26 ديسمبر، 2024 6:27 م

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (1) .. نزوة القص المباركة لماركيز تبدأ بوردة

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (1) .. نزوة القص المباركة لماركيز تبدأ بوردة

كتبت – سماح عادل :

عندما يقرر الشاب أن يكتب رواية تنهمر داخله التساؤلات.. تختلط برهبة البدايات وفقدان الثقة، يحاول أن يتشبث بخبرات الآخرين ليغلب خوفه، ويصبح أشهر الروائيين دليل له على طريق لازال يحفره بخطواته.. يسترشد بآرائهم وخبراتهم في كتابة الرواية. لذا تقدم (كتابات) هذا الملف، باحثة عن ما كتب أشهر الروائيين عن الرواية، قواعد كتابتها والتجهيز لها وطقوس الكتابة، ولحسن الحظ هناك روائيين حرصوا على تأليف كتب عن الرواية وتقديم نصائح لشباب الكتاب مثل الروائي التشيكي “ميلان كونديرا” والروائي “ماريو بارغاس يوسا” من بيرو، والروائي الإيطالي “إمبرتو إيكو”.

سنبدأ بالكاتب المميز “غبريال غارسيا ماركيز” من كولومبيا.. والذي توزعت آرائه عن الرواية والسرد الأدبي بشكل عام في عدة كتب.

في كتاب “رائحة الجوافة” ترجمة فكري بكر محمود، والذي يضم حواراً مطولاً مع “ماركيز” أجراه صديق قديم له رافقه في عمله كصحافي في بداية حياته، تكلم “ماركيز” باستفاضة عن الكتابة وعن حياته.

في البداية كتبت برهاناً لصديق..

يقول ماركيز: “بدأت الكتابة بمحض الصدفة لكي أبرهن لأحد أصدقائي على أن جيلي قادر على الكتابة، بعد ذلك سقطت في شرك الكتابة من أجل المتعة، ثم شرك تالي وهو اكتشافي أن عشقي للكتابة يفوق حبي لأي شئ آخر.. في البداية كتبت بابتهاج شديد ولم أكن أشعر بالمسؤولية، تقريباً كنت قادراً على أن أكتب بيسر أربع أو خمس وحتى عشر صفحات، بعد أن أكون قد انتهيت من عملي في الجريدة حوالي الثالثة صباحاً، في إحدى المرات كتبت قصة قصيرة كاملة في جلسة واحدة.. الآن يحالفني الحظ إذا كتبت فقرة واحدة جيدة في يوم بأسره فبمرور الوقت تصبح عملية الكتابة مسألة مؤلمة للغاية ما يحدث هو أن إحساسك بالمسؤولية يتزايد تشعر أن كل كلمة تكتبها الآن يصبح لها وقع أكبر وأنها تؤثر في عدد أكبر من الناس”.

عبر “ماركيز” عن سخطه من الشهرة واعتبرها سبباً لعزلته، والطريف أن ماركيز نال شهرته بعد كتابة خمسة روايات، كان يسعى لنشرهم على نفقته بسبب رفض بعض الناشرين لها، وحتى عند كتابة رواية “مائة عام من العزلة” كان فقيراً واضطر إلى الجلوس بدون عمل في المنزل مع صعوبة ذلك عليه وعلى أسرته، وقد كانت تلك الرواية هي سبب شهرته الضخمة.

نعرف أيضاً من الكتاب أن فكرة أي نص تبدأ لديه بصورة بصرية مثلا قصة “قيلولة الثلاثاء”، التي يعتبرها ماركيز أفضل قصة قصيرة كتبها، انبعثت من رؤية امرأة وفتاة صغيرة يرتديان ملابس سوداء وهما تمشيان بمظلة سوداء تحت شمس حارقة في بلد مهجورة.

كما يعطي ماركيز للجملة الأولى في الرواية أهمية كبيرة، وفي بعض الأوقات تأخذ من وقته أكثر من بقية الكتاب بأكمله، لأن الجملة الأولى في رأيه يمكن أن تكون المختبر الذي يتبلور فيه الأسلوب والبناء وطول الكتاب أيضاً.

فكرة “مئة عام من العزلة” تستغرقه 15 عاماً وكتبها في عامين..

يبدو من المدهش أن نعرف أن ماركيز كان يستغرق في التفكير في رواياته سنوات طويلة، فـ”مئة عام من العزلة” قضى خمسة عشر عاماً يفكر فيها في حين كتبها في أقل من سنتين، أما رواية “خريف البطريق” والتي يعتبرها أهم وأفضل رواياته قضى ثلاثون عاماً يفكر فيها وكتبها مرتين ثم تركها وكتب أعمالاً أخرى ثم كتبها مرة ثالثة حتى وصلت للشكل النهائي الذي يرضيه، كذلك “سرد أحداث موت معلن” كانت حادثة قتل قابلها أثناء عمله كصحافي شاب وظلت ملازمة لذهنه إلى أن نجح أخيراً في كتابتها كراوية بوليسية متكاملة.

وعن طقوس الكتابة يقول: “الآن أكتب في الصباح من التاسعة صباحاً وحتى الثالثة بعد الظهر في غرفة هادئة جيدة التدفئة فالضجة والبرد يشتتان تفكيري.. عندما كنت شاباً اعتدت على الكتابة على الفور واستنساخ الأصل ثم مراجعتها مرة أخرى أما الآن فأقوم بتصحيحيها أثناء الكتابة.. أتناول وجبة جيدة وأكتب على الآلة الكاتبة الكهربائية”. كما نعرف أن زوجته تحرص على وضع وردة أمامه وإذا حدث مرة ولم يجد الوردة يعرف أن ذلك سبب في تعثر الكتابة، كما أنه يتحدث كثيراً عن ما يكتبه مع أصدقائه لأنها طريقته لاكتشاف أن ما يكتبه يقف على أرض ثابتة، على الرغم من أنه يرفض أن يقرأ أحد من أصدقائه ما يكتب إلا بعد الانتهاء تماماً من نصه، لأنه يعتقد أن الكتابة أكثر المهن فردية في العالم “لا أحد بإمكانه مساعدتك في كتابة ما تكتب”.

وعن الخيال في الرواية يقول: “أفضل شكل أدبي دائماً يكون الحقيقة.. في الكتابة لا يمكن اختلاق أو تصور كل ما تريد لأنك بذلك تخاطر بعدم قول الحقيقة، كما أن الأكاذيب أكثر خطورة في الأدب منها في الحياة العادية وحتى عملية الاختلاق التي تبدو اعتباطية لها قواعدها، يمكن التخلي عن العقلانية بشرط عدم الوقوع في الفوضى واللامعقول التام”.

من شكله كاتباً ؟

الكتاب الذين أثروا في ماركيز كثيرون أهمهم “كافكا” و”أرنست هيمنجواي”، و”فيرغينا وولف”.

يقول ماركيز: “أثناء الكتابة تحدث أشياء غير متوقعة فالشخصيات تتبلور أثناء كتابة الرواية وتكتسب ملامح وصفات.. ومشاكلي في الكتابة تتعلق ببناء الرواية أو تصور نفسية وأخلاق وسلوك البطل بشكل دقيق، وحين الانتهاء من كتابة رواية أفقد الاهتمام بها تماماً”، وكان رأيه في الإلهام أنه “لحظة يتوحد فيها الكاتب مع الموضوع من خلال التشبث به والسيطرة عليه”، وأنه عندما يفقد توحده مع موضوع الكتابة يلجأ إلى العمل اليدوي مثل “تثبيت الأقفال والمفاتيح الكهربائية أو طلاء الأبواب باللون الأخضر لأن الأعمال اليدوية تساعد في التغلب على الخوف من الواقع”.

بخصوص الواقعية السحرية يقول: “أن الحياة اليومية في أميركا اللاتينية تثبت أن الواقع ملئ بالأشياء غير العادية وأن “مئة عام من العزلة” عندما قرأها أناس عاديين لم يشعروا بالمفاجأة لأن ما أرويه لم يكن مختلفاً عن ما يعيشونه”.

المسألة ليست في كتابة الرواية وإنما في كتابتها بجدية..

في كتابه “كيف تكتب الرواية” ترجمة صالح علماني، وهو عبارة عن سلسلة من المقالات له، يقول: “أكثر من يسألون أنفسهم كيف تكتب الرواية هم الروائيون بالذات.. ونحن نقدم لأنفسنا أيضاً إجابة مختلفة في كل مرة، وأنا أعني الكتاب الذين يؤمنون أن الأدب هو فن موجه لتحسين العالم، المسألة ليست إذاً في كتابة رواية وإنما في كتابتها بجدية، حتى ولو لم تبع فيما بعد ولم تنل جائزة”.

وعن تمزيقه لمخطوطات الكتابة حينما يقرأها بعد فترة ويجد نفسه غير راضي عنها رأى أن تمزيق القصص القصيرة أمر لا مناص منه، لأن كتابتها أشبه بصب الأسمنت المسلح، أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر وهذا يعني أنه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الأولى فالأفضل عدم الإصرار على كتابتها، بينما مع الرواية الأمر أسهل إذ ممكن العودة للبدء من جديد”، كاشفاً أنه بعد أن أصبح مشهوراً كان يعاني في كتابة الرواية.

وفي كتابه “نزوة القص المباركة” ترجمة صالح علماني، والكتاب عبارة عن مطبوعة لورشة عن كتابة السيناريو أدارها ماركيز مع مجموعة من الشباب.

يقول ماركيز: “القصة تولد ولا تصنع.. والموهبة وحدها لا تكفي فمن يملك الاستعداد الفطري وحده، لا يملك الصنعة لأنه يفتقر إلى الكثير من الثقافة والتقنية والخبرة، ولكنه يملك الشئ الأساسي وهو شئ ربما تلقاه من الأسرة، ولست أدري إذا كان ذلك عن طريق الجينات الوراثية أو عن طريق الأحاديث التي تدور على المائدة، هؤلاء الأشخاص الذين يمتلكون الاستعدادات الفطرية يقصون الحكايات في العادة دون أن يقصدوا ذلك، ربما لأنهم لا يحسنون التعبير بطريقة أخرى، نصف الحكايات التي بدأت تكوينها سمعتها من أمي لأن القصص كانت بالنسبة إليها مثل ألعاب مشوقه”.

وأدهشنا ماركيز بقوله: “نحن الروائيين لا نقرأ الروايات إلا لكي نعرف كيف كتبت.. فأحدنا يقلبها يفككها ويرتب القطع والأجزاء، يفتح عينيه جيداُ، ولا يسمح للتنويم المغناطيسي بأن يستولي عليه، محاولاً أن يكشف خدع الحاوي.. فالتقنية والخدع أمور يمكن تعلمها”، مؤكداً لتلاميذه على أنه: “إذا أراد أحدهم أن يكون كاتباً فيجب أن يكون كذلك طوال أربعة وعشرين ساعة في اليوم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة