7 أبريل، 2024 5:45 ص
Search
Close this search box.

لم يفرض القرآن استرقاق الأسري فمن أين جاء فقهاء المسلمين بفقه سبايا داعش ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

بقلم محمد مختار ( كاتب وباحث )

صدم تنظيم داعش الإرهابي العالم باسترقاق النساء من غير المسلمات، واستند تنظيم داعش في هذه الخطوة الإجرامية إلى فتاوي بجواز استرقاق الأسرى من النساء والأطفال، ولا يوجد نص قرآني واحد يدل على أن هناك أساس شرعي لاسترقاق الأسرى، وتقول الآية الكريمة التي وردت في سورة محمد حول هذا السياق : ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَ‌ٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) ، والاية واضحة في ظاهرها أن الحكم في الأسرى بين ثلاث خيارات، القتل أو إطلاق سراحهم أو افتداءهم بالمال أو مقابل أسرى المسلمين. لكن بعض فقهاء المؤمنين فسروا المن بأنه الاسترقاق وهو تفسير بعيد عن أى معنى لغوي أو اصطلاحي للكلمة في الآية، وعلى الرغم من أن القرآن الكريم حث على عتق الارقاء وأوصى النبى صلى الله عليه وسلم نجد أنه على العكس فقد وضع فقهاء المسلمين وضعوا من القواعد ما جعلت مؤسسة الرق في الإسلام متوحشة وإن كان توحشها أقل من توحش نفس المؤسسة في الغرب.

وتظل قضية التعامل مع الإنسان من أكثر القضايا حساسية خاصة مع الاختلاف الكبير بين ما نزل في النصوص المقدسة من تعاليم تؤسس للمساواة وللعدل بين الناس وبين ما كتبه الفقهاء وعلماء الدين والطريقة التي فسروا بها التوجيهات القرآنية وأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم، ومن القضايا الشائكة التي تتصل بتاريخ الفقه الإسلامي الطريقة التي تعامل بها فقهاء المسلمين مع قضية الرق والأرقاء، فعلى الرغم من أن كثير من الآيات القرآنية و النصوص النبوية الكريم حضت على عتق الأرقاء وحسن معاملتهم، إلا أن النصوص التي وضعها فقهاء المسلمين للتعامل مع هذه الفئة من البشر، والذي كان عددهم يفوق عدد الأحرار في المجتمعات الإسلامية، وما حدث هو أن فقهاء المسلمين اخترعوا فكرة استرقاق الاحرار من الأعداء أو المحاربين وهى فكرة لا أصل لها في القرآن الكريم ، بل أن ما ورد في قصة سبي هوازن هو أن النبى صلى الله عليه وسلم من على الأسرى بإطلاق سراحهم، وقبل افتداء أسري بدر مقابل تعليم 10 من المسلمين القراءة والكتابة ومحو أميتهم، وذلك على العكس من موقف فقهاء المسلمين من قضية الرق وملف الأرقاء فاعتبروهم أقل من البشر وأدرجوا قضاياهم في أبواب البيوع على اعتبار أنهم أموال مقومة وليسوا بشرا.

وعلى الرغم من أن كثير من المتحمسين للدفاع عن موقف الإسلام من الرق بأن الإسلام جاء ليضع قيودا على استرقاق الناس تؤدي تدريجيا إلى تآكل مؤسسة الرق واختفاء الأرقاء، فإن هذا لم يكن صحيحا أبدا على أرض الواقع، ذلك لأن الإسلام كدين سماوي نجح في تغيير البنية الاجتماعية والدينية في قريش وجزيرة العرب بل ونجح في استبدال الاله نفسه بأن جعل المؤمنين به يعبدون الله الواحد الصمد بدلا من آلهة قريش، كان يمكن أن يستكمل هذه الثورة الاجتماعية بإلغاء الرق دفعة واحدة ، ولن تكون ردود الأفعال على مثل هذه الخطوة بأخطر من تغيير الدين نفسه، فلا حجة لمن يقول إن إلغاء الرق دفعة واحدة كان سيحدث ردة فعل اجتماعية عنيفة، لأن الدين الجديد هنا قام باستبدال الإله نفسه فلا يوجد أكثر خطورة من هذا.

وتوضح بعض الروايات عمليات القتل والسلب التي كانت ترافق حركة الفتوح، فيصف خالد بن الوليد هجومه على خزاعة: “فهزمناهم وقتلناهم قتلا ذريعا ولم ندع لهم فارسا إلا قتلناه، ثم طلبنا البيوت فنهبناها، وسبينا، فلما هدأ القتال والنهب، أمرت أصحابي بجمع السبايا، لنقدم بهن على رسول الله ، وبصفة عامة فقد لقي السبي المعاملة القاسية من جيش المسلمين أحيانا، فكان يتم ختم أعناقهم، فذكر أبو مخنف عن أبيه: أن قتيبة بن مسلم بعث إلى خوارزم، فسبى منها سبيا، فختم أعناقهم، ولبس الجند ثياب السبي المحصّل من خوارزم فماتوا من البرد وسمع دوي عظيم، وبكاء شديد، من سبي قنسرين، لربطهم بالحبال بقسوة.

ومع زيادة حركة الفتوحات الاسلامية أخذت العبودية تشكل تدريجيا العنصر الأساسي في القطاعات الصناعية والخدمات، وقد خدمت عقلية الأمويين المشوهة أندادهم من العباسيين الذين أخذوا الخلافة منهم جبرا، حيث أبقوا الأبواب مشرعة أمام الاستعباد. فأصبحت العبودية حالة طبيعية في المجتمع الإسلامي، وانتشرت بمرور الأيام، وحتى الشرط الوحيد لأن يكون السبي في معركة جهاد شرعية لم يعد له محل، حيث فرض سلاطين الدولة العثمانية على كثير من البلدان الأوربية مثل نظام الخمس في الأطفال، وكان يأخذون من كل بلد أوربي يخضع لهم خمس الأطفال عبيد وجواري، وهو نظام لم يرد له أي أصل شرعي في نظام الجزية التي تفرض على غير المسلمين وخضع لهذا النظام البلغار والألبان والصرب والإغريق. وبصفة عامة فقد لقي السبي المعاملة القاسية من جيش المسلمين أحيانا، فكان يتم ختم أعناقهم، فذكر أبو مخنف عن أبيه: أن قتيبة بن مسلم بعث كثير بن فلان إلى كشاغر، فسبى منها سبيا، فختم أعناقهم، ولبس الجند ثياب السبي المحصّل من خوارزم فماتوا من البرد وسمع دوي عظيم، وبكاء شديد، من سبي قنسرين، لربطهم بالحبال بقسوة. لكن الأخطر من كل ذلك هو أن مشايخ السلفية يدرسون حتى الان في دروس لعوام المسلمين أن الرق ضرورة اجتماعية واقتصادية ضرورية لحياة المسلمين ورفعتهم وأن حل المشاكل الاقتصادية للمسلمين لن تكون عن طريق العمل او الانتاج بل عن طريق غزو العالم وسبي النساء والرجال وبيعهم كرقيق.

دلل جمهور الفقهاء على ذلك بأن العبد كالسِّلعة والمتاع بسبب الرق الذي هو من آثار الكفر، والكافر كالدابة بسبب الكفر الذي طغى عليه، وقد قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنفال: 55] فكيف يُساوى المؤمن بالكافر، وكيف يقتل به؟ فجمهور الفقهاء اعتبروا العبد مال مقوم لا يساوي الإنسان الكامل وإذا ما قتل سيد عبده أو جاريته فهو قد أتلف ماله فلا عقاب عليه، وإن قال بعض الفقهاء بأنه يؤدي مثل قيمته لبيت مال المسلمين، لكن لم يقل أبدا أن السيد الذي يقتل عبده يكون قد ارتكب جرما يستحق أن يحاكم من أجله لأنه قتل إنسان! بل أجاز الفقهاء أجاز للسيد أن يقيم الحد على من يملكه من جارية وعبد وحيث جاز ذلك في الحدود عند جمهور الفقهاء بما في ذلك حدود القطع والقتل، فكما كان يقتل السيد الأبيض الزنجي في مزارع القصب تحت السوط وهو يعمل بدون أن يعاقب من قانون أو سلطة مدنية، فإن فقهاء المسلمين أعطوا لملاك الرقيق المشروعية الدينية في قتل عبيدهم تحت السياط ضربا وتعذيبا بدون أن يقتص منهم، ولا حتى بدون أن يشعر أحدهم بأنه قد فعل شيئا ذا بال يمكن أن يستغفر عليه ربه، ونقل عن الصحابة رضي الله عنهم في عدم قتل السيد بعبده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يقتلان الرجل بعبده، كانا يضربانه مائة، ويسجنانه سنة، ويحرمانه سهمه مع المسلمين سنة إذا قتله عمدًا، عن علي رضي الله عنه أنه قال: «من السنة أن لا يقتل حر بعبد» ، هذا فيما يتعلق بقتل العبد، أما جرح العبد وتقطيع أوصاله من جانب سيده أو أي حر آخر ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن : «ولأن حرمة النفس أغلظ من حرمة الأطراف، فلما لم يجب القود بينهما في الأطراف فأولى أن لا يجري بينهما في النفس «ولأن العبد منقوص بالرق فلم يقتل به الحر، كالمكاتب إذا ملك ما يؤدي ولأن العبد مال لسيده، فلا يستحق المطالبة على نفسه

ما عن الضرر الناتج عن التأديب من جانب السيد للعبد في المجتمع الإسلامي، ووفقا للمصادر الإسلامية أنه إذا أدب السيد عبده التأديب المشروع، فهلك، فلا ضمان عليه في قول جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، لأن التأديب من السيد فعل مأذون فيه شرعًا لإصلاح العبد كضرب المعلم، والموت نتج من فعل مأذون فيه، والمتولد من فعل مأذون لا يعد اعتداء فلا ضمان عليه فيما تلف به كالحد، ولأنه لا يجب للعبد شيء على نفس سيده، أكثر من ذلك فحتى القصاص بين الأرقاء بعضهم وبعض كان شرطا له أن يتساوى العبد الجاني والعبد المجني عليه في القيمة المالية، فقد روي عن أحمد وعن عطاء أن شرط القصاص بين العبيدين أن تتساوي قيمتهم المالية، وأن اختلفت قيمة العبد الجاني عن العبد المجني عليه لم يجري بينهما القصاص، بل أن ابن عباس أعلنها صريحة بأن العبدـ، ذكر أو أنثى ليس إنسان بل أقل من الإنسان وبمثابة مال مقوم، فأفتي في كتابه المغني باب الجراح بأنه ليس بين العبيد قصاص في نفس ولا جرح لأنهم أموال. وإن كان واقع ما حدث في المدينة المنورة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد رجلا قتل عبده، فعن على رضي الله عنه قال: قَتَل رجلٌ عبده عمدًا متعمدًا، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة، ونفاه سنةً، ومحا سهمه من المسلمين. وكان يمكن أن يبني على موقف النبي صلى الله عليه وسلم موقفا مغايرا مع الاحرار الذين يقتلون عبيدهم من المسلمين، ولكن جمهور فقهاء المسلمين استغلوا هذه الواقعة بأن أطلقوا يد الأحرار في قتل عبيدهم ، واستدلوا بأن إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتص من هذا السيد القاتل مع أنه قتل عبده عمدًا، وإنما أوقع عليه جملة من العقوبات التعزيرية، ولم يقد منه، ولو كان السيد يقتل بعبده لما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العقوبات، بل لأقاد منه لا سيما وأنه صلى الله عليه وسلم في مقام التشريع، فاقتصاره على هذه العقوبات دليل على عدم وجوب القصاص على السيد إذا قتل عبده، وهكذا شهدت بلاد المسلمين بعد ذلك مذابح يومية تجري بغطاء من الشرع والدين يذهب ضحاياها الأرقاء.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب