خاص: قراءة- سماح عادل
في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.
العلوم المصرية..
يؤكد الكتاب على أنه يرجع المصري كل ما وصل إليه من علوم ومعارف إلى الإله “تحوت” إله القمر، وخاصة علوم الفلك والحساب والطب، والكهنة كانوا هم الطائفة المتعلمة في البلاد منذ فجر التاريخ، وقد بقوا كذلك طوال مدة التاريخ المصري. تدل الأبحاث العلمية على أن المصري كان ماهرا في العلوم التطبيقية وفي المسائل الفنية، لان الحالة الاجتماعية حتمت نشوء نظام ثابت عام للمقاييس، ولقد استعمل المصري في المقاييس السطحية (الذراع والشبر والقبضة والأصبع والقيراط) أما في حساب المساحات الكبيرة فكان يستعمل مقياس يسمى “انترو” ويساوي تقريبا نحو 5 آلاف ذراعا، وكان المساحون الملكيون يقيسون الأرض بوحدة تسمى ستا، وتساوي نحو 2756 مترا مربعا، وكانت وحدة المكاييل تسمى “هنو” ويساوي 45 سنتمترا، أما معيار الوزن فكان “الدبن” ويساوي نحو 92 جراما، واستعمل المصري الميزان.
علم الرياضيات..
تدل الوثائق على أن المصري كان يستعمل الأرقام في الحساب منذ فجر التاريخ، بل قبل عهد الأسرات بقليل، ولكن لم تصل وثائق مكتوبة عن الرياضيات إلا زمن الأسرة الثانية عشرة، ويمكننا أن نؤكد أنه منذ عهد الملك “نعرمر” كان يوجد نظام الأرقام بكل علاماته، حتى العلامة التي تدل على ألف، يضاف إلى ذلك أن نقوش حياة “متن” قد كشفت وجود مقاييس للأراضي، وقد حصل عليها بنفس الطريقة التي كانت متبعة في ورقة “رند” التي يرجع تاريخها إلى عهد الدولة الوسطى، وقد أعطى فيها مساحة سطح المستطيل مضبوطة، وكان المصري قد اتخذ وحدة للمقاييس السطحية الكبيرة “الحكات”.
وجاء ذكر ذلك في أوراق بردية ترجع إلى الأسرة السادسة، ومن المحتمل أنه كانت توجد وحدات للموازين أيضا، وللأسف لا توجد مصادر تسمح بتتبع بداية علم الرياضيات حتى الأسرة الثانية عشرة، وهي الفترة التي نجد فيها وثائق عظيمة ذات اصطلاحات ثابتة، وهذه الوثائق هي ورقة “مسكو” وورقة “كاهون” و”برلين”، ويعزى إلى ذلك العصر أيضا ورقة “رند”، وإن كانت النسخة التي وصلت إلينا كتبت في عهد الهكسوس، ومن هذه الأوراق يمكننا أن نأخذ فكرة عن علم الرياضيات المصري.
علم الفلك..
معلومات المصريين عن علم الفلك لا تختلف عن المعلومات الكلدية الأشورية فيما يخص الاجرام السماوية، وتدل المصادر على أنه كانت هناك علاقات متصلة بين القطرين منذ حوالي 2400 ق.م، وهو العهد الذي نزحت فيه أقوام كلدية وآشورية إلى أراضي الدلتا.
امتاز المصري بقوة ملاحظته وميله إلى الأشياء العملية، ومن أحد الأدلة على ذلك أنه كان في عين شمس كاهن خصص لمراقبة سير الشمس يسمى “الرائي العظيم”، وفي المعابد جماعات كهنة لمراقبة النجوم، وكان تقسيم السنة إلى أشهر قمرية، كل منها ثلاثون يوما، أكبر دليل على معرفة تامة بمنازل القمر.
أما النجوم فتذكر لنا متون الأهرام من عهد الدولة القديمة أنها كانت تنقسم إلى نوعين، النجوم التي لا تفنى “إخموسك” أي التي تكون دائما ظاهرة في السماء، ثم النجوم التي لا تتعب وهي النجوم السيارة “إخموورز” وقد عرف المصري الخمسة التي ترى بالعين العارية وهي المشترى وزحل وعطار والمريخ والزهرة، وقد شوهدت منذ الدولة القديمة على الأقل، أما النوع الثاني فينحصر في 36 نجما قد خصصها المصريون لمعرفة الوقت، وكان كل منها يعتبر إلها لعشرة أيام من ال360 يوما التي تتألف منها السنة البسيطة، ويخرج من ذلك أيام النسيء الخمسة.
وأقدم قائمة بأسماء هذه الآلهة وجدت على غطاء تابوت من الدولة الوسطى في طيبة، وقد عثر على قوائم أخرى لهؤلاء الآلهة في مقابر الملوك “سيتي الأول ورعمسيس الرابع” وكذلك وجدت مرسومة في سقف معبد “الرمسيوم” وفي معابد البطالسة، أما البروج الإثنى عشر فلم تظهر إلا في العصور المتأخرة جدا، وقد استعيرت أسماؤها من أسماء البروج اليونانية التي نقلت بدورها عن الكلدية.
وكان اليوم في نظرهم ينقسم إلى 12 ساعة نهارا و12 ساعة ليلا، مهما كانت فصول السنة، وقد كانت تقاس أوقات اليوم بساعات على أنواع مختلفة منها الساعات الشمسية أو المزولة، وهي آلة تعرف ساعات النهار بواسطة الظل، وما يزال الفلاح المصري يستعملها إلى الآن، وساعة مائية وهي إناء ذو حجم معين مقسم إلى أقسام كل منها يفرغ في زمن محدد، وقد عثر على واحدة منها، أما خلال الليل فكانت كذلك تعرف الساعات بمراقبة النجوم ورصدها.
وكان يوجد بجانب علم الفلك الحقيقي علم التنجيم وكان المصريون يعتقدون فيه كثيرا، إذ كان لكل شهر ولكل يوم ولكل ساعة إله حارس يتدخل في أقدار الناس وحظوظهم السعيدة أو الشقية، وألف الكهنة والسحرة كتبا وأقدمها يرجع إلى عهد الدولة الوسطى، وقد عدد فيها أيام الشهر ونعت بعضها بكلمة خير أو بكلمة شر أو خير وشر معا، حسب الوقت فنجد في شهر تسعة أيام شرا وثلاثة أيام خيرا وشرا معا وما بقى خيرا.
وذكر العالم “ابل ري” أن الفلك المصري لا يختلف عن الفلك الكلدي والصيني في عامته إلا في نقطتين، الأولى لا نجد في الفلك المصري أي إشارة إلى خسوف القمر، وقد يعزى ذلك إلى قلة المصادر التي وصلت عنهم، رغم أن أرسطو ذكر أن المصريين كانوا يرصدون سير الفلك من زمن بعيد جدا، ويبدو أن هذا الموضوع كان في نظر المصري ثانويا. والنقطة الثانية هي أن القمر لم يلعب إلا دورا ضئيلا جدا مقارنة بأهميته في كلديا والصين، إذ لا نجد، خلافا لتعداد الأشهر بواسطته، أي دور هام في علاقته بالشمس، فالقمر لم يلفت نظر المصريين كالشمس والنجوم، والواقع أن الفلك المصري يرتكز في معظمه على النجوم.
الطب..
المصري منذ الأزمان الموغلة في القدم يعرف تشريح الجسم وفصل أجزائه المختلفة بعضها عن بعض، وفي العصر الطيني رأينا المصري يحنط الجسم منذ الأسرة الثانية، وهذا دليل على أن المصري كان يعرف تشريح الجسم ومعالجته ظاهرا وباطنا، ولاشك أن علم الطب اكتسب في مصر أولا بالتجارب والملاحظات، ثم تلا هذا الدور تعليم الطب الحقيقي في مدارس خاصة، ولا غرابة في ذلك فقد كان الإغريق يشيدون بذكر الأطباء المصريين ويتناقلون كتب طبهم ويحفظونها ليهتدوا بها.
وتدل النقوش المصرية في عهد الدولة القديمة على أنه كان في مصر أطباء من كل نوع، في درجات مختلفة، فقد كشف حديثا عن مقابر أطباء في منطقة الجيزة، كما وجد في عهد الدولة القديمة أطباء أسنان للقصر الملكي، وقد عثر في عهد الأسرة الرابعة على حالة تدل على تقدم جراحة طب الأسنان في ذلك العهد، أي من 2800 سنة ق. م، إذ وجد فك في مقبرة في هذا العهد أجريت عليه عملية دقيقة.
وتدل النقوش أن وظيفة الطبيب كان يتناقلها الابن عن الأب، وكلمة طبيب بالمصرية “سنو” ربما معناها الشافي، ويبدو أن هذه الوظيفة كانت في بدايتها دينية، إذ نجد أن غالبا الذي يحمل لقب طبيب كان في نفس الوقت كاهنا، وكانت نشأة الطب في الوجه البحري وأهم مراكزه كانت المعابد وخاصة معبد عين شمس، ومعبد الآلهة “نيت” ومعبد الإله “أنوب” ومعبد “باست”.
أقدم كتاب في الطب يرجع تاريخه إلى عصر الملك “اوسافيس” من الأسرة الأولى، كما جاء ذكر ذلك في ورقة “إيبرس”، فمن المؤكد أنه كانت توجد كتب طبية منذ بداية الأسرة الخامسة ولم يصل منها شيء، وكلما وصل من الأوراق الطبية وصل عن عصور متأخرة عن الدولة القديمة، وإن كان بعضها يرجع إلى هذا العهد، وتثبت هذه الأوراق أن الطب كان متقدما في مصر منذ عهد الدولة القديمة، وأنه كان قائما على أسس علمية محضة.