7 مارس، 2024 10:36 م
Search
Close this search box.

كوريا الشمالية في مرحلة انتقالية: التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية

Facebook
Twitter
LinkedIn

عرض/ إبراهيم غرايب
يعرض الكتاب السياسات والتحولات في كوريا الشمالية عقب وفاة كيم جونغ إل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويلاحظ أن التحولات التي جرت لا يمكن التنبؤ بوجهتها على وجه اليقين، كما يعرض الآثار والنتائج المترتبة على هذه التحولات، في الأيديولوجيا، وحزب العمال الكوري، والجيش، وطبقة التجار الجديدة، والتسلل الثقافي من كوريا الجنوبية، وأثر الربيع العربي على كوريا. ويقيّم الكتاب أيضًا السياسات الإقليمية الجديدة لكوريا الشمالية تجاه الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وبقية دول العالم.

ويتكون الكتاب من خمسة أقسام: السياسة الكورية في المرحلة الانتقالية، يعرض فيه تشارلز آرمسترونغ دول الأيديولوجيا وتأثيرها، ويقدم كين غوس دور الحزب الحاكم وتأثيره، ويقدم تيرنس رويهيرغ تأثير الجيش ودوره. وفي القسم الثاني يقدم بروس كومنغز دراسة للتعاقب الأسري للحكم في كوريا الشمالية، ويحاول فيكتور ونيكولاس أندرسون أن يقدّما تقديرًا لحالة كوريا الشمالية بعد كيم جونغ إل، وفي قسم الآفاق الاقتصادية يتحدث نيكولاس إبرستادت عن المساعدات الغربية: الحلقة المفقودة لإنعاش الاقتصاد في كوريا الشمالية، وكتب باردلي بابسون عن الاستراتيجيات المستقبلية للتكامل مع الاقتصاد العالمي. وفي القسم الرابع المخصص للمجتمع والثقافة في كوريا الشمالية الانتقالية، كتب أندريه لانكوف عن تطلعات رأسمالية جديدة وطبقات جديدة من رجال الأعمال والتجار في مرحلة ما بعد المجاعة في كوريا الشمالية، وكتب وو يونغ لي، وجونغ مين سيو عن التسرب (التلوث) الثقافي القادم من كوريا الجنوبية. وفي القسم الخامس المخصص للعلاقات الخارجية هناك “العلاقات الخارجية لكوريا الشمالية في المرحلة الانتقالية، والمتغير والثابت في السياسة الكورية تجاه الصين” للكاتب ليو مينغ، في حين بحث هكسون بايك في المتغير والثابت في العلاقات الكورية-الكورية، وديفيد كنغ في العلاقات الكورية الشمالية مع الولايات المتحدة وبقية دول العالم. واختتم الكتاب سكوت سندر وكيونغ أي بارك بخلاصة واستنتاجات تحت عنوان “كوريا الشمالية: تطور أم ثورة؟”.

 

كوريا الشمالية: بقية الشمولية في العالم

تمثل كوريا الشمالية تحديًا للأكاديميين والدبلوماسيين الغربيين باعتبارها دولة مغلقة نأت بنفسها عن محيطها الجغرافي، وما تقدمه الجهات الكورية الرسمية للمنظمات الدولية لا يتجاوز معلومات سطحية غامضة غير مفصلة، وتمثل هذه المعلومات على ضحالتها مصدر الباحثين في دراسة وفهم كوريا الشمالية.

بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار الشيوعية طُرح سؤال عن مستقبل كوريا الشمالية ومصير نظامها السياسي، ولكن كوريا الشمالية استطاعت أن تحافظ على بقائها متمسكة بشمولية نظامها السياسي والاقتصادي، ولكن السؤال عن مستقبل كوريا الشمالية ظل يُطرح باستمرار ويشغل الدوائر السياسية والأكاديمية والعسكرية في العالم وبخاصة في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، وبعد الربيع العربي عاد السؤال من جديد: هل سيمتد الربيع العربي إلى كوريا الشمالية؟ هل ثمة تشابه بين كوريا وليبيا؟

كما طُرح السؤال بعد وفاة “كيم إل سونغ” رئيس كوريا الشمالية المؤسس لنظامها الشيوعي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف التسعينات، ولكن خلفه ابنه “كيم جونغ” مواصلاً سياسة والده وعبرت كوريا الشمالية الأزمة، وتوفي كيم الابن في نهاية عام 2011 ليخلفه ابنه “كيم جونغ أون” ليكون أصغر رئيس في العالم، وما زال السؤال قائمًا بإلحاح ويشغل دول العالم ودوائر التفكير وصناعة القرار فيها، وإن كانت كوريا الشمالية سوف تستمر في عزلتها، ومدى قدرتها على مواصلة سياستها هذه، وفرص واحتمالات التغير، ونماذج هذا التغير الممكن؛ حيث يبدو النموذج الصيني هو المرشح، وبرغم عدم التشابه بين البيئة المشكّلة للربيع العربي وبين البيئة المحيطة بالدولة ومؤسساتها في كوريا الشمالية فإن الربيع العربي في كونه مفاجئًا، وفي كونه قام على أكتاف فئة غير متوقعة، يجعل هذه الحالة بخاصة واردة في كوريا الشمالية.

أدت المجاعة التي وقعت في منتصف التسعينات إلى تغيرات سريعة وجريئة في بنية الاقتصاد، وأدت إلى مزيد من الاعتماد على السوق في التزود بالغذاء، وقبل ذلك فإن انتهاء الحرب الباردة حفز الدولة على مزيد من التحول في نظامها الاقتصادي وفي استراتيجياتها الدولية وإن لم يتغير النظام السياسي.

ويقدم الكتاب فهمًا لكوريا الشمالية في ثلاثة أبعاد: التكيف السياسي لكوريا الشمالية ومؤسساتها الرئيسية والتي تشكّل المصدر الرئيسي لقوة وتأثير القيادة السياسية، والأثر الدراماتيكي للتغيرات الاقتصادية في داخل وخارج كوريا وأثرها على مؤسسات الدولة والمجتمع، وتأثير العولمة على السياسية الخارجية لكوريا الشمالية، وضمن هذه الابعاد الثلاثة يحاول الكتاب أن يقيم نقاط الضعف والقوة لدى النظام الكوري الشمالي، والآفاق والاحتمالات المستقبلية.

الأيديولوجيا

يبدو صعبًا إن لم يكن مستحيلاً تأكيد الدور الأيديولوجي في السنوات الأخيرة بعدما تقدم الاقتصاد في قيادة السياسة، وتؤيد شهادات المنشقين عن كوريا الشمالية في السنوات الأخيرة مقولة: إن الاقتصاد يضعف قيادة الأيديولوجيا وتأثيرها في الحياة العامة وفي النظام السياسي، وينمو هذا الوعي جزئيًا تجاه العالم في كوريا الشمالية، ليعترف بالفجوة بين حقائق العالم الخارجي والواقع القائم في الداخل، وبين ما يقوله القادة السياسيون ويُنشر في وسائل الإعلام. وبرغم الجهود الكبيرة والمتقدمة التي يبذلها النظام للحفاظ على التأييد الشعبي لسياساته في العزلة أو ما يسمى “زوتشيه” أي الاعتماد على الذات؛ فإن الكوريين بعامة أكثر إدراكًا للحقائق في العالم الخارجي، كما أن الأخبار العابرة للحدود اليوم أكثر انتشارًا واتساعًا مما كانت عليه الحال قبل عقد أو عقدين من الزمان. وحتى في ظل حظر النقد العلني للنظام، يتزايد عدد الكوريين الذين يتجنبون الاستجابة لدعوات النظام ويغامرون من أجل الحصول على منتجات الترفيه والإعلام الجديد القادم من الخارج وكوريا الجنوبية. وثمة تسامح مع هذه الموجة من الاتجاهات، ولم تعد الرقابة متشددة كما من قبل، ولا يبدي الكوريون مقاومة للدولة والنظام، ولكنهم يتملصون من خطاب الدولة السياسي ويسخرون منه، على نحو يشبه ما كان يحدث في أوروبا الشرقية في السبعينات.

وبرغم السياسات والمواقف المحافظة التي تظهرها قيادة كوريا الشمالية فإنها تتجه نحو شيوعية أكثر نضجًا. ويبدو أن الدولة لا خيار أمامها على المستوى الاقتصادي لأجل تحدي الحصار الدولي وتجنب الانهيار والسقوط إلا بإصلاح جوهري، فالإصلاح الاقتصادي والسياسي أصبح ضروريًا لأجل البقاء. وقد يؤدي الإصلاح أو تجنبه إلى سقوط النظام السياسي جزئيًا أو كليًا أو تغيره، ويظل الاصلاح الاقتصادي الخيار العملي لتجنب الانهيار السياسي وربما الشامل. ولقد أعلنت القيادة السياسية الجديدة في جيلها الثالث في سلالة الحكم الوراثية الجمهورية شعار “أمة قوية ومزدهرة”، وربما يكون ذلك مدخلاً لإصلاح شامل؛ ذلك أن أمة قوية مزدهرة تعني ببساطة أمة حرة تتمتع بالمواطنة الحقيقية.

الدولة وأجهزتها

توفي كيم جونغ إل في 17 ديسمبر/كانون الأول 2011 منهيًا فترة رئاسية بدأت في 8 يوليو/تموز 1994 أي منذ وفاة والده كيم سونغ، واستمرت أجهزة الإعلام والبروباغندا الرسمية لأكثر من خمسين ساعة تخبر العالم بمزايا الخليفة العظيم، ولكن السؤال الذي كان يشغل المراقبين والباحثين: هل سيبقى دور حزب العمال الحاكم كما كان في المرحلة السابقة؟ وبالنسبة للكوريين فقد كان السؤال: هل سوف تستمر معاناتهم مع الخضوع والاستبداد؟

لقد بدا واضحًا أن الحزب رتّب انتقال القيادة في سلالة كيم سونغ بهدوء ودون عقبات، وربما يساعد ذلك الانتقال في استمرار الحزب ودوره كما كان وتكريس شرعية القيادة السياسية، وسيظل كيم الحفيد القائد الأعلى من غير تحديات لسلطته وتأثيره؛ فرئيس الدولة يقود الجيش ويعتمد عليه في حماية النظام السياسي، وكما في معظم دول العالم -إن لم يكن جميعها- تلعب الجيوش دائمًا دورًا حيويًا في الدول وفي سياستها الدفاعية والأمنية، وغالبًا ما تكون لاعبًا سياسيًا مهمًا، وفي بعض الدول تؤدي دورًا وتأثيرًا اقتصاديًا.

تملك كوريا الشمالية واحدًا من أكبر جيوش العالم، بعد الولايات المتحدة والصين والهند (1.9 مليون جندي عامل، 600 ألف جندي احتياطي، 5.7 مليون أعضاء في ميليشيات وتشكيلات شبه عسكرية)، ويملك الجيش الكوري الشمالي 620 طائرة، منها 69 طائرة من طراز ميغ 29s وسوخوي 25s والباقي طائرات سوفيتية وصينية قديمة الطراز. ويملك الجيش الكوري الشمالي ترسانة من الأسلحة الكيماوية والنووية والصواريخ البالستية وربما الأسلحة البيولوجية، ويؤدي الجيش في كوريا الشمالية ثلاثة أدوار رئيسية: ضمان الأمن الوطني، والتصدي للأخطار الداخلية والخارجية، ويمثل الجيش الضلع الثالث في السياسة الكورية (الدولة والحزب والجيش)، وفي المراحل الأولى من تاريخ كوريا الشمالية كان الجيش يمثل مركز السياسة في النظام الكوري، ولكن بدأ الحزب يحل مكان الجيش في الحياة السياسية واليومية، ويؤدي الجيش أيضًا دورًا اقتصاديًا مهمًا. ويملك حصة كبيرة في قطاع الأعمال الكوري.

ويبدو مستقبل الجيش ودوره غامضًا وغير مؤكد في ظل التحدي الاقتصادي الذي يفرض نفسه وعدم الثقة بالقدرة الكورية الشمالية على مواصلة تمويل الجيش والتسليح والعمليات العسكرية وتآكل الموارد والإمكانيات، وسوف يكون صعبًا ومرهقًا إدامة وصيانة القدرات العسكرية غير التقليدية بدون اقتصاد قوي مزدهر، ولا تُتصور قدرة كوريا الشمالية على ذلك من غير إصلاح اقتصادي، ولكن تظل قدرة كيم جونغ الزعيم الثالث في السلالة الشيوعية الحاكمة على إدارة البلاد والاستقرار وتجنب الفوضى في زيادة مشاركة الجيش ودوره في السياسة.

المستقبل في كوريا الشمالية: ثورة، تغير، انهيار؟

تتحدث دوائر أميركية سياسية وعسكرية وأكاديمية وإعلامية عدة عن انهيار كوريا الشمالية منذ أواخر الثمانينيات عندما بدأت الشيوعية تنهار وتتفكك دولها وأنظمتها السياسية. وعندما توفي الرئيس الكوري الشمالي كيم إل سونغ في العام 1994 بدا أن كوريا الشمالية متجهة إلى الانهيار، وظهرت كتب ودراسات وتقارير صحفية تحمل عناوين من قبيل “نهاية كوريا الشمالية” و”سقوط كوريا الشمالية”. ما الخطأ في سيناريو سقوط كوريا الشمالية؟ يتساءل كومنغز، الإجابة السائدة عن سبب عدم سقوط النظام السياسي في كوريا الشمالية هي أن الصين لا تريد ذلك؛ فكوريا الشمالية تعتمد اعتمادًا رئيسًا على الصين في إمدادات الغذاء وفي تجارتها الخارجية، ولكن لماذا لم يؤخذ الدعم الصيني بالاعتبار في سلسلة سيناريوهات سقوط كوريا الشمالية على مدى ربع القرن الماضي؟

ربيع كوريا الشمالية

منذ نشأ “الربيع العربي” وأحداث تونس ثم مصر وليبيا تشكّل سؤالاً: هل يجري في كوريا الشمالية مثل ما جرى في تونس ومصر؟ ويُتداول في كوريا الجنوبية على نطاق واسع أن السيناريو الليبي هو المرشح للتكرار في كوريا الشمالية بسبب التشابه الكبير بين النظامين الليبي والكوري الشمالي.

يقول كومنغز: إن ما أثبته انقلاب القذافي هو أن ليبيا مجتمع قبلي، وقد واصل القذافي تعزيز وإدامة هذا النظام، ولم ينشئ جيشًا وطنيًا، ولكن كيم جونغ يقود رابع أكبر جيش في العالم، ولم تظهر حالات تمرد في الجيش الكوري على مدى العقود الستة الماضية، ولا يوجد قبائل في كوريا الشمالية، ولذلك فإن النموذج الليبي لا ينطبق على كوريا الشمالية! ويقول كومنغز: إن الغرب أثبت على مدى سبعة عقود أنه لا يفهم كوريا الشمالية، ولا نستطيع -كما يقول- توقع سلوكها وأفعالها وردود أفعالها، ولا نستطيع أن نفعل شيئًا تجاهها، وما يمكن أن نفعله هو وقف تحيزاتنا. ويقول: إن كيم الثالث يمثل لدى الكوريين استعادة لجده المؤسس، وبخاصة أنه يطل على وسائل الإعلام بالمظهر نفسه الذي كان يظهر به كيم الأول في الأربعينيات والخمسينيات، ويقول: سوف نراه رئيسًا لكوريا الشمالية لفترة قادمة طويلة.

كانت وفاة كيم جونغ إل أواخر العام 2011 مناسبة لطرح السؤال وباهتمام كبير حول إمكانية أن تشهد كوريا الشمالية مثل ما شهدته مصر وتونس، وتبدو الإجابة الغالبة: إن النظام في كوريا الشمالية مستقر، ولم يغير فيه انهيار الاتحاد السوفيتي ولا وفاة كيم الأول في منتصف التسعينيات ولا المجاعة التي قتلت الآلاف، لقد خرج النظام سالمًا وإن مترنحًا. ولكن الأحداث التي جرت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أظهرت أمرين اثنين: التغيير يمكن أن يحدث فجأة، وأن أسباب السقوط والانهيار لنظام سياسي حتى وإن كانت موجودة، فالانهيار يمكن ألا يحدث أو يتأخر، وهذا الأخير ما حدث في مصر وتونس وليبيا.

وحول إذا ما كان من الممكن أن يحدث ربيع عربي في كوريا الشمالية، هناك عدة متغيرات يمكن استحضارها في تقدير ما سوف يحدث: النمو الاقتصادي والاجتماعي والسكاني، وطبيعة النظام السياسي والتأثير بالعدوى، لكنها تبدو غير منطبقة على كوريا الشمالية، فلا يوجد في كوريا الشمالية فجوة اقتصادية واجتماعية ولا بطالة. نعم يمكن أن يحدث التغيير في كوريا الشمالية على يد الطبقات المهمشة والتي تشعر بالظلم؛ فالنخب يغلب عليها الولاء للنظام السياسي وعائلة كيم، وتقدمت في الحياة وحصلت على فرصها بسبب هذا الولاء، وربما يكون الدرس المهم في الربيع العربي بالنسبة لكوريا الشمالية هو التأثير الممكن للعولمة، واحتمالات خروج الجماهير فجأة إلى الشوارع والساحات وعدم قدرة السلطة على السيطرة على الأمور، ويمكن أن تخرج لأسباب غير ظاهرة أو مباشرة ولأجل قضية أو قصة تبدو عابرة. لا تبدو الموجة الديمقراطية الأخيرة واضحة حتى الآن ولا إلى أين وصلت، ولكن المؤكد أن الفقراء والمجتمعات المهمشة تبدو مستعدة للثورة وينطبق ذلك على كوريا الشمالية.

المشهد الاقتصادي وتحولاته

يتضمن المشهد الاقتصادي اليوم في كوريا الشمالية ملامح وتغيرات جديدة غير معهودة، لا يمنع من ملاحظتها استمرار هيمنة الخط المحافظ والمتشدد اقتصاديًا وسياسيًا، ولا يبدو واضحًا إلى أين سيتجه الرئيس الثالث الحفيد (أصغر رؤساء العالم سنًا)؛ هل سيواصل الاتجاه المحافظ على خطى والده وجده؟ ولكن قبل وفاة كيم الثاني حدثت تغيرات؛ فقد بدأت مشروعات فردية واتجاهات اقتصادية نحو التقنية والتسلية والترفيه، ودخلت الإنترنت إلى البلاد والموبايلات، وافتتحت وكالة أسوشيتد برس مكتبًا لها في بيونغ يانغ، وبدأ القطاع الخاص يدخل إلى الأسواق والمجالات الاقتصادية إلى جانب القطاع العام المهيمن، وبدأت جامعة العلوم والتكنولوجيا في بيونغ يانغ تدرّس اللغة الإنجليزية وتتيح المجال للدخول إلى شبكة الإنترنت، ودُشنت منطقة للتجارة الحرة مع الصين في جزيرتين صغيرتين قرب مدينة داندونغ الصينية.

وربما تقدم هذه التحولات إشارات وحوافز لجدل حول الدور الغربي الاقتصادي في كوريا الشمالية، وهل من المناسب مساعدة كوريا الشمالية اقتصاديًا. قد يكون مناسبًا أن تخصص مساعدات للإصلاح الاقتصادي في كوريا الشمالية، وقد يعارض البعض هذه المساعدات باعتبار أنها تكرس البرنامج العسكري الكوري وتصب في مصلحة النظام السياسي، ولكن كما يقول الباحث فإن غياب المساعدات الغربية هو ما كرّس الهيمنة والديكتاتورية، وهذا بالضبط ما كان يفعله الغرب طوال العقدين الماضيين منذ انتهاء الحرب الباردة.

إن التحول الاقتصادي في كوريا الشمالية هو مفتاح التحول السياسي والاندماج والمشاركة الإيجابية مع العالم، ولذلك فإنه يمكن تقدير مستقبل كوريا الشمالية على مستوى سياساتها الداخلية وعلاقاته الخارجية بناء على فهم التحولات والسياسات الاقتصادية فيها. هناك مؤشرات إيجابية ومبادرات ظهرت مؤخرًا في المجال الاقتصادي وفي الاقتصاد السياسي كما أن التحولات الأساسية التي أعقبت وفاة كيم يونغ إل يمكن أن تؤدي إلى سياسات انفتاح واسع على العالم الخارجي وتحولات كبرى في السياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، وهي خطوات أولية ربما تؤسس لشراكة مع كوريا الجنوبية والصين، وأما الولايات المتحدة فما زالت تتبع سياسات متناقضة.

ولكن ثمة تحد عالمي وإقليمي لأجل تحقيق مشاركة اقتصادية إيجابية لكوريا الشمالية مع العالم وتشجيعها على مواصلة التحول والتكيف وبناء استراتيجيات لتنمية وتعزيز التكامل الكوري الشمالي مع الاقتصاد العالمي، وإذا لقيت هذه الاستراتيجيات قبولاً عالميًا فهناك نماذج عدة متاحة على المدى القصير والمدى البعيد لمساعدة كوريا الشمالية في هذا الطريق. ولكن بدون مساعدة صادقة لكوريا الشمالية فإنها ستمضي في مسار مرتبك وغير واضح وأقرب إلى المتاهة. وتشهد كوريا الشمالية أيضًا تحولات اجتماعية وثقافية كبرى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وفقدان كوريا الشمالية مصدرًا أساسيًا للدعم والإمداد والتغير الناشئ بوفاة كيم يونغ ثم وفاة ابنه.

وقد حدثت مجاعة كبرى في منتصف التسعينيات أدت إلى وفاة 600-900 ألف شخص، ولأجل التكيف مع مرحلة جديدة بدأت فيها الدولة تتخلى أو تعجز عن مساعدة المواطنين وبدأ الكوريون الشماليون يتطلعون إلى استراتيجيات جديدة للبقاء والتكيف، وبدأ اقتصاد رأسمالي جديد يتشكّل أو مزيج من الرأسمالية والاشتراكية.

وأنشأ هذا الاتجاه بطبيعة الحال أسواقًا وطبقات جديدة وقيادات اجتماعية جديدة وأغنياء جددًا من التجار ورجال الأعمال وأصحاب المهن. ويعيش اليوم في كوريا الجنوبية حوالي 23 ألف كوري شمالي لجأوا إليها في السنتين الأخيرتين وقدموا فكرة جديدة ومختلفة عما يدور في كوريا الشمالية من تحولات اجتماعية وثقافية؛ فقد أصبحت مناطق واسعة في كوريا الشمالية تعتمد على نفسها في توفير الغذاء والحياة اليومية بعيدًا عن تدخل الحكومة ومساعدتها.

كيف نفهم كوريا الشمالية ونقدر مسارها؟

تبدو التعددية بين باحثي الكتاب وكأنها تعكس تعددية مداخل فهم وتقدير المستقبل في كوريا الشمالية، وربما تعكس أيضًا مصالح واهتمامات متعددة ومختلفة في كوريا الشمالية، لدرجة يبدو فيها السؤال عن مستقبل كوريا الشمالية كأنه ليس سؤالاً علميًا أو تحليليًا؛ فعند كوريا الجنوبية ومحلليها وباحثيها يبدو السقوط حتميًا، وفي الولايات المتحدة يبدو ليس ضروريًا، وبينهما اليابان وسنغافورة. وبالطبع فإن التحليل الكوري الشمالي والصيني والروسي (وهي وجهات نظر مستبعدة تمامًا من الكتاب) يرى أن كوريا الشمالية تمثل نموذجًا في الاكتفاء الذاتي، ويمكن تطوير الحالة الكورية الشمالية كما حدث في الصين، أي إصلاحًا اقتصاديًا مع الحفاظ على النظام السياسي الشمولي؛ فالصواب هو النجاح، والنجاح هو التقدم الاقتصادي، كما يحدث حاليا في الصين.

ويغفل الكتاب أهمية نمو الاتصال مع العالم الخارجي وما يؤدي إليه من زيادة في فرص الحصول على معلومات أو إحداث تغيير في اتجاهات ومواقف الناس؛ فالمعرفة والموارد المتوفرة اليوم حول الشبكية والمستمدة منها تغير العالم، وليست كوريا الشمالية بمنأى عن هذه الموجة الكاسحة والغالبة. كما يتجاهل مؤلّفو الكتاب الحديث عن دور الجغرافيا السياسية المتشكلة في الحرب العالمية الثانية في مستقبل كوريا الشمالية، ويتعاملون مع حالة كوريا الشمالية وكأنها معزولة عن سياق التاريخ الذي شكّلها والمعنى الذي منحه التاريخ للجغرافيا، فلا أهمية لمعرفة إذا ما كان تقسيم شبه الجزيرة الكورية خيارًا طبيعيًا أم أنه فُرض على أهلها. وتبدو نتائج الحرب مقدسة حتى اليوم في كوريا، ولم يسمح بالاقتراب منها برغم عدم منطقيتها، وربما لو تُرك الخيار للشعوب والناس لكان السؤال والتحليل عن مستقبل كوريا الشمالية سخيفًا.
______________________________________
معلومات عن الكتاب
اسم الكتاب: كوريا الشمالية في مرحلة انتقالية، التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
The Korea in Transition: Politics, Economy, and Society
المؤلف: مؤلّف جماعي، تحرير وإشراف: سكوت أ. سندر، وكيونغ آي بارك.
Scott Snyder, Kyung-Ae Park
الناشر: رومان وليتل فيلد، لندن نيويورك.
Rowman & Littlefield Publishers
London, New York

عدد الصفحات: 328
تاريخ الطبعة: 2013

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب