خاص : كتبت – سماح عادل :
“مؤنس منيف الرزاز”، كاتب أردني.. ولد في “السلط” بالأردن عام 1951، ونشأ في عمان.. والده “منيف الرزاز”، طبيب من أبرز القادة الأوائل لـ”حزب البعث العربي الإشتراكي”، ووالدته “لمعة بسيسو” من رائدات العمل الاجتماعي والسياسي.. درس في مدرسة “المطران” في عمان، ثم تخرج من جامعة بغداد في تخصص الفلسفة، ثم التحق بجامعة “جورج تاون” في واشنطن لإستكمال دراساته العليا، إلا أنه تركها بعد عام واحد، حيث التحق بأسرته التي إنتقلت من عمان إلى بغداد عام 1977.
حياته..
بدأ حياته العملية في الملحق الثقافي لجريدة (الثورة) العراقية في بغداد، ثم أقام في بيروت بين عامي 1978 و1982، حيث عمل في مجلة (شؤون فلسطينية)، ونشر عدداً من القصص في صحيفتي (السفير) و(النهار)، وعايش الحرب الأهلية اللبنانية.. ومن بيروت عاد إلى عمّان، وعمل في مجلة (الأفق)، ثم المكتبة العامة لأمانة العاصمة الأردنية، ثم كاتباً لعمود يومي في جريدة (الدستور)، ثم كاتب عمود يومي في جريدة (الرأي).
بالإضافة إلى أنه عمل مستشاراً لوزارة الثقافة منذ عام 1993، وأميناً عاماً لـ”الحزب العربي الديمقراطي الأردني”، وانتخب عـام 1994 رئيساً لرابطة الكتّاب الأردنيين.
أنتخب “مؤنس الرزاز” عام 1993، أمينا عاماً للحزب العربي الديمقراطي الأردني، الذي نشأ في الأردن في 1989، لكنه استقال من موقعه، ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2000 في حقل الرواية.
أعماله..
ترك “مؤنس الرزارز” ثلاث مجموعات من القصص القصيرة هي: “مدّ اللسان الصغير في وجه العالم الكبير) 1975، و(البحر من ورائكم)، و(النمرود) 1980. كما خلف إثنتي عشرة رواية هي: (أحياء في البحر الميت) 1982، و(إعترافات كاتم صوت) 1986، و(متاهة الأعراب في ناطحات السراب) 1986، و(جمعة القفاري.. يوميات نكرة) 1990، و(الذاكرة المستباحة) و(قبعتان ورأس واحد) 1991، و(مذكرات ديناصور) 1991، و(الشظايا والفسيفساء) 1994، و(فاصلة في آخر الـسطر) 1995، و(سلطان النوم وزرقاء اليمامة) 1996، و(عـصابة الورد الدامية) 1997، و(حين تستيقظ الأحلام) 1997، و(ليلة عسل) 2000.
وقد ترجم “الرزاز” عن الإنكليزية (من روائع الأدب العالمي: قصص لمجموعة من الكتّاب) 1980، ورواية (إنتفاضة المشانق) للكاتب الألماني ترافِن B.Traven عام 1981، التي ترجمها بالتعاون مع الكاتب الأردني “إلياس فركوح”، ورواية (حب عاملة نحل) 1985؛ للكاتبة الروسية “ألكسندرا كولونتاي” Kollontai. وقد جمعت جريدة (الرأي) بعض ما كتب “الرزاز” في عموده اليومي فيها، وأصدرته تحت عنوان (الحاضر الغائب).
من رواياته..
– رواية (جمعة القفاري): “جمعة القفاري” هو رجل له يوميات متعددة، قام الكاتب بسردها بطريقة شيقة، تحوي إنتقادات الكثيرين له، وفي مقدمتهم ابن عمه “أبو الغلبة”، خاصة في ظل عدم تكيفه مع المجتمع وشعوره الدائم بالإحباط في فهم البشر، وهو رغم ذلك يملك شخصيته مليئة بالخير والصفات الحميدة والأمانة والصدق وأيضاً بالشجاعة.. هي رواية تسرد حياة شخصية لمواطن بطريقة ساخرة ومميزة.
– (حين تسقط الأحلام): الرواية تغوص في خيالات سريالية، وهي تمزج هذه الخيالات مع الواقع المرير، فهي عبارة عن مزيج من الجنون والأحلام، ونهايتها بلا نهاية.
– (مذكرات ديناصور): البطل هو “عبدالله الديناصور”، وهو شخصية مستكينة محبط دائماً ومهزوم داخلياً، تلاحقه الكوابيس دوماً، وسبب تسميته بالديناصور، لأنه موجود في زمن قد إنقرض فيه مثل هذه الشخصيات.
إنهيار التاريخ..
يقول عنه الكاتب “فيصل دراج”: “تكمن خصوصية مؤنس الرزاز الروائية في بحثه الشكلي، في إنتقاله المتجدد من شكل إلى آخر. وحقيقة الأمر أن الرزاز لا يريد أن يقدم شهادة عن التاريخ العربي المعاصر، بقدر ما يسعى إلى تقديم إنهيار هذا التاريخ في شهادة روائية”.
فضح الأنظمة الشمولية..
يقول عنه الروائي “محمود شقير”: “مات مؤنس بعد أن كان خلال سنوات عمره الخمسين، شاهداً على عصره العربي الغاص بالإنهيارات. ومنذ أن أصدر روايته الثانية (اعترافات كاتم صوت) أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، بدا واضحاً أنه معني بفضح الأنظمة الشمولية. ويبدو أنه كان يسابق الزمن ويستبق ساعة الموت. أصدر خلال سنوات قليلة عدداً غير قليل من الروايات التي أغترفت مادتها الخام، من همومه الشخصية الممتزجة بمآسي أمته. مؤنس الذي أصدر هذا العدد من الروايات، كان على وشك الدخول في تجربة إبداعية جديدة اسمها أدب الإعترافات، أشار إليها في الحوار الذي أجرته معه مجلة (صوت الوطن) الفلسطينية، قبل شهرين من وفاته، ونشر بعض مشاهد من هذه التجربة في مجلة (أفكار) الأردنية. مؤنس الذي كان له نشاط سياسي مباشر خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، ثم لم يواظب عليه رغبة منه في التفرغ للكتابة، مؤنس الذي كان بيته في عمان محجاً لنا نحن الذين إنخرطنا، ومعنا مؤنس، في نشاط نقابي في رابطة الكتاب الأردنيين طوال عقد الثمانينيات، مؤنس الذي رحل بمثل هذا الإستعجال، ترك في قلبي جرحاً نازفاً”.
ويواصل عن أهمية الكتابة بالنسبة لـ”مؤنس الرزاز”: “كان حريصاً على الكتابة دون إنقطاع. وحينما فاجأنا بروايته (اعترافات كاتم صوت)، وبروايته التي تلتها (متاهة الأعراب في ناطحات السراب) بدا واضحاً أن كتابته الروائية تتوفر على منظور فني متقدم، ما يعني أن تفاعله مع الثقافة العربية ومنجزاتها كما شهدتها بيروت وغيرها من العواصم العربية، مكّنه من كتابة روايات ناجحة فيها قدر غير قليل من المغامرة الفنية والتجريب. وأنا أعيد قراءة (جمعة القفاري.. يوميات نكرة) المكتوبة بأسلوب هزلي ظريف، لاحظت كيف يكتب مؤنس رواية أردنية بإمتدادات عربية، وبأفق إنساني يتسع لهموم إنساننا العربي المعاصر. لاحظت كيف يحتفي الكاتب بعمان دون مبالغة أو افتعال. كيف يعدد أسماء مدن أردنية وقرى، ما يعطي المكان في الرواية مكانة مرموقة ويسبغ على الرواية نكهة محلية خاصة. لاحظت كيف يسرد أسماء كتاب أردنيين وأسماء سياسيين أردنيين كان لبعضهم دور بارز في الماضي القريب، في حين أن بعضهم الآخر ما زال يؤدي دوراً بارزاً حتى الآن. لاحظت كيف أستوعب مؤنس، ولم يمض على عودته إلى عمان سوى بضع سنوات، التغيرات التي فعلت فعلها في النسيج الاجتماعي للمدينة وفي منظومة القيم. كيف أستوعب ما يجري في عالمنا من تغيرات سلبية حادة، تركت أثرها علينا وعلى غيرنا. وكيف جسّد كل ذلك في عمل فني هزلي ممتع.وأنا أعيد قراءة الرواية، لاحظت كيف أن معاناة مؤنس بسبب حساسيته المفرطة، تزداد تفاقماً”.
معضلات الوضع العربي..
يؤكد “محمود شقير” على أن “مؤنس الرزاز” كان مهموماً بالواقع العربي، يقول: “إن إستلهام مؤنس لتجربة حياته الشخصية، واستثمارها في روايتين من روايات السيرة الذاتية، يقدم لنا نماذج بشرية موّارة بصخب الحياة وعنفها. مؤنس في روايتيه يستعرض الكثير من معضلات الوضع العربي، بدءاً من تجربة الوحدة ثم الإنفصال، مروراً بتجربة المقاومة الفلسطينية في لبنان، وليس إنتهاء بتجربة كاتم الصوت في غير قطر عربي. ورغم أن شخوص مؤنس في الروايتين، يمكن اعتبارها بشكل أو بآخر، رموزاً حاملة لأفكار ومواقف وإيديولوجيات، إلا أنه يبدو، بفعل ما لديه من وعي فني، حريصاً على الابتعاد عن المواقف الذهنية المجردة، التي تفقر الشخوص وتجعل حركتها ثقيلة مفتعلة، وذلك بشحنها بكل ما هو مشخص ونابض بالحياة في مجرى السرد الروائي، الذي يتوسل شكل المونولوج. مؤنس لم يكرس روايتيه للقضايا السياسية والاجتماعية وحسب، فثمة تأملات وجودية فيهما، وعزف متكرر على ثيمة الموت”.
زعزعة أمان القارئ..
يقول عنه الكاتب “فخري صالح”: “يبدو عمل الروائي الصديق الراحل مؤنس الرزاز راهناً في هذه المرحلة من حياة العرب المعاصرين. ويمكن النظر إلى تجربته بوصفها تفكرا في العالم والوجود العربي، من خلال السرد والكتابة؛ فهو لم يسع إلى إمتاع قارئه بما يحكيه من حكايات بل آثر إقلاق راحة هذا القارئ دافعا إياه إلى مشاركته التفكير في ما آل إليه حالنا، وفي الأسباب البعيدة والقريبة التي جعلت العرب يواجهون مأزقا وجوديا معقدا في الزمان الحديث. روايات مؤنس الرزاز مسكونة بهاجس الكشف عن المشكلات العميقة التي يواجهها عرب هذا الزمان. ولهذا كانت ظاهرتا الاستبداد والعسكريتاريا، والتحام هاتين الظاهرتين معاً، الثيمة الرئيسية التي تركزت حولها تلك الروايات، خصوصا في أعماله الثلاثة الأولى: أحياء في البحر الميت، واعترافات كاتم صوت، ومتاهة الأعراب في ناطحات السراب، التي يمكن عدها ثلاثية روائية تسعى للكشف عن بنية الاستبداد وانهيار المشروع النهضوي العربي نتيجة تحالف العسكر مع العصبيات والانتماءات الطائفية والقبلية الضيقة وأصحاب المصالح والتبعية الظاهرة والخفية لأنظمة الغرب الاستعمارية. ويستخدم مؤنس في هذه الروايات، لتحقيق غاياته الفكرية، تقنيات حداثية وأشكالا متداخلة ومتقاطعة من الحكي، جاعلا الراوي يتدخل في السرد لينتشل القارئ من وهم السرد، منبها إلى أن ما يجري هو تخييل لا حقيقة متعينة. لكنه من خلال لعبة كشف أقنعته السردية، أو ما يسمى في تصنيف الأشكال السردية الميتاـ سرد أو الميتافيكشن، يعمل على التشديد على تعالق السردي والفكري، أو تنبيه القارئ إلى مسعاه لتأويل الحالة العربية، والوقوع على البنيات الشعورية واللاشعورية التي تقيم في أسس الدوافع السلوكية، الفردية والجماعية، للجماعة العربية في الزمان الحديث”.
النهضة كحلم..
ويؤكد” فخري صالح” على أن ” مؤنس الرزاز كان يحلم بالنهضة يقول: “بالتوازي، أو ربما بالتقاطع مع المسعى السابق، انشغل مؤنس في رواياته بقضايا الحداثة والنهضة والتقدم، بوصفها هاجسا روائيا أولا، وفكريا في المرتبة الثانية. ولعل هذا الهاجس هو ما يلحم ثلاثيته الروائية برواياته التالية التي كرسها لقراءة التحولات الهجينة التي ضربت بعصاها مدينة عمان في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، محولة مدينة صغيرة هادئة إلى مدينة استهلاكية حديثة ذات علاقات اجتماعية واقتصادية مشوهة. ويستخدم مؤنس، لجلاء هذه التحولات، شخصية «أبله العائلة»، في «جمعة القفاري» على سبيل المثال، ليعرض من خلال عيون بريئة كيف يتغير البشر وتتغير علاقاتهم وتعصف بهم شهوة الثروة. إن في إمكاننا أن نلاحظ، سواء في روايات مؤنس أو قصصه أو مقالاته، خيطا ناظما يتمثل في انشغاله بقضية تقدم العرب وخروجهم من قبضة التخلف والاستبداد السياسي المقيم بين ظهرانيهم ينغص عليهم عيشهم ويمنع دخولهم العصر الحديث. وقد حاول في رواياته البحث عن تأويل سردي لهذا المأزق الذي علق العرب في شبكة خيوطه المعقدة، فاستخدم نظريات كارل غوستاف يونغ النفسية ودوافع السلوكين الفردي والاجتماعي لدى إريك فروم، وقوساً واسعا من النظريات الفكرية والسياسية التي استلهمها في تفسير أسباب هذا المأزق ودوافعه.كان مؤنس مهموما بحل معادلة التقدم والحداثة في الحياة العربية المعاصرة، راغبا في التعرف على أسباب العطالة التاريخية، والمأزق الحضاري الذي يعبره العرب المعاصرون: لماذا تقدم الآخرون وتأخرنا نحن؟ لكنه لم يسع إلى النظر إلى ذلك من خلال البحث الفلسفي أو السوسيولوجي، بل من خلال الرواية، عبر تشييد عالم من البشر والأحداث. دفعه إلى ذلك معرفته بأن الشكل الروائي يوفر أدوات ملموسة للإجابة على الأسئلة المجردة، فالرواية هي الشكل الذي يقوم بتحويل المجرد إلى ملموس، فيما الفكر يحول الملموس إلى مجرد. وقد كان مؤنس ميالا إلى رؤية الأشياء والأفكار وهي تتحول إلى وقائع وأحداث تسيل حياةً وعواطفَ وصوراً تضيء الأفكار وتقدم تأويلات متعددة لها، وشرحا مواربا لدلالاتها ومعانيها”.
التشظي الفكري..
تقول الروائية سميحة خريس: “رغم أن الساحة الأردنية ساحة لا تعترف بالتأثر بكتابات بعضنا البعض، إلا أن البحث الدقيق يكشف أن هناك جيلا من الشباب تأثر بأسلوب الرزاز الكتابي، خاصة في موضوع تشظيه الفكري وإبراز طريقة الحيرة في المعنى عنده، مبينة أن ذلك لم يجد الدراسة الوافية والذكية التي تلاحظ هذه الأشياء. إن الرزاز صديق لن يتكرر وإنسان دافئ يصعب أن يجود الزمن بمثله، رغم كل ما حولنا من صعوبات ومشاكل، أعتقد أننا كنا محظوظين لأن الرزاز كان في يوم من الأيام بيننا”.
توفي ” مؤنس الرزاز” في 2002 في مستشفى لوزميلا بعمان، إثر أزمة صحية باغتته في منزله بجبل اللويبدة الذي شهد طفولته المبكرة.