9 أبريل، 2024 3:00 م
Search
Close this search box.

كمت 7: تطورت المدنية المصرية عبر عقود وتخلصت من الوحشية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

في ملف “الحضارة المصرية القديمة”، واستمرارا لقراءة الكتاب الأول ل”موسوعة مصر القديمة” للكاتب المصري “سليم حسن”.

السحر وتأثيره في الديانة..

يوضح الكتاب أنه كان السحر يقوم بدور هام في تاريخ الديانة المصرية،   وكان السحر في نظر العامة لا يتصل بالأرواح التي تسكن في دنيا الأرواح فقط، بل كان متصلا بالمعبودات المحلية وخاصة الآلهة العظام لأن الفضل في وصولهم إلى السلطان على الأعداء يرجع إلى فنونهم السحرية، وكان في ركاب هؤلاء الآلهة عدد كبير من الخدم لا يختلفون في شيء عن الأرواح المخيفة، لا في طبيعتهم ولا في أسمائهم ولا في شكلهم الظاهري، إذ أنهم في الواقع كانوا مجموعة من الحيوانات المختلفة الأنواع والأشكال إلى حد بعيد، وكانت معرفة صفاتها الخاصة وأسماءها وأساطيرها السلاح الرئيسي في عالم السحر، إذ من خلاله يمكن للإنسان أن يجبرها ويقهرها على خدمته، وتأتي بنتائج لحسابه الخاص لها نفس التأثير الذي كان يصل إليه الإله بنفس الطرق.

 وقد بقى تراث هذه الاعتقادات في مصر إلى الوقت الحالي، وقد كانت مصطبغة بصبغة مظلمة قاتمة، إذ نجد معظم الآلهة تتألف من كائنات خبيثة مؤذية تبعث على الخوف كالثعبان والذئب وغيره، ولا عجب أن نجد في صلوات الأموات ودعائهم، وكذلك في التعاويذ السحرية التي تستعمل في الحياة العامة، أن دنيا الإنسان وكذلك عالم الأرواح كانت متصلة بالقوى الشريرة، وهذا الاعتقاد نجده في كل أساطير الآلهة، والحقيقة أن تلك القوى مشبعة بحب الدم وأعمال العنف، وقد لعب الإله “رع” دورا كبيرا في أعمال القسوة، إذ أهلك الإنسان في سالف الأزمان بوساطة الإلهة “سخمت” التي على شكل امرأة برأس لبؤة، والأسطورة التي حفظت يقال أنها تمثل عين “رع” وأنها نفس الإلهة “حتحور”، وهذه الأسطورة هي أحدث الأساطير التي كتبت عن الإله “رع”، وتظهر فيها الناحية الإنسانية ولذلك نقشت على كثير من مقابر الملوك وتتلخص في:

كان “رع” في سالف الأزمان يحكم الآلهة والناس، ولكن على مر الأيام كبر في السن وكانت عظامه من فضة وأعضاؤه من ذهب وشعره من اللازورد، ولكن الناس لاحظوا ذلك وتآمروا عليه، غير أن الإله عرف نواياهم وقال لأحد أتباعه ناد عيني و”شو” و”تفنت” و”جب” و”نوت” وكذلك الآباء والأمهات الذين كانوا معي وقت أن كنت في ماء المحيط “نون”، وكذلك ناد الإله “نون” واجعلهم يأتون خفية حتى لا يراهم الناس، وحتى لا يستولي على قلبهم الفزع، فحضر الآلهة وسجدوا على بطونهم أمام جلالته وقالوا تكلم إلينا، وعندئذ قال “رع” ل”نون”: أنت أيها الإله أقدم الكل والذي منه ولدت، وأنتم أيها الأجداد المقدسون انظروا إلى بني البشر الذين خلقوا من عيني، لقد تآمروا ضدي قولوا لي ما الذي تصنعونه ضد هذا العمل، ولن أقتلهم قبل أن أسمع ما تريدون قوله، فقال الإله “نون”: يا بني “رع” أنت الإله الذي يفوق والده وكل مخلوقاته في العظم، ابق على عرشك فإن الخوف الذي تنشره عظيم إذا صوبت عينك ضد المتآمرين.

وعندما صوب الإله “رع” عينه عليهم هربوا إلى الصحراء لأن قلوبهم استولى عليها الهلع مما قاله، ومع ذلك فإن الآلهة نصحوا إليه أيضا أن يرسل عينه لتقتفي أثر المتآمرين لتضربهم، فأرسل “رع” عينه التي نزلت إلى الأرض بصفة الإلهة “حتحور”، ولكنها عادت بعد أن قتلت الناس في الصحراء وعندئذ قال “رع”: أهلا بقدومك يا “حتحور”، فأجابته: بحياتك لقد كنت شديدة البأس بين الناس وقد سر ذلك قلبي، ولكن “رع” خاف أن تهلك “حتحور” الناس جميعا وقال: آتي إلي على وجه السرعة برسل سريعين يعدون مثل الظل، فأحضر إليه رسل، وقال لهم اعدوا إلي الفنتين واحضروا إلي مقدارا عظيما من مادة “ديدي” وأعطيت هذه المادة لحامل الخصلة في عين شمس، فطحنها هذا الملاك في حين كان الخدم يحضرون الجعة بالشعير، وبعد ذلك صبت هذه المادة “ديدي” في الجعة فأصبح لونها كلون الدم، وشربت منها “حتحور” حتى ثملت وبذلك كفت عن فناء العالم.

ولكن “رع” بعد ما خلص البشر من الفناء التام لم يعد يرغب في الاستمرار في حكم هؤلاء المخلوقات الذين لا وفاء لهم، قال: بحياتي إن قلبي قد مل البقاء معهم، وعندئذ دخل الإله “نون” ونادى بقربه ابنته “نوت” التي على شكل بقرة، فاعتلي ظهرها الإله “رع” ورفعته إلى السموات العلى، وصارت منذ ذلك الوقت هي السماء، ولكن عندما طلت “نوت” من أعلى ارتجفت أعضاؤها بسبب ارتفاعها، ولكن “رع” نادى الإله “شو” وقال له: يا بني “شو” ضع نفسك تحت بنتي “نوت” واحملها على رأسك ففعل “شو”، ومن ذلك العهد كان يحمل البقرة السماوية التي على بطنها تسطع النجوم وتسبح الشمس في سفينة، ومنذ ذلك العهد كان يحمل رع على جبهته الثعبان السام، وهو المخيف الذي ينفث النار في وجه الأعداء.

 

المدنية المصرية..

كل هذه المظاهر توحي بأن الديانة في بدايتها كانت مظلمة ولذلك يندهش الإنسان من الخطوات الواسعة التي خطتها المدنية المصرية نحو الرقي الفكري، عندما نقرأ تاريخهم في عهد الدولة القديمة، مما يؤيد القول أنه قد مر على مصر عصر طويل من الثقافة كان لابد أن تمر به لتصل إلى ما وصلت إليه في نواحي الحياة الأخرى، وكان لها تأثير في رقيها الفكري والأدبي والمادي، ومن ذلك أن تربية الماشية وزراعة الحقول وتنمية التجارة التي نتجت عن هذا الرقي والتقدم أثروا تأثيرا حسنا في أنظمة الحكومة، وفي إقامة العدل وتهذيب أخلاق القوم، مما جعلهم يتركون ظاهريا الشعائر والطقوس الوحشية في كل مكان، حتى أنه لم يبق إلا رموزها، ولا أدل على ذلك من أنه منذ عصر ما قبل التاريخ قد اختفت الضحايا البشرية التي كانت تقرب في الطقوس الدينية، ولم يبق دليل على وجودها في سالف الأزمان إلا الدمى التي كانت توضع مع المتوفى في قبره، أو عادة دفن المقربين من الفرعون معه في القبر، أو ما نشاهد في عهد الدولة المنفية من بناء العظماء مقابرهم حول هرم مليكهم.

ويدل تقريب الضحايا في مصر القديمة من بعيد على أن الآلهة كانوا في الأزمان السحيقة يحبون دماء الضحايا، وهذا يلاحظ من وضع طعام الضحية بعد ذبح الحيوان أمام المعبد على مائدة القربان أمام الإله، وهذه الأطعمة كانت تشتمل على لحوم ومشروبات وفطائر وأزهار وغيرها، ولكن أهم شيء كان يقدم هو البخور، وكان يتمتع بكل هذه الأشياء الكهنة المطهرون والكهنة خدام القرين “الروح المادية”.

ورغم ما وصل إليه المصري من المدنية والرقي فإنه استمر محافظا على قص الأساطير العتيقة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن المصري بطبعه كان محافظا لا ينسى، فكان يحافظ على التقاليد القديمة مهما كانت غير معقولة، وكان يستعملها في أغلب الأحيان في أمور السحر الذي كان من أهم ضرورات الحياة للمصري.

فكرة نقية عن الإله..

ورغم هذه الأساطير كانت لدى المصري فكرة نقية صافية عن الإله، مما جعل العلاقة بين الناس يسودها وازع أخلاقي يسوده العدل والنظام، وهذه كانت منحة الآلهة أيضا، لأنهم وإن لم يكونوا أنفسهم مثلا عليا للأخلاق فإنهم رغم ذلك حماة النظام الأخلاقي، فيعاقبون من يهتك حرمة هذا النظام كما يعاقبون من يتعدى على حدود تعاليم الطهارة الجسمانية.

إلهة العدل..

وقد مثل المصري العدالة التي تقوم على مبادئها كل المدنية المصرية وحسن سير الجماعة، منذ فجر التاريخ، في هيئة امرأة حسناء تحمل فوق رأسها ريشة، أو في صورة ريشة فحسب، وأطلق عليها “معات” ونسبها بنت الإله “رع” إله الكون، وزوجها الإله “تحوت” المنشئ لكل مدينة بالعالم.

والواقع أن نشأة المدنية المصرية التي قوامها العلم والعدل والإدارة الحسنة في نظام الحكم يرجع إلى أصل ديني، أو اجتهد المصري أن يعزوه إلى أصل ديني، وذلك لأن الدين كان متغلغلا في كل مرافق حياته، ولذلك رمز لكل منها بصورة ملموسة أمام المجتمع ليهتدي بهديها، فمثل إله العلم “تحوت” بالطائر أبيس، أو القمر وفي يده قلم وقرطاس، ومثل إلهة العدل بامرأة تحمل ريشة فوق رأسها رمز الدقة والعدالة، أما الإدارة ونظام الحكم فكان ممثلا في الإلهة “سشات”، ومعناها التي تكتب، وتمثل على شكل امرأة جالسة على كرسيها وبيدها قلم وقرطاس تكتب فيه، وكانت تعد سيدة بيت الكتب، وتعتبر أول إلهة نقشت أي كتبت، وكانت وظيفتها أن تدون كل الأعمال الجليلة التي يقوم بها الملوك، وكانت تنقش أسماءهم على شجرة في معبد عين شمس وهي والإلهة “معات” من رفاق الإله “تحوت”.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب