خاص: إعداد- سماح عادل
“لطيفة باقا” كاتبة مغربية، ولدت سنة 1964 في “سلا” بغرب المملكة المغربية، أصدرت أولى مجموعاتها القصصية بعنوان (ما الذي نفعله؟) التي حازت على جائزة الأدباء الشباب عام 1992، ثم أتبعتها بمجموعة (منذ تلك الحياة) عام 2005، لها ترجمات لعدد من اللغات: الفرنسية، الانجليزية، الاسبانية، الألمانية، الايطالية، وهي كاتبة مقال رأي ببعض الصحف والمجلات.
وحصلت مجموعتها القصصية الأحدث (غرفة فرجينيا وولف)، الصادرة عن دار توبقال سنة 2015، على جائزة القراء الشباب من شبكة القراءة بالمغرب لعام 2017، وهي جائزة يمنحها القراء الشبان المنتمون لنوادي القراءة على المستوى المحلي.
مصداقية الجوائز..
في مقابلة لها مع وكالة “رويترز” تصرح “لطيفة باقا”: “إن الجوائز الكبيرة والمتنوعة تتميم للعمل الروائي كما تلعب دورا كبيرا في الترويج له بالإضافة إلى أنها تلعب دورا في خلق حدث لهذا العمل.. لكن أية جائزة؟ وأي مقاييس؟ وأية مصداقية؟ لأية رواية؟.. فنحن نعيش شكلا من أشكال الفساد الثقافي وهذا الوضع يخلق لنا جوائز ليست ذات مصداقية، كما أن بعض الجوائز تشجع بعض الأعمال الأدبية الضعيفة.. مثلا نجد أن بعض الجوائز تراعي هذه السنة لدولة عربية والسنة القادمة لدولة أخرى.. وهكذا دواليك، وكأن المسألة تتعلق بالجغرافيا في حين أن الأدب وجودته هي المقياس الوحيد الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.. عند تحكيم أي عمل أدبي ضمن مسابقة أو جائزة يجب النظر إلى جودة العمل وبنائه وعدم ربطه بالقضايا الرائجة وموضوعات الساعة.. يجب عدم محاكمة العمل الأدبي من خلال باب المذاهب أو المعتقدات أو السياسة، أو تطرق الكاتب لمواضيع الساعة كالإرهاب أو التطرف الديني أو الشذوذ الجنسي أو الدعارة.. بمعنى مسايرة الكاتب لنوع من ’الموضة‘ فهذا يلعب دور سلبي بالنسبة للأدب بصفة عامة ويصبح مقياس النجاح ليس الجودة أو الكفاءة الأدبية بل مسايرة مواضيع معينة.. هناك من الكتاب من يكتب عن مواضيع يهتم بها الغرب أو الساحة الثقافية عموما إما للفت الانتباه أو للفوز بجوائز”.
وعن فوزها بجائزة القراء الشباب للكتاب المغربي في صنف القصة القصيرة لسنة 2017، عن مجموعتها القصصية الأخيرة «غرفة فرجينيا وولف» تقول “لطيفة باقا” لصحيفة “إيلاف المغرب”: “إن أول ما تبادر لذهني عندما سمعت أن «غرفة فرجينيا وولف» قد فازت بجائزة الكتاب المغاربة، صنف القصة القصيرة التي تمنحها شبكة القراء بالمغرب، والتي تتشكل لجنة تحكيمها من قراء شباب تتراوح أعمارهم ما بين 14 و 24 سنة، هو أن النصوص لم تصب ب “الترهل” بعد، إنها جائزة طرية وذات مصداقية ليس فيها مال ولا توافقات أو محابات، ولجنتها بعيدة كل البعد عن الدائرة الثقافية المكرسة وعن الريع الثقافي الذي أفسد جوائزنا بشكل عام”.
الحريات الشخصية..
وفي حوار مع صحيفة “العرب اليوم” تقول”لطيفة باقا” عن الحرية الجنسية: “إن كثيرا من المغاربة يمارسون الجنس خارج إطار الزواج، موضحة أن الخوض في موضوع إباحة العلاقات الجنسية بين العزاب بات ضرورة يفرضها الواقع، إن المثقف المغربي يجب أن يقف في وجه الخطاب الداعي إلى كبت الحريات”..
وعن سؤال لماذا يثير موضوع الحرية الجنسية، اليوم، هذا الجدل الواسع بين أوساط المثقفين وأنت واحدة منهم؟ تجيب: “موضوع الحرية الجنسية يندرج برمته ضمن نقاش عام مرتبط بقضية الحريات الشخصية، هذا النقاش ليس مستجدا تماما، بل هو نقاش قديم وإن كان اليوم يبدو أكثر وضوحا من السابق، وذلك نظرا إلى الظرف السياسي الذي نعيشه حاليا، والذي يقف خلفه الاستفزاز الأيديولوجي، الذي حركه صعود الإسلاميين في الاستحقاق الانتخابي الأخير. وأعتقد أن النقاش الآني حول الحرية الجنسية أمر إيجابي، من جهة لأنه يجعل الجسد يطفو على السطح كموضوع كبير، تعاملت معه الثقافة العربية والإسلامية بكثير من التغييب والتكتم، ومن جهة أخرى، باعتباره يعكس الدينامية التي يعيشها المجتمع المغربي ككل.. في اعتقادي، نقاش الحرية عموما والحرية الجنسية على وجه الخصوص نقاش حقوقي بالدرجة الأولى، وينبغي التعامل معه على هذا الأساس، وهنا أستحضر الضجة التي أثارها موضوع الأمهات العازبات أو موضوع المثلية الجنسية، نحن أمام حقل ملغوم اسمه الجنس، فالكل يفكر فيه ويهفو إليه، لكن الكل يتنكر له، للظهور بمظهر طهراني بعيد عن الحقيقة، كان الجنس دائما يوجد في موقف محرج يتجاذبه فيه الخطاب الديني من جهة، والخطاب الحقوقي القانوني من جهة ثانية، نحن أمام وجهتي نظر مختلفتين، وجهة النظر الدينية التي تنطلق من خطاب قائم بالأساس على ما ينبغي أن يكون، في حين تنطلق الوجهة الحقوقية في جزء من خطابها على ما هو “كائن بالفعل””.
وعن فصام المجتمع المغربي بخصوص موضوع الجنس تضيف “لطيفة باقا”: “نعلم جميعا أن جزءا كبيرا من المغاربة يمارسون الجنس خارج إطار الزواج، وهذه حقيقة قديمة جدا وليست من مخلفات العولمة، بل “من مخلفات قوة الغريزة الجنسية” إذا صح القول، فهل استطاع الدين أن يمنع الناس من السرقة على مر التاريخ، الشيء نفسه، إذن يمكن أن نقوله عن ظاهرة الأمهات العازبات التي هي أحد نتائج هذا الواقع الكائن بالفعل، فهل يكفي أن ندين هؤلاء النسوة ونحرم أطفالهن من اعتراف المجتمع كي نضع حدا للظاهرة، أحيانا يبدو الخطاب الديني رغم الدوافع الأخلاقية الإيجابية التي تقف خلفه وخلف مقاصده وكأنه يدفن رأسه في الرمال.. المغاربة ليسوا استثناء، والإنسان هو نفسه في كل المجتمعات وكل الثقافات وكل الديانات، لهذا السبب أرى أنه لا ينبغي أن يزعجنا هذا النقاش، لسبب بسيط وهو أنه يعكس الوضع الصحي الذي يوجد عليه المجتمع المغربي، على خلاف عدد من المجتمعات المحافظة، والتي أعتبرها في الواقع منافقة، تفضل عدم الخوض في المواضيع الحساسة، وإن كانت هذه المواضيع بالذات تدخل في صلب اهتمام الناس، وفي صلب حركية المجتمع”.
القصة قدمي الحافيتين..
وفي حوار مع “العربي الجديد” تقول “لطيفة باقا” عن كتابة القصة: “أول نص نشرته كان سنة 1987 وكان قصة قصيرة، لم يكن ذلك اختيارا بل مجرد صدفة. وعن سؤال “لماذا القصة القصيرة؟”، أعتقد أن الموضوع له علاقة بعشقي للتفاصيل وتأثري الكبير بأمي التي كانت تحسن الحكي.. القصة أو الرواية كانت تفي بالغرض في حالتي الخاصة، تحقّق لي إشباعاً في حاجتي إلى الثرثرة ومهارة التقاط التفاصيل المنفلتة، شيء ما يشبه اللعب.. التورط في القصة لم يكن واعياً. في البداية كنت أرسم ثم بدأت أحلم بالسينما، أفكر اليوم أنه حدث معي ما كان يحدث مع الشباب المغاربة الذين نبغوا في ألعاب القوى لا لشيء سوى لأن ألعاب القوى لم تكن تتطلّب سوى قدمين، في حين رياضات أخرى كانت تتطلب إمكانيات وتجهيزات لا أمل لهم بها. القصة لم تكن مكلفة مثل السينما.. القصة كانت قدميّ الحافيتين اللتين ركضت بهما بعيداً عن القدر الذي وجدته ينتظرني باعتباري فتاة مغربية وُلدت ولم تجد ملعقة ذهب في فمها.. الواقع يعجّ بالمتناقضات وهذه المتناقضات كانت دائماً تستفزني، الكتابة عندي رد فعل نحو العالم.. نصوص كثيرة كُتبت في مساري الإبداعي لتساهم في تصريف الغضب الذي أشعر به تجاه القبح والظلم والزيف.. الكتابة تتحرك أفقياً وعمودياً، هي صوت الذاكرة القادم من الطفولة البعيدة وهي صوت الحاضر والآني”.
في غرفة فرجينيا وولف..
وعن مجموعتها الأخيرة “في غرفة فرجينيا وولف”، والاستحضار لاسم وولف ولعبارات لهذه الكاتبة داخل النص تبين “لطيفة باقا”: “التناص لم يكن واردا كفكرة تؤطر لحظات الكتابة، بل كان مجرد صدفة.. فأنا أعتبر مقالة “وولف” المعنونة بـ “غرفة تخصّ المرء وحده”، أحد البيانات الأساسية التي تناولت قضية المرأة المبدعة. فكرة الغرفة الخاصة كانت أصيلة ومغرية.. جاء مشروع المجموعة القصصية الثالثة، فأنا مقلّة جداً كما يعرف الجميع، وكانت النصوص أمامي جاهزة، لكني لم أكن أتوفر على عنوان يجمع هذه النصوص ويجعل منها كتاباً منسجماً، عنوان يستطيع أن يكون العتبة الأساسية التي يدخل عبرها القارئ إلى بيت الحكاية ثم إلى الغرف.. بين النصوص كانت قصة “قيلولة متقاعدين”، وفيها نقرأ “سأكون في هذه اللحظة قد حققت بالتأكيد ولو متأخرة، مطلباً صغيراً انشغلت عنه من فرط ذوباني في حياة أبنائي وزوجي والآخرين، ذلك المطلب الذي يلتقي ربّما بمطلب “فيرجينيا وولف” الشهير في امتلاك غرفة خاصّة”.. ومن هنا كانت غرفة وولف هي الخيط الرابط بين قصص المجموعة”.
هجر القصة..
وعن الاتجاه إلى كتابة الرواية وهجر القصة القصيرة تقول” لطيفة باقا”: “ليس كل من كتب القصة نجح في كتابتها، وليس كل من كتب الرواية نجح فيها أيضاً. المكتبات المغربية ودور النشر تغصّ بالنصوص الرديئة، هناك الكثير من الكتّاب بالقوة وقليل من الكتّاب بالفعل..هناك الجوائز، أي الإغراء المادي الذي سيضاف إلى الإغراء المعنوي بمنح صفة الروائي، جوائز القصة تقريبا منعدمة. الكتّاب المغاربة في غالبيتهم قادمون من الطبقات الدنيا أو المتوسطة، ولم تمنحهم الكتابة، حتى الموهوبين منهم، الامتياز المعنوي الذي يستحقونه، وطبعا لم يكن هناك أي امتياز مادي، إن لم نقل إن الكتابة خسارة مادية بالنسبة إلى البعض (كلفة الطباعة والتوزيع وأيضاً الأسفار تتم في الغالب على حساب الكاتب). عندما سيظهر في الأفق إغراء ما من شأنه أن يجعل وجودهم أقل بؤسا، فلا غرابة في تهافتهم.. وهذا مشروع، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب النص الجيد. غير أن الجوائز العربية تعاني في غالبيتها من نقص المصداقية، ومن جهة أخرى، التراكم بحد ذاته مهم من أجل فرز النصوص الجيدة”.
صورة المرأة في الخطاب السياسي العام..
وفي حوار آخر معها أجراه “سعيد غيدَّى”، وعن بحثها لنيل شهادة الإجازة في علم الاجتماع سنة 1990 حول صورة المرأة في الخطاب السياسي العام تقول” لطيفة باقا”: “سبق لي أن أجريت بحثا جامعيا لنيل الإجازة وكان في موضوع “صورة المرأة في الخطاب السياسي العام”، وأتذكر أنني استنتجت في نهاية البحث، حقيقة مؤسفة مفادها أن القضايا المرتبطة بالجندر داخل برامج الأحزاب، معطلة كليا أو جزئيا، ويتم التعامل معها بمنطق الأولويات. حاليا يتطلب الموضوع، مقاربة مختلفة بحيث لا يكفي أن نقف عند البرامج والتصورات والأدبيات الحزبية، بل علينا أن نساءل وضع المرأة بشكل عام داخل الأحزاب وداخل البرلمان وباقي مواقع القرار”.
وعن موقف المثقف من مجتمعه تؤكد: “ينبغي الحديث عن صنفين اثنين من المثقفين، صنف يستظل بظل السلطة، وصنف خارج المظلة، قريبٌ من حرارة الشمس والغبار وقضايا الناس.. وهناك طبعا العدميون. نحن نعرف كيف نجحت السلطة في قص أظافر الفكر. بالنسبة لي، الموقع الأنسب للكاتب هو الموقع المحاذي للهامش. علاقة السياسي بالثقافي كانت في غالب الأحيان زواج متعة، لم يكن أبدا زواجا سعيدا، وما تولد عنه كان بالضرورة أبناء غير شرعيين. فالسياسي لطالما “استعمل” المثقف في حمى بحثه عن المشروعية والمصداقية، والمثقف لطالما قايض استقلاليته مقابل ريع أو امتياز عابر”.