لها”.

المؤلف النموذجي..

ويضيف: “إن المؤلف النموذجي صوت يتحدث إلينا بطريقة فيها كثير من الحنان صوت حاسم أو خفي، إنه يريدنا أن نكون بجانبه يتجلى هذا الصوت باعتباره إستراتيجية سردية أي باعتباره مجموعة من التعليمات يقدمها لنا على مراحل وعلينا أن نخضع لها إذا ما قررنا التصرف كقراء نموذجيين، المؤلف النموذجي يكشف عن نفسه دون مراوغة منذ الصفحة الأولى محددا له الانفعالات التي يجب أن يحس بها في الحالة التي قد يفشل فيها الكتاب في إثارتها”.

ويواصل “إيكو” عن طريقة تناول النص: “هناك طريقتان لتصفح نص سردي فهذا النص يتوجه إلى قارئ نموذجي من الدرجة الأولى يرغب في معرفة وله الحق في ذلك كيف ستنتهي القصة، إلا أن النص يتوجه أيضا إلى قارئ نموذجي من الدرجة الثانية وهذا القارئ يتوق إلى معرفة أي نوع من القراء يريد النص ويطمح أيضا إلى اكتشاف الطريقة التي يستعملها المؤلف النموذجي من أجل التسريب التدريجي للمعلومات، فمن أجل معرفة نهاية القصة يكفي أن نقرأها مرة واحدة ومن أجل التعرف على المؤلف النموذجي يجب قراءة القصة مرات عديدة وربما إلى ما لا نهاية، فعندما يدرك القراء الفعليون ما هو مطلوب منهم أو يبدؤون في إدراك ذلك حينها فقط يصبحون قراء نموذجيين، النص آلة كسول يطلب من قارئه تعاونا كبيرا، فهو لا يكتفي بالدعوة إلى إعادة قراءة القصة بل يساعد القارئ من الدرجة الثانية على فعل ذلك، ولنذكر بعض كيف يصبح المرء قارئا نموذجيا من الدرجة الثانية، إنه يصبح كذلك من خلال إعادة بناء مقاطع الأحداث التي يكون السارد قد فقدها عمليا لندرك بعد ذلك أن ليس السارد هو الذي فقدها بل قصد الغموض”.

ميثاق بين القارئ والكاتب..

عن عقد ما متخيل بين القارئ والكاتب يقول ” إيكو”: “إن قراءة نص سردي ما معناه تبني قاعدة أساسية يعقد القارئ ميثاقا تخيلييا ضمنيا مع المؤلف وهو ما كان يسميه “كوليردج” تعطيل الإحساس بالارتياب، فعلى القارئ أن يعلم أن المحكي هو قصة خيالية دون أن يعني ذلك أنها مجرد كذب، إن الكاتب يوهمنا فقط أنه يقدم لنا إثباتا صحيحا إننا نقبل الميثاق التخييلي ونتظاهر بأننا نعتقد أن ما يروى لنا قد وقع بالفعل، عندما نلج عالم السرد يطلب منا أن نوقع ميثاق تخييلي مع المؤلف حينها نكون مستعدين لتقبل الفكرة القائلة بأن الذئب يتكلم، إن الأمر يتعلق بيقين أساسي فهو الذي يمكننا من الإحساس بالتطهر النهائي وتجريب اللذة العجيبة للبعث تلك هي في العمق متعة كل سرد إنه يضمنا بين أحضانه ويدفعنا بطريقته إلى الاعتقاد في جديته”.

الواقع والخيال..

ويكمل عن ارتباط الواقع بالسرد المبني على الخيال: “يبدو أنه من واجب القارئ أن يكون على اطلاع واسع على العالم الواقعي لكي ينظر إليه باعتباره الأساس الذي يشيد عليه العالم التخييلي، وإذا كان الأمر كذلك فإن كونا سرديا ما سيكون أرضا غريبة فمن جهة يمثل أمامنا باعتباره عالما صغيرا ومحددا جدا على عكس العالم الواقعي وهذا يعود إلى أنه لا يحكي لنا سوى مجموعة من الشخصيات في مكان وزمان محددين، ومن جهة أخرى فإنه أوسع بكثير من عالم تجربتنا لأنه يحتوى العالم الواقعي ولكن يضيف بعض الكيانات وبعض الخصائص، إن الكون المخيالي لا ينتهي بانتهاء القصة التي يرويها إنه يمتد إلى ما لا نهاية وفي الواقع أن العوالم التخيليية هي بالتأكيد طفيليات داخل العالم الواقعي إلا أنها تضع جانبا مجموعة من الأشياء نعرفها عن هذا العالم لكي تسمح لنا بالانغماس في عالم منته ومغلق شبيه بعالمنا ولكنه أفقر منه، وبما أننا لا نستطيع تجاوز هذه الحدود سنكون مضطرين لاستكشافه في كل جزيئاته، إن الرواية تطلب منا أن نتنزه داخل حدودها دون أن نتساءل عن جوانب أخرى في الكون، أن التجول في عالم سردي له طعم اللعب نفسه عند طفل صغير أن قراءة محكي ما معناه ممارسة لعبة نتعلم من خلالها أن نعطي معنى للأحداث الهائلة التي وقعت وتقع أو ستقع في العالم الواقعي، إننا ونحن نقرأ روايات نهرب من القلق الذي ينتابنا ونحن نحاول قول شيء حقيقي عن العالم الواقعي، تلك هي الوظيفة الاستشفائية للسرد وهي السبب الذي يدفع الناس منذ قديم الزمان إلى سرد قصص، وهي وظيفة الأساطير نفسها، إن السردية تعطي شكلا للفوضى التي تميز التجربة”.

وعن دور المؤلف يقول “إيكو”: ” إن المؤلف لا يجب أن يكتفي بافتراض عالم واقعي باعتباره الأساس الذي يقوم عليه إبداعه بل عليه أيضا أن يقوم باستمرار بإخبار قارئه عن مظاهر العالم الواقعي الذي قد لا يملك القارئ عنه أية معلومة،إن قراءة عالم تخييلي معناه تقديم تخمينات استنادا إلى المعايير التي تتحكم في العالم التخييلي، لا وجود لقواعد، علينا افتراض هذه القواعد في اللحظة التي نتهيأ لاستنتاجها من النص لهذا السبب فإن القراءة هي مراهنة، نراهن على أننا سنكون أوفياء لاقتراحات الصوت الذي لا يقول لنا صراحة أنه يقترح علينا شيئا ما”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة