خاص: قراءة- سماح عادل
في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.
تاريخ فن صناعة التماثيل منذ أقدم العثور إلى نهاية الدولة القديمة..
يؤكد الكتاب على أنه لم يتم العثور على تماثيل ذات قيمة في عصور ما قبل التاريخ حتى الآن، وصناعة التماثيل لم تكن منتشرة في عهد ما قبل الأسرات أو العهد الطيني، وما كشف منها حتى الآن يدل على أن الفنان كان يصنع تماثيل صغيرة من العاج، لم تحفظ الأيام منها إلا أمثلة قليلة العدد، وفي معظمها على جانب كبير من الإتقان، والدليل على ذلك دمى المرأة العارية المحفوظة الآن في متحف اللوفر.
أقدم تماثيل بالمعنى الحقيقي يرجع تاريخها إلى نهاية الأسرة الثانية، والبحوث الفنية تدل على أن المصري كان يسير حسب قوانين وقواعد معينة لتصوير التماثيل الإنسانية في الحجر، وأول من أشار إلى وجود قانون النسب في نحت التماثيل الآدمية المصرية هو “لبسيوس”، وقد حقق في نظريته ما عثر عليه من الرسوم، التي لم تكن قد نفذت بعد على الجدران، والتي لم تزل خطوط النسب الحمراء ظاهرة عليها، وهذه الجدران يرجع عهدها إلى الدولة القديمة، وقد وجدت مثل هذه الرسوم أيضا على مقابر بني حسن المنحوتة في الصخر، ويرجع عهدها إلى أمراء المقاطعات في عهد الدولة الوسطى.
ويلاحظ في مصاطب الدولة القديمة أن النسب كانت تقاس برسم خط عمودي في محور الصورة الآدمية المنحوتة على الجدار، وذلك بنقط وخطوط متقاطعة، أما المقاييس الجانبية فكانت تعلم بنقط على خطوط متقاطعة حمراء، وهذه الخطوط الحمراء تدل على ارتفاع الشكل البشري الواقف من أخمص القدم إلى منبت الشعر أو الشعر المستعار الذي على الجبهة، كان مقسما إلى ست وحدات، وكان طول القدم اليسرى، الذي كان يرسم وهو يخطو دائما إلى الأمام في التماثيل والصور، يقدر بأكثر من وحدة بقليل، أما طول القدم اليمنى فكان يقدر بوحدة فقط، أما ارتفاع الجسم إلى الركبة فيقدر بوحدتين، وإلى منبت الرقبة بخمس وحدات، أما التمثال الجالس فكان طوله خمس وحدات من أخمص القدمين إلى منبت شعر الرأس.
وفي عهد الدولة الوسطى شوهد أن الصور الإنسانية، التي لم يتم نحتها، كان مرسوما عليها شبكة مستطيلة الشكل من الخطوط الحمراء، وحدتها تكاد تكون على وجه التقريب ثلث الوحدة القديمة، وعلى ذلك كان يعتبر ارتفاع الشكل الآدمي الواقف 18 وحدة، والشكل الجالس 15 وحدة، ولما كان الشكل يخطط على هذه الشبكة فقد سبب ذلك اختفاء المقاييس الجانبية التي كانت ترسم على الشكل في الدولة القديمة، ومن المحتمل أن شبكة الخطوط المستطيلة كانت تستعمل في الدولة القديمة للمناظر المعقدة، وقد بقيت مستعملة حتى نهاية التاريخ المصري، وقد تغير عدد الوحدات مرة أخرى في عصر النهضة، أي في الأسرة السادسة والعشرين، فكان ارتفاع الواقف مقسما إلى 21 وحدة إلى منبت الشعر، و21 و4/1 إلى قمة الرأس، وكذلك كانت ترسم تفاصيل الوجه والملابس بخطوط حمراء وسوداء، ولكنها كانت تختفي أثناء المسح في هذه التفاصيل.
ولم يكن قانون النسب عائقا في سبيل رسم الأجسام الخارجة عن المألوف، أو الأجسام التي لم تكن في هيئة طبيعية معتادة كالأقزام، وباني السفينة المسن، والراعي النحيل الجسم، أو الأشخاص الذين ينحنون ليحملوا أثقالا على ظهورهم، أو البحارة الذين يحارب بعضهم بعضا في سفنهم، أو العجانة أو الراقصة أو أصحاب الحرف والصناعات.
الطرق الفنية في صناعة التماثيل..
الفنان كان يتبع قواعد فنية منظمة عندما يريد تصوير الأشكال البشرية أو نحتها على الجدران أو التماثيل، كانت تماثيل القرينة تنحت في قطع من الأحجار أو في جدران حجرة القربان المقطوعة من الصخر أو الخشب، وقد عثر على تماثيل كثيرة لم يتم صنعها، وتماثيل قد بدأ الفنان في حفرها لدرجة محدودة، ويتضح من هذه النماذج أن الفنان كان يضع التصميم أولا برسم الهيكل البشري مختصرا، ثم يأخذ في إظهار التفاصيل مبتدأ بالرأس فالصدر ثم الأطراف، وكان أعظم ما يهتم به الفنان بعد الفراغ من عمل تمثاله أن يلونه بالألوان، والتي كان مصطلحا عليها في عهد الدولة القديمة، وذلك أن البشرة عند النساء كانت تلون باللون الأصفر، أما الرجال فكانت بشرتهم تلون باللون الأحمر القاتم، والشعر المستعار كان لونه أسود فاحم، والملابس لونت في معظم الأحيان باللون الأبيض، أما المجوهرات التي كان يتحلى بها النساء والرجال على السواء، كالقلائد والأساور والحجول فكانت تلون بألوان مختلفة، أهمها الأزرق المائل للخضرة لتحاكي لون الفيروز، واللون الأحمر الباهت ليمثل لون الكرنلين، والحزام الذي كان يلبسه التمثال كانت ألوانه مختلفة تدل على حسن ذوق وانسجام في تركيب الألوان.
وأحسن أمثلة لدينا في تلوين التماثيل يحتمل أن يكون تمثالا “رع حتب” وزوجته “نفرت” المحفوظان بمتحف القاهرة، وقد كان من الصعب جدا تمييز نوع الحجر الذي عمل منه التمثال، عندما يكون التلوين متقنا، على أن الدقة في نحت التمثال المصنوع من الحجر الجيري الأبيض كان يغطي عليها أحيانا بالتلوين.
يضاف إلى ذلك أن ملابس المتوفى كان يراعى فيها كل الدقة، فكان كل شخص لابد أن يرتدي ملابسه التي كان يرتديها مدة حياته، وإلا ضلت في معرفته الروح المادية، وكان من جراء إتباع الدقة في اللباس، كل تمثال لباسه الأصلي، أن عرفنا شيئا كثيرا عن ملابس القوم في هذا العهد، مما لم يكن في مقدورنا معرفته بدون ما وصل إلينا من تلك التماثيل.
تماثيل الخشب..
كانت مصر لا تنبت أشجارا صالحة لعمل التماثيل، أما ما كانت تشتريه من الشام من الأخشاب كالصنوبر والأرز والسرو فكان يصل إليها قطعا صغيرة، أو كتلا، لا يمكن عمل تمثال كبير من قطعة واحدة منها، ولذلك كان يصنع الجذع والرأس وأحيانا الفخذان من كتلة واحدة، أما الذراعان فكانا يصنعان على حدة، ويلصقان في التمثال، وكذلك الحال في الفخذين في بعض الأحيان، وكانت أجزاء التمثال تربط بواسطة خوابير دقيقة من الخشب، مستطيلة الشكل ثم يغطي كل هذا بملاط خفيف يأتي فوقه اللون، الذي يلون به التمثال، وبذلك تختفي كل المعالم التي تشعر بأن التمثال مركب من أجزاء منفصلة. وذلك هو السر في أننا نجد التماثيل الخشبية يدها اليسرى ممدودة إلى الأمام قابضة على عصا يتوكأ عليها.
أما في المعادن كالذهب والنحاس والبرونز فكان يمكن صنع قطعة فنية عظيمة واحدة منها، إذ كانت صناعة صب المعادن متقدمة في هذا العصر، وكان الصانع يصب قطع صغيرة لأنه سهل، أما التماثيل الكبيرة فكانت أجزاء منها تصنع بطرق المعادن والأجزاء التي كانت تحتاج إلى عناية ودقة في الصنع، كالوجه واليدين والرجلين، تعمل لها قوالب خاصة تصب فيها، أما الجذع والذراعان والفخذان فكانت تصنع بالطرق، ثم تركب فوق قالب على الشكل المطلوب وتربط بمسامير.
وبالنسبة للآلات التي كان يستعملها النحات لإخراج تمثاله، فمنذ نهاية عصر ما قبل الأسرات كانت الآلات النحاسية معروفة في مصر، وكانت تصب في قوالب بسيطة مفتوحة، ثم بعد ذلك تتشكل بالطرق وهي باردة بمطارق من الحجر المصقول، وهذه الآلات كانت قليلة وأهمها المقص الذي لا مقبض له، ومنها السكين المسطح العريض الذي ظهر منذ بداية العصر التاريخي، ثم القدوم الذي كان يستعمل في صنع الأخشاب، ولما كشف المصريون البرونز الذي هو خليط من النحاس والقصدير انتشرت الآلات المعدنية بكثرة، وأدخل عليها تحسينات كثيرة، فظهر خلافا للآلات القديمة الآلة المدببة، والمناشير ذات الأحجام المختلفة، والمثقاب الذي كان يدار بالوتر.
وقد كان التمثال في معظم الأحيان يصنع ليرى من الوجه، ولذلك كان لا يعتنى بنحت تفاصيل الأجزاء الخلفية، مع مراعاة أن وجه التمثال كان ينحت بوضع واحد دون إظهار أية حركة فيها تغيير ملامحه، ولما كان التمثال يصنع لتحل فيه الروح المادية أبديا كان ينتخب للمتوفى صورة وهو في ريعان شبابه وعنفوان قوته.
أوضاع التماثيل..
أوضاع اليدين والذراعين في كل التماثيل كانت على ثلاثة أنواع في ثلاثة عصور مختلفة، وضع اليد اليسرى أمام الجسم وتلك من مميزات عهد الأسرة الثالثة، والثاني: وضع اليد المنى أمام الجسم وكان خاصا بتماثيل خوفو، ومن المحتمل أن ذلك كان التقليد في عهده، وثالثا: وضع اليد مقفلة على الركبة اليمنى في التماثيل الجالسة واليد اليسرى مفتوحة، وقد ظهر أولا هذا الوضع في تماثيل خفرع، رابعا: وهناك ملاحظة خاصة بتماثيل الدولة القديمة المصنوعة من الحجر، وهي أن كل تماثيل هذا العصر مقفلة اليدين أو واحدة مقفلة والثانية مبسوطة.
وبعد الدولة القديمة بقى وضع التماثيل واقفة تقليدا سائرا، إلى أواخر التاريخ المصري، أما التماثيل الجالسة فقد عهد الدولتين الوسطى والحديثة، فقد اتخذت شكل الوضع الذي كان متبعا في سقارة، مع بعض التجديد بأن تكون اليد اليمنى مقلوبة إلى أسفل وظهر لأول مرة وضع اليدين مفتوحتين على فخذي التمثال الجالس في الدولة الوسطى وهناك أوضاع أخرى.