24 أبريل، 2024 11:18 م
Search
Close this search box.

لا عودة إلى الوراء: الحياة والخسارة والأمل في سوريا زمن الحرب

Facebook
Twitter
LinkedIn

المؤلف: رانيا أبو زيد
كانت المجازر المبكرة والاعتداءات الجنسية ضد النساء، التي تغاضى عنها النظام، أحد أهم الأسباب التي حوَّلت حركة اللاعنف الشعبية في سوريا إلى حرب طائفية بالوكالة. بيد أن المشهد الأكثر قتامة يتجسد في آليات العنف: ضخ الأسلحة إلى الداخل وتمويل الميليشيات وصعود وسقوط الجماعات المسلحة.

مقامرة محسوبة
في كتاب “لا عودة إلى الوراء: الحياة والخسارة والأمل في سوريا زمن الحرب” تستفيد المراسلة رانيا أبوزيد من علاقاتها طويلة الأمد مع مصادر داخل معسكر المعارضة شمال سوريا، تمتد من 2011 إلى 2016، لإظهار مدى سرعة عسكرة الثورة الشعبية، وهو تطوُّر تشير الكاتبة إلى أنه كان جزءًا من استراتيجية الأسد: المقامرة المحسوبة.

في مايو 2011، عندما كانت الانتفاضة السلمية تكتسب زخماً، أصدر الأسد عفواً عن جميع المتطرفين الإسلاميين في سجونه. كان يحتاجهم لتنفيذ خطة أخرى: إذا حملوا السلاح، “سيسمح هذا للنظام بأن يقول للعالم: انظروا إلى الإرهابيين”.

في السنوات التي تلت ذلك، تحققت أمنية الأسد. صور هو ومؤيدوه الروس والإيرانيون بلا هوادة كفاحهم على أنه “حربهم الخاصة على الإرهاب”، بينما كانوا يسعون بلا هوادة إلى ذبح أي قوى معتدلة لا تتناسب مع هذا الوصف.

كانت هذه وصفة للفوضى، وكانت طبيعة الصراع المتصدّع والممزق تعني أنه مع مرور الوقت، حتى المقاتلون المتشددون والمنضبطون المرتبطون بالقاعدة سيتقاتلون فيما بينهم.

في حين لا يفرز الكتاب أي تعاطف مع النظام السوري الوحشي الذي أسسه حافظ الأسد في عام 1970، ثم حكمه ابنه بشار منذ عام 2000، لكنه يسلط الضوء على السياق. ذلك أن السمة الأعظم لحكم آل الأسد كانت ولا تزال هي الصبر الذي لا ينفد. تأتي التهديدات والمؤامرات والعقوبات والحروب ثم ترحل، لكن آل الأسد ها هنا باقون.

قائمة المعتقلين
يستهل الكتاب بـ”قائمة شخصيات” يهيمن عليها الذكور، مثل: سليمان طلاس فرزات، وهو متظاهر مُتَخَفٍّ وصانع أفلام هواتف المحمول ينتمي لعشيرة سنية بارزة تدعم النظام في الرستن، ومحمد من جسر الشغور، وهو مهرب سلاح قديم ومتعاطف مع الإسلاميين ومعتقل سابق.

ورغم أن هذه الأسماء ليست مشهورة، إلا أن قصصها المنثورة في فصول الكتاب المتشابكة تسلط الضوء على لحظات محورية في الصراع السوري، وتكشف كيف أن النظام نفسه قام بغرس بذور المعارضة الإسلامية المسلحة داخل سجونه.

في عام 2011، كان زميل محمد السابق في الزنزانة، يدعى أبو عثمان وهو باحث قانوني إسلامي، لا يزال مع رجال من جماعة الإخوان المسلمين، وفتح الإسلام، والقاعدة داخل السجن سيئ السمعة المعروف باسم “فرع فلسطين” في دمشق.

اعتقد أن هناك شيئًا ما في الخارج، لكنه لم يعرف حقيقته. تأكدت شكوكه عندما دخل محمد أيمن الكراد، البالغ من العمر 18 عاما من درعا، إلى زنزانته. قال المراهق، الذي اعتقل بسبب كتابة شعارات معادية للأسد على حائط المدرسة: إنه فقط كان يلعب كرة القدم بالقرب من الكتابة المسيئة. تعرض للتعذيب، لكنه على الأقل- كما أخبره نزلاء زنزانة أبو عثمان- كان لا يزال على قيد الحياة.

بعد فترة وجيزة من نقل أبو عثمان إلى سجن صيدنايا، أفرج عنه هو وسلفيون سوريون آخرون، حارب بعضهم ضد القوات الأمريكية في العراق، بموجب مرسوم العفو رقم 61.

جواز مرور لبشار
أصبح “الخارجون من صيدنايا” بمثابة جواز مرور لبشار الأسد، حيث أن إطلاق سراحهم، كما يقول أبو عثمان، “سيسمح للنظام بأن يقول للعالم: انظروا إلى الإرهابيين”. وبالفعل، بدأ المعتقلون السابقون ينظمون أنفسهم سرًا.

كما شغل سجناء سابقون آخرون مناصب بارزة في الحرب: أمضى أبو محمد الجولاني ست سنوات في سجن بوكا، وهو مركز الاعتقال ذاته الذي تديره الولايات المتحدة جنوب العراق بالقرب من الكويت، وفيه اعتقل زعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي.

على الرغم من أن الرجلين لم يكونا يعرفان بعضهما البعض، إلا أن الجولاني، الذي أصبح قائداً لجبهة النصرة والبغدادي الذي أعلن نفسه لاحقًا خليفة لـ”داعش”، سينتهي به المطاف بالقتال على جانبي خط الانقسام الإسلامي في سوريا.

ليسوا مجرد أرقام
لم يسمع سوى عدد قليل من الناس في العالم الأوسع عن سراقب، لكن أولئك الذين يقرؤون “لا عودة إلى الوراء” سيعرفون من هم هؤلاء الرجال. عامًا بعد عام، تتبعت رانيا أبوزيد أحدهم وقد أصبح محاربا ونشأ أولاده تحت القصف، ثم في المنفى، وبعد ذلك بذل جهودا بائسة للعودة إلى بيته وإعادة بنائه. هو وعائلته جزء من القصة التي رسمتها المؤلفة لتخبرنا أن “الضحايا ليسوا مجرد أرقام”، حتى ولو تجاوز عدد القتلى 500 ألف، قبل أن تتوقف الأمم المتحدة عن الإحصاء منذ أكثر من أربع سنوات.

يستعرض الكتاب قصص النشطاء المدنيين الذين وجدوا أنفسهم عالقين في ربيعٍ عربي أضحى شتاءً، فألقي بهم في أبراج الأسد المحصنة، إلى جانب الجهاديين الذين أفرج عنهم كجزء من حيلة ساخرة لاستقطاب الصراع.

روايات الكتاب عن النساء والفتيات -رولا البالغة من العمر تسع سنوات من سرقاب، ثم لاحقًا اختطاف المتمردين للنساء العلويات- تبدو هامشية بالنسبة إلى العمل الحقيقي الذي يقوم به الرجال تحت لهيب الحرب.

وفي زاوية أخرى من النزاع، تروي رانيا أبوزيد قصة تاجر عطور علوي قتلت زوجته وابنته الكبرى، وأخذ أطفاله الآخرين رهائن من قبل فصيل جهادي. ثم تجري مقابلات مع “أمير” سابق لأحد الفصائل المعنية، التي عرفتها منذ سنوات، ليؤكد أنه غير نادم على ما فعل.

ترسم رانيا أبوزيد ملامح هذه المجموعة الصغيرة من الشخصيات لتفسر لماذا أثارت المطالبات المهذبة بالديمقراطية مثل هذه المذبحة والفوضى.

مصالح ودروس
وإذا كانت ثورة مصر على الفيس بوك، فإن ثورة سوريا كانت على اليوتيوب. وقد استفاد كلٌّ من المواطنين الصحفيين والميليشيات من وسائل التواصل الاجتماعي. حيث كانت اللقطة التي سجلتها الكاميرا يمكن أن تجلب لصاحبها مليون ليرة سورية إذا أعجبت الراعي الخاص المناسب.

وكانت هناك دروس حيوية أخرى للرجال الأشداء في سوريا، بغض النظر عن الدين أو الجنسية أو الانتماء: كان عليهم أن يختبروا الرصاص قبل شرائه -بعضه كان فارغًا- والتأكد من أن القذائف الصاروخية المستعملة المهربة من العراق تعمل.

لكن سرعان ما ظهر العفن: “الرجال الفاسدون أنفسهم الذين كانوا يحاولون قتلهم”، أصبحوا الآن يبيعون لهم الأسلحة. زارت المؤلفة ورش صنع القنابل وحضرت جلسات لعقد صفقات الأسلحة.

في نهاية كتابها “لا تراجع” تقول: إنها كانت تستطيع تأليف كتاب آخر فقط عن الأسلحة، وهو موضوع عادة ما يكون حكرًا على الصحفيين الذكور مثل سي. جي. شيفرز من صحيفة نيويورك تايمز.

منبر من لا منبر له
بدلا من 150 ألف كلمة، وخمس سنوات من التقارير، بعضها نشر في مقالات على صفحات فورين بوليسي وتايم ونيويوركر، تم اختصار هذه التجربة في 60 ألف كلمة، جاءت مثيرة بشكل خاص في الفصول التي تتحدث عن سليمان طلاس فرازات.

المؤلفة من عائلة لبنانية هاجرت إلى أستراليا وتعيش حاليا في بيروت. وبسبب مذكرات التوقيف التي أصدرتها الحكومة السورية ضدها بسبب أنشطتها قبل عملها في الصحافة، أُجبَرَت على التسلل عبر الحدود من تركيا وتغطية أخبار المعارضة.

توضح: أنها تولت بنفسها المهام الخاصة المتعلقة بالترجمة والنسخ واللوجيستيات والتأمين والبحث وفحص الحقائق، وهو اعتماد على الذات أعجبت به ليندسي هيلسوم مراسلة CHANNEL 4 NEWS.

في مناطق القتال، تصبح حياة الناس على المحك طيلة الوقت. ووسط ضجيج العنف، يحتاج هؤلاء العالقون تحت القصف إلى منبر يسجلون عبره شهاداتهم حول هذه الحرب الطويلة والمستعصية.. وهذا ما تفعله رانيا وإخوتها من مؤلفي الكتب ومنتجي الأفلام وأيضًا الباحثين والصحفيين والمترجمين.

* المصادر:
– Dickey, Christopher (April 6, 2018) War Without End, New York Times.

– Halasa, Malu (May 17, 2018) Book Review – Rania Abouzeid’s ‘No Turning Back: Life, Loss and Hope in Wartime Syria’, London School of Economics and Political Science.

– Abouzeid, Rania (May 1, 2018) No Turning Back: Life, Loss and Hope in Wartime Syria, Bloomsbury Publishing Plc.

– Birrell, Ian (April 28, 2018) The tragedy of Syria: how protest spiralled into savagery, The Spectator.

المصدر/ مركز ادراك

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب