خاص: قراءة- سماح عادل
في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.
التحنيط..
يؤكد الكتاب على أنه كان المحنطون يألفون هيئة خاصة على علم تام بأجزاء الجسم وتركيبه من الوجهة التشريحية، إن عملية التحنيط التي اختصت بها مصر دون سواها من الممالك القديمة لم تحقق بدايتها إلا في عهد الأسرتين الرابعة والخامسة، رغم أن “كوبيل” عثر في عهد الأسرة الثانية على عدد من المقابر، كانت الأجسام المدفونة فيها مكفنة في لفائف بعناية ودقة، وكان كل عضو ملفوف على حدة مما يشعر بنوع من التحنيط، الذي عرفناه فيما بعد.
ولكن منذ عهد الأسرة الرابعة عثر على بعض أجسام محنطة تحنيطا تاما في حفائر بمنطقة الأهرام، بعضها من الأسرة المالكة وبعضها من أفراد الشعب، يضاف إلى ذلك أن صندوق الأحشاء الذي عثر عليه للملكة “حتب حرس” والدة “خوفو” ما يزال يحتوى على صرة مفروض أنها تضم أحشاء المتوفاة، وهي محفوظة في النطرون، مما يدل على أن الجسم كان محنطا، غير أنه لم يعثر عليه في القبر، وتوجد مومياء من عهد الأسرة الخامسة في المتحف الملكي لكلية الجراحة في لندن.
ومنذ ذلك العهد حنط المصريون الأجسام حتى أوائل العهد المسيحي، والحقيقة أن معظم مواد التحنيط وطرقه معلومة، إلا بعض التفاصيل البسيطة، وأقدم وصف للتحنيط وصل إلينا من “هردوت” ومن بعده “ديدور” وقد كتب كل منهما كتابا عما رأى وسمع، ومن ذلك عملية التحنيط فذكر “هردوت” أن المصريين كانوا يستعملون ثلاث طرق مختلفة للتحنيط: الأولى باهظة الثمن، كان نخاع المخ يستخرج بعضة بآلة خاصة، والباقي بعقاقير لم يذكر لنا اسمها، أما محتويات الجوف فكانت تستخرج، وربما المقصود من ذلك أن يشمل محتويات الصدر ماعدا القلب والكليتين، وبعد تنظيف الجوف بنبيذ البلح والتوابل كان يملأ بالمر وخيار شنبر، وغير ذلك من المواد العطرية، ولم تعرف أسماؤها ولم يكن الكندر منها، وكان الجزء الذي يفتح من الجسم لأجل التحنيط يخاط ثانية، ثم بعد ذلك يعالج كل الجسم بالنطرون، ثم يغسل ويلف في لفائف من الكتان كانت تلصق بالصمغ.
أما الطريقة الثانية فكان يستعمل زيت خشب الأرز الذي كان يحقن به الجسم، ثم يعالج بالنطرون، والطريقة الثالثة وهي أرخصها كانت للفقراء، وتتخلص في تنظيف الأحشاء البشرية ثم بعد ذلك يعالج الجسم بالنطرون.
أما ما كتبه “ديدور” عن التحنيط فإنه يعطينا بعض تفاصيل جديدة، فقد ذكر ثلاث درجات للاحتفال المأتمي، إلا أنه لم يذكر إلا طريقة واحدة للتحنيط وهي إزالة الأحشاء ما عدا القلب والكليتين، وذكر تنظيف الأحشاء بنبيذ البلح ومعه توابل مختلفة لم يعين أسماؤها، ثم بعد ذلك يدلك الجسم بزيت خشب الأرز، ثم يمسح بالمر والقرفة ومواد مماثلة، وذلك لتعطير الجسم وحفظه، وذكر “ديدور” عندما كان يصف قار البحر الميت “أنهم كانوا يحملون هذا القار إلى مصر ويبيعونه هناك لتحنيط الموتى، لأنهم إذا لم يخلطوا هذه المادة بالتوابل عطرية أخرى، فإن الأجسام لا يمكن أن تحفظ مدة طويلة دون تعفن.
على أن ما ذكره “هردوت” و”ديدور” متأخر جدا، لأن المدة التي تقع بين أول بداية استعمال التحنيط وما كتبه هذان الكاتبان تبلغ نحو3 آلاف سنة، ولابد أنه في خلال هذه الفترة قد تغيرت طرق التحنيط تغييرا كبيرا، ولا يمكن أن يعد وصفهما دقيقا.
والمواد التي وصلت إليها البحوث الحديثة هي على وجه التقريب (شمع النحل والقار والخيار شنبر وزيت خشب الأرز والقرفة والصمغ والحناء وحب العرعر والنطرون والمراهم والبصل ونبيذ البلح والراتينج والملح والنشادر والتوابل وقطران الخشب أو الزفت).
الكتابة..
إن الرأي السائد بين علماء اللغات القديمة في العالم أن المصريين هم أول من اخترع نظاما للكتابة، والمتفق عليه حتى الآن أن الفينيقيين قد نقلوا عن المصريين نظام كتابتهم، ومن ثم إلى أوربا بعد تحوير وتبديل في شكل الحروف الأبجدية. إن اختراع مصر للكتابة وضعها في مكانة ممتازة عن باقي أمم العالم، وجعل الحياة العقلية تنمو وتزدهر في وقت كانت الأمم الأخرى في إنحاء العالم ما يزال أهلها يعيشون مع الحيوانات المفترسة في الغابات والإحراج.
نظام الكتابة المصري بدأ بالصور كما فعل غير المصريين، وهذه الطريقة غير محكمة، وقد استعملت ليتذكر بها الإنسان شيئا ما في ذهنه، وصل المصريين إلى خير شكل للكتابة الحروف الأبجدية، وكانت الطريقة في أصلها بسيطة، إذ كان الغرض الأول كتابة كلمات كان من الصعب رسمها ومن ذلك أتت الفكرة بأن يستبدل بالكلمة الصعبة كتابة كلمة غيرها، يمكن رسمها على أن تماثلها في النطق، وكان على القارئ أن يفهم من سياق المتن المعنى المقصود حقيقة، وخاصة حين أصبح الاستعمال شائعا وكان كل فرد قد اعتاد على تلك الاستخدامات.
كثير من العلامات التي كانت تستعمل في معنى واحد انتقلت إلى كلمات كثيرة على مر الأيام، حتى أصبح من النادر أن تستعمل هذه الكلمات في معان خاصة، وصارت لا تدل إلا على إشارات ساكنة، أي أنها صارت جزء من كلمات أخرى تشترك معها في بعض الحروف، فمثلا عصفور الجنة لم يعد يستعمل كما في المثال الأول ليدل على “ور” بمعنى عظيم فحسب، بل ليدل أيضا على الحرفين الساكنين “و، ر”، إذا دخلا في تركيب كلمات أخرى مثل “حور” “سور” “ورس” “وريت” الخ.
ومن هنا اكتسبت الكتابة إشارات مركبة من حرفين ساكنين، وقد وصل أقوام آخرون إلى هذه الخطوة بطريقة قريبة الشبه، لكن المصريين تقدموا خطوة ثانية إلى الأمام، واستعملوا كلمات قصيرة لا تحتوي على أكثر من حرف واحد ساكن لكتابة هذا الساكن، فمثلا “ر” بمعنى “فم” كانت تستعمل لكتابة حرف “الراء”، و”زت” بمعنى أفعي كانت تستعمل لكتابة حرف الزاي، لأن التاء علامة التأنيث، “ش” بمعنى بحيرة كانت تستعمل لحرف الشين وهكذا، وكانت نتيجة هذه الخطوة أن تكونت أبجدية من أربعة وعشرين حرفا ساكنا، وهي التي انتهت إلى أرض كنعان وصارت الحروف الأبجدية التي أخذت منها الحروف الأبجدية الأوربية.
وبهذه الحروف الأبجدية كتبت كلمات قصيرة مفردة، ولقد سهلت كذلك قراءة الإشارات التي تدل على كلمات، وكان كثير من الكلمات يكتب بالحروف الأبجدية فقط، على أن نظام الكتابة بقى خليطا من علامات تدل على ألفاظ في معناها الأصلي أو المعنى المنقولة إليها، ومن علامات أبجدية متصلة بها.
وقد خطت الكتابة المصرية خطوة ثالثة نحو النمو وأدخل عليها عنصر جديد وهو ما يسمى بالمخصص، فأضيف إلى الكلمة الوحدة إشارة تدل على المعنى المقصود من الكلمة، والكتابة التي تمت بهذه الطريقة كان من الممكن لكل مصري أن يقرأها بسهولة، وأن يفهم معناها، ويدل على ذلك أن المصري لم يبذل أي مسعى لتغيير هذا النظام، وجعله كله حروفا أبجدية.
تعودنا على عادة الإغريق أن نسمي الكتابة المصرية “الإشارات المقدسة” “هيروغليفي” وأن نسمي نوعا آخر من الكتابة “الهيراطيقي” والاسمان مستعملان في لغتنا، وكل منهما سخيف وخاصة الأخير لأنه، وهو الذي ترجم عنه معظم ما في الكتب، ليس بكتابة خاصة مطلقا، ولا يخرج عن كونه خط رقعة للكتابة المصرية، والفرق بين الاثنين كالفرق بين حروف المطبعة وخط اليد.
ومما ساعد الأدب المصري بوجه عام الأدوات التي كان يستعملها الكتاب في الكتابة، حيث كانوا يكتبون مثلما يكتب الناس حاليا، حيث أخذ العالم عنهم طريقة الكتابة، فكان لديهم المداد الأسود الثابت اللون، وكانوا يطحنون المادة التي يأخذون منها المداد على ألواح من الخشب، وكان عندهم أقلام يتخذونها من القصب ويبرون أطرافها، ويدببونها على حسب رغبة الكاتب، وكان عندهم فوق ذلك ورق ناعم جميل منتخب من لباب سيقان البردي، كل هذه الأدوات كانت وسائط مساعدة على الكتابة.
وكان من السهل أن تعمل ملفات طويلة من ورق البردي بضم الأوراق بعضها إلى بعض وإلصاقها، وهناك ملفات خطية بديعة يبلغ طول الواحد منها عشرين أو أربعين مترا، وكانت الكتابة عادة على وجه واحد من ملف البردي، وهو الوجه الذي تكون فيه الألياف أفقية حتى يأخذ القلم طريقة دون مقاومة، وهناك أمثلة على استخدام وجهي الملفات للاقتصاد.
أما الفرد الذي لم يكن في مقدوره الحصول على ورق البردي فكان يجد في قطع الخزف ما يسد حاجته، وهي مادة رخيصة الثمن، وقد يطلق هذا الاسم على قطع من الأواني الفخارية، أو من الحجر الجيري الناعم، ونشاهد هذه الآثار الكتابية ملقاة على الأرض في أي مكان في مصر، ولكما كانت هذه القطع الخزفية يستعملها تلاميذ المدارس لكتابة تمارينهم فإن كثيرا من المتون المصرية قد نقل عنها.