لماذا ساد “الشافعي” وانحطت البرامكة ؟

لماذا ساد “الشافعي” وانحطت البرامكة ؟

خاص : بقلم – إيهاب نبيل :

منذ أن تمت محاكمة “الشافعي” أمام الخليفة “هارون الرشيد”؛ ونجا وحيدًا ممن قُبّض عليهم على إثر التمرد الزيدي في اليمن، أدرك “الرشيد” ووزيره “الفضل بن الربيع”؛ أن الدولة والسلطة بحاجة مُلّحة إلى زيادة قبضتها على المجال العام ضد أي معارضة؛ و”الشافعي” كان مؤهلاً للقيام بذلك الانقلاب الشامل في تاريخ الإسلام انطلاقًا من جذوره الاعتزالية والخطاب الحجاجي المُعّقلن الذي قد أمسك بناصيته وأصبح حاذق بجداله، الأمر الذي دعا “الشافعي” إلى استخدام تلك الآليات لصنع مجال سياسي فقهي جديد قائم على كبح الاجتهاد والرأي وإطلاق العقل في النص.

فأنطلق “الشافعي” في صياغة بُنّية جديدة سُمّيت بأصول الفقه؛ والتي قيل عنها أنها المعادل الوضعي للمنطق اليوناني، وحاجج بكل قوة لصالح السلطة العباسية لـ”الرشيد” ومن بعده في مواجهة حركات المعارضة، وهنا ينشأ الاشتباك السياسي والمذهبي بين البرامكة الفرس؛ ذوي النفوذ السياسي القوي، وكانت لهم الإدارة الفعلية في المجال السياسي منذ أن تولى “الرشيد” الحكم صغيرًا، فكان “يحيى البرمكي” هو المدير الفعلي للدولة؛ ومن بعده ابنه “جعفر”، وكذلك “الفضل بن سهل” وزير “المأمون”؛ الذي كان له دور مؤثر في تولية “المأمون” الخلافة والإنفراد بها على حساب أخيه “الأمين”.

كان “البرامكة” من أوائل المشجعين والمشرفين على حركة الترجمة العربية للتراث اليوناني من فلسفة ومنطق وطبيعة وغيره، وكذلك في المجال الديني ساندوا أصحاب الرأي والعقل والاجتهاد ضد النصية والنقلية من أصحاب الحديث، ليُصبح هناك صراعًا سياسيًا في الأساس متخذًا لبوسًا إثنيًا ومذهبيًا في العلن.

وبفضل عمل “الشافعي”؛ كفقيه سلطوي بإمتياز، وتلاميذه انحازت السلطة إلى ضرورة قمع ونكبة البرامكة الذين نما نفوذهم وتدخلهم في شؤون الدولة بشكلٍ أكبر وأعمق عن طريق تبرير شرعية السلطة وإحياء الأحاديث القائلة بإمامة قريش وإنكار الخروج على الحاكم وضرورة درء الفتنة ولعن من إيقظها؛ ليُقّم تحالف ظاهر بين “الشافعي” وأصحاب الحديث من مُحّدثين ومصنفين في حلف أهل النص والنقل في مواجهة الاعتزال والتشيع وأصحاب الرأي والاجتهاد من أهل السُنة.

لذا من الأهمية لو أمعنا النظر في المصادر التاريخية في تلك الحقبة؛ لنجد إنه من قام بتحويل البوصلة سياسيًا وفقهيًا في تاريخ الإسلام هم فقهاء كانوا في الأصل متكلمين واعتزاليين مثل: “الشافعي وأبوالحسن الأشعري” اللذين تتلمذا على يد متكلمين معتزلة ثم انقلبوا ليقيموا علم كلام سُني محافظ متحالف مع السلطة، وتمثل هذا خير تمثل في “أبوحامد الغزالي”؛ الفيلسوف سابقًا، الفقيه الأشعري الشافعي المُدافع عن السلطة حاليًا.

بالطبع هذه مجرد ملاحظات عابرة وهوامش مختصرة أسعفتني بها الذاكرة أثناء وضع خطة أولية لإنجاز بحث متعلق بتلك الإشكالية الشائكة، لكني سأتناولها في مرحلة تاريخية لاحقة في القرن الثالث الهجري؛ إنطلاقًا من تلاميذ “الشافعي” الكبار، أبرزهم: “أبوالعباس بن سريج” ودوره المهم في زيادة نفوذ المذهب الشافعي في المشرق الإسلامي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة