18 نوفمبر، 2024 11:43 ص
Search
Close this search box.

كمت 23:  اتخذ الأدب المصري لغة العامة بعد ثورة دينية

كمت 23:  اتخذ الأدب المصري لغة العامة بعد ثورة دينية

 

خاص: قراءة- سماح عادل

في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.

عوائق في الكتابة..

يؤكد الكتاب على أنه هناك صعوبة في ترجمة الوثائق المصرية، تلك التي لديها نسختان إحداهما قديمة والأخرى حديثة، بحيث أنه قد يشك أن هاتين الترجمتين المختلفتين لقطعة واحدة، والسبب نقص نظام الكتابة فالألفاظ المصرية لم توضع فوقها حركات تبين بالضبط موقعها من الجملة، ونتيجة لذلك يمكن نطق الكلمة بأشكال مختلفة تعطيها معاني مختلفة، وليس لدى العلماء طريقة لتحقيق المعنى المقصود بالضبط إلا سياق الكلام، لكن لا توجد صعوبة في البحث في متن بسيط لأن العلماء يجدون من السياق ومن الاستعلامات المعروفة لديهم ما يعينهم.

أما إذا كان المتن يحتوي على غير المألوف من الجمل والأفكار فالمترجم الأمين يترك هذه الجمل من غير ترجمة غالبا، أو يترجمها ويعترف بأن هناك تراجم أخرى يمكن إتباعها. لذا هناك بعض المتون التي تركت من غير ترجمة وهي كثيرة في الوثائق المصرية، وهناك عقبات أخرى غير العقبة التي يصادفها العلماء بسبب غموض نظام الكتابة، وهي كثرة الأغلاط الكتابية في كل مخطوط كتابي، وتكاد تكون أمرا عاديا، وليست هناك مخطوطات يعد الخطأ الكتابي فيها خطرا كما في الكتابة المصرية، لأن الخطأ يغير معنى الكلمة مما يؤدي إلى خطأ في الترجمة، على أن المصريين كانوا أقل اهتماما بهذه الأخطاء، فكانوا يصححونها أثناء القراءة.

وبالنسبة لما تركه تلاميذ المدارس في عهد الدولة الحديثة، وهي من أوراق البردي وقطع الخزف التي كانوا يسطرون عليها واجباتهم، يظهر أن هؤلاء التلاميذ كانوا يخطئون كثيرا، لكن يبقى العلماء مدينون للمدارس المصرية التي حفظت كثير من الأدب من الضياع.

تطور الأدب المصري..

بقى التاريخ المصري والأدب المصري غامضا بالنسبة للعالم حتى بداية القرن التاسع عشر، أما ما نقله اليونان عن المصريين فلم يكن إلا حقائق مشوهة نقلت بالرواية، فضلا عن أن ما وصل لا يمثل إلا جزء من تاريخ البلاد في أيام تدهورها، واليونان الذين نقلوا معتقدات المصريين وعاداتهم من أزمان سحيقة ينظرون إليها بعين الاحتقار والرهبة معا، لأنها لا تتفق مع حضارتهم.

ويذكر الكتاب أنه من المدهش أنه رغم الكشوف الحديثة التي حدثت فإن المصريين مازالوا معروفين بأنهم قوم لا ثقافة لهم ولا علوم ولا آداب، حتى أن المصري الحديث عندما يريد أن يتكلم عن الأدب في مصر يتكلم عن الأدب العربي في مصر، وكأن مصر منذ فجر التاريخ حتى الفتح العربي لم يكن لها تراث أدبي، والواقع أن المصري لا يلام على جهله بأدب بلاده وإنما السبب يرجع إلى عاملين هامين: الأول أنه منذ الفتح العربي اختفت لغة البلاد جملة وحلت محلها اللغة العربية فاسدل الستار على لغة القوم وأدبهم، ولم يبق للمصري مجالا في أن يدرس تاريخ بلاده أو أدبها وخاصة إذا علمنا أن اللغة قد ماتت، والعامل الثاني أنه لما حلت رموز اللغة القديمة لم يهتم المصريون بدراستها بل تركوا مجال الدراسة للأوروبيين إلى عهد قريب جدا.

والواقع أن المصريين القدماء كانت لهم نظرة للعالم ملتهبة متوقدة مملوءة بالمغامرة، وكانوا يعطون أغانيهم وقصصهم شكلا وفنا أغنى، ونمت بينهم حياة عقلية وعالم فكري يبحث فيما وراء الأشياء المادية، ومنذ اخترع المصريون الكتابة نمت بينهم من زمن بعيد مجموعة من الكتابات المختلفة الأنواع، ولكن للأسف لم يصل من الأدب المصري إلا قليلا لأن العثور على عمل أدبي يتوقف على مصادفة، كبقاء ملف من البردي الهش في جوف الأرض من ثلاثة إلى أربعة آلاف سنة، ولذلك لم يعثر العلماء إلا على قطع منفردة كانت بلاشك في الأصل أجزاء من مجاميع عظيمة من الكتابات.

هناك دلائل على أن العناية كانت موجهة إلى تنمية اللغة، فهي غنية بالاستعارات والتشبيهات، أي لغة إنشاء وتفكير، ومن المحتمل أن أحد كتب الأمثال القديمة على الأقل قد أنشيء في عهد الدولة القديمة، في خلال حكم الأسرة الخامسة، ولكن يبدو أن الرقي التام للأدب المصري لم يبلغ غايته إلا في العصر المظلم، الذي يفصل الدولة القديمة عن الدولة الوسطى، وكذلك في عهد الأسرة الثانية عشرة المشهورة، وكتابات هذا العصر ظلت تقرأ في المدارس خمسمائة سنة، ولم يجرؤ احد أن يحيد عن لغتها أو أسلوبها في الكتابة.

والخاصية التي يمتاز بها هذا الأدب القديم ظاهرة في الولوع بالتعابير المتميزة وحلاوة الألفاظ مع عذوبتها، ثلاثة من أهم الكتب في الأدب القديم وهي تعاليم للملك “مري رع” وتعاليم دواوف وشكاوي الفلاح كتبت في عصر الملوك الذين حكموا مصر الوسطى والدلتا، وعاصمتهم هراكليبوليس، ولا نعلم إلا قليلا عن هؤلاء الملوك ومن المحتمل أن الأدب ازدهر في بلاط هؤلاء الملوك. كتاب هذا العصر كتبوا في موضوعات هامة وخاضوا في مسائل عميقة، وملاحظ أن الدين يأخذ مكانا ثانويا في هذه الكتابة ولا يكاد يذكر في هذه الكتب الأدبية.

المدارس كان لها شأن مهم في العصر الثاني للأدب، وهو عصر الدولة الحديثة الأخير، وقد نما هذا الأدب  مضادا للأدب القديم، حيث أن لغة الأدب كانت لغة بعيدة عن الشعب، غير أن هذه القيود حلت في عهد الثورة الدينية التي حدثت في أواخر عهد الأسرة الثامنة عشرة، أيام امنحوتب الرابع، فقد بدأ القوم يكتبون الشعر بلغة العامة، وقد كتبت بهذه اللغة أنشودة “الشمس الجميلة”، وهي عبارة عن منشور للإصلاح الديني، وفي عهد الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين ازدهر أدب قوي مكتوب باللغة الجديدة التي نسميها المصرية الجديدة.

وفي عصر المصرية الجديدة كان للمدارس دور كبير، ولكن كتاباتها في ذلك العهد اتخذت صيغة أكثر حياة مما كانت عليه في العهد القديم، وهذه الحيوية تظهر بوضوح في أدب هذا العصر، وعلى قدر ما وصل من كتاباتهم يلاحظ أن الأفكار العميقة ليس لها مكان في هذا الأدب، على أنه من الجائز أن كشفا جديدا يصحح هذا الحكم.

ولم يستمر الأدب المصري الجديد طويلا في طريقه في استعمال لغة الشعب كما بدأ، إذ سرعان ما أخذ الكتاب يبحثون وراء تهذيب العبارات وهذه كانت علامة ظاهرة في الأدب القديم، وقد بقى هذا النوع من الأدب يهذب نحو خمسة قرون ثم أصبحت لغته منعدمة، ويبدو أنه قضي على الحياة الأدبية في مصر التي أصبحت آيلة للسقوط، وقد بقى الحال كذلك عدة قرون إلى أن ظهر أدب جديد يسمى بالديموطيقي.

أوزان الشعر..

كان المصري يكتب نصوص بلغة مميزة وتقع في أسطر قصيرة متقاربة الطول، وللأسف لا نعرف شيئا عن نغماتها، إلا أن العلماء يرجحون أنها أبيات شعرية منسوبة إلى وزن من أوزان الشعر، وكثير من هذه الأشعار تمتاز مقطوعاتها بأن كل منها تبتديء بكلمات مشتركة، غير أن هذه البدايات المتشابهة توجد كذلك في متون فقراتها مختلفة الأطوال وعدد سطورها ليس واحدا، ويمكن أن نعتبر هذه الفقرات غير المنتظمة مقطوعات ليست مقيدة في تركيبها، ولابد أنه كانت هناك مقطوعات كهذه في الشعر ليست مقيدة في تركيبها، ولا تظهر كأنها شعر لعدم تماثل الكلمات التي تبتديء بها كل واحدة منها.

على أنه يبقى غامضا لدى العلماء أوزان الشعر المصري، ويرجح أن أبيات الشعر المصرية كانت حرة وليست مقيدة بوزن، ومما يؤيد هذا الفرض أن مصريي العصر المسيحي كانوا ينظمون الشعر بدون وزن، كما أن للشعر المصري ميزته الخاصة وهي عادة غريبة والتي يطلق عليها “توازن أجزاء الجملة”، حيث يعبر الشاعر عن الفكرة مرتين وعلى ذلك نجد جملتين قصريتين معناهما متشابه أو واحد تتبع إحداهما الأخرى، وعلى مر الأزمان أصبحت هذه طريقة مقررة في الكتابة.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة