خاص : عرض – سماح عادل :
رواية (لون الماء) للكاتب الأميركي “غيمز ماكبرايد”، ترجمة “فارس غلوب”، إصدار إبداعات عالمية، تتناول إشكالية لون الإنسان في أميركا؛ وكيف تحدد وضعيته الاجتماعية في ذلك المجتمع الطبقي والعنيف، كما ترصد حكاية امرأة بيضاء اختارت أن تنتمي لعالم السود الأفارقة في أميركا، وكيف واصلت حياتها منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى أواخره.
الشخصيات..
“روث ماكبرايد”: أو “راشيل شلسكي هي بطلة الرواية.. امرأة بيضاء تنتمي إلى اليهود، هاجر أبوها من روسيا في عشرينيات القرن وتزوج من أمها في بولندا لكي يستطيع الهجرة إلى أميركا، حيث ساعدته أسرتها على ذلك، كان أبوها حاخاماً، ثم اختارت أن تتزوج برجل ملون في ثلاثينيات القرن الماضي وربت أبنائها.
“غيمز ماكبرايد”: البطل الثاني للرواية، وهو مؤلف الرواية، فقد كتب سيرته الذاتية هو وأمه.. رجل أميركي ملون إستطاع أن يدخل الجامعة ويكمل دراسته العليا، وعمل صحافياً بالإضافة إلى تأليف الموسيقى.
“دنيس ماكبرايد”: زوج “روث” الأول.. رجل ملون، كان يعمل في عدة أعمال هامشية ثم أصبح قساً وأسس كنيسة هو و”روث”.
“غوردان”: زوج “روث” الثاني.. ساعدها على استئناف حياتها بعد موت زوجها الأول، وربى معها أطفالها الكثيرون، وكان حنونا مع أطفالها ومعها ثم مات.
أم روث: امرأة يهودية لديها مرض شلل الأطفال مما جعلها تعرج، لكنها رغم ذلك كانت زوجة صالحة ومطيعة، رغم معاملة زوجها السيئة لها، ربت أطفالها وعاونته حين تحول من حاخام إلى تاجر، وكانت تدير له المحل الذي إفتتحه، لكنه رغم ذلك طلقها بعد أن تعرف على سيدة أخرى وهجرها، ومات ولدها وهجرتها ابنتها “روث”، وماتت وهي في منتصف الأربعين من عمرها.
والد روث: كان أباً سيئاً يتحرش بها ويبخل عليها، وكان عنيفاً يجبرها على تعلم اليهودية بالضرب، ويمنعها من مخالطة باقي الأجناس من حولها، أو التعامل مع غير اليهوديين، وحين تزوجت من رجل ملون أعلن الحداد عليها واعتبرها ميتة.
الراوي..
تعتمد الرواية على إثنين من الرواه، الأول هو “غيمز ماكبرايد”، الذي يحكي عن حياته منذ الطفولة، والراوي الثاني “روث ماكبرايد”، أمه، والتي تحكي عن حياتها هي أيضاً، والحكي الذي يخصها يتميز بخط مختلف، الإثنان يحكيان بضمير المتكلم، والحكي يتتابع ما بين “غيمز” وأمه؛ حتى تصل الرواية إلى النهاية بحكي “غيمز”، ويعرف القارئ أن الجزء الذي تحكي فيه “روث” هو تسجيلات حرص ابنها على عملها لكي يكتشف حياة أمه.
السرد..
إيقاع السرد هادئ.. ويمضى الحكي في تسلسل تصاعدي من طفولة البطلين ثم شبابهما، وتكمل “روث” حكايتها ثم يجمل “غيمز” الحكاية في النهاية، لا تعتمد الرواية على التشويق وإنما تعتمد على توضيح تفاصيل حياتية كثيرة تجذب القارئ.
لون الوجه هوية..
تتناول الرواية إشكالية تصنيف البشر على أساس ألوان وجوههم أو أصلهم العرقي في أميركا، تلك البلد الناشئة التي هاجر إليها الكثير من البشر من مختلف الجنسيات والأعراق باعتبارها الجنة الموعودة وأرض الحرية، لكن الواقع يؤكد أنها لم تكن كذلك أبداً، وإنما أشتعل فيها التنافس الضاري، وأصبحت العنصرية والتقسيم الطبقي الحاد وتصنيف الناس وفقاً لأصولهم وأعراقهم صفات ذلك المجتمع الجديد، الذي لا يتمتع بالإمتيازات فيه سوى البيض من أصول أنغلو سكسونية، إنما باقي الأعراق فيتم تصنيفها بشكل تراتبي، “اليهود” مضطهدون، لكنهم رغم ذلك يعلون في مرتبتهم عن “السود الأفارقة”، الذين تحرروا من العبودية بعد عذاب طويل ومعاناة.
الرواية عبارة عن سيرة ذاتية للبطل وأمه، حيث قرر بعد أن كبر أن يبحث عن هويته عن طريق الكشف عن حياة أمه، تلك المرأة البيضاء التي أنجبت 12 طفلاً أسوداً، وكان أطفالها يحتارون لما لا يشبهون أمهم، البطل هو الطفل الثامن لها، وكانت تنتابه المخاوف منذ الطفولة من أن أمه ليست أمه، ثم أصبح ينزعج من إختلاف أمه عن باقي أمهات أصحابه، وكان يخاف عليها من الأذى في مجتمع مقسم بشكل حاد تشتعل فيه الصراعات.
تحكي “روث” أنها عاشت أول 18 عام من حياتها كيهودية في إحدى البلدات في أميركا، وأنها عانت من الإضطهاد كيهودية في المدرسة ومن الناس، لكن رغم ذلك كان أبوها بدوره يضطهد السود، وكانت هناك جماعة عنصرية في بلدتهم تقتل السود بوحشية، وأنها أحبت شاباً أسوداً في مراهقتها، وكانت تخاف من أن يقتلها الناس، لأن مصير الأسود الذي يحب امرأة بيضاء النبذ والقتل لكليهما، لكنها رغم ذلك إبتعدت عن أبوها القاسي وعاشت في نيويورك وعملت واستقلت بحياتها، وقابلت “دنيس” الذي غير حياتها تماماً وساعدها على بدء حياة جديدة، وتحولت إلى المسيحية، وأنجبت منه ثمانية أطفال، وأسست معه كنيسة إلى أن إختطفه الموت بمرض السرطان فجأة.
معاناة امرأة بيضاء..
عانت “روث”، بعد موت زوجها، لأنها اضطرت أن تعيل أطفالها في ظل فقر مدقع، لكنها سرعان ما وجدت زوج آخر على إستعداد لمساعدتها في تربية أولادها، وأنجبت منه 4 أطفال آخرين، إنضمت تماماً لعالم السود وكان زوجاها منهم، وكان لها أصدقاء أيضاً يساعدونها طوال حياتها، وكانت ممتنة لوجودها بين السود المتسامحين والذين قبلوها بترحاب بينهم، لكنها رغم ذلك كانت تتعرض لمضايقات بشكل يومي لكونها بيضاء تعيش وسط السود، ولها أطفال سود، وكانت تتجاهل كل تلك المضايقات وتعيش بإصرار وقوة، ولا تدافع عن نفسها إلا حين يزيد الضغط عليها وكانت تدافع عن نفسها بشراسة أنثى قوية.
التعليم والدين..
حرصت “روث” على تربية أبنائها تربية صالحة، وكانت تغرس فيهم دوماً أهمية التعليم والتمسك بالدين، لأنها كانت ترى أن ذلك هو ما يساعدهم على تغيير حياتهم البائسة، وبالفعل إستطاع أولادها جميعاً أن يلتحقوا بالجامعة وأن يكملوا تعليماً عالياً، كانت تحرص على إرسال أبنائها إلى مدارس البيض حتى يحصلوا على المميزات التي يحصل عليها البيض في التعليم، وتذهب بهم إلى المتاحف وإلى المكتبات، رغم فقرها، وكانت تشجعهم على تنمية مواهبهم من عزف موسيقى ولعب رياضة وغيرها، وكانت حازمة فيما يتعلق بالتعليم، وحين ينفلت أحد أبنائها تعيده إلى صوابه.
أزمة هوية..
عانى البطل منذ طفولته من لون أمه المغاير، والذي كان يوقعه في أزمة هوية، في ظل إشتداد الصراع بين البيض والسود، وظهور ثورات وتمردات بين صفوف السود على ظلم البيض، وكان دوما ما يسأل أمه هل هي بيضاء ؟، فتقول له أنها “فاتحة اللون”، وكانت تتعمد أن تخفي حياتها عنهم.
إستطاعت “روث” أن تربي أبنائها وأن تصل إلى السبعين من عمرها، وأن تظل بنفس حيويتها وقوتها، حتى أنها ظلت ترعى أحفادها أيضاً، وكونت لنفسها قبيلة صغيرة من الأبناء والأحفاد، ورغم ترنحها وإنهزامها، بعد موت زوجيها وإحدى صديقاتها المقربات، وبعد تنكر عائلتها لها، إلا أنها واصلت طريقها بقوة وحزم وبصبر.
الرواية لا تهتم برصد التمييز العنصري في أميركا بقدر ما تهتم برصد قصة حياة فردية لامرأة إستطاعت أن تتجاوز كل ذلك العنف والتمييز، وأن تنجح في حياتها رغم أن حياتها كانت صعبة بالفعل بدءاً من الثلاثينيات وحتى التسعينيات، حيث السود يعانون وما زالوا يعانون في أميركا.
الكاتب..
“غيمز ماكبريد”؛ كاتب ومؤلف موسيقى وعازف “سكسفون”، عمل ككاتب صحافي في عدة صحف مثل: (بوسطن غلوب) و(واشنطن بوست)، تخرج من كلية “أوبرلين”، ونال شهادة الماجستير في الصحافة، من جامعة كولمبيا، ويعيش في نيويورك.