7 أبريل، 2024 12:24 ص
Search
Close this search box.

كمت (2): فك حجر رشيد ومعرفة طبيعة اللغة الهيروغليفية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

في هذه الحلقة من الملف سنكمل قراءة (موسوعة مصر القديمة) للدكتور “سليم حسن” الكتاب الأول.

عصر ما قبل التاريخ المصري..

ذكر الكتاب أنه ينحصر عصر ما قبل التاريخ المصري في المدة التي بدأ الإنسان يظهر فيها في وادي النيل إلى بداية الأسرة الأولى حوالي 3200 ق.م، وقد أسفرت البحوث التي قام بها العلماء في الأربعين عاما الأخيرة عن تقسيم هذا العصر الطويل إلى ثلاثة أقسام رئيسية، ومايزال العصر الأول منها غير معترف به من كل رجال هذا العلم، البعض يقره والبعض ينكره.

العصر الأول: ويطلق عليه “العصر ما قبل الحجري القديم” وقد استعملت فيه أحجار الظران كما وجدت في الطبيعة مع التهذيب.

العصر الثاني: ويطبق عليه اسم “العصر الحجري القديم”، وهو عصر استعمال الحجر المهذب تهذيبا بسيطا بعد القطع ومنه يتفرع العصر الحجري الحديث، وهو العصر الحجري المصقول بعد التهذيب.

العصر الثالث: هو الذي ظهر فيه المعادن ويطلق عليه “بداية استعمال المعادن”، وقد استعمل في هذا العصر الحجر والنحاس والحديد عمل الآلات جنبا إلى جنب، ورغم أنه يكاد يكون من المستحيل أن نجزم بتاريخ قاطع لعصر ما قبل التاريخ المصري، إلا انه يمكننا مؤقتا أن نذكر على وجه التقريب أن العصر الحجري الحديث يحتمل أنه قد بدأ من 10 آلاف سنة، وأن بداية المعادن قد بدأ من 6 آلاف أو خمسة آلاف سنة، وهذه التواريخ لا ترتكز على حقائق علمية بل وضعت لتكون مرشد أو إشارة يهتدى بها فحسب.

المدينة في عهد بداية استعمال المعادن..

يؤكد الكتاب على أنه تدل الكشوف على أن المدنية في مصر قد بدأت في الوجه البحري في خلال العصر الحجري الحديث، وكانت تفوق المدنية التي ظهرت في الوجه القبلي ثم استمر الحال كذلك في عصر استعمال المعادن الحضارة. المدنية في الوجه البحري كانت تدرج في أطوار التقدم بخطى واسعة في حين أن المدنية في الوجه القبلي كانت بطيئة ومتأخرة، وأعظم عمل قام به المصري في “عصر بداية استعمال المعادن” سواء في الوجه البحري أو الوجه القبلي ينحصر في إعداد أرض وادي النيل الخصبة للزراعة، وقد حدث ذلك في الوقت الذي أخذت فيه أحوال البلاد تتغير من ناحية الطقس تدريجيا، وحدث عندما أخذت القبائل الجوالة، التي كانت في معظم معيشتها تعتمد على الصيد والقنص وتربية المواشي، تحط رحالها وتسكن القرى والمدن.

ومن المرجح أن أول من فكر في تنظيم مياه النيل وتوزيعها هم أهل الدلتا لأنهم كانوا بطبيعتهم أهل حضر وزراعة، أما أهل الصعيد فإنهم كانوا اقرب إلى البداوة، هذا وقد طغى الماء على معظم مدنيات الوجه البحري إلا أجزاء بسيطة لا تكاد تذكر، أما ارض الصعيد فلم يمسسها في أماكن كثيرة ماء الفيضان وبخاصة على حافة الصحراء التي كانت تتخذ مدافن في كل عصور التاريخ المصري، ومنها نستقي معظم ما نعرفه عن المندية المصرية.

حل رموز اللغة المصرية..

يوضح الكتاب أنه بقيت اللغة المصرية سرا من الأسرار نحو 1400 سنة إلى أن جاء “شامليبون” وكشف أسرارها بحل رموز الهيروغليفية، على أن لغة القوم نفسها لم تمح من البلاد خلال تلك المدة بل بقيت في شكل آخر هو اللغة القبطية، وذلك أن الهيروغليفية منذ فتح الإسكندر الأكبر لمصر أخذت تكتب علاوة على كتاباتها بالإشارات المصرية بحروف إغريقية، بعد إضافة سبعة حروف ديموطيقية لم يكن لها مثيل في اللغة اليونانية، ومنذ ذلك العهد صار يطلق على اللغة المصرية القديمة اللغة القبطية، أي المصرية، وقد كانت الكتابات المتداولة في البلاد على ثلاثة أشكال مختلفة إلى أواخر عهد الرومان في مصر، وهي الكتابة الهيروغليفية أي الكتابة التقليدية للبلاد، ثم الكتابة الإغريقية ثم الكتابة القبطية، وقد اختفت الكتابة الهيروغليفية في أواخر القرن الرابع الميلادي ولم تعد كتابة القوم باللغة الإغريقية فقضى على تداولها بعد الفتح العربي مباشرة، بينما بقيت الكتابة القبطية لغة القوم في بعض أماكن الوجه القبلي في الصلوات والعبادات والمدارس إلى أواخر القرن السابع عشر، ثم انحصرت بعد ذلك في الصلوات الدينية المحضة إلى الوقت الحالي ولا يجيد معرفتها إلى نفر قليل.

ومن ذلك نرى أن اللغة القبطية وهي لهجة من اللغة المصرية قد حفظت لنا مكتوبة بحروف يونانية، وتوجد لها أجرومية وقاموس باللغة العربية واللغة اليونانية، وفي أواسط القرن السابع عشر فهم الأب اليسوعي “كرشر” أن اللغة القبطية تحفظ في ثناياها اللغة المصرية مكتوبة بحروف يونانية، وقد أخذ يقوم ببحوث علمية في هذه اللغة غير أنه لما أراد أن يرجع باللغة القبطية إلى اللغة المصرية لم يفلح قط، وقد تساءل عن اللغة المصرية هل هي حروف أو أصوات أو معان، وكيف يمكن قراءتها، على أنه لم يصلنا من الأقدمين عن اللغة المصرية إلا تعاريف نادرة غامضة والاسم نفسه الهيروغليفية ينبئ عن غموض، إذ معناه “الكتابة” المقدسة كما قال “هيرودوت” و”ديودور”.

وقد ذكر “كيلمنت” السكندري الذي عاش في أواخر القرن الثاني الميلادي أنه رأى القوم يتكلمون اللغة المصرية ويكتبونها بالهيروغليفية، وقد أخبرنا “هيرودوت” ومن بعده “ديودور” أنه يوجد في مصر نوعان من الكتابة، أحدهما الكتابة المقدسة ولا يعرفها إلا الكهنة، والثاني الديموطيقية أي لغة العامة، عامة الناس، ولكن تفسير هذه الكتابات بقى سرا غامضا إلى أن كشف صدفة أحد جنود “نابليون” حجر رشيد عام 1977، وذلك أن الحملة الفرنسية التي قادها “نابليون” إلى وادي النيل لم يكن غرضها الوحيد الاحتلال العسكري بل كذلك لبحوث علمية عن المدنية المصرية، ولذلك جاءت طائفة من العلماء معها، وقد ساعدهم الحظ بأن كشف صدفة أحد الضباط المسمى “بوشار” في أغسطس 1977، أثناء حفر قلعة رشيد، قطعة من حجر البازلت المنقوشة بثلاث كتابات مختلفة، كانت ثالثتها وهي السفلية بالنسبة للحجر مكتوبة باللغة الإغريقية، والكتابة عبارة عن مرسوم ملكي أصدره “بطليموس” الخامس عام 196 ق. م وقد ذكر النص الإغريقي أنه نفس المتن بالكتابين الأخريين وهما الهيروغليفية “الكتابة المقدسة” والديموطيقية “كتابة الشعب”.

ومن ذلك نرى أن حجر رشيد كان مكتوبا بكتابتين مصريتين وبذا يحتوي على مفتاح السر للكتابة الهيروغليفية إذ أن معاني كل الكلمات المنقوشة على هذا الحجر موجودة في النص الإغريقي، وأول من حاول فك رموز هذا الحجر هو ” سلفستر دي ساسي” عام 1802 وكان عالما باللغة العربية وكانت محاولته منصبة على القسم الديموطيقي، ظنا منه لتشابه هذا الخط بالكتابة العربية الرقعة وجود علاقة بينهما، غير أن جهوده هو و”اكربلاد” لم تفلح إلا في معرفة خرطوش بطليموس.

ومن 1814 حاول الدكتور “توماس ينج” أن يحل رموز هذه اللغة من النص الهيروغليفي، وقد كان يعلم من جهود من سبقه أن الأسماء الملكية مثل “بطليموس” لابد أن تكون موضوعة داخل خراطيش، وعلى ذلك رتب العلامات التي وجدت في الخرطوش كحروف تمثل لفظة “بطليموس” وقد توصل فعلا لمعرفة مجموعة الحروف التي تكون اسم “بطليموس”، غير أنه لم يتمكن من معرفة الحروف الصوتية بالضبط التي تكون هذا الاسم، ولذلك فإنه لما أراد أن يطبق الحروف الأبجدية التي استخلصها خطأ لم يمكنه أن يصل إلى أية كلمة قبطية لها نطق مماثل.

أما “شمبليون” أول عمل قام به في هذا الصدد أنه بحث موضوع اختلاف الكتابات المصرية القديمة، وبرهن على أن الكتابة الهيراطيقية هي اختصار للكتابة الهيروغليفية، وعلى ذلك تكون الكتابة المصرية القديمة واحدة غير أنها تكتب بثلاثة أشكال، كاللغة العربية مثلا، وعلى ذلك لابد أن يوجد في الكتابة الهيروغليفية كما في الديموطيقية إشارات لها قيمة صوتية وأبجدية.

وقد لاحظ “شامبليون” من جهة أخرى عندما كان يحسب الإشارات الهيروغليفية التي على حجر رشيد أنها اكثر في عددها من كلمات المتن الإغريقي المقابل، وعلى ذلك استخلص أن كل إشارة هيروغليفية لا تمثل فكرة ولا تمثل كلمة. وفي عام 1822 بعد بحث وقراءة توصل “شامليبون” إلى أن الكتابة التي على الآثار المصرية في العصر الإغريقي الروماني لم تكن حروفا أبجدية محضة، ثم أنها لم تكن إشارات رمزية فحسب، كما كان يعتقد الناس من قبل بل أنها في الواقع كانت تحتوي على:

  • إشارات رمزية وتصويرية مثل “رع” و “تحوت”.
  • إشارات صوتية قد تكون أحيانا مركبة من مقطع “مس” وأحيانا من حروف أبجدية مثل حرف “س”

والحقيقية أن الخطأ الذي وقع فيه أسلاف “شامبليون” والذي كان هو نفسه يشاركهم فيه، إلى يوم وصوله إلى هذه الحقيقية، هو الاعتقاد بأن الكتابة الهيروغليفية أحيانا تصويرية بأجمعها أو صوتية بأجمعها ولكن الواقع أن الكتابة هو نظام مركب، إذ أنها كتابة تصويرية ورمزية وصوتية، ونشاهد ذلك في جملة واحدة بل في كلمة واحدة.

وقد تقدم “شامبليون” في حل الرموز ووضع لها قاموسا وأجرومية ثم جاء إلى مصر وقام فيها بسياحة علمية ووضع مؤلفا كبيرا جمع فيه كثيرا من النقوش المصرية سماه “آثار مصر وبلاد النوبة” ولما عاد إلى بلاده عين أستاذا لكرسي الآثار المصرية، وقد انشيء له خصيصا في كلية فرنسا.

وبعد أن وضع “شامبيلون” النواة الأساسية لحل رموز اللغة جاء بعده علماء من مختلف الجنسيات تقدموا كثيرا في دراسة اللغة وعلم الآثار ولم يقفوا عند حد دراسة الظاهر منها، بل قاموا بحفائر كشفت عن كثير من النقوش والآثار الجنائزية مما ساعد على فهم عصور التاريخ والحضارة المصرية.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب