16 نوفمبر، 2024 9:36 م
Search
Close this search box.

لويس عوض.. دعا لاستخدام العامية وكان من أبرز النقاد

لويس عوض.. دعا لاستخدام العامية وكان من أبرز النقاد

خاص: إعداد- سماح عادل

“لويس عوض” كاتب مصري ولد في المنيا بصعيد مصر عام 1915، ولم تكد تمرّ سوى أسابيع على ولادته، حتّى رحل وأسرته إلى السودان؛ حيث يعمل والده، في مدينة أم درمان. وبعدها بأربعة أعوام، عاد إلى مسقط رأسه، ليتلقّى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها؛ حيث تشهد تلك الفترة ميوله الأدبية ونبوغه الفني، فنشر أولى قصصه القصيرة، بصحيفة “الإنذار” الإقليمية عام 1927.

حياته..

حصل على شهادة في الآداب، قسم الإنجليزية، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف عام 1937، وحصل على ماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة “كامبريدج” 1943، ودكتوراه في الأدب من جامعة “بريستن” 1953 وعمل مدرسا مساعدا للأدب الإنجليزي ثم مدرسا ثم أستاذا مساعدا في قسم اللغة الإنجليزية، كلية الآداب، جامعة القاهرة من (1940- 1954) ثم رئيس قسم اللغة الإنجليزية عام 1954، وقام بالإشراف على القسم الأدبي بجريدة الجمهورية عام 1953.

ثم عمل مديرا عاما للثقافة بوزارة الثقافة، عام 1959، و عمل مستشارا ثقافيا لدار التحرير للطبع والنشر، عام 1961، وعمل مستشارًا لمؤسسة الأهرام (1962 – 1982)، وعمل أستاذا للأدب المقارن، جامعة كاليفورنيا. وكان عضوا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية حتى عام 1973. والجدير بالذكر أنه كان أول رئيس مصري لقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة.

من أهم ما كتب “لويس عوض” الكتب الأكاديمية الثلاثة التي درست في الجامعة، وضع فيها الأساس النظري للمنهج التاريخي في النقد: (فن الشعر لهوراس عام 1945- بروميثيوس طليقا لشلى عام 1946- في الأدب الإنجليزي الحديث عام 1950) ومن أهم أعماله مذكرات في كتاب (أوراق العمر)، وروايته الشهيرة (العنقاء) ومقدمتها التي سجل فيها ما عاشه في سنوات شبابه هذا إلي جانب (ديوان بلوتولاند وقصائد أخرى)، وكتاب (تاريخ الفكر المصري الحديث)، (مقدمة في فكر اللغة العربية)، (المسرح العالمي)، (الاشتراكية والأدب)، (دراسات أوروبية)، (رحلة الشرق والغرب)، (أقنعة الناصرية السبعة)، (مصر والحرية). من كتبه التي أثارت جدلا واسعا مقدمة في فقه اللغة العربية وقد اتهمه بعض النقاد والقراء بأنه هدف من خلال كتبه إلى تزوير العربية والتهجم على الإسلام وقد تم سحب الكتاب من السوق المصري بعد نشره.

وحصل “لويس عوض” على جوائز: (وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى في عيد العلم عام 1996- وسام فارس في العلوم والثقافة الذي أهدته إليه وزارة الثقافة الفرنسية عام 1986- جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1988).

الثورة والأدب..

في مقالة بعنوان (لويس عوض: ثار على النخبة وجهر بعدم قداسة العربيّة) يقول “كريم شفيق”: “خاض عوض، في سيرته الذاتية “أوراق العمر”، سجالاً مهماً، حول ثنائية المثقف التنويري والمثقف السياسي، وفضّ الالتباس حولهما؛ حيث كان يرى أنّه ليس ثمة خلاف، بين الأدوار التي يصنعها الطرفان في تدشين مفاهيم الحرية والعقلانية، بحسب موقع كلّ منهما، واستهدف تلك المحاولات التي حاولت تشكيل حدود فاصلة بينهما؛ لأنّ الدور السياسي للمثقف، واستحقاقاته في مواجهة السلطة السياسية، وانتزاع حقوق الناس بالكلمة والوعي والمعرفة، دون أن يتعارض مع الدور التنويري.. كان يتردّد على صالون العقاد متأثراً بالنشأة الوفدية في أسرته، ومتابعة مقالاته في الأدب والسياسة، المنشورة في جريدة “البلاغ”، ومواجهة الطغيان السياسي وديكتاتورية الملكية، فتجلّى له العقاد “كهرقل الجبار الذي كان يسحق بهراوته الشهيرة الأفاعي”، كما يقول عوض.. جمعته الصدفة كذلك بسلامة موسى، ليتعرّف معه على الاشتراكية ويقرأ برنارد شو، والأدب الروسي وتاريخ مصر القديم، حتى انتهى به الحال، في الجامعة؛ حيث تعرّف إلى عميد الأدب العربي طه حسين، الذي ساعده في الحصول على البعثة إلى كامبريدج.. يملك صاحب “تاريخ الفكر المصري الحديث”، تجربة شعرية وحيدة، عرف بها من خلال ديوان “بلوتولاند”، أصدره عام 1947، الذي كان ثورياً على الأنماط التقليدية، المعروف بها نظم الشعر العمودي، ومضى في فضاء الشعر الحرّ الجديد، الذي سبق به صلاح عبد الصبور، فنهل من التجارب الشعرية الحديثة، في أشكالها المتمردة، كالشعر المسرحي، وتفادى الجمل البلاغية والاستعراض اللغوي، فضلاً عن الاشتغال على عوالم مختلفة؛ كالأدب الشعبي، والاستعانة باللغة العامية، والاقتصاد في اللغة ومطابقتها للمعنى بدقة، دون إفراط وحشو. وكتب في مقدمة ديوانه “حطموا عمود الشعر”؛ الذي يعدّ مواجهة عنيفة، ليس مع التقاليد الأدبية الراسخة، لكن مع مجمل المدارس الشعرية المعتمدة والمستقرة، بكلّ تركيباتها اللفظية القديمة، وأصالة لغتها التقليدية”.

ويواصل: “في كتابه “الثورة والأدب”، الذي يعدّ وثيقة مهمة لدراسة وبحث، حالة النهوض الثقافي والأدبي، في عقد الستينيات، واختبار حقائق السياسة المؤدية لذلك، في ذلك التوقيت، خصوصاً إبان ثورة 23 يوليو 1952، يقول: “في الواقع؛ إنّ بونابرت لم يحوّل مصر إلى دولة زمنية علمانية، إلّا بالمعنى التاريخي، فما إن فكّ بونابرت عن مصر أغلال الترك والمماليك، حتى اكتشف أنّه يتعامل مع أمة علمانية في جوهرها، بلا أوهام عن الثيوقراطية، أي حكومة الله”، مشيراً إلى زيف المعارك التي نالت منه، بشكل تلفيقي، من الرجعيين والمحافظيين، سواء كانوا من النخبة المثقفة، أو حتى الشيوخ وأصحاب العمائم؛ حيث تم وصمه بعبارات متفاوتة، طائفية وسياسية وعنصرية، فوصفوه بـ “الكاتب الصليبي”، الذي يستهدف إحياء الفرعونية بديلًا عن الإسلام، وهو ما يتناقض مع اتهامه بإحياء القومية العربية، وعروبة مصر، وإيمانه القوي بالقومية الوطنية وعلمانية الدولة.. أحدث كتاب “مقدمة في فقه اللغة العربية”، ضجيجاً هائلاً انتهى بعوض إلى ساحات القضاء، والتوصية بالمصادرة ومنعه وقد هاجمه الشيخ محمد جلال كشك، وحاول تأليب السلطة “الناصرية” ضدّه، فاتّهمه بمعاداة القومية، في الوقت نفسه الذي كان كشك يهاجم فيه عبد الناصر، باعتباره يستبدل الإسلام بالقومية! وأفرد له الناقد المصري، رجاء النقاش، كتاباً بعنوان “الانعزاليون في مصر”.. عندما أصدر عوض كتابه “مقدمة في فقه اللغة العربية” اعتمد المنهج الفيلولوجي وتطبيقاته على اللغة، واعتبار اللغة العربية، مثل كلّ اللغات، تجري وفق نسق تاريخي معين، فتشترك مع اللغات الأخرى التي تلاقحت معها، ونهلت منها مفرداتها، وامتزجت بها. وذكر لويس عوض، أنّ تواتر الألفاظ في أكثر من لغة، نتج عن قرابة لغوية أو تأثيرات حضارية، وأنّ اللغة العربية أخذت عن باقي اللغات، وبحسب ما ورد في الكتاب “اللغة العربية، كما يدلّ التحليل المورفولوجي والفونيطيقي والسيانطيقي، كغيرها من اللغات السامية، ليست من صلبها وسمتها الأصلي، إلّا أنّها تطور طبيعي من الجذور نفسها التي خرجت منها السنسكريتية، وإيرانية الزند، واليونانية، واللاتينية””.

اللغة الفصيحة..

وفي مقالة بعنوان ( اللغة الفصيحة وضرورتها وروعتها) يقول الكاتب “شكيب كاظم”: “لقد دعا عديد الكتاب والشعراء العرب، ولاسيما المصريون واللبنانيون إلى ترك الكتابة بالفصيحة، واستبدال العامية بها ومن هؤلاء الدعاة إلى العامية المصرية، الدكتور لويس عوض (1915-1990) الناقد المصري المعروف، والمثقف الإشكالي، الذي تعرض إلى كثير من الأذى والتضييق من جانب مثقفي اليسار المصري، فضلا عن أجهزة الثقافة في مصر أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الأديب الذي قرأت العديد من مؤلفاته مثل: (دراسات أوربية) الصادر عن دار الهلال سنة 1971 و(دراسات أدبية) الصادر عن دار المستقبل العربي بمصر 1989، وسيرته الذاتية التي أطلق عليها عنوان (أوراق العمر) الذي نشرته مكتبة مدبولي الشهيرة /1989، فضلا عن ذكرياته ومذكراته أثناء السنوات (1937-1940) التي كتبها بالعامية المصرية، وتحدث فيها عن أيام دراسته في جامعة كمبردج منذ أن أقلته السيارة من منزله وحتى عودته إليه ظافرا بالإجازة العملية. وهو كتاب ممتع ومفيد، نستطيع أن ندرجه ضمن الأدب الذي كتبه العرب والشرقيون والمسلمون وصوروا فيه نوازعهم وآراءهم إزاء أوربا والغرب وكان رفاعة رافع الطهطاوي، باذر البذرة الأولى في هذا اللون الكتابي، في كتابه الشهير (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) 1934 يوم كان المصريون يطلقون على عاصمة فرنسا (باريز)! ولهذا الكتاب الذي كتبه لويس عوض بالعامية المصرية سنة 1942، وعنونه بـ (مذكرات طالب بعثة) وضاعت منه أصوله، قصة طريفة غريبة جديرة بالذكر والتسجيل، اذ بعد عودته من الدراسة، قرر لويس عوض استعادة أيام دراسته في بريطانيا، والحديث عن تجاربه، ولما كان مسكونا إذ ذاك بظاهرة العامية، فقد كتب ذكرياته تلك بها، وقدمها لرقابة النشر سنة 1944، وبعد مضي عدة أشهر راجع البروفسور (ر.ا.فيرنس رئيس قسم اللغة الانكليزية بكلية آداب جامعة فؤاد الأول القاهرة فيما بعد)، وكان قد انتدب طوال مدة الحرب من الجامعة إلى وزارة الداخلية! ليتولى وظيفة الرقيب العام، سائلا عن مصير المخطوطة، فأجابه فيرنس بأنه قد أحاله إلى الشيخ فلان ليراقبه، وأن الرقيب لم يوافق على نشره لأنه مكتوب بالعامية، ثم أحيل الكتاب إلى رقيب آخر، فعبثت يده شطبا، معللا ذلك: بأننا في حالة حرب، وأننا حلفاء لانكلترا وأنت يا سيد عوض تنتقدها في عديد المواضيع من كتابك، وإذا التزمت بالذي شطبته وغيرته، فضلا على حذف فصل كامل، فسيكون بإمكانك نشره؟! لقد كان لويس عوض يتميز غيظا من فعلة هذا الرقيب، توفيق صليب، قائلا له: إنه يفضل إحراقه على أن ينشره بهذا الشكل، ومرت سنوات، وكأن لويس عوض نسي كتابه ومضى نحو ربع قرن، إذ يفاجأ وهو بمكتبه بجريدة (الأهرام) القاهرية بمظروف مرسل من الإسكندرية، وفيه فصل من كتابه (مذكرات طالب بعثة) أرسله إليه الناشر حسنين محمود حسنين، على أمل مواصلة نشر أجزاء الكتاب الأخرى تباعا، الذي كان أهداه له صديقه الذي يعمل في رقابة المطبوعات، وطفق حسنين يقرأ المخطوطة وشغف بها حبا، وقرر نشرها، لكن المال وقف حائلا دون ذلك، حتى تهيأت له الظروف المناسبة، فنشر الكتاب، يقول الناشر حسنين طبعت منه ألفي نسخة كلها عادت إلي من شركة التوزيع، وضاقت بها دواليب البيت… ولكن انتبه إلى أهميتها قليل من النقاد! مع وصول جزء من الكتاب إلى الدكتور لويس عوض، الذي يقرر استعادة الكتاب، كتابه فيسافر إلى الإسكندرية بعد مكالمات هاتفية عدة معه وبمساعدة الفريد فرج وأخيه نبيل فرج، يسترد كتابه المخطوط هذا، وتنشره دار الهلال في ضمن سلسلة (كتاب الهلال) أيلول/2002. لقد قرأت الكتاب الذي يقع في أربع مئة وخمس وأربعين صفحة، وفيه سرد دقيق لحياة طالب البعثة لويس (حنا خليل) عوض ودراسته ولقاءاته بالطالب محمد مندور، الذي سيصبح أحد أعمدة النقد والكتابة في مصر والعالم العربي، وحياة بعض الطلاب المنفلتة، وعدم اهتمامهم بالدرس، الأمر الذي يعيد إلى ذهني ما سطره إبراهيم السامرائي في مذكراته التي سماها (حديث السنين) وكسل الطلاب ولهوهم.ما أردت الوقوف عنده، الوصف الرائع للبحر، الذي على الرغم من كتابته له بالعامية القاصرة عن إيصال خلجات الأديب الكاتب، ظلت تحتفظ بجمال الوصف والق التعبير، ترى أي قطعة أدبية رائعة كانت ستصلنا لو أن لويس عوض كتبها بالفصيحة؟”.

وفاته..

توفى ” لويس عوض” في شهر أغسطس 1990.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة