9 أبريل، 2024 10:59 ص
Search
Close this search box.

لميعة عباس عمارة .. من رائدات الشعر التي اتسمت بالرقة والعذوبة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“لميعة عباس عمارة” شاعرة عراقية محدثة، تعد محطة هامة من محطات الشعر في العراق.

حياتها..

ولدت “لميعة عباس عمارة” سنة 1929 لعائلة عريقة ومشهورة في بغداد حيث عمها صائغ الفضة المعروف “زهرون عمارة” وكانت ديانة العائلة صابئية مندائية عراقية في منطقة الكريمات، وهي منطقة تقع في لب المنطقة القديمة من بغداد، والمحصورة بين جسر الأحرار والسفارة البريطانية على ضفة نهر دجلة في جانب الكرخ. وجاء لقبها عمارة من مدينة العمارة حيث ولد والدها.

أخذت “لميعة عباس عمارة” الثانوية العامة في بغداد، وحصلت على إجازة دار المعلمين العالية سنة 1950، وعينت مدرسة في دار المعلمات. تخرجت في دار المعلمين العالية سنة 1955، وهي ابنة خالة الشاعر العراقي “عبد الرزاق عبد الواحد” والتي كتب عنها في مذكراته الكثير حيث كانت ذات شخصية قوية ونفس أبية. من قصائدها المعروفة قصيدة “أنا عراقية” بمطلعها “لا” حيث كتبت هذه القصيدة عندما حاول أحد الشعراء مغازلتها في مهرجان المربد الشعري في العراق، حيث قال لها أتدخنين.. لا… أتشربين… لا…أترقصين…. لا..ما انتِ جمع من الـ لا فقالت أنا عراقية عاشت أغلب أيام غربتها في الولايات المتحدة بعد هجرتها من العراق في زمن صدام حسين.

كانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد “1975-1963”. وعضوة الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد. وهي أيضا نائبة الممثل الدائم للعراق في منظمة اليونسكو في باريس “1973-1975”. ومديرة الثقافة والفنون/ الجامعة التكنولوجية/ بغداد وفي عام 1974 منحت درجة فارس من دولة لبنان.

الشعر..

بدأت “لميعة عباس عمارة”  كتابة الشعر في وقت مبكر من حياتها منذ أن كانت في الثانية عشرة، وكانت ترسل قصائدها إلى الشاعر المهجري “ايليا أبو ماضي” الذي كان صديقاً لوالدها، ونشرت لها مجلة “السمير” أول قصيدة وهي في الرابعة عشر من عمرها، وقد عززها “ايليا أبو ماضي” بنقد وتعليق مع احتلالها الصفحة الأولى من المجلة إذ قال: “إن في العراق مثل هؤلاء الأطفال فعلى أية نهضة شعرية مقبل العراق..”.

درست في دار المعلمين العالية- كلية الآداب- وقد صادف أن اجتمع عدد من الشعراء في تلك السنوات في ذلك المعهد، “السياب والبياتي والعيسى وعبد الرزاق عبد الواحد” وغيرهم، وكان التنافس الفني بينهم شديداً، وتمخض عنه ولادة الشعر الحر. حين كرمتها الحكومة اللبنانية بوسام الأرز تقديراً لمكانتها الأدبية لم تتسلم الوسام لأن الحرب الأهلية قائمة وكتبت تقول: “على أي صدر أحط الوسام ولبنان جرح بقلبي ينام”.

كتبت الشعر الفصيح فأجادت فيه كما كتبت الشعر العامي وأجادته كذلك، أحبت الشاعرة لغتها العربية وتخصصت بها ومارست تدريسها فتعصبت لها أكثر دون أن تتنكر للهجتها الدارجة فوجدت نفسها في الاثنين معاً. إن “لميعة” ترى في اللغة العربية الفصيحة وسيلتها للتواصل مع الآخرين الأوسع، لكنها تجد في لهجتها العراقية العامية ما يقربها من جمهورها المحلي الذي استعذب قصائدها فتحول بعضها إلى أغنيات يرددها الناس.

دواوينها الشعرية: (الزاوية الخالية 1960- عودة الربيع 1963- أغاني عشتار 1969- يسمونه الحب 1972- لو أنبائي العراف 1980- البعد الأخير 1988- عراقية).

شاعرة الرقة..

في مقالة بعنوان (لميعة عباس عمارة شاعرة الرقة والجمال والأنوثة) تقول “عالية كريم”: “امرأة سكنها الشعر وبقي في أعماقها وهجاً متقداً لم تنطفئ جذوته، هربت من أرض الشعر، كي تستنشق الحرية، بعد أن تفشت الأوبئة والأمراض السياسية، فكتبت قصائد حب ممزوجة بالوجع والحنين ودجلة وليالي بغداد والناس الطيبين، إنها المرأة البغدادية الميسانية. لا أحد يتذكر طبيعة تلك المرأة التي عشقها السياب وألهمته في كتابة العديد من القصائد وكانت من أخلص صديقاته، حين بدأت علاقتها به في دار المعلمين العالية التي تخرجت منها عام 1950، ويذكر الأستاذ عبد البطاط، أن السياب قال فيها قصائد كثيرة ودعاها لزيارة قريته جيكور وبقيت في ضيافته ثلاثة أيام، كانا يخرجان سوية إلى بساتين قريته ويقرأ لها من شعره وهما في زورق صغير. تعود أصول الشاعرة لميعة الى ميسان، في جنوب العراق، حيث أنشأ السومريون حضارتهم، لكنها فتحت عينيها في بغداد حتى صار التبغدد جزءاً من حياتِها تتمثله وتدافع عنه، فكان انتماؤها إلى بغداد قوياً، بعد أن اغترب أبوها الرسام بعيداً عن العراق، وحين سعت إليه فأدركته، مات بعد شهرين من ذاك اللقاء، فعاد انتماؤها إلى العراق أقوى، فصار هو الأب والأم والحبيب. يشاء القدر أن تُنتزع هذه الشاعرة الرقيقة من العراق كنخلة اجتثت من أرضها، وهي اللصيقة بها حد الوله، لتنبت في أرض غير أرضها. حيث تقيم الشاعرة لميعة اليوم وقد تجاوزت السبعين،  في أمريكا التي دمرت مدينتها الأثيرة بغداد، تعيش مثل نبت بري، فتتذكر بغداد ولياليها فيها، وأيامها مع السياب الذي كنّاها بوفيقة في قصائده حسب ما تعترف هي بذلك، ويبدو أنه سلك طريقة الشعراء القدامى في عدم الإفصاح عن اسم الحبيبة. وممن أشاروا إلى شاعريتها المستعرب الفرنسي البروفسور (جاك بيرك) فذكرها في كتابه الذي صدر بفرنسا عن الشاعرات العربيات فذكرها ونازك الملائكة وفدوى طوقان.. فقال: “لميعة عباس عماره شاعرة الرقة والجمال والانوثة التي لاتنته”. كما أنها تتميز بالذكاء وسرعة البديهة”.

وتواصل: “إنها واحدة من أكثر الشاعرات جزالة وعذوبة، كما أنها جمعت إلى جانب إجادتها كتابة القصيدة الفصحى وألمت بأصول ومفاهيم الحداثة، إجادة مماثلة في نظم الشعر الشعبي والقصيدة العامية، بل أن القصيدة الشعبية كانت هي المنطلق الأول في مسارها الأدبي (نظمت الشعر العامي في سن مبكرة بالعامية تماشيا مع المحيط -العمارة- وكانت الصدمة الأولى) حيث ثار جدها وشتمها، فهربت وهي لا تعرف سببا واضحا لغضبه، لأن الجميع هناك، في العمارة، يقولون مثل هذا الكلام من غير أن يغضب أحد! تعد الشاعرة المحدثة المبدعة (لميعة عباس عمارة) محطة مهمة من محطات الشعر في العراق”.

الحسية والرومانسية..

وفي مقالة أخرى بعنوان (لميعة عباس عمارة: شعر السياسة ممزوج بالحسية والرومانسية) يقول “شكيب كاظم”: “كانت المرة الوحيدة التي التقيت معها خريف عام 1976، كانت مديرة الإعلام في الجامعة التكنولوجية، وكنت تخرجت حديثاً في كلية الآداب، وأروم مغادرة عملي في مصلحة توزيع المنتجات النفطية، الذي لا يتفق مع توجهاتي وطموحاتي. لا شك أنّها لم تعرفني إذْ كنت في بداية طريقي الأدبي، لكني كنت ممتلئاً بها، فلقد سبقتها شهرتها إليَّ بوصفها شاعرة من شواعرنا العراقيات، فضلاً على كونها ذات توجهات سياسية يسارية وقلة هنَّ الشواعر العراقيات: نازك الملائكة، عاتكة وهبي الخزرجي، مقبولة الحلي، وفية أبو أقلام، أميرة نور الدين، صدوف العبيدية، آمال الزهاوي، أمل الشرقي، وسمية العبيدي وغيرهن، وحصلت على شهرة ورسوخ ذكر، بسبب جرأتها في تناول موضوعاتها؛ لا سيّما الحسية منها أو الغزلية فإذا كانت بعض الشواعر يمسسن هذا الجانب الحسّي مسًّا خفيفاً حيياً خفراً وعلى استحياء بسبب تقاليد المجتمع العراقي فإنَّ لميعة عباس عمارة كانت تفخر بحبّ بدر شاكر السياب لها، وتجاهر بهذا الرأي كونه نظم العديد من قصائده فيها. ما اقتصرت لميعة عباس عمارة، على لون محدد، من ألوان البوح الشعري، إذ كتبت في الرومانسيات الحالمة فضلاً على الحسيات الغزلية في شيء من الجرأة، التي تفتقر إليها المرأة العراقية والعربية والشرقية، عموماً في تلك السنوات كما أنّها كتبت في الواقعية التي تنهل من السياسة وأفكار اليسار، وما اكتفت بالقريض والفصيح بل تعدته إلى الشعر العامي الذي يجيد النظم فيه أهل الجنوب العراقي، ولعلها في هذه المزية، تقترب من الشاعر المبدع مظفر النواب، الذي كتب العامي والفصيح، وما زالت في الذاكرة قصائد ديوانه (للريل وحمد)، وإذْ تغادر العراق تطلق آهة حرى مصورة حالها، في اغترابها في مدينة سان دييغو في ولاية كالفورنيا الأمريكية قائلة: عشر الملايين (يوم كان سكان العراق عشرة ملايين) الهواهم ولالي عوض/ فاركتهم بالرغم من فرض علي انفرض/ وما صاحبي بعدهم غير التعب والمرض/ والدمعتين التنام بشعري تالي الليل/ أكول خلصت وثاري الخلص/ بس الحيل/ أدري جبيرة الأرض/ بس مالي بيها غرض. لميعة، تبث شكواها، إنّها غادرت أرضها لسبب فرض نفسه عليها، ولم يبق معها سوى التعب والمرض، وإذ اعتقدت أنّها فرّت بجلدها وخلصت نفسها، لكن الذي انتهى وخلص القوة والحيل، وذهبت الصحة معهما، وتطلق صرختها الداوية أنَّ الأرض كبيرة لكن هذا لا يعنيها بعد أنْ غادرت وطنها وأرضها، لأن لا حاجة لها بالأرض ولا غرض؛ هذه الأرض على سعتها وكبرها لأنّها خالية من الوطن؛ العراق”.

قصيدتين ل”لميعة عباس عمارة”..

لو أنبأني العرّاف

أنك يوماً ستكونُ حبيبي

لم أكتُبْ غزلاً في رجلٍ

خرساء أظلّ

لتظلَّ حبيبي

لو أنبأني العراف

أني سألامس وجه القمرٍ العالي

لم ألعب بحصى الغدران

ولم أنظم من خرز آمالي

لو أنبأني العراف

أن حبيبي

سيكونُ أميراً فوق حصانٍ من ياقوت

شدَّتني الدنيا بجدائلها الشقرِ

لم أحلُمْ أني سأموت

لو أنبأني العرّاف

أن حبيبي في الليلِ الثلجيِّ

سيأتيني بيديهِ الشمسْ

لم تجمد رئتايَ

ولم تكبُرْ في عينيَّ هموم الأمس

لو أنبأني العراف

إني سألاقيك بهذا التيه

لم أبكِ لشيءٍ في الدنيا

وجمعتُ دموعي

كلُّ الدمعٍ

ليوم قد تهجرني فيه..

…..

رهينة الدارين

يعلم الله أنني أتعذب

رهبة من مشاعري أترهب

لا تقل لي (أحب)

هذا بعينيك اشتهاء

ونزوة

سوف تذهب.

لست أيوب،

لن تطيق وصالي

هو شيء من الخرافة أقرب

أن تراني وحشية التوق للحب

وتبقى معي الرفيق المهذب

أبعد الشعلتين- كفيك- عني

لا تلامس هذا الكيان المتعب

أنا رهن الدارين

أنساني الحرمان جسمي

ولذتي أن أصلب.

https://www.youtube.com/watch?v=CQ1xDmHoQco

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب