خاص : كتبت – سماح عادل :
“ديفيد لودج” ناقد وروائي وأكاديمي بريطاني،وهو صاحب الرواية الشهيرة (عالم صغير).. وكثير من النقاد يصفون “ديفيد لودج” بأنه أحد أهم الروائيين الذين يكتبون باللغة الانكليزية في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين.. سوف نستعرض في هذه الحلقة من الملف كتابه القيم (الفن الروائي), ترجمة “ماهر البطوطي”.. ويتميز الكتاب بدقته وتنظيمه حيث يقسم “لودج” كتابه إلى أقسام معنونة، يتناول كل عنوان جانب من جوانب الرواية أو ما يتعلق بها.
البداية..
يقول “لودج”: “متى تبدأ رواية من الروايات ؟.. هذا سؤال تصعب الإجابة عليه ومن المؤكد أن خلق رواية من الروايات نادراً ما يبدأ حين يخط المؤلف بقلمه أول كلماتها، أو يدقها على الآلة الكاتبة، ذلك أن معظم الكتاب يضعون مخططاً للعمل المبدئي حتى لو كان هذا المخطط في أذهانهم فقط، والكثير منهم يعدون أساس قصصهم بعناية طوال أشهر، ويضعون رسوماً بيانية للحبكة ويؤلفون ملخصاً لحياة شخصياتهم، يملئون كراسات بالأفكار والإطار العام والمواقف التي يستمدون منها مادتهم عند عملية الكتابة، ولكل كاتب طريقته الخاصة في العمل بيد أن الرواية بالنسبة للقارئ تبدأ دائماً بعبارتها الافتتاحية، التي يمكن بالطبع ألا تكون أول عبارة قد خطها المؤلف أصلاً”.
ويواصل بخصوص بداية الرواية, “ثمة سؤال صعب آخر وهو متى تنتهي بداية الرواية ما ؟.. هل تنتهي بنهاية أول فقرة أو أول عدة صفحات أو الفصل الأول، ومهما كان التعريف الذي يضعه الإنسان لبداية رواية ما فإنها تمثل عتبة تفصل العالم الواقعي الذي نعيش فيه عن العالم الذي يصوره الروائي، وعلى ذلك فإنه ينبغي أن تجذب القارئ إلى داخلها، وليس هذا بالعمل الهين، فنحن لا نعرف بعد نبرة المؤلف ولا المدى الذي يصل إليه محصوله اللغوي ولا عاداته في تكوين الجمل، ونحن في البداية نقرأ أي كتاب في بطء وتردد، فثمة معلومات كثيرة يجب أن نستوعبها ونتذكرها، مثل أسماء الشخصيات وعلاقات بعضهم ببعض وتفاصيل الزمان والمكان في السياق، إذ لا يمكن تتبع أية قصة دون استيعاب كل ذلك، ونتساءل هل يستحق الكتاب كل هذا العناء ؟.. ومعظم القراء سوف يعطون الكاتب مهلة عدة صفحات على الأقل قبل أن يقرروا الخروج من عتبة الكتاب”.
ويضيف عن طرق بدء الرواية: “هناك طرق عديدة لبدء رواية ما، فالرواية يمكن أن تبدأ بوصف مسهب للخلفية الطبيعية أو المكانية التي ستدور فيها الرواية، وقد تبدأ رواية في وسط محادثة، وقد تبدأ بتقديم الراوي نفسه على نحو آسر، أو بكلام فلسفي، أو تصوير الشخصية في مأزق حرج منذ أول عبارة…..”.
المؤلف المتطفل..
يوضح “لودج”: “أبسط طريقة لرواية قصة هي حكايتها بصوت الراوي، مع بدايات القرن العشرين أصبح صوت المؤلف المتطفل غير مرغوب فيه، بسبب انتقاصه من وهم الواقعية وتقليله من الكثافة الانفعالية للتجربة التي يتم تقديمها، عن طريق تشتيت الانتباه إلى عملية السرد، وهو أيضاً يدعى نوعاً من الحجية من التواجد في كل مكان في الوقت نفسه، وهو الأمر الذي لا يستطيع عصرنا الذي ساد فيه الشك والنسبية أن يخلعه على أي شخص، لذلك فقد اتجهت الرواية الحديثة إلى كبت صوت المؤلف أو إزالته تماماً، عن طريق تقديم الحدث من خلال وعي الشخصيات، أو إسناد مهمة السرد ذاتها إليهم، وحين يجري استخدام صوت المؤلف المتطفل في الرواية الحديثة يتم ذلك عادة بشيء من الحرج الساخر”.
التشويق..
يستكمل “لودج”: “الروايات ما هي إلا سرد، والسرد مهما تكن وسائطه، الكلمات أو الفيلم السينمائي أو الصور الهزلية يجذب اهتمام الجمهور عن طريق إثارة أسئلة في أذهانهم وتأخير الإجابة عليها، والأسئلة تنقسم إلى نوعين: الأسئلة المتعلقة بالسببية، مثل “من فعل هذا ؟”, وأسئلة متعلقة بالزمنية “ما الذي سيحدث بعد ذلك ؟”.. ونماذج هذين النوعين في أبسط شكل هي على التوالي القصص البوليسية التقليدية وقصص المغامرات، والتشويق عامل يرتبط على وجه الخصوص بقصص المغامرات، وبالهجين المتكون من القصة البوليسية وقصة المغامرات المعروف بقصص الإثارة، ومثل تلك الحكايات السردية تتوخي وضع البطل أو البطلة مراراً في مواقف خطرة، مما يثير انفعالات القارئ، الخوف والقلق من النتائج المحتملة فيتعاطف بذلك مع الشخصيات”.
ويضيف: “ولما كان التشويق يرتبط ارتباطاً خاصاً بأشكال القصة الشعبية فإن الروائيين في الفترة الحديثة كانوا ينظرون إليه بازدراء أو على الأقل نظرتهم إلى الشيء الأدنى، ولكن هناك دائماً كتاب محترمون خاصة في القرن التاسع عشر قاموا عن قصد باستعارة أساليب توليد عنصر التشويق من القصص الشعبي وحولوها إلى ما يحقق أغراضهم”.
السرد الشفاهي في سن المراهقة..
يعرفه “لودج” بأنه: “هذا المصطلح كان يطلق على نوع من السرد تقوم به الشخصية الأولى في القصة ويتسم بصفات الكلمات المنطوقة وليست المكتوبة، وفي ذلك النوع من الرواية كان القاص شخصية يشير إلى نفسه أو نفسها بضمير “أنا” ويخاطب القاريء بوصفه “أنت” ويستخدم الخطاب الدارج وتركيبه اللغوي، ويبدو كمن يحكي القصة في عفوية أكثر منه من يقدم بياناً مكتوباً دقيق التكوين مصقولاً، ونحن لا نقرأه أكثر مما نستمع إليه كما لو كان غريباً ثرثاراً قابلناه في عربة قطار، وهذا مجرد وهم فهو نتاج جهد محسوب بدقة وكتابة متأنية قام بها الروائي ذلك أن أسلوب السرد الذي يحاكي بأمانة الكلام الواقعي سيكون غير قابل للفهم تقريباً كما هي تفريغات المحادثة المسجلة، بيد أنه وهم يمكن أن يخلق أثراً قوياً من الأصالة والصدق”.
رواية الرسائل..
يستطرد “ديفيد لودج”: “كانت الروايات المكتوبة في شكل رسائل رائجة رواجاً كبيراً في القرن الثامن عشر، ولقد أصبح هذا النوع من أنواع الرواية في عصر التليفون من الأنواع شديدة الندرة رغم أنها لم تنقرض بالمرة، ومن المفيد الإبقاء عليها، بيد أن الروائي الذي يستخدم شكل الرسائل مضطر إلى أن يفصل بين متراسليه بمسافات بعيدة حتى يعطي لهذه الوسيلة نوعاً من الصدق، ورواية الرسائل هي نوع من القصص السردية على لسان الشخصية الأولى ولكنها تحظى ببعض الصفات الخاصة التي لا توجد في نمط السيرة الذاتية المألوفة، ففي حين تكون قصة السيرة الذاتية معروفة للراوي قبل أن يبدأ فإن الرسائل تؤرخ لعملية جارية، وذلك يكون أشد حيوية وتأثيراً من السرد عن مصاعب انجلت وأخطار أمكن التغلب عليها، ويمكن الوصول إلى التأثير نفسه باستخدام شكل اليوميات بيد أن رواية الرسائل تختص بميزتين إضافيتين: الأولى أنه يمكنك استخدام أكثر من مراسل وبهذا تستطيع أن تعرض الحدث ذاته من وجهات نظر مختلفة بتفسيرات مختلفة تمام الاختلاف، والثانية أنك حتى إذا حصرت نفسك في مراسل واحد فالرسالة على عكس اليوميات توجه دائماً إلى متلق محدد يكيف الخطاب استجابته المتوقعة ويجعله أكثر تعقيداً وتشويقاً من الناحية البلاغية ويزيد من شفافيته غير المباشرة، لقد منحت الواقعية شبه الوثائقية لأسلوب الرسائل الروائيين الأوائل سلطة لم يسبق لها مثيل على قراءهم لا يوازيها إلا الجذب الذي تقوم به بعض المسلسلات التليفزيونية للجمهور”.
وجهة النظر..
عن وجهة النظر أو الراوي يقول” قد يمر أكثر من شخص، وهذا يحدث غالبا، بواقعية حقيقة واحدة في الوقت نفسه، وتستطيع الرواية أن تقدم منظورات مختلفة عن الواقعة نفسها وإن كان بتقديم منظور واحد في المرة الواحدة، وحتى لو اتبعت الرواية أسلوب سرد العالم بكل شيء ويقدم الحدث من عل فإن ذلك سوف يميز واحدة أو اثنتين فحسب من وجهات النظر المحتملة التي يمكن سرد القصة عن طريقها، والتركيز على طريقة تأثير سرد الوقائع في الشخصيات والموضوعية التامة والسرد المحايد تماما يمكن أن يكون هدفا يعتد به في مجال الصحافة أو التدوين التاريخي، ولكن من غير المرجح أن تجذب القصة الخيالية اهتمامنا إلا إذا عرفنا عمن تتحدث، ويمكن التسليم بأن اختيار وجهة أو وجهات النظر التي ستقدم من خلالها القصة هو أهم قرار مفرد يتعين على الروائي اتخاذه، ذلك أنه يؤثر تأثيرا جوهريا في الطريقة التي سيستجيب لها القراء عاطفيا وأخلاقيا للشخصيات الروائية، وللأعمال التي يقومون بها، وإحدى العلامات الشائعة على كسل كاتب روائي أو افتقاره للخبرة هي عدم الاتساق في تناول وجهة نظره، ففي قصة ما ليس هناك قاعدة أو نظام يقضي بألا تتنقل رواية ما وجهة النظر كيفما شاء الروائي، بيد أنه إذا لم يتم ذلك الأمر وفقا لشيء من خطة أو مبدأ جمالي فإن مشاركة القارئ و إنتاج القارئ لمعنى النص سوف يصابان بالخلل، والواقع أن قصر القصة على وجهة النظر واحدة تزيد من كثافتها وفوريتها”.
اللغز..
يشير “لودج” إلى: أنه “يكمن وراء السؤالين “ماذا سيحدث ؟” و”كيف فعلت ذلك ؟” القوى الدافعة وراء الاهتمام الذي نبديه في الرواية ويعودان زمنياً إلى بدء حكاية القصص، حين يتم حل اللغز فإن ذلك يعيد الطمأنينة إلى القراء، إذ يؤكد انتصار العقل على الفطرة النظام على الفوضى، هذا هو السبب في أن اللغز هو أحد المكونات الدائمة في القصص الجماهيرية مهما كانت الشكل الذي تقدم فيه، وعلى النقيض من ذلك فإن الروائيين المحدثين إذ لم يرضوا عن الحلول المنمقة والنهايات السعيدة قد اتجهوا إلى تطعيم ألغازهم بهالة من الغموض ثم تركها بغير حل”.
الأسماء..
عن اختيار أسماء الشخصيات الروائية يوضح: “في الرواية لا تكون الأسماء بلا دلالة وتسمية الشخصيات هي دائماً جزء مهم من عملية خلقها، وينطوي على اعتبارات كثيرة وتردد، لا يشرح الروائي مدلولات الأسماء التي يعطيها للشخصية ولكن تصل هذه المدلولات إلى وعي القارئ لا شعورياً، وقد يتردد الروائي ويتعذب عند اختياره اسماً من الأسماء ولكن حين تتم عملية الاختيار يصبح الاسم جزءاً لا يتجزأ من الشخصية، وأي تردد من جانب المؤلف بخصوص اسم الشخصية يبدو وكأنه يرمي بالعمل كله إلى الهاوية”.
تيار الوعي..
يعرفها الكاتب: “عبارة صكها “ويليام جيمس” عالم النفس ليميز بها الانسياب المتواصل للفكر والإحساس في العقل البشري، ثم استعارها بعد ذلك نقاد الأدب لوصف نوع معين من القصص الحديث حاول تقليد هذه العملية، وقد اتصفت الرواية بطريقتها الداخلية في عرض التجربة مع مطلع القرن العشرين، فقد زاد البحث عن الواقعية في الوعي الذاتي الخاص للذوات المفردة العاجزة عن توصيل تجربتها للآخرين، ولقد قيل أن رواية تيار الوعي هي التعبير الأدبي للأحادية الفردية، ولكن هي أيضاً مدخلاً إبداعياً للحيوات الداخلية لأشخاص آخرين حتى ولو كان هؤلاء الأشخاص من نسج الخيال، وهناك طريقتان فنيتان ثابتتان لتقديم الوعي في القصص النثري: الأولى هي المونولج الداخلي ويصبح الموضوع النحوي فيه للخطاب هو “أنا”، والطريقة الثانية تسمى الأسلوب الحر غير المباشر وهو يقدم الأفكار على هيئة حديث يسرد في صيغة الغائب وفي الزمن الماضي، وهذا يعطي النص وهم الاقتراب الأكثر حميمية من ذهن الشخصية دون حذف الراوي في الخطاب حذفاً كاملاً”.
المونولوج الداخلي..
يقول عنه الكاتب: “هو فن يصعب استخدامه بصورة ناجحة إذ ينحو إلى فرض إيقاع بطيء على السرد وإضجار القارئ بالكثير من التفاصيل التافهة، لذا يحتاج الكاتب إلى اختيار الكلمات بدقة عالية والعمل على تنويع التركيب النحوي للرواية، والمزج بين المونولج الداخلي والوصف السردي التقليدي والأسلوب الحر غير المباشر”.
إزالة الألفة..
يتابع: “اصطلاح نقدي ثمين صكته مدرسة الشكليين الروسية الهدف منه التغلب على آثار التعود عن طريق تقديم الأشياء المألوفة بطرق غير مألوفة حين ينجح الكاتب في جعلنا ندرك ما كنا نعرف قبل ذلك بصورة نظرية عن طريق انحرافه عن الطرق التقليدية لتصوير الواقع”.
الإحساس بالمكان..
مؤكداً على: أن “الإحساس بالمكان هو ظاهرة حديثة نسبياً في تاريخ القصة، والخطر الذي يمثله الاستغراق في وصف تفصيلي للمكان هو توقف السرد القصصي مما يحمل القارئ على النوم، لذا لابد من وصف المكان وحركة الراوي خلاله ومحاولة إشراك القارئ في العملية أثناء وصف المكان”.
تقديم الشخصية..
عن الشخصية الرواية يقول: “الشخصية هي أهم عنصر مفرد من عناصر الرواية، فلا شيء يضاهي الرواية في الثراء والتنوع والعمق النفسي في تصوير الطبيعة البشرية، وربما كانت الشخصية أصعب جوانب الرواية وذلك بسبب وجود أنماط مختلفة كثيرة جداً لتقديمها، شخصيات رئيسة وشخصيات ثانوية، شخصيات ثابتة ومتغيرة، شخصيات تصور من داخل عقلها وأخرى ينظر إليها من الخارج، وأبسط طريقة لتقديم الشخصية هي التي اتبعها الروائيون القدماء وهي إيراد وصف جسماني لها وموجز عن حياتها، ولكن هذه الطريقة تحتاج لصبر وفراغ لا تتميز به ثقافتنا الحالية، فالروائيون المحدثون يفضلون أن يتركوا الحقائق الخاصة بالشخصية تظهر تدريجياً وتتنوع أو تنتقل مباشرة عن طريق الحدث والكلام”.
المفاجأة..
يقول: “يحتوي معظم القصص على عنصر المفاجأة فلو كان بوسعنا التنبؤ بالحبكة لما انجذبنا إليها ولكن الحبكة لابد أن تكون مقنعة كما هي غير متوقعة، ولابد من التحضير لنتيجة غير المتوقعة بعناية شديدة ولابد من تغذية القارئ بمعلومات كافية حتى تصبح المفاجأة حين تقع مقنعة، ولكن ينبغي عدم الإفراط في ذلك إلى الحد الذي يسمح للقارئ أن يتوقع حدوثها بسهولة”.
الانتقال الزمني..
عن قطع التتابع الزمني قول الكاتب: “أدرك القصاصون النتائج الشيقة التي يمكن الحصول عليها بالانحراف عن الترتيب الزمني للأحداث، فعن طريق الانتقال الزمني يتجنب السرد تصوير الحياة كمجرد تتابع، ويسمح بالربط بين أحداث منفصلة متباعدة عن طريق السخرية والسببية، والانتقال الزمني إجراء شائع جداً في الرواية الحديثة وعادة ما يكون طبيعي بوصفه من عمل الذاكرة”.
الرواية التجريبية..
عارض الكاتب “زولا” في تعريفه لها, قائلاً: “الرواية التجريبية عبارة صكها “إميل زولا” كي يقيم تماثلاً بين قصصه ذات التوجه الاجتماعي وبين البحث العلمي للعالم الطبيعي، لكن المفيد النظر إلى التجريب في الأدب كمهمة لإزالة الألفة، والرواية التجريبية هي الرواية التي تحيد بشكل ظاهر عن الطرق المألوفة لتصوير الواقع، إما في تنظيم عملية السرد أو في الأسلوب من أجل تكثيف إدراكنا لذلك الواقع أو تغيير هذا الإدراك، ولقد تميز العقدان الثاني والثالث من القرن العشرين وهما ذروة الحداثة بالقصص التجريبي”.
الواقعية السحرية..
يقول لودج: “تتصف الواقعية السحرية بوقوع أحداث غريبة ومستحيلة في قصة تميل أحداثها الأخرى إلى الواقعية، وقد ارتبطت بصفة خاصة بالقصص المعاصر في أميركا اللاتينية “ماركيز”, بيد إننا نعثر عليها في روايات قارات أخرى مثل روايات “جونتر غراس” و”سلمان رشدي” و”ميلان كونديرا”, وكل هؤلاء الكتاب عاصروا اضطرابات تاريخية كبيرة وعاشوا فترات غليان شخصي رهيب، وهم يشعرون أنه لا يمكن تصوير كل ذلك تصوير وافٍ عبر خطاب الواقعية العادي”.
الراوي غير الموثوق به..
هو نوع من الشخصيات يضعها الروائي, يقول “لودج” عنه: “هو دائماً يكون شخصية مختلفة تكون جزءاً من القصة التي يرويها الشخصية الراوية للقصة، لا يمكن أن تكون غير موثوق بها مئة في المئة فلو كان كل ما ترويه تلك الشخصية واضح الزيف ستتأكد لنا خيالية الرواية، وحتى تنجح الرواية في إثارة اهتمامنا لابد أن تتضمن إمكانية للتمييز بين الحقيقي والزائف في داخل العالم الذي تصوره، كما هو الحال في العالم الواقعي، واستخدام الراوي غير الموثوق به بمثابة الكشف بطريقة شيقة الفجوة بين الأمور الظاهرة والأمور الواقعية المختفية”.
الدافع..
يعطي “لودج” الدافع أهمية في الرواية, قائلاً: “الرواية يمكنها أن تقدم لنا نماذج أقل أو أكثر إقناعاً عن الطريقة والأسباب التي تدفع الناس إلى سلوك معين، ونحن ما زلنا نقدر الروايات التي تدخل في التقاليد الواقعية الكلاسيكية من أجل الضوء الذي تلقيه على الدافع الإنساني للقيام بسلوك ما”.
النهاية..
يستشهد “ديفيد لودج” بأقوال بعض الكتاب عن نهاية الرواية: “قال “جورج إليوت”: “نهايات الروايات هي أضعف نقطة عند معظم المؤلفين بيد أن بعض الخطأ يكمن في طبيعة النهاية ذاتها التي هي في أحسن حالتها شيئاً سلبياً”، وتقول “جين أوستن”: “لا يمكن للروائي أن يخفي على قارئه الوقت الذي ستنتهي فيه القصة لأن النهاية تدل عليها قلة الصفحات المتبقية”. ورأي “لودج” في نهاية الرواية أنه: “ربما يجب علينا أن نميز بين نهاية حكاية الرواية أي حل أو عدم الحل المقصود للأسئلة القصصية التي أثارتها في أذهان القراء وبين آخر صفحات النص التي تكون عادة نوعاً من الخاتمة أو الحاشية الملحقة، أو إبطاء لطيف للخطاب وهو ينحو إلى التوقف”. ويلوم “لودج” في نهاية كتابه على الروائيين الذين يرفضون وضع نهايات لروايتهم تريح أذهان القراء ويميلون إلى وضع نهاية مفتوحة.