10 يناير، 2025 12:31 ص

كوليت خوري..  أعطت لصوتها الأنثوي فرصة التعبير عن ذاتها

كوليت خوري..  أعطت لصوتها الأنثوي فرصة التعبير عن ذاتها

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“كوليت خوري” شاعرة و‌روائية سورية، جدها رئيس الوزراء السوري الأسبق “فارس الخوري” في عهد الاستقلال. تكتب “كوليت خوري”
بالفرنسية و‌الإنجليزية إلى جانب العربية. وكانت تعمل محاضرة في كلية الآداب بجامعة دمشق. وعملت في الصحافة السورية والعربية منذ أيام الدراسة. تنبع شهرة خوري من عملها في السياسة والأدب.

حياتها..

ولدت “كوليت خوري” عام 1937 في حي قديم من أحياء العاصمة دمشق في سوريا ، تعلمت في مدرسة راهبات البيزانسسون والدراسة الثانوية في المعهد الفرنسي العربي في دمشق. ولدت في عائلة كبيرة، حيث يُعرف جدها “فارس الخوري” كبطل في سوريا لنضاله ضد للفرنسيين. وكان والدها وزيرا لشؤون القرى والبلدات. كانت خوري أيضا وطنية للغاية، حيث كتبت عدة مجموعات من القصص عن حرب أكتوبر عام 1973، والتي سميت إحداها بـ «الأيام المضيئة» (1984).

درست الحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت ثم تابعت تعليمها العالي في جامعة القديس يوسف ببيروت، ثم في جامعة دمشق، ونالت الإجازة في اللغة الفرنسية وآدابها. هي عضو جمعية القصة والرواية وحصلت على شهادتين في الحقوق وآداب اللغة الفرنسية من جامعة دمشق وبيروت.

الكتابة..

كانت “كوليت خوري” رائدة في مجال النسوية العربية، وكتبت في الخمسينيات قصصا غاضبة عن الرجال «وأنانيتهم». بدأت مسيرتها المهنية عام 1957 وامتدت لأكثر من ستة عقود. حيث نشرت مجموعة شعرية بالفرنسية بعنوان “Vingt Ans” (بيروت، 1958). وفيها أعربت عن استيائها من القيود الاجتماعية وفراغ حياتها وانعدام هدفها. كما وصفت محاولاتها للعثور على الخلاص من خلال الحب. نبعت الكثير من أعمال خوري من رغبتها في تجنب «الانتقام الصارخ»، وكانت الكتابة هي الطريقة الأفضل والوحيدة للتعبير عن نفسها.

كرست أعمالها للانغماس في نفسية الأنثى، ولا سيما للدفاع عن حق المرأة في الحب. قالت ذات مرة: «لأني شعرت دائمًا بالحاجة إلى التعبير عما يدور في داخلي. الحاجة إلى الاحتجاج، والحاجة إلى الصراخ. وبما أنني لم أرغب في الصراخ وأنا ممسكة بسكين، فقد صرخت بأصابعي وصرت كاتبة». غطت العديد من قصصها مواضيع مثل الحب، لا سيما من منظور الإناث. وكتبت خوري أكثر من عشرين رواية والعديد من المقالات السياسية والأدبية.

في عام 1957، وعندما كانت في عمر العشرين أصدرت كتابها الأول بعنوان “عشرون عاماً”، وكان عبارة عن عشرين قصيدة كتبتها كوليت بين سن السادسة عشر والعشرون، والقصيدة الأخيرة في هذا الكتاب عنوانها “عشرون عاماً”

وعندما قدّمت الكتاب لأبيها “سهيل” تأمله وابتسم نصف ابتسامة وقال لها: “تصوري لو كان هذا الكتاب بالعربية لكان الأمر أهم”. تقول كوليت: “امتعضت يومها، لكني شعرت أن أبي على حق، وصممت بـأن يكون كتابي الثاني بالعربية.”

عندما سُئلت عن كتابها الأول “عشرون عاماً”،  قالت: “هناك مثل فرنسي يقول: أن تكتب الشعر وأنت في العشرين فهذا دليل على أن عمرك عشرون، أما أن تكتب الشعر وأنت في الأربعين، فهذا دليل أنك شاعر، أنا كنت في العشرين لذلك أعتبر أن ديواني مجرد عواطف لصبية صغيرة مصاغة في ألحان، وأعتقد أن لهذا الكتاب قيمة عاطفية أكثر منها أدبية، إنه تمارين أدبية أو عزف بدائي على أوتار الأدب”.

صدمة “أيام معه”..

في عام 1959 صدمت العالم العربي برواية كتبت فيها علانية عن الحب. كان اسم هذه الرواية « »، وقيل أنها المرة الأولى التي تكتب فيها امرأة بجرأة عن موضوع يعتبر من التابوهات في المجتمع السوري المحافظ. استلهمت أيام معه من علاقة غرامية مع الشاعر السوري “نزار قباني”. خلقت كوليت في قصتها امرأة قوية لم يكن حبها قوياً لدرجة أنه أعماها أو جعلها ضعيفة، وذلك من أجل الحفاظ على صورة القائدة القوية. في القصة، البطلة والراوية ريم، هي ضد المجتمع وعائلتها، وتحاول تكوين هويتها الشخصية.

بينما توفي والدا ريم عندما كانت صغيرة، وبالتالي لا يمكنهما السيطرة على حياتها البالغة، ما يزال وجود والدها المهيمن يطاردها بعد وفاته. تشعر ريم أيضًا بالاشمئزاز من الزواج في شكله التقليدي. في القصة، تقول بقوة: «لا! أنا لم أولد فقط لأتعلم الطبخ ثم لأتزوج وأنجب الأطفال وأموت! إذا كانت هذه هي القاعدة في بلدي، فسأكون الاستثناء. لا أريد أن أتزوج!».

بعد ذلك بعامين، نشرت رواية «ليلة واحدة» (1961)، التي حكت قصة ليلة قضتها الشخصية الرئيسية، رشا، مع رجل كان طيارًا في سلاح الجو الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية. كانت هذه القصة أكثر إثارة للجدل بسبب عنصر الزنا واعتباره جانبا من جوانب التنوير الذاتي. تحاول البطلة المتزوجة رشا، أن تجد نفسها وتستعيد السيطرة على حياتها من خلال علاقة خارج نطاق الزواج بعد أن أجبرت على الارتباط برجل يبلغ من العمر 30 عامًا وهي في سن الخامسة عشرة.

يتعامل زوجها سالم مع الزواج على أنه صفقة تجارية تفتقر إلى العاطفة والرحمة. يعامل سالم رشا كشيء وتعبّر عن إحباطها من ذلك بقولها: «هل فكرت ولو ليوم واحد أن هذه المرأة التي أحضرتها لتكملة أثاث منزلك كانت إنسانًا؟ إنها إنسان، تفضل ألف مرة مشاركتك بفكرة واحدة على أن تقدم لها أشهى الأطعمة».

سنوات الحبّ والحرب..

في كتابها «سنوات الحبّ والحرب»، والذي يتضمّن مقالات أدبية وقصصاً قصيرة كتبتها بين عامَي 1973 و1979، تمكّنت “كوليت خوري” من تأريخ حرب تشرين (حرب السادس من أكتوبر). صدر الكتاب عن «الهيئة العامة السورية للكتاب»، ويقع في 334 صفحة من القطع الكبير، ووفقا لمحمد خالد الخضر، يُظهر الكتاب حرص كوليت على رفع المستوى الأدبي في ما جاءت به نظراً إلى أهمية القصص التي أتت بها من الميدان العسكري ومن المشافي ومن ذوي الشهداء، لتكون كتاباتها «محمّلة بكرامة الجندي السوري وعنفوانه».

الحياة الشخصية..

في الثامنة عشرة من عمرها تزوّجت من الكونت الإسباني رودريكو دوزياس، وحصل الزواج في فرنسا. وكانت ابنتها نارة نِتاجاً لهذا الزواج. وقالت كوليت عن هذا الزواج: “لم يكن زواجي من الكونت بدافع الحب فقط، بل أيضاً لأني كنت دائماً أبحث عن شخص يستطيع أن يشبه أبي وسامة وحضوراً”. بعد انتهاء هذا الزواج بفترة قصيرة، ضجّ العالم العربي بأكلمه بقصة حبّها مع الشاعر السوري الكبير نزار قباني، وخوري بدورها لم تنكر هذه المشاعر المتبادلة بأكثر من لقاء أو حوار أجرتهم بعد وفاة الشاعر نزار قباني.

أعمالها..

أبدعت “كوليت خوري”، في  الشعر والرواية والقصة القصيرة والمقالة والمسرح، والدراسة التاريخية، ولها أكثر من ثلاثين مؤلّفاً في الأدب والتاريخ، كما عملت لفترات متقطعة في الصحافة. ومن كتبها:

  • عشرون عاماً (1957)، شعر بالفرنسية.
  • أيام معه (1959)، رواية صدر منها سبع طبعات حتى عام 2001.
  • رعشة (1960)، شعر بالفرنسية.
  • ليلة واحدة (1961)، رواية صدر منها أربع طبعات حتى عام 2002.
  • أنا والمدى (1962)، تسع قصص صدر منها طبعتان فقط حتى عام 1993.
  • كيان (1968)، قصة صدر منها أربع طبعات حتى عام 2003.
  • دمشق بيتي الكبير (1969)، قصة.
  • المرحلة المرة (1969)، قصة وأعيد طبعها مع قصتين في عام 2002.
  • الكلمة الأنثى (1971)، تسع قصص أعيد طبعها في عام 2001.
  • قصتان (1972)، قصتان ظهرتا ثانية مع المرحلة المرة في عام 2002.
  • ومر صيف (1975)، رواية صدر منها 3 طبعات حتى عام 2000.
  • أغلى جوهرة بالعالم (1975)، مسرحية باللغة العامية.
  • دعوة إلى القنيطرة (1976)، قصة ظهرت ثانية مع مجموعة «الأيام المضيئة» في عام 1984.
  • أيام مع الأيام (1978-1979)، رواية صدر منها ثلاث طبعات حتى عام 2004.
  • الأيام المضيئة (1984)، قصص.
  • معك على هامش رواياتي (1987)، غزل.
  • أوراق فارس الخوري: الكتاب الأول (1989)، الطبعة الثانية (2000).
  • أوراق فارس الخوري: الكتاب الثاني (1997)، الطبعة الثانية (2001).
  • أوراق فارس الخوري: الكتاب الثالث.
  • العيد الذهبي للجلاء (1997)، محاضرة مع مقدمة أولى للعماد أول مصطفى طلاس.
  • امرأة (2000)، مجموعة قصص.
  • طويلة قصصي القصيرة (2000)، صفحات من الذاكرة.
  • ستلمس أصابعي الشمس (2002)، قصة رمزية نُشِرَت مسلسلةً عام 1962.
  • ذكريات المستقبل (1) (2002)، مجموعة مقالات من الفترة 1980–1983.
  • ذكريات المستقبل (2) (2003)، مجموعة مقالات من الفترة 1984–1987.
  • في الزوايا حكايا (2003)، مجموعة قصص.
  • في وداع القرن العشرين (2004)، المقالة الأسبوعية من الفترة 1998–2000.
  • سنوات الحب والحرب (2006)، مقالات وقصص.
  • عبق المواعيد (2008)، وجدانيات وقصص.
  • ويبقى الوطن فوق الجميع (2010).
  • شخصيات في الخاطر: صفحات من ذاكرتي (2016).

أكثر جرأة..

تقول الدكتورة ماجدة حمود في أدب كوليت خوري: «تبدو اللغة مع كوليت خوري أكثر نبضاً بالحياة وأكثر جرأة منذ العنوان “أيام معه” الذي يوحي لنا بأن الرواية تقدم أيام الحب في حياة المرأة، وإن لم تذكر كلمة الحب صراحة لكن دلالات “أيام” واقترانها بالظرف “مع” وضمير الغائب الذي يدل على وجود الرجل (معه) يوحي بقصة حب بين المرأة والرجل، لكنها توحي بانتهاء أيام الحب. نلمس في هذه الرواية أيضاً جرأة في تقديم لغة الحب التي تجسد علاقة المرأة بالرجل (همهمة الشفاه، القبلة…الخ)». كما تقول: «تمتزج فيها اللغة اليومية بشفافية تجعلها أقرب إلى لغة الشعر، مما يؤهلها لتجسيد ما يعتلج في الأعماق، دون أن تخسر صلتها بالواقع، مما يمنح الرواية قدرة تعبيرية وتتيح لخصوصية الصوت الأنثوي فرصة التعبير عن ذاته». بوسعنا أن نلمح شاعرية لغتها عبر الوصف خصوصاً، فمثلاً في روايتها «ليلة واحدة» نقرأ هذه اللغة الجميلة والرائعة: «وفي صمت الليل، كانت ذراعان قويتان تزنران سمرة سكرى بالأمل، ويتمزق السكون فجأة بحشرجة حذاء ارتطم بالأرض، وتنهدات قضبان السرير، وينطوي الليل على طيفين احتواهما الدفء، فوحدهما في خيال واحد، ترنح طرباً، واحترق شوقاً، وذاب همهمة وأنيناً».

أليست هذه اللغة جميلة، كما لو أنها معزوفة سوناتة ضياء القمر لبيتهوفن أو سوناتة لشوبان تفيض عذوبة وجمالاً. وأخيراً، تقول نعمة خالد: «كوليت في رواياتها، جسدت، مع كوكبة من الروائيين العرب، ومنذ وقت مبكر، الانتماء إلى الواقع، وعملت في سبيل تجاوزه لمصلحة التقدم والتغيير، إنسانياً واجتماعياً وفكرياً، ولقد نجحت في خلخلة الركود، وأطلقت العنان لنشيد الحرية، في ظروف مليئة بالتحدي».

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة