خاص: قراءة- سماح عادل
في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، ستكون القراءة في الكتاب الثالث في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”. (موسوعة مصر القديمة) هي موسوعة تاريخية ضخمة من تأليف عالم الآثار المصري الرائد الدكتور “سليم حسن” (8 إبريل 1893 – 29 سبتمبر 1961)، الذي يعتبر ثاني عالم آثار مصري يساهم في تأسيس علم المصريات باللغة العربية بعد “أحمد كمال باشا”، وقد بدأ تأليفها بعد إحالته للمعاش وهو في السادسة والأربعين من العمر فقط نتيجة خلاف بينه وبين القصر الملكي على مجموعة قطع أثرية طالب بها الملك فاروق بعد أن أعادها الملك فؤاد لتعرض في متحف القاهرة، وهذه الموسوعة تعتبر الموسوعة الوحيدة المتكاملة في التاريخ المصري القديم التي وضعها وألفها عالم واحد بمفرده، وقد تناول فيها شرحاً دقيقاً وتحليلاً مستفيضاً عن مراحل الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل الأسرات إلى قرب نهاية العصر البطلمي، وذلك في 16 عشر جزءاً أضيف لها في طبعة مكتبة الأسرة ضمن مهرجان القراءة للجميع عام 2000 جزأين إضافيين هما كتاب “الأدب المصري” القديم ليصبح عدد مجلدات الموسوعة 18 مجلداً.
أمنمحات الثاني..
1938- 1903
انفرد “أمنمحات الثاني” بالملك بعد وفاة والده “سونسرت الأول” وكان عندما تولى العرش مشتركا مع والده، فقد اتخذ لنفسه لقب “نب كاو رع” أو “الواحد الذهبي لأرواح إله الشمس” وتدل الآثار على أن عصره كان عصر هدوء وسلام، وأنه لم يقم بأعمال كبيرة في الفتوحات والغزوات، كما لم ينسب إليه أية مباني عظيمة خالدة، لكنه مع ذلك أظهر نشاطه في إرسال البعوث العديدة إلى مختلف نواحي المملكة، لاستخراج المعادن من جبالها الغنية بها، أو لتهدئة الجهات التي حدثت فيها اضطرابات، كما أرسل البعوث للبلاد الأجنبية بغرض التجارة ونشر الحضارة المصرية.
سونسرت الثاني..
اشترك “سونسرت الثاني” في الحكم بعد انقضاء 33 سنة على حكم”أمنمحات الثاني”، حيث أشرك ابنه “سونسرت الثاني” في الحكم وكان عمره ما بين الأربعين والخمسين، وقد دفن “أمنمحات الثاني” في هرم أقامه في منطقة منعزلة في الصحراء، وبعد موته تولى الحكم “سونسرت الثاني” الملقب ب”خع خبر رع”، بعد أن اشترك في الحكم حوالي 7 سنوات.
وقد ذكر “مانيتون” أنه أطول الملوك قامة فقد كان بحسب “مانيتون” أربعة أذرع وثلاثة أشبار وأصبعين، أي نحو ستة أقدام، أما مدة حكمه فكانت قصيرة، فقد حكم 19 عاما في المجمل. وتزوج “سونسرت الثاني” سيدة اشتهرت بجمالها، إذ كان تمثالها الذي عثر عليه في تانيس صورة حقيقية لها، واسمها “نفرت” ومعنى اسمها الجميلة، وقد بنى “سونسرت الثاني” لنفسه هرما ومدينة مجاورة له تدعى “عنخ سونسرت”.
سونسرت الثالث..
يعتبر أكبر الملوك الذين قاموا بحروب طاحنة دفاعا عن حدود مصر، من جهة الجنوب ضد السودان، ومن جهة الشمال ضد الآسيويين. وقد كان لانتصارات “سونسرت الثالث” في بلاد النوبة أثرا عظيما، وعاش اسم “سونسرت” محرفا باسم “سوزستريس”، ومن ذلك نشأت خرافة “هرودوت” عنه إذ يقول فيها: “هذا الملك كان هو الملك الوحيد الذي حكم إثيوبيا بلاد النوبة”، وذلك طبعا لا ينطبق على الواقع، ولكن من جهة أخرى يظهر لنا مقدار تأثير انتصارات “سونسرت” في البلاد.
ولا نعلم إذا كان هذا الملك حرم عبادة تمثاله الذي أقامه عند الحدود، ولكن نعرف أن هذا التحريم إذا كان قد حدث فقد انتهي بعد مدة قصيرة، وأصبح “سونسرت” يعد من بين الآلهة الذين كان يعدون أربابا لبلاد النوبة، وقد رأينا فيما سبق أن عبادته أصبحت على قدم المساواة مع عبادة الإله “ددون” والإله “خنوم” في قلعة سمنة في عهد “تحمتس الثالث”.
العلاقة بين مصر وآسيا..
العلاقة بين البلدين كانت علاقة مودة كما توضح الهدايا التي كانت تأتي إلى مصر من هذه الجهات، في عهد أسلاف “سونسرت”، وما نفهمه من روح قصة “سنوهيت”، إذ نجد أن السوريين كانوا يحترمون المصريين احتراما عظيما ويعجبون بالحكم المصري والعادات المصرية، ويجوز أن تكون هناك غزوات لكننا لم نعثر على نصوص تؤكد حدوثها. ولم يكن عصر الحروب والفتوح الكبيرة قد جاء بعد من جهة المصريين، بل كان أول هجوم قصد به الاستعمار الواسع النطاق آتيا من جهة الآسيويين، الذي غزوا وادي النيل في عهد الهكسوس.
وقد بنى “سونسرت الثالث” هرما من اللبن وكساه أحجارا، وقد أقام عدة مبان في جهات البلاد، وحينما توفى “سونسرت الثالث” انتهى حكم ملك قوي نال مكانة في نفوس الناس، وبعد مماته بأجيال عديدة، فعصره يعد من أفخر العصور، وهو ذلك العصر الذي وضع فيه أساس بناء الإمبراطورية المصرية.
أمنمحات الثالث..
تولى بعد وفاة “سونسرت الثالث”، واتخذ لنفسه لقب “نيم اعت رع” أي “صاحب عدل إله الشمس”، ويعتبر “أمنمحات الثالث” في نظر التاريخ من أعظم ملوك مصر وأقدرهم، فقد كان حكمه الطويل الذي دام 48 عاما عصر هدوء وسكينة، ومشاريع عظيمة، وقد اتجهت أعماله إلى الإصلاحات الداخلية من حيث الزراعة والتعمير.
وجه “أمنمحات الثالث” عناية كبيرة لإقليم الفيوم، فقد رأى في منخفض الفيوم منقذا للبلاد، واتخذه خزانا طبيعيا يمكن أن يمد البلاد الشمالية بالمياه أثناء انخفاض النيل، سنويا في فصل الخريف، وقد فكر هذا الملك ومهندسيه في طريقه لتنظيم دخول الماء وخروجه، وكانت النتيجة أن فكروا في استعمال الترعة التي يبتديء فتحها من النيل شمال “سيوط”، وهذه الترعة معروفة اليوم ب”بحر يوسف”، ومنها كانت تحمل مياه الفيضان مباشرة إلى خزان الفيوم، وهناك تحجز بواسطة حواجز لها عيون تصرف منها المياه ثانية تدريجيا إلى هذه الترعة، فعندما تكون المياه منخفضة في النيل في شهر التحاريق يمكن أن يبقى منسوب المياه في النيل مرتفعا الارتفاع النافع لري الأراضي، من “سيوط” حتى البحر الأبيض المتوسط، قد حسب أنه بهذه الطريقة تخزن مياه هائلة جدا من مياه الفيضان، تضاعف حجم المياه التي كانت تجري في النهر عندما تنساب فيه تدريجيا خلال فصل التحاريق من ابريل إلى يونيه. وقد أقيم سد عظيم أو خزان لأجل تنفيذ هذا المشروع الهندسي الكبير، عند المدخل لهذه البحيرة، أي عند “اللهون” ليحصر دخول المياه وخروجها إلى القناة.
وقد بنى “أمنمحات الثالث” هرمين لنفسه، واحد منهما ليتوارى فيه جثمانه الحقيقي، والآخر لتأوي إليه الكا ويقدم القربان إليه فيه، وقد كانت هذه العادة متبعة عند الملوك والأفراد منذ الدولة القديمة، أقيم الهرم الأول عند مدخل الغيوم والثاني في دهشور.
أمنمحات الرابع..
انفرد بالحكم وقد كان لقب تتويجه “تي ماع خرورع” و”أمنمحات الرابع” لم يكن بالشخصية البارزة.
الملكة سبك نفرو..
تدل الأحوال على أن “أمنمحات الرابع” قد توفى دون أن يترك له خلفا من الذكور، ويبدو أن الأميرة “سبك نفرو” أخته كانت الوارثة الوحيدة للملك، فتوجها أشراف البلد ملكة عليهم، وقد ذكر “مانيتون” أنها أخت “أمنمحات الرابع”، وعلى ذلك تكون بنت “أمنمحات الثالث”. حكمت ثلاث سنوات وكان حكمها خاتمة لهذه الأسرة.
المدينة في عهد الدولة الوسطى..
استقبلت مصر بتولي ملوك الأسرة 12 عصرا ذهبيا جديدا، فقد نهضت البلاد من الهوة السحيقة التي دفعت فيها، وعادت ثانية إلى مجدها القديم، رغم أن الدولة في عهدها الجديد لم تظهر بنفس المظهر الذي كانت عليه في عهد الدولة القديمة، فالملك وإن كان يحكم البلاد من أقصاها إلى أقصاها دون منازع، وأصبحت تمثل فيه وحدة البلاد وقوتها، إلا أن علاقته بالبلاد لم تكن نفس علاقة الملك في عهد الدولة القديمة ببلاده. فلم يعد التاج يملك أرضا كبيرة ولم تكن حكومات المقاطعات في قبضة موظفين تابعين للملك مباشرة، بل أصبح سلطانه أكثر انكماشا لتقيده بأمراء الإقطاعات الوراثيين.
وحتى عندما تغيرت هذه العلاقات في النصف الثاني من حكم هذه الأسرة لم تعد مكانته إلى ما كانت عليه في عهد الدولة القديمة، فقد سقط الملك نهائيا من عليائه الإلهية المحفوفة برهبة، وأصبحت له هيبة الحاكم فقط، وذلك لأن الضمان الداخلي الذي كان من مميزات الدولة القديمة لم يكن متوفرا لملوك الأسرة ال12، فكان لابد لهم أن يحاربوا في سبيل الوصول إلى ذلك ويقبضوا على ناصية الحكم. من أجل ذلك كان لزاما عليهم أن يكونوا جيشا في بداية حكمهم ليتقوى به الملك، حيث كانت البلاد مشتعلة بقيام الفتن والمؤامرات خلال الجزء الأول من عصر أسرتهم، وقد أصبحت الطبقة الوسطى الحرة تقوى في البلاد وتأخذ مكانتها في الصف الأول من الحياة الاجتماعية.