خاص: إعداد – سماح عادل
“ليلى نصير” فنانة تشكيلية سورية، من رواد الفن التشكيلي في سورية.
حياتها..
بدأت الرسم وهي ابنة الرابعة عشر. وحصلت على منحة حكومية للدراسة في مصر، وتخرّجت من كلية الفنون الجميلة في القاهرة 1963 بتخصص فن التصوير التشكيلي. أقامت معرضها الأول 1970. وهي جزء من الجيل الثاني للفنانين السوريين، الذين درسوا الفن التشكيلي في القاهرة بعد الجيل الأول الذي تلقَى تعليمه في إيطاليا.
عملت أستاذة محاضرة في كلية العمارة بجامعة تشرين. في 1989، توجت بجائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون في دورتها الثالثة، وتعتبر هذه الجائزة تقديرا للعطاء الفني الشامل الذي قدمته، واستحقاقا لها من الرواد في ميدان الفن التشكيلي السوري.
كتب عنها الشاعر السوري “نزيه أبو عفش”: “تجولت طويلًا بين أعمال عظماء كثيرين، فان غوغ، بيكاسو، فريدا كالو، ماتيس وآخرين كثر. لا في الرقة، ولا في العمق، ولا في الرهافة، ولا الصدق ولا في فداحة الألم وتواضع البوح فيه ….، لم أعثر على من هو (أو هي) أنبل من الفنانة السورية الغائبة أو المغيبة ليلى نصير.. أيها الأصحاب أرجوكم. من يرشدني إلى عنوانها؟ لا أريد لأحدنا (أنا أو هي) مغادرة الحياة قبل أن أعانقها وأقول لها: ليلى نصير العظيمة.. كم أنت جديرة بالحب والتقديس”.
تستخدم نصير خامات مختلفة وتتبنى تقنيات متنوعة، وتشتهر بتقديم النساء في لوحاتها كعاملات في مراحل متقدمة من حمْلهِن، بل وحتى شهيدات. هي واحدة من أبرز وأشهر الفنانين في سوريا، وذلك بفضل مسارها الفني الشامل وإتقانها الماهر لمجموعة متنوعة من الأساليب، بما في ذلك الواقعية، والسريالية، والتعبيرية.
في 2021، نظم اتحاد الفنانين التشكيليين معرض تكريمي في صالة الشعب بالعاصمة السورية، وشارك فيه 25 فنانًا تشكيليًا سوريًا من خلال تقديم لوحاتهم الفنية. هذه اللوحات كانت بمثابة تكريم للفنانة ليلى نصير تقديرا لمسيرتها الفنية وإسهاماتها الكبيرة في مجال الفن التشكيلي السوري عبر رحلة طويلة ومليئة بالإبداع، عرض الفنانون المشاركون في المعرض 25 لوحة، وأضيفت 8 لوحات أخرى تخص الفنانة ليلى نصير نفسها.
حكايا المارة..
في مقالة بعنوان (“ليلى نصير”.. الفنانة التي رسمت حكايا المارة على أرصفة اللاذقية) كتبت “سها كامل”: “كانت تسلّي نفسها وهي تنتظر القطار في خمسينيات القرن الماضي، من خلال اللعب بفرشاة الألوان، ترسم من خلالها حكايا الفلاحين في ليالي الشتاء الباردة، “ليلى نصير” الفتاة الشقية التي أخفت فنانّةٌ مُبدعة أحست بالألم الإنساني قبل أن ترسمه، ولُقّبت بفنانّة “التجربة”، لأن معاينتها لوجع الإنسان سبق تجربتها الفنية.
لم تكن “نصير” حينها تعتقد أن الألم الإنساني سيمس روحها بشكل مباشر، إذ انتهت لاحقاً في “بيت الراحة للمسنين باللاذقية”، ومنه قالت خلال زيارة الشاعر “منذر المصري” قبل أيام: «هالناس يلي بحبا وبعطيها حالي بنحرم منها طب ليش، كمان ايدي بالزور اقدر حركهن حتى اقدر ارسم واستمر، وين يلي بيشجع ليلى نصير تعطي وتقاوم أنا قاومت وعطيت بس ما بيطلع بايدي لم كل شي بالدنيا»”.
وعن لوحتها تضيف: “شهدت لوحة الفنانة “نصير” عدة تحولات، ظلت خلالها وفية لما نهلته من معارف وأسس فنية أكاديمية، أثناء وجودها كطالبة في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، خاصةً من كنوز الفن المصري القديم والحديث، وغاصت أيضا في تراث بلادها بحثا عن روحه، ودأبت على دراسة الحضارتين السورية والمصرية لتخرج منهما بحصيلة فنية جديدة معجونة بروحهما وروح العصر الذي تعيشه.
مرت تجربة الفنانة “نصير” في مراحل فنيّة مختلفة منها الرومانسيّة، السورياليّة، الواقعيّة، الواقعية الحديثة، وصولا إلى التعبيريّة، لكنها لم تتوقف يوما عن رسم السمكة و هي تسبح في البحر، وأكواخ الصيادين، ووجوه الفلاحين التي لفحتها أشعة الشمس، وحملت في لوحاتها الإنسان الذي بقي قضيتها الأولى، كما قالت مرة، في لقاء مع صحيفة “تشرين”: «الإنسان كان وسيبقى، ملحمة هذا الزمان وكل زمان، رغم كل ما يُحيط به من مآسٍ وحروب ومجاعات ودمار واستلاب مادي ومعنوي، خاصةً هذه الأيام التي تقوم فيها دول بابتلاع دول، وإذلال شعوبها، وسرقة حضارتها وكنوزها وخيرات أرضها»”.
الكتابة..
في حوار معها أجراه “شادي نصير” تقول “ليلى نصير” عن كتابة الأدب: “بدأت بكتابة القصة في الرابعة عشرة من عمري متأثرة بأختي التي تكبرني، وبعد حصولي على منحة دراسية مصرية تخصصت في فن التصوير التشكيلي، وحال عودتي لجأت لكتابة القصة القصيرة بتشجيع من “عبد الله عبد” ثم عرجت للشعر، ولأني افتقدت وجود المرسم لجأت لكتابة القصة القصيرة والشعر، ثم انتقلت بعدها إلى “دمشق” فكانت أحسن حالاتي الفنية فيها وأحسن إنتاج فني لي كان في مرسمي الصغير.
وبخصوص سؤالك من نظرة سريعة نجد أن هناك ترابطا بين فن التصوير والشعر والقصة، فبقدر ما يتصف شعري بالتضاد في الصور الشعرية نجد أن التضاد اللوني موجود في اللوحة وأنوّه إلى أن الشعر ليس سوى مجموعة من الصور كما أن الصورة تحوي على مشاهد مرئية. إذن، المفاتيح واحدة في الفن، إنما تختلف فيها الأداة والوسيلة”.
وعن ربط الناس بين أشخاص لوحاتها وبين صورتها الشخصية وملامحها تقول: “ذكر أحد النقاد أن ملامح شخصيتي توائم الأشكال التي أرسمها بالضرورة أنني صادقة مع نفسي ومتأثرة ببعض ملامح وجهي الذي يصلح كموديل، وكثيرا ما لجأت إلى ذلك ككل فنان، وأنا ابنة هذه المنطقة ملامحي ملامحها لذا ترى أن المنعكسات ليست بالضرورة سلبية بقدر ما هي إيجابية لأنها صلة الوصل ما بين الفنون القديمة في بلدنا وبين حالتنا الحاضرة”.
مزيج فني..
وعن المزج في أعمالها ما بين واقعية الأشكال وتعبيرية الملامح وتجريدية البناء اللوني تقول: “أرى أن الفنان ابن البيئة والمحيط وما ينعكس بالضرورة على المجتمع ينعكس عليه وبالتالي هو يرسم المرئيات من خلال شخصيته المتفردة. بالضرورة تأثرت أنا ابنة الحضارات القديمة بالواقع فجاءت أعمالي تعبيرية قبل أن تكون واقعية لأن هاجسي هو الإنسان الذي يحمل في أعماقه الموت والولادة، الليل والنهار، كما يحمل الحكايا والأساطير ومرئيات عن العمارة والبسط والسجاد والخزف إضافة إلى الشعر والموسيقا والغناء. إلخ.
هذه المفاتيح في الفن كلّها تقود الفنان إلى التعبير عن المونولوج الداخلي للإنسان وبالتالي التعبير هو محوري، لكن وجودي في القرن العشرين وبما لفن الاتصالات البصرية المرئية والسمعية من تأثير أقول: إن سمة من هذا العصر قد يشمل أعمالي، هذا العصر الذي يحمل الإنترنت والموبايل والصرعات والذي نفتقد فيه الحب والأسطورة والعدالة”.
وعن تحضير اللوحة تقول: “أحضر لوحتي من خلال التأمل وما أختزنه من تراكم بصري سرعان ما أنقله على الورق بمجموعة من الدراسات، ومن ثم أقوم بمعالجة الموضوع بمساحات لونية بيضاء وسوداء أي إنني أقوم بتنفيذ العمل بمراحل متتابعة وبعدها أنتقل إلى سطح اللوحة، وقد تتغير بعض الملامح أثناء طقوس عملي فيها فربما أضيف أو أختصر وهكذا فقد انتهي في العمل إلى تشكيل آخر.
وعن العودة إلى التراث القديم والأسطورة تقول: “أعيش في إطار هذا التراث شئت أم أبيت فأنا بالضرورة استمرار له وبنظرة سريعة إلى الغناء والفن واللباس والأدوات والفخاريات والعمارة والتقاليد كلها متشكلة بداخلي من حب ووجدان لهذه الأرض الطيبة علماً أن كل فنان عندما يبحث عن الحداثة لا يهرب من جذوره لأن في ذلك صفة الفنان الحقيقي، أما أن ينسلخ الفنان تماما عن الأرض والمحيط ليعيش عالما آخر فهذا دون شك مقتل له الفنان الحقيقي هو عفوي بالضرورة بالنسبة لتأثيرات المحيط فلا يفتعل في فنه بقدر ما يعبر عن داخله ورؤيته، فقط من هذا المنظور ارتأيت رسم الأساطير فلقد عبّرت عنها ليس بالمفردات الموجودة في مداخل الآثار الفنية بقدر ماعبّرت عن نظرة حديثة للأساطير جذبتني إلى الهروب من عالمي اليومي الدامي”.
الرسم..
في حوار معها مع صديقها “منذر المصري” تقول “ليلى نصير” عن الرسم وشغفها به: “من صغري كنت أرسم، رسمت أخوتي وعمري ١٤ سنة. كان حلمي أن أكون كمايكل آنجلو وفان كوخ. كما أنني كتبت شعرا عاطفيا وقصصا، وقتها حدث أن أحببت شابا واستوحيت منه قصة. بعدها كتبت قصصا كثيرة، ساعدتني أنت بنشر بعضها في صحيفة (السفير). كانت تصلح أن تجمع وتصدر في كتاب خاص.
وعن ذهابها إلى مصر في بعثة حكومية تواصل: “نعم بعثة حكومية، ولا أذكر السنة، ولكن إذا عرفت سنة تخرجي تعرف سنة سفري. سافرت بعد نيلي شهادة الباكالوريا من اللاذقية، أي في عمر الثامنة عشرة تقريبا. بالنسبة لتاريخ ولادتي فهو سنة ١٩٤١ أو ١٩٤٠، لأنه كان هناك أخت لي اسمها ليلى ماتت، فأسموني عندما ولدت على اسمها، وصححوا تاريخ ميلاد لاحقا. لدي أربعة أخوة وثلاث أخوات.
في مصر أجروا لي امتحانا، وضعوا لي تمثالا وقالوا لي ارسميه. ولما سألتهم: “كيف؟”. أجابوني: “”كما هو. ثم صاحوا بي: “لماذا جئتِ إلى كلية الفنون إذا كنت لا تعرفين كيف ترسمي! لكن أحدهم، وكان شابا، يبدو وكأنه أحبني، ولهف قلبه علي! فرغب بمساعدتي، قال لي: “امسكي الحوار هكذا وارسمي، ارسمي كما ترين، على مهلك”. علمني بعض الأشياء وتركني وحدي أرسم في غرفة الأساتذة! بعدها جاء (حسين بيكار) وقال لي: “أنت لا تعرفين كيف ترسمي، ولكنك موهوبة”. نعم أنني موهوبة.
أساتذتي في مصر هم (عز الدين حمودة) أشهر من رسم البورتريه. و(حسين بيكار) رئيس القسم. وأستاذي (عبد السلام الشريف) مدرس مادة التصميم، الذي أحبني كثيرا ووقف بجانبي حتى إنه دعاني لزيارته في بيت عائلته بالقرب من الأهرامات، وقد ترك تأثيرا كبيرا في تجربتي. كنت صديقة لهم جميعا وكنت أزورهم في بيوتهم. وهناك (مختار) أبو النحت.
بقيت في أربع سنوات أو خمس. وفي نهاية دراستي عرضوا على البقاء والالتحاق بمركز بالأقصر، أعيش وأدرس دورات، فذهبت فترة قصيرة ولم أستطع الاستمرار، كانت العقارب تسرح بين الأقدام! ثم أني كنت قادمة في بعثة حكومية، ومحتم رجوعي.
الحركة التشكيلية الحديثة..
وعن الرسامين السوريين الذين درسوا في مصر والذين أسسوا للحركة التشكيلة الحديثة في سوريا تقول: “كان هناك قبلنا رسامون درس أغلبهم في إيطاليا، أدهم ونعيم إسماعيل ونصير شورى ومحمود حماد وفاتح مدرس ولؤي كيالي، كانوا روداً. ولكن نعم الذين درسوا في مصر عملوا النهضة.
علاقتي بهم عموما كانت جيدة، اصطدمت ببعضهم وصادقت بعضهم، لؤي كيالي كان مختلفاً عن الجميع، التقيته في افتتاح أحد معرض الخريف في حلب، وكان قد حذرني منه البعض وأخبروني أنه مجنون، لكننا رفضت ذلك، وجلست معه في مقهى المثقفين، أمام الجميع، وتحدثنا وتناقشنا بكل تقدير واحترام. (يا محلاه) ولكني شعرت بأنه ضحية الآخرين، الذين كانوا يستغلونه. وعندما علمت بأنه في مشفى حرستا بدمشق نتيجة تعرضه للحرق، ذهبت برفقة صديق، وهناك رأيته يتألم ويغير وضعيته متململاً ولكن ما إن دخلت حتى بدأ وكأنه لا يعاني من شيء، كرامته لا تسمح له بإظهار ضعفه: “أهلا وسهلا ليلى”. قال لي وكان جسده المحترق مغطى كله ما عدا رأسه”.
وعن تمردها تقول: ” كنت أرفض قول، فنان وفنانة، ألغيت ذلك، وكنت أول امرأة في سوريا التي ارتدت البنطلون وجلست في مقهى الروضة في دمشق، وكان بنطالي ضيقاً وملتصقاً بي، عشت جريئة وبلا أي حذر. خارجة عن المألوف في الوطن العربي كله. كان همي أن أفتح أبوابا للآخرين.
وفاتها..
توفت “ليلى نصير” في 15 أغسطس 2023 عن عمر 82 عاما.