10 أبريل، 2024 1:17 ص
Search
Close this search box.

كمت5: اختفاء النظام القبلي وتسيد نظام المقاطعات مع بداية تاريخ مصر

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

في الملف عن الحضارة المصرية القديمة نحرص على قراءة موسوعة “سليم حسن” الثرية، “موسوعة مصر القديمة” والتي تحوي كم هائل من المعلومات عن الحضارة المصرية،  لذا يحرص هذا الملف على عرض هذه الموسوعة بدقة متناهية، وفي الكتاب الأول نواصل القراءة.

الألقاب الرسمية للفرعون..

يعرض الكتاب أنه من نتائج توحيد البلاد صار للملك مجموعة من الألقاب تطلق عليه بعد اعتلاءه العرش، وقد اكتمل تكوين هذه الأسماء في أواخر الأسرة الرابعة وحفظتها التقاليد إلى عصر البطالسة والرومان، وهذه الألقاب كانت لا تتجاوز ثلاثة في العهد الطيني، أي في الأسرتين الأولتين وهي:

  • لقب حور: ومعناه أن الملك يصور على أنه صورة حيه من الإله “حور” تعيش على الأرض، وكان هذا اللقب ينقش داخل مستطيل يمثل واجهة القصر الملكي وعلى قمته صورة صقر الذي يرمز له بالإله “حور”، وفي خلال حكم الأسرتين الأولتين نجد أحيانا الإله “ست” وهو الملك القديم للوجه القبلي يذكر بجانب “حور”.
  • لقب آخر يمثل نسرا أو صلا كل منهما يرتكز على سلة رمزا للملكية، وهذان الحيوان هما رمزا لمعبودي “نخب” في الوجه القبلي، و”بوتو” في الوجه البحري، وقد أصبحا فيما بعد الإلهتين التين تعبدان في عاصمتي الوجه القبلي والبحري، “نخبت” و”وازيت” فنسر الجنوب وصل الشمال هما السيدتان نبتي أي التاجان الأبيض والأحمر.
  • لقب يمثل بنبات ونحلة ويسميان “نيسوت – بيتي”.
  • في عهد الملك “سنفرو” ظهر لقب جديد للملك وهو لقب “حور القاهر” “حور نب”، وذلك إشارة إلى أن “حور” تغلب على عدوه “ست” الذي كان يقطن بلدة “امبوس”.
  • في عهد الملك “منكاورع” أي في أواخر الأسرة الرابعة قد تمت الألقاب الملكية الرسمية، وبقيت كذلك إلى أواخر عهد الحكم الروماني، وذلك بعد أن أضيف لقب خامس “ابن الشمس” وكان يوضع في خرطوش مثل لقب “نيسوت بيتي” وهذا اللقب كان الملك يحمله منذ ولادته.

مقاطعات القطر المصري..

عند انبثاق فجر التاريخ وظهور الكتابة كان القطر المصري مقسما إلى مقاطعات معلمة، وبقيت على حالتها الأولى لم يدخل عليها تغيير جوهري منذ بدء نشأتها إلا في العصور المتأخرة والعهد الإغريقي والروماني.

وكان المصريون يسمون المقاطعة في لغتهم “سبات” من فعل “سب” أي يقسم، ويعبر عنه في اللغة المصرية بشكل مستطيل مقسم بخطوط متقاطعة تكون زوايا مستقيمة، ومما يدهش أن نظام القبائل كان غير موجود عند انبثاق فجر التاريخ المصري، ومنذ ظهر تقسيم البلاد المصرية إلى مقاطعات لم نجد أثرا ظاهرا لنظام القبائل، والسبب في تلاشي نظام القبائل يرجع إلى النزاع بين الوجيهين القبلي والبحري، وهو الذي نشأت من اجله حروب طاحنة اشتعلت نارها مئات السنين وانتهت بتوحيد القطرين.

وتحتوي كل مقاطعة على إقليم من الأرض له حاضرته، أي مكانا خصبا يسكنه الفلاحون والرعاة والصيادون، ويقضون اليوم في الحقول ثم يعودون كل مساء إلى منازلهم، كما يسكنها الصناع والتجار وأصحاب الحرف ورجال الإدارة والموظفون والحكام على اختلاف أنواعهم.

وكانت المدينة “نوت” في ذلك الوقت تتألف من مبان تقام عند ملتقى الطرق، وتحوط بسياج مستدير وتتألف من عدة أكواخ من الطين واللبن، يأوي إليها الحراث والرعاة والمسافرون في المساء خوفا من مباغتات أهل البادية الرحل، وكانت تقام في المدينة مخازن عظيمة للغلال وأخرى تحفظ فيها الآلات الزراعية وحظائر الماشية، ومصانع لأصحاب الحرف والصناعات، وكذلك كانت تبنى فيها حوانيت للتجارة حول ميدان عام لتكون بمثابة سوق.

وفي المدينة يشيد مبنى عظيم شامخ يشرف على ما حوله هو قصر الإله “حت نتر”، وهو المعبد وكان يقام لإله المقاطعة، ويشمل داخله المخازن المقدسة ومساكن رجال الدين، وهناك قصر آخر فسيح شامخ البناء بالنسبة لما حوله من بيوت الشعب، أقيم لحاكم المقاطعة وذلك حسب العصور التاريخية، ودور حاكم المقاطعة الفصل في أمور الناس، ومراقبة الضرائب وشئون الزراعة ومخازن الحكومة وخزانتها والسجون وغير ذلك، فكانت تقام في جهات مختلفة في المدينة حسبما تقضى به الحال.

وكان الحاكم عندما يريد تأسيس مدينة جديدة يفصلها عن جارتها ويضع كل حدودها بإقامة لوحة ثابتة كالسماء، وكذلك يحدد مياهها ويقسم المياه والحقول والغابات والرمال حتى حدود الصحراء، وكلما ازداد عدد السكان في هذا الإقليم وامتدت فيه الأراضي الزراعية، كلما فكر العمال في إقامة مدن صغيرة ثانوية أو قرى تقام فيها قصور، وتنصب عليها حكام يدينون بالطاعة لحاكم المقاطعة، ومن مجموع هذه الأراضي والقرى والبلدان والعاصمة كانت تتألف المقاطعة.

ولم تكن مساحة المقاطعة كبيرة إذ كانت تتراوح ما بين 30 أو 40 ميلا في الطول، أما عرضها فكان يتوقف على البقعة التي تقع فيها بالنسبة للوادي وخصبه، فإذا كان ضيقا فإن المقاطعة تمتد على كل شاطئ النيل، أما إذا كان الوادي متسعا فإن المقاطعة تنحصر في شاطئ واحد ويكون آخر حدودها مجرى النهر نفسه،  أما المعلومات عن أسماء المقاطعات فمستقاة من قوائم أسماء المقاطعات التي عثر عليها في معابد البطالسة والرومان في مصر، وهي نقلت عن أصول قديمة.

والواقع أن السلطة كانت في جوهرها دينية، فالنظام الزراعي والديني في المقاطعات يرجع عهده إلى الأزمان المتوغلة في القدم وظل ثابتا حتى نهاية العصر الروماني.

تقسيم البلاد..

يؤكد الكتاب أن مصر كانت مؤلفة من قبائل ثم مقاطعات وانمحت الأولى وبقيت الثانية في العصور التاريخية، أول قائمة وصلت بأسماء مقاطعات العصور القديمة يرجع عهدها إلى الأسرة الثامنة حوالي 2400 ق. م، نقلا عن مرسوم ملكي أصدره أحد ملوك الأسرة الثامنة إلى وزيره، قرر فيه أن يتولى إدارة الاثنين والعشرين مقاطعة التي كان يتألف منها الوجه القبلي، وقد ذكر أسماء هذه المقاطعات حسب ترتيبها الجغرافي، يضاف إلى ذلك أن الباحثون وجدوا على جدران أهرام الأسرة السادسة وعلى جدران بعض مقابر العهد المنفي أسماء بعض مقاطعات متفرقة.

أما مقاطعات الوجه البحري فليست هناك قوائم رسمية بأسمائها ولكن توجد أسماء مذكورة على الجدران الداخلية لأهرام سقارة، أو على جدران مقابر العصر نفسه، وأقدم المصادر التي استقى منها الباحثون أسماء مقاطعات ينسب إلى العهد الطيني، ومن المحتمل أن الوجه القبلي والوجه البحري كانا قد قسما إلى مقاطعات منذ أكثر من 3200 ق. م، وكان عدد المقاطعات في كل منهما متقاربا، فكان الوجه القبلي يتألف من 22 مقاطعة والوجه البحري من 20 مقاطعة، وفي كل هذه المتون كانت تعرف المقاطعة وتكتب بإشارتها أو رمزها الخاص، وكان هذا الرمز حيوانا أو شجرة أو شيئا موضوعا على حامل مثبت على الإشارة التي تدل على معنى كلمة مقاطعة.

وكان كل من هذه الأشكال الرمزية يطلق اسمه على المقاطعة التي يسيطر عليها، وهذه الرموز كانت في الواقع تدل على آلهة المقاطعة وقد استمرت حتى انقراض المدنية المصرية، على أن كل هذه الرموز لم تبق بعد في أماكنها الأصلية، فمثلا قرص الشمس والوجه الإنساني والعقرب والفيل وبعض نباتات قد اختفت من المقاطعات التي كانت رمزا لها، ومع ذلك عددا محددا من هذه الرموز التي يرجع عهدها إلى ما قبل التاريخ أو إلى عصر المملكة الطينية قد بقى إلى ما بعد هذه العهود.

ورغم أن الوثائق التاريخية نادرة في هذه الناحية إلا أن الكتاب يصرح أن نصف مجموع مقاطعات القطر اشتقت أشكال رموزها وآلهتها من القبائل القديمة، ومن جهة أخرى توجد آلهة في كل عاصمة من المقاطعات يرجع عهدها إلى العصور التاريخية، ولكن بعضها لا يظهر إلا في عاصمة مقاطعة واحدة، وبعضها مثل الإله “حور” والإلهة “حتحور” والإله “خنوم” والإله “أوزير” والإله “تحوت” يظهر في عدة عواصم يعبد فيها.

ومنذ عهد الأسرة الثانية الطينية 2300 – 3000 ق. م نرى الأشكال الإلهية المركبة “رأس حيوان وجسم إنسان” أو بالعكس، تفسر بوضوح انتقال الرمز إلى إله يعبد، ويحتمل أن يكون هذا التحول نتيجة تغير القبيلة إلى مقاطعة، وكذلك بسبب أن تمثيل الآلهة بهذا الشكل من اختراع الكهنة، حتى يسهل على الإله أن يتسلم من الملك القرابين أو يسلم عليه، أي أن هذا الشكل للإله قد اخترع للتقريب بين الإنسان ومعبوده بطريقة عملية، وهناك أمر ثان أن إله العاصمة متميزا عن إله المقاطعة.

كما أنه هناك في ما يقرب من نصف مقاطعات القطر إلهين في مقاطعة واحدة، أقدمهما يحتمل أن يكون الرمز القديم المحلي وقد فقد مكانته ولكنه رغم ذلك بقى رمزا للمقاطعة تقديرا له واحتراما لمكانته، وأصبح يقدس كأنه حيوان إلهي أو صنم، وقد استمر تقديسه من قبيل التمسك بالقديم، أما الإله الجديد الذي كان رب العاصمة فإنه يظهر على شكل حيوان أو صنم على شكله البشري، وهذان الإلهان يعيشان في وئام رغم أن كل منهما بقى منعزلا عن صاحبه.

ومتون الأهرام  تفصل بين كل آلهة المقاطعات وكل آلهة المدن، وعندما يتخلف إله المقاطعة عن إله العاصمة فإن ذلك في غالب الأحيان يكون نتيجة تخلي جد أو إله مهزوم عن سيادة الإقليم الفعلية لخلف له، أو الإله الجديد جاء أثر حدوث انقلاب اجتماعي أو سياسي فحل محله إله العاصمة، ولكن ذلك في الوقت نفسه لم يقض على عبادة الأخير تماما.

وهذه السيادة التي يتمتع بها إله العاصمة على المقاطعة قد توطدت باسم العاصمة، وتفسير ذلك أن كل مدينة عظيمة كان لها اسم متداول لم يكن مدلوله محدودا بشكل قاطع على الأقل بالنسبة للباحثين، وإن كان بعض العلماء قد وضع لها تفسيرا مقربا، وهذه الأسماء قد حلت محلها سلسلة أسماء مقدسة بعد أن استقر في كل مدينة آلهة تاريخية، فكانت العاصمة تتسمى البيت “بر” أو القصر”حت” أو المدينة “نوت” أو الهيكل “زبات” أو المحراب “سخم” أو العمود “ايون” أو الصولجان “واست” للاله كذا، وخاصة نجد أن اسم المعبد الكبير للمدينة يتغلب ويطلق على المدينة كلها، فيصبح علما عليها.

على أن عواصم في القطر تنعت ببيت الإله كذا، مثل “بوزريس” أي “بيت أوزير” “أبو صير الحالية” و”بو باسطه” “تل البسطة حاليا” معناها بيت الآلهة “باست” القطة، وهذه الأسماء المقدسة أخذت تطغى على الأسماء الأخرى، وكذلك أسماء المقاطعات، ونرى في عصور مختلفة أن القوم يسمون المقاطعة كلها باسم عاصمتها، أي باسم المعبد وهذه الطريقة أصبحت شائعة الاستعمال بعد الاحتلال الإغريقي لمصر.

اعتراف الباحثين بتقسيم الوجه القبلي إلى 22 مقاطعة والوجه البحري إلى 20 مقاطعة كما وصل من القوائم القديمة، لا يدل على أنه كان هناك في مصر في تلك العصور 42 حكومة مستقلة، بل أن كثيرا من هذه المقاطعات قد نشأ لأسباب إدارية كما أن حدود المقاطعات كانت تتغير حسب العصور.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب