خاص : قراءة – سماح عادل :
في رواية (لأنني أحبك) للكاتب الفرنسي “غيوم ميسو”، ترجمة “محمد عثمان”، إصدار المركز الثقافي العربي، يظل القارئ مترقباً طوال الرواية.. فالكاتب يظل محافظاً على ذلك التوتر الممتع، جاذباً إليه كل حواس القارئ.. فالرواية بها قدر عال من التشويق كما أنها محكمة البناء.
كشف وحشية أميركا..
الرواية تدور في أميركا، بين ثلاث ولايات “نيويورك” و”لوس انغلوس” و”شيكاغو”، وتكشف وحشية الفوارق الطبقية في هذا البلد الرأسمالي الكبير, الذي يعد حالياً أهم دولة في العالم، ورغم ذلك يعاني الآلاف في هذا البلد الغني من الجرائم الوحشية، وانفلات النظام الأمني، والفقر والجوع.
تحكي الرواية عن الفقد والحزن الذي يتبعه، وكيف أن الإنسان رغم تجاوزه لمحن كثيرة في حياته إلا أنه في لحظة من اللحظات لا يستطيع تجاوز فقد شخص قريب منه، وتقف حياته تماماً ويخسر كل ما راكمه في الحياة ويعيش أسير لحظات الحزن والألم.
الشخصيات..
– “مارك”، طبيب نفسي ناجح.. استطاع أن يتغلب على فقر أسرته وحياته القاسية في ولاية “شيكاغو”, وصعد طبقياً بعد أن التحق بالجامعة، وأصبح نتيجة لاجتهاده طبيباً بارعاً في مجال علم النفس، ثم وفي أوج نجاحه تختفي طفلته “ليلي” وهي في الخامسة من عمرها نتيجة لإهمال مربيتها، ويظل يبحث عنها ثلاث سنوات، ثم يستسلم للألم تماماً ويهجر زوجته، ويصبح متشرداً يعيش في مصارف المياه وفي الأنفاق التحتية لولاية “نيويورك”، مؤكداً لنفسه على أنه سيحافظ على الألم طازجاً داخله طالما لا يعرف إذا كانت ابنته تتألم أم لا.
– “نيكول”، زوجة “مارك”, وهي عازفة كمان شهيرة، فقدت ابنتها وهجرها زوجها لكنها واصلت حياتها واستمرت تبدع في عملها، خافية حزنها داخلها.
– “ليلي”، ابنة “مارك” و”نيكول”، اختفت في “لوس انغلوس”, حيث كانت المربية تصطحبها في مركز تجاري، تظهر في منتصف الرواية.
– “كونور”، طبيب نفسي بارع أيضاً، وهو صديق “مارك” منذ أيام الطفولة في “شيكاغو”، تعرض لحادث مأساوي في مراهقته حيث قام رجلان يتاجران في المخدرات بإحراقه عمداً، وأخذ يتعافي من ذلك وقتاً طويلاً، لكنه انتقم لنفسه وأحرقهم بعد ذلك واستولى على أموالهم ليلتحق بالجامعة هو و”مارك”، ويستطيعا التخلص من الحياة البائسة للمعدمين في أميركا.
– “إيفي”، مراهقة لا تعرف لها أباً، وعيت منذ الطفولة على أم مدمنة للمخدرات والكحول ومع ذلك تشبثت بها وظلت معها تساعدها، أصيبت أمها بمرض خطير وظلت “إيفي” ترعاها وتعمل في أعمال هامشية، إلا أن احتال عليها طبيب في إحدى المستشفيات وسرق فرصة أمها في زراعة كبد جديدة، لأنه تلقى رشوة من مريضة غنية وتوفت أم “إيفي” وحَملت هي نفسها ذنب وفاة أمها، وظلت تبحث عن الطبيب لتقتله ثأراً لأمها، وتلتقي مصادفة بـ”كونور” وتتغير حياتها إلى الأفضل.
– “أليسون”، ابنة مليونير أثرت الأموال عليها وأصبحت استهلاكية بشراهة، كما أثرت عليها الشهرة بشكل سلبي, فعاشت حياة مستهترة وعانت من الإدمان وتسببت بمقتل طفل، حاولت الانتحار كثيراً ولكنها فشلت وذلك لأنها حملت ذنب قتل الطفل وأصبح حزنها الأكبر.
المعدمون في أميركا..
الرواية تكشف عالم المتشردين داخل أميركا، من خلال “مارك”، الذين يعيشون داخل الأنفاق في حين يعيش فوق سطح الأرض في الولايات الكبرى الأغنياء في ناطحات سحاب، ويتمتعون بحياتهم وترعاهم الشرطة وكل مؤسسات الدولة.. كما تكشف الحياة البائسة للكادحين والمعدمين الذين يفرض عليهم النظام الرأسمالي الوحشي حياة مليئة بالصعوبة، محكومون هم طوال عمرهم بالعيش بدون سكن ملائم، لا يتلقون الخدمات الأساسية من علاج وتعليم وحياة كريمة، وغالباً ما يكونوا ضحية للإدمان سواء على المخدرات أو الكحول، ويكونوا وقوداً للأعمال المهينة التي لا تدر دخلاً يذكر، في حين أنها تحتاج لجهود مضاعفة لانجازها، مثلما حدث لأم “إيفي” وأبو “مارك”, الذي كان حارساً فقيراً هجرته زوجته وأدمن على الكحول.. كما تكشف عن عالم الجريمة وفساد الشرطة في ولاية “شيكاغو” كمثال.
في ذلك الحي الذي تربى فيه “مارك” و”كونور”, والذي يعيش فيه الملونون، لا يتوقعون حياة أفضل.. إما الموت السريع أو السجن، ورغم ذلك فإن المال يفتح المجال للتطور الطبقي.. المال يتيح الالتحاق بالجامعة والتعليم يفتح مجالات كبيرة لصاحبة.. في أميركا إمكانية الصعود الطبقي متاحة, لكن لمن يستطيع الحصول على المال والاجتهاد في التعليم.
تجاوز الحزن..
تركز الرواية على فكرة التخلص من الحزن والألم أياً كانت أسبابه, سواء فقدان عزيز “طفل أو أم”, أو التسبب في ألم شخص آخر والتورط في جريمة لا تغتفر، مثل قتل طفل بسبب التهور، مؤكدة على أن الاستمرار في الحياة هو “القانون الطبيعي”.. تجاوز الأزمات من خلال تقبلها وفهمها والتسليم بأنها أمر واقع.
السرد..
اعتمد السرد على التشويق.. حيث يتنقل السرد في الزمن ما بين الماضي والحاضر, ليلقي الضوء على خلفيات الشخصيات التاريخية، ويؤجل الكشف إلى النهاية, حيث يبدأ بمشاهد عن “مارك” و”نيكول” و”كونكور”, ثم بكشف ظهور “ليلي” بعد سنوات خمس من اختطافها، لنتتبع مسار “مارك”, وهو يجلب ابنته ويسافر بها من “لوس انغلوس” إلى “نيويورك” في جو من الإثارة، ونفاجئ بظهور “إليسون” و”إيفي” في نفس الطائرة التي تقل “مارك”، ليتواصل “مارك” مع “إليسون” و”إيفي”, ونعرف كقراء خلفيات حياتهم وسبب حزنهم العميق.
ويحاول “مارك” استعادة دوره كطبيب نفسي بارع، محاولاً مساعدة “إيفي” و”إليسون” على تجاوز حزنهما والبدء من جديد، ثم نكتشف قرب النهاية أن “ليلي” ماتت منذ أول يوم من اختفائها، وأن “إليسون” هي التي قتلتها حيث صدمتها بسيارتها، وأن الثلاثة “مارك”، “إيفي”، “إليسون” قد وصلا للطبيب “كونكور” في ليلة عيد الميلاد بطريقة أو بأخرى وكل منهم يعاني من الإنهاك الجسدي و”كونكور” أخضعهم الثلاثة لعلاج حديث يعتمد على التنويم المغناطيسي ليتخلصوا من حزنهم ويستأنفوا حياتهم.
ثم تنتقل الرواية إلى عشر سنوات أخرى حيث يتعافي “مارك” ويعود لزوجته وينجب طفلين، وتغير “إليسون” حياتها تماماً، ويساعد “كونكور”, “إيفي”, على الالتحاق بالجامعة وتصبح طبيبة، ثم يدخل معها في علاقة عاطفية متخلصاً من وحدته العميقة.
الراوي..
يكاد لا يظهر إلا في العناوين الخاصة بأقسام الرواية، تشعر بوجوده خفيفاً، فهو لا يترك للقارئ فرصة الاستيعاب، يظل يلاحقه بأحداث مثيرة وشيقة.. كما يظهر في اقتباسات في بداية كل فصل، حيث يضع الكاتب – الراوي اقتباسات لـ”إرنست همنغواي، فرويد، بيورك، جبران خليل جبران، كريستيان بوبين، إميلي ديكنسون، جاك بريل، هنري لابوريت، وينولد جومروفينز، ستيفن كينغ، مارسيل بروست، مانياس مالزيو، ميخائيل كونلي، غوستاف فلوبير، أندريه مالرو، جون لينون، جوزيف كونراد، بوريس سيريلنك”, كلها تدور حول الحب والموت والحياة.
غيوم ميسو..
“غيوم ميسو”, ولد في 1974، في فرنسا، تخرج من جامعة “نيس صوفيا انتيبوليس”.. ويعد واحد من أشهر الروائيين الفرنسيين, وتوضع رواياته في قوائم أفضل المبيعات. رحل “ميسو” إلى أميركا وهو في التاسعة عشر من عمره, عاش في ولاية “نيويورك” عدة أشهر, وكان يبيع الآيس كريم ليستطيع أن يعيش هناك، ثم عاد إلى فرنسا.
صدرت أولى رواياته في 2001 ولم تحقق النجاح المطلوب, ثم توالت روايته الناجحة حتى صار من أشهر مؤلفي فرنسا، ترجمت بعض رواياته إلى أكثر من عشرين لغة.
أعماله..
1 . “وبعد”، 2004
2 . “أنقذني”، 2005
3 . “لأنني أحبك”، 2007
4 . “فتاة من ورق”، 2010
5 . “نداء الملاك”، 2011
6 . “بعد سبع سنوات”، 2012
7 . “غدا”، 2013
8 . “سنترال بارك”، 2014
9 . “اللحظة الراهنة”، 2015
10 . “فتاة بروكلين”، 2016