تضررت سمعة السعودية تضررًا كبيرًا من التنديد الدولي الواسع بمسؤوليتها في اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، وقد تدفع أثمانًا باهظة قد تطيح بولي العهد لتجاوز هذا المأزق.
بعد الواحدة بقليل من ظهر الثلاثاء، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، دخل الصحافي السعودي البارز، جمال خاشقجي، إلى قنصلية بلاده بإسطنبول، بناء على موعد مسبق، للحصول على شهادة إثبات الحال المدنية. كان خاشقجي قد ذهب للقنصلية قبل ذلك بأربعة أيام، ولكن أحد الموظفين أخبره، بعد حديث طويل، أن من الصعب الانتهاء من المعاملة في اليوم نفسه. ولأن خاشقجي ارتبط بموعد مسبق في لندن للمشاركة في ندوة حول ذكرى اتفاقية أوسلو، تم الاتفاق على أن يعود للقنصلية في الواحدة ظهر الثاني من أكتوبر/تشرين الأول. بمعنى أن المسؤولين في القنصلية، والجهات المشرفة في الرياض، كانوا يعرفون، قبل أربعة أيام كاملة، أن جمال خاشقجي سيحضر لمبنى القنصلية بإسطنبول في الموعد المقرر.
صحب خاشقجي في زيارته للقنصلية خطيبته التركية، خديجة جنكيز؛ ولكن، ولأنها ليست سعودية الجنسية، لم يكن لها أن ترافقه في الدخول إلى مكاتب القنصلية التي تتعامل مع المواطنين السعوديين. وربما حتى لم يلحظ موظفو القنصلية أن أحدًا كان بصحبة خاشقجي، نظرًا لمظهر خديجة جنكيز التركي وقضائها معظم الوقت خارج القنصلية. بعد خمس ساعات من الانتظار، وبعد أن انتابها القلق واليأس من خروجه، اتصلت خديجة بأصدقاء لجمال خاشقجي، داخل تركيا وخارجها، لتخبرهم بما حدث؛ وقد نصحها هؤلاء بالاتصال بالشرطة مباشرة، وإبلاغ السلطات التركية باحتجاز خاشقجي داخل القنصلية.
بذلك، بدأت قضية خاشقجي في التفاعل، تركيًّا وإقليميًّا ودوليًّا؛ فالسيد خاشقجي لم يخرج من القنصلية السعودية مطلقًا، أو على الأقل، ليس ثمة دليل على خروجه حيًّا. السلطات السعودية، في تركيا والرياض، بمن في ذلك ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تدَّعي أن خاشقجي قضى ما لا يزيد على عشرين دقيقة داخل القنصلية؛ ومن ثم غادر بعد أن تسلَّم أوراقه، لكنهم فشلوا في إثبات ذلك.
فما الذي حدث فعلًا للصحافي السعودي الكبير، المعروف على نطاق عالمي؟ وأية عواقب يمكن أن يتركها اختفاؤه على موقف السعودية في العالم، لاسيما موقف حاكمها الفعلي، محمد بن سلمان، الذي يحرص على تقديم نفسه للعالم باعتباره حاكمًا إصلاحيًّا؟
رجحان الاغتيال
بعد التصريحات التي صدرت عن مكتب المدعي العام التركي على إثر تفتيش القنصلية السعودية، بات في حكم المؤكد أن الصحفي، جمال خاشقجي، اغتيل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. فقد أشارت تلك التصريحات إلى حصول فريق التحقيق التركي على أدلة من داخل القنصلية تثبت عملية القتل، ولم ينف فريق التحقيق السعودي المشترك مع فريق التحقيق التركي تلك التصريحات. كما نقلت قناة “سي إن إن” عن مصادر لم تسمها أن السلطات السعودية تُعد تقريرًا تُقِرُّ فيه بالاغتيال ولكنها تنفي عنه صفة العمد أو حصوله بأوامر من الملك أو ولي عهده.
مع تواصل الجدل حول عملية الاغتيال وتدفق المزيد من المعلومات عن ملابساتها وتفاصيلها الدقيقة، تشكَّلت قناعة لدى الدول الغربية الرئيسية بأن السعودية تتحمل مسؤولية اختفاء خاشقجي وأن عليها أن تسارع بالكشف عن مصيره، وإلا فإنها ستواجه عقوبات شديدة إذا لم تثبت براءتها. وقد عبَّر عن هذا الموقف بوضوح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. خلاصة ذلك أن سمعة السعودية تضررت كثيرًا حتى قبل التأكد من مصير خاشقجي بالأدلة القاطعة والعثور على جثته التي لا يزال البحث جاريًا عنها، والتي تقول المصادر التركية إنها تعرضت للتقطيع ونُقلت إلى جهة مجهولة.
استهداف تأثير خاشقجي
لماذا جازفت السعودية بسمعتها وبعلاقتها مع تركيا للتخلص من خاشقجي؟ وما الخطر الذي يمثِّله على أمنها ومصالحها؟
لقد برز جمال خاشقجي صحفيًّا مجتهدًا منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، خلال فترة عمله بصحيفة الحياة اللندنية في سنوات ازدهارها. وفي الفترة من 1999 – 2003، أصبح خاشقجي نائب رئيس تحرير العرب نيوز السعودية، التي تصدر بالإنجليزية. وفي 2004، أصبح رئيسًا لتحرير الوطن السعودية لعدة شهور، ولكنه عاد لرئاسة تحرير الوطن في 2007 إلى أن أُجبر على الاستقالة من منصبه في 2010. وفي الفترة بين عمله الأول والثاني في الوطن، التحق بالأمير تركي الفيصل، مستشارًا إعلاميًّا، خلال تسلم الفيصل منصبه سفيرًا للمملكة العربية السعودية في لندن، ثم في واشنطن. اختاره الأمير الوليد بن طلال مديرًا لقناة العرب الإخبارية، التي تأسست في العاصمة البحرينية المنامة، ولكنها لم تبث سوى ليوم واحد في 2012. عاد بعد ذلك لكتابة مقالات الرأي في الوطن والحياة، إلى أن مُنع من الكتابة والنشر نهائيًا في 2017، عندما بدأ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حملته على العلماء والشخصيات العامة وقادة الرأي في المملكة. وكان المنع من الكتابة، من جهة، وتصاعد مناخ الخوف والقمع، من جهة أخرى، ما دفع خاشقجي لمغادرة المملكة إلى الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2017.
لسنوات طويلة، اعتُبر خاشقجي وثيق الصلة بالطبقة الحاكمة في المملكة، بالرغم من أنه حافظ على مسيرته كاتبًا، ولم يشتغل في العمل السياسي بمعناه المباشر والمهني مطلقًا. وقد ساعده قربه من دوائر الحكم على معرفة الكيفية التي تدار بها أمور الأسرة المالكة وشؤون المملكة، ما أسبغ على آرائه وكتاباته درجة عالية من المصداقية. وقد ساند في البداية محمد بن سلمان حين رفع شعارات إصلاحية لكنه ابتعد عنه فيما بعد وفضَّل المنفى الاختياري. وقد وجد في صحيفة الواشنطن بوست منبرًا مؤثرًا، ينتقد فيه سياسات ابن سلمان ويكشف زيفها الإصلاحي. فلعب دورًا مهمًّا في تقديم صورة مناقضة للصورة التي حرص ابن سلمان على ترويجها لنفسه في الغرب وراهن عليها في كسب التأييد الخارجي لتوليه عرش المملكة.
حسابات مثلث اللاعبين الرئيسيين
على الجانب السعودي، عمل ولي العهد محمد بن سلمان، في سعيه لتولي عرش المملكة، على كسب دعم البيت الأبيض وبناء صورة لدى الغرب باعتباره مُصلحًا يسعى لتحديث المملكة وبناء دولة لا تثير مخاوف الغربيين. فأوقف إجراء منع المرأة من حقها في سياقة السيارات، ومنع الشرطة الدينية من التدخل في الحياة الخاصة للناس، وتخلص من التفسير الوهابي للإسلام الذي يعتقد مراقبون غربيون أنه المصدر الفكري للتنظيمات الجهادية. وقد نجح ابن سلمان في تسويق هذه الصورة عند قطاعات غربية مهمة، لكن توالي التقارير في وسائل إعلام عربية وغربية مؤثرة عن مسؤوليته عن اغتيال خاشقجي أضر بهذه السمعة، وبات يُنظر إليه على أنه قاتل يضيق بالصحافة الحرة وينتهك حرمة الدول الأخرى، أي إنه بات “مارقًا” على حد وصف الإيكونوميست. هذه الصورة الجديدة وضعت حلفاء المملكة والمتحمسين لقيادة ولي العهد في مأزق حاد، وطرحت عدة أسئلة من قبيل: إذا تمسكنا به ودافعنا عنه سنخسر الرأي العام الذي نحتاجه للفوز في الانتخابات، وإذا نجحنا في إنقاذه هذه المرة ما الذي يضمن ألا يوقعنا مجددًا في ورطة أخرى؟ وهل من المجدي رهن مصالحنا به وهو يسيء التقدير المرة تلو الأخرى: أليس من الأفضل أن نجد بديلًا من داخل العائلة المالكة ينقذ صورة المملكة ويجنِّبها هذه الأخطاء القاتلة ويحمي في الوقت ذاته مصالح حلفائها؟
على الجانب التركي، تُعَدُّ واقعة الاغتيال انتهاكًا صارخًا وغير مسبوق لسيادة تركيا وإهانة للدولة التركية وحكومتها، كما تضع الرئيس، رجب طيب أردوغان، في موقف حرج، فهو المسؤول الأول عن حماية بلاده وتحصينها ضد الاختراقات الأمنية. ولعل تحفُّظ السياسيين الأتراك في تصريحاتهم حول القضية وتخويل جهات التحقيق بذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن تركيا لن تتردد في كشف الحقيقة الكاملة حول اختفاء خاشقجي وأنها ستأخذ القضية إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه، بغض النظر عن تأثيراتها على العلاقات التركية-السعودية. في نفس هذا الاتجاه تسير التسريبات المتلاحقة لمصادر استخباراتية تركية لوسائل الإعلام الدولية.
من جانب آخر، ستتيح واقعة اغتيال خاشقجي لتركيا فرصة للضغط على السعودية أمام الرأي العام العالمي ليس فقط من أجل الاعتراف بارتكاب جريمة الاغتيال وتحمل مسؤوليتها بقطع النظر عن الطريقة التي سيتم التعبير بها عن تلك المسؤولية، وإنما أيضًا قد تحصل منها على تنازلات في ملفات أخرى تهم علاقات البلدين وعدد من القضايا والأزمات التي تتفاعل في المنطقة.
على الجانب الأميركي، أفسد توقيت واقعة اغتيال خاشقجي خطط الرئيس الأميركي؛ فقد كان قبلها يدفع إلى تشكيل حلف عربي لعزل إيران، ويراهن على أموال السعودية لإنعاش سوق العمل الأميركية في حملته الترويجية للمترشحين الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. وهو يراهن في حساباته هذه على ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي قال عنه ذات مرة: “رجلنا في القمة”. لكن عملية الاغتيال أربكت تلك الحسابات لاسيما بعد أن تحولت إلى موضوع جدل سياسي داخلي واسع انخرط فيه مسؤولون أميركيون كبار. مثال ذلك السيناتور، لندسي غراهام، أبرز أعضاء مجلس الشيوخ وحليف الرئيس ترامب، الذي تجاوز التنديد بما حدث لخاشقجي إلى تحميل السعودية ومحمد بن سلمان شخصيًّا مسؤولية اختفائه وقتله والمطالبة بإبعاده عن الحكم. وهو موقف يتجه الكونجرس بمكوِّنيْه، الجمهوري والديمقراطي، إلى تبنِّيه، خاصة في حال ثبت تورط السعودية في عملية الاغتيال سواء اعترفت بذلك أم أنكرت. هذا الموقف يضع الرئيس ترامب وإدارته تحت ضغط متزايد للاختيار بين أحد موقفين: إما مواصلة الدعم لموقف المملكة وروايتها الرسمية حفاظًا على ما يعتبره مصالح اقتصادية لأميركا لا يمكن الاستغناء عنها، أو رفع الغطاء عنها والالتزام بما سيسفر عنه التحقيق مهما كانت نتيجته، ولو أدت تلك النتيجة في نهاية المطاف إلى تنحية ولي العهد وربما فرض عقوبات على السعودية، كما يدعو إلى ذلك بعض المشرِّعين.
التداعيات
لن تقف تداعيات حادثة اغتيال خاشقجي عند حدود الداخل السعودي وإنما ستطول عددًا من القضايا التي تهم المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فقد ضربت واقعة الاغتيال، على سبيل المثال، الأسس التي استندت إليها السعودية في تبرير حصارها لقطر مثل اتهامها بالمروق والتدخل في شؤون الدول الأخرى وانتهاك سيادتها وزعزعة استقرارها. هذه الأوصاف مجتمعة تنطبق على واقعة الاغتيال وتجعل السعودية تبدو أمام الرأي العام دولة معتدية وليست ضحية لاعتداء الآخرين. وقد تنتهز قطر هذه الفرصة لكسب مزيد من التعاطف إلى صفها وتصوير الحصار كحلقة من حلقات التنمر السعودي الذي أدى إلى اغتيال خاشقجي.
إلى جانب ذلك، ستعرِّض واقعة الاغتيال علاقات ترامب مع المملكة العربية السعودية إلى مزيد من الأضرار ومفاقمة انعدام الثقة بينهما. فالرئيس ترامب لم يتردد في توعد القيادة السعودية بالعقاب حين شعر أن الوقوف معها إلى النهاية قد يهدد سلطته ويقلِّص من قاعدته الانتخابية داخل أميركا. هذا التغيير في موقف الرئيس الأميركي من سلوك المملكة يُعَدُّ الثاني في ظرف عام واحد بعد أن كان قد غيَّر موقفه إزاء حصارها لقطر من التبني الكامل إلى دعم الوساطة الكويتية والبحث عن مخرج سياسي ودبلوماسي للأزمة.
في مستوى آخر، قد تُعجِّل واقعة الاغتيال بشروع المحاكم الأميركية في تطبيق قانون جاستا. فإذا ثبتت مسؤولية القيادة السعودية عن الجريمة، سيسقط عنها مبدأ حُسن النية ويتأكد للمحاكم الأميركية استهتار هذه القيادة بالقانون الدولي ولن تعود المحاكم ملزمة بالرجوع إلى الخارجية الأميركية لطلب موافقتها. ولن تستطيع الخارجية الأميركية بعد ذلك الاعتراض على المحاكمات حتى لا تبدو مدافعة على قيادة مدانة بارتكاب جريمة قتل لصحفي بريء.
على الصعيد الأوروبي، والغربي عامة، تضررت سمعة المملكة بشكل غير مسبوق، وتحولت صورة ولي العهد “الشاب المصلح” إلى “قاتل” أو “متستر على جريمة”. وإذا فشلت السعودية في إثبات براءتها من دم خاشقجي وإخلاء مسؤوليتها عن إخفائه أو اغتياله، فإن تداعيات تلك الجريمة ستتجاوز بالتأكيد إطارها المحلي وربما تتحول إلى قضية تنظرها المحاكم الدولية. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن الأضرار قد بدأت تظهر على الاقتصاد السعودي، ولا شك أن حركة المقاطعة والانسحابات المتسارعة والمتزايدة من مؤتمر “دافوس في الصحراء” للاستثمار المقرر عقده بالرياض بدءًا من 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، مؤشر إضافي على تلك التداعيات السلبية.
سيناريوهات ممكنة: قتلة مارقون أو عزل بن سلمان
تحكم السيناريوهات المحتملة ثلاثة اعتبارات رئيسة:
حرص السعودية على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعتها ومصالحها وعلاقاتها الدولية وخفض التكلفة قدر المستطاع.
حرص تركيا على الوصول إلى حقيقة ما حدث وتحميل المسؤولية إلى أصحابها مع السعي إلى تعزيز مكاسبها قدر المستطاع خاصة في ملفات إقليمية تتقاطع فيها مع السياسة السعودية.
محاولات البيت الأبيض ترميم علاقته بالسعودية وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل واقعة الاغتيال لضمان تدفق التمويلات السعودية إلى الخزانة الأميركية واستمرار صفقاتها واستثماراتها في الولايات المتحدة.
السيناريو الراجح: تعترف السعودية بواقعة الاغتيال لكن تُصوِّرها على أنها حدثت بالخطأ وليست عمدًا وأن أوامر الاختطاف صدرت من جهات “غير منضبطة” دون مستوى ولي العهد. وقد أوردت تقارير أن ولي العهد، محمد بن سلمان، قد يستعمل التحقيق للتخلص من خصومه أو المنافسين المحتملين له. حيث وردت تقارير بأنه سيحمِّل الاغتيال لوزير الداخلية، عبد العزيز بن سعود بن نايف، ورئيس المباحث، عبد العزيز الهويريني، وهما ليسا من أهل ثقته، فالأول من عائلة نايف والثاني أحد رجال ولي العهد السابق، محمد بن نايف.
هذا السيناريو يخدم هدف ترامب في الحفاظ على المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة مع السعودية، ومن جانب ثان يحافظ على حظوظ “رجله”، محمد بن سلمان، في تولي العرش السعودي، كما يُظهر ترامب في مظهر الرئيس القوي الذي التزم بوعده واقتص لدم خاشقجي. وسيُرضي بذلك أعضاء الكونغرس الغاضبين والمدافعين عن حرية الصحافة وحرية التعبير.
يرضي هذا السيناريو جزئيًّا الأتراك، خاصة إذا اشتمل على اعتذار رسمي سعودي، لأنه سيحفظ صورة تركيا كدولة حريصة على سيادتها، حازمة في الوصول إلى الحقيقة، وقادرة على ملاحقة المجرمين وكشفهم. ولكنه من جهة أخرى يفوِّت عليها تنازلات مهمة من السعودية في قضايا تخص أمنها القومي كتواصل مسؤولين سعوديين مع قيادات كردية تعدها تركيا “إرهابية”، وقبول الرياض برفع الحصار عن الحليف القطري.
سيناريو عزل محمد بن سلمان: سيكون أكثر ملاءمة لأهداف تركيا لأنها ستتخلص من شخص يُمثِّل خطرًا على مشاريعها بل ويهدد أمنها في الداخل والخارج. ستنقسم الولايات المتحدة إزاء هذا السيناريو بين مرحِّبين به من أعضاء الكونغرس ودوائر الاستخبارات، ومعترضين عليه ومقاومين له في البيت الأبيض. لكن، قد ترتفع حظوظ قبول الأميركيين به إذا أصرت تركيا عليه وأثبتت أنها تملك أدلة دامغة تورِّط محمد بن سلمان شخصيًّا، وأنها قد تطلب تحقيقًا دوليًّا يشمله ويشمل أخاه خالد، السفير السعودي بواشنطن، الذي كان له دور في الإيقاع بخاشقجي، حسب ما أوردت وسائل إعلام أميركية نقلًا عن مصادر استخباراتية. وما يزيد من صدقية الرواية التركية في هذا السياق، ارتباط عدد من منفذي عملية الاغتيال بولي العهد شخصيًّا وبدوائره المقربة جدًّا.
ولكن هذا السيناريو سيلقى مقاومة شديدة داخل بيت الحكم السعودي وخاصة من ركنيه الأساسيين، الملك سلمان وولي عهده، محمد. ولن يوافق عليه الملك إلا بشرطين: تحول كبير في موقف الإدارة الأميركية استجابة لضغوط الكونغرس وبقية مؤسسات الدولة بما في ذلك الاستخبارات ووسائل الإعلام. هذا التحول سيمثِّل ضغطًا هائلًا لا يمكن للملك سلمان الوقوف في وجهه، خاصة إذا كان من ضمن خيارات هذا السيناريو استمرار المُلك في أحد أبنائه الآخرين. الشرط الثاني: تحول كبير في موقف الأسرة الحاكمة ذاتها وحصول توافق بين أركانها المؤثِّرة ضد استمرار ولي العهد في موقعه، خاصة إذا قدرت أن استمرار محمد بن سلمان في ولاية العهد سيعزل المملكة ويضر بأمنها واستقرارها وازدهارها وعلاقاتها الدولية. أما ولي العهد الحالي، فلن يسلِّم بسهولة وسيقاوم هذا الخيار بكل الوسائل، متسلحًا بطموحه الجارف لتولي العرش مهما كانت خسائره، وبمؤسسات الدولة، خاصة منها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر/ الجزيرة للدراسات