22 ديسمبر، 2024 11:55 م

“لعبة المغزل” .. حينما يصبح التلاعب بحكايا التأريخ لعبة لذيذة !

“لعبة المغزل” .. حينما يصبح التلاعب بحكايا التأريخ لعبة لذيذة !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (لعبة المغزل)؛ للكاتب الإريتري، “حجي جابر”، إصدار المركز الثقافي العربي.. تتناول فكرة نسج الحكايات، تلك الموهبة التي تتمكن من المرء، كما تتناول فكرة تزييف الوعي التي يتبعها الحاكم الذي يجمل صورته السيئة، عن طريق تغيير الحكايات التي دونت عنه وعن الثورة للحصول على الاستقلال في إريتريا.

الشخصيات..

“الفتاة”: بطلة في العشرينات من عمرها.. رائعة الجمال، فقدت أبيها وأمها منذ أن كانت صغيرة وربتها جدتها التي تهوى روي الحكايات وغزل الصوف والخياطة، تعمل في إحدى المؤسسات التابعة للحكومة التي تختص بالوثائق وتسجيلها وأرشفتها على أجهزة الكمبيوتر.

“الطبيب”: طبيب تصادفه الفتاة في أحد الأيام.. يعاني من عقدة نتيجة لأنه لا يتمتع بجمال خارجي، تبدي الفتاة بعض الاهتمام به لكنها تتراجع.

“رئيس القسم”: هو مدير الفتاة المباشر الذي يشرف على عملها في تدوين الوثائق على الكمبيوتر.. نتيجة لجمالها يستجيب لطلباتها ويطلعها على الوثائق الهامة التي لا يطلع عليها إلا من قضى سنوات في العمل في هذه المؤسسة وأصبح مأمون الجانب.

“المدير”: نتيجة لجمالها الملحوظ؛ قبل بتوظيفها في هذه المؤسسة، وخصص لها مكتباً، ثم بعد ذلك طلب أن تساعده في عمله بجانب عملها.

“الجدة”: هي التي ربت الفتاة بعد موت أمها، وعلمتها الإستمتاع بالحكي.

“رئيس الجمهورية”: رجل مستبد متآمر.. سوف يقوم بتنحية الأب الروحي، الذي قربه إليه وجعله يتدرج في المناصب، وكذلك سوف يقتل القائد الكبير الذي كان يسبقه في النضال وسط مقاومة الاستعمار، ليكون هو الوحيد على الساحة، وقد أشار إليه كاتبوا الوثائق، وهم بعض ممن انخرطوا في المقاومة قبل الاستقلال بـ”الرجل القوي”.

الراوي..

الراوي عليم.. يحكي عن الفتاة بضمير الغائب ويصفها من الخارج ويركز على مشاعرها الداخلية، فهو يهتم بالبطلة بشكل أساس.

السرد..

السرد محكم البناء، لكنه يحتاج إلى يقظة عالية من القارئ، لأنه يستعين ببعض الأفكار الفلسفية؛ خاصة في العلاقة بين الطبيب والفتاة حول الجمال والدمامة، وأيضاً لأن الكاتب يستخدم حيلة تغيير الحكايات، وفي نهاية الرواية قلب الأحداث رأساً على عقب، وأخبرنا عن تغيير كبير في مواصفات البطلة وفي نهايتها.. الرواية تقع في حوالي 200 صفحة من القطع المتوسط، وتتميز بلغة جميلة أقرب للغة الشعرية.

متعة نسج الحكايات..

الجدة تعمل بالخياطة لتعول نفسها وحفيدتها، كما أنها تغزل الصوف في ملابس جميلة تتصدق بها على المحتاجين والمرضى، ومثلما تغزل الصوف تغزل الحكايات لحفيدتها منذ أن كانت صغيرة، حتى عودتها على الإستمتاع بالحكي وعلى التلاعب بالحكايات ولعبة التخييل، ونسج الحكاية الواحدة بأكثر من طريقة ومن أكثر من زاوية، وحين كبرت الفتاة وتخرجت وأصبحت رسامة تعينت في إحدى المؤسسات الحكومية التي توثق الأحداث الهامة في البلد، عن طريق الوثائق التي يتركها الناس، خاصة أفراد المقاومة المقاتلون الذين حققوا الاستقلال لإريتريا.

تبدأ الفتاة عملها، الذي ساعدها جمالها على الإلتحاق به، وتلاحظ أنهم يعطونها وثائق مربوطة بشرائط بنية، في حين أن هناك وثائق حمراء أكثر أهمية يختص بها رئيس القسم والموظفون القدامى، فيتملكها الفضول كي تعرف ماذا يوجد في تلك الوثائق الحمراء، وتبدأ في تفريغ الوثائق البنية على جهاز الحاسب الذي تعمل به وتشعر بالملل لأنها حكايات غير مهمة عن المقاومة للاستعمار، ثم لكي تنفض الملل عن نفسها تستعين بموهبة جدتها وتحاول أن تتعلمها، حيث تغير في الوثائق أو الحكايات التي سجلها أصحابها وهي بمثابة يوميات عن فترة المقاومة، فقط لتشعر بالإثارة وأنها أصبحت تمتلك موهبة التلاعب بالحكايات مثل جدتها، لكنها لا تقاوم فضولها تجاه الوثائق الحمراء، وتطلب من رئيس القسم أن يطلعها عليها فيوافق، على أن يحدث ذلك بشكل سري، وتشرك جدتها في تلك الحكايات التي أصبحت تغير في تفاصليها كما يحلو لها، ثم يزداد فضولها وتطلب أن تعمل على الوثائق الحمراء بشكل علني، لكن المدير يعنفها، ثم وبعد ذلك، وسعياً لكسب رضاها يطلب منها مساعدته، والانتقال إلى مكتبة لكي تعمل على تلك الوثائق الهامة.

تزييف الوعي وتجميل الصورة..

تخرج الفتاة من مرحلة التلاعب بالحكايات، كمحاولة لنفض الملل عنها، إلى مرحلة أهم؛ حين تكتشف في مكتب مدير المؤسسة وثائق أكثر أهمية من تلك التي كان يعطيها رئيس القسم لها لتراها، فقد اكتشفت وثائق تخص رئيس الجمهورية، وثائق تصفه بصفات حسنة حتى يوشك أن يصبح شخصاً كاملاً، شديد الوسامة، طيب الخلق، مناضل بدرجة كبيرة، وهو يسعى وفقط لمصلحة إريتريا ومصلحة بلاده وثورتها، لا يطمع في النساء الجميلات وإنما يغض بصره عنهن، وهو وفي لرفيق النضال الذي تسميه الوثائق “القائد الكبير”، كما أنه لا ينكر جميل “الأب الروحي”، ذلك الذي قربه إليه واعترف به وجعله يصعد في المناصب، لكنه عزله عن منصبه لأنه، على حسب ما تقول الوثائق، كان يضر بمصلحة الثورة، وكان له أتباع ينفق عليهم النقود التي يحصل عليها كمساعدة من دول خارجية.

وتقع الفتاة في غرام ذلك الشخص الأقرب إلى الكمال، وترسم له صورة تضعها في غرفتها، وتبدأ في التهام الوثائق عنه وقراءتها بنهم، وحين تلاحظ أن هناك خطاً جميلاً يقوم بتعديلات على الوثائق تسأل رئيس القسم الذي يخبرها سراً أن من يقوم بالتعديلات هو رئيس الجمهورية نفسه، ويستمر فضولها في ملاعبتها حين تريد أن تطلع على الوثائق قبل أن تذهب لرئيس الجمهورية ليقوم بتعديلها.

وتنجح بعد القيام بمغامرة ما أن تحصل على تلك الوثائق، وتكتشف أن رئيس الجمهورية ما هو إلا رجل مستبد سيء الخلق، وأنه بتعديلاته يحاول أن يجمل صورته القبيحة في عيون مواطنيه، ويزيف الحقائق التي سجلها المناضلون في يومياتهم، وتكتشف أنه غدر بالأب الروحي وأنه قتل “القائد الكبير”، وأنه استأثر بالمكاسب كلها لنفسه، كما أنه اغتصب إحدى المقاتلات التي كان مشهوداً بجمالها بعد أن صدت اقترابه منها، وحين حملت من ذلك الاغتصاب أبعدها عن المقاومة، وهي أصيبت بالجنون وتركت ابنتها لجدتها تربيها، شكت الفتاة أن تلك الحكاية تخصها وسألت جدتها واكتشفت أنها هي نفسها ابنة رئيس الجمهورية من حادثة اغتصاب، وقررت قتله وذهبت إلى موكبه في يوم الاحتفال بعيد الاستقلال واقتربت منه وحوطت رقبته بيديها ثم أُطلق عليها النار.

نهاية غير موفقة..

ثم بعد هذه النهاية المشبعة للقارئ يعمد الكاتب إلى وضع نهاية أخرى، حيث يذهب الطبيب الذي قابلته الفتاة في أثناء الرواية صدفة، وكان يحاول التقرب منها بسبب جمالها الشديد وهي تحاول تجاهله ربما لأنه دميم، يذهب هذا الطبيب إلى الاستخبارات الخاصة بالدولة ليبلغ عن شرائط مسجلة لفتاة دميمة، كانت قعيدة نتيجة حادثة سير وقد أصيبت فيما بعد بالجنون، وكانت تلك الفتاة تحبه وحين أطرى على جمال صوتها طلبت منه إحضار جهاز تسجيل وشرائط وسجلت عدة أشرطة تحكي فيها كل ما جرى في الرواية من بدايتها، هذه الأشرطة اعتبرها الطبيب محاولة من الفتاة لتهديد رئيس الجمهورية، وربما تكون متعاونة مع إحدى الجهات الإرهابية، وقد حصل على تلك الأشرطة بعد وفاتها.. كقارئة شعرت بهذه النهاية وكأنها ملفقة وقد أفقدتني متعة الإستمتاع بالرواية، حيث وضعتني في حيرة وزعزعت داخلي كل الثقة تجاه المعلومات التي أعطاها الكاتب عن الفتاة طوال الرواية.

ربما كان الكاتب يقصد من تلك النهاية التأكيد على فكرة أن التلاعب بالحكايات أمر يحدث دوماً، وأنه متعة في حد ذاته، لكني لم أحب تلك النهاية.

الكاتب..

“حجي جابر”، روائي إريتري.. من مواليد مدينة “مصوع” الساحلية، عمل لسنوات في الصحافة السعودية، وعمل مراسلاً للتليفزيون الألماني (دويتشه فيله DW)، قبل أن يلتحق بقناة (الجزيرة)، حيث يعمل فيها صحافياً في غرفة الأخبار.

صدر له عن المركز الثقافي العربي، رواية (سمراوايت)، الحائزة على “جائزة الشارقة للإبداع العربي” 2012، ورواية (مرسى فاطمة) 2013، وصدرت رواية (لعبة المغزل) في 2015.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة