22 ديسمبر، 2024 3:47 م

كمت 16: مصر صاحبة أول أسطول بحري

كمت 16: مصر صاحبة أول أسطول بحري

 

خاص: قراءة- سماح عادل

في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.

الملاحة..

يؤكد الكتاب على أن أول أسطول بحري في تاريخ البشر يرجع عهده إلى الملك “سنفرو”، أول ملوك الأسرة الرابعة، إذ يخبرنا حجر بلرم أنه في عصر هذا الملك عادت من بلاد سوريا أربعون سفينة، محملة بخشب الأرز، وفي مدى عامين صنعت عدة سفن يبلغ طول كل منها حوالي 100 ذراع من خشب الأرز، ومن خشب مر الذي كان يجلب من لبنان بالإضافة إلى 60 سفينة أقل حجما.

هذه السفن كانت تجري في البحر الأبيض المتوسط، وهي ممثلة على جدران معبد الملك “سحورع” والملك “وناس” من عهد الأسرة الخامسة، وكانت هذه السفن تشحن بالبحارة، ومنهم فصيلة من الجنود لحماية البعثة من هجمات أهالي سورية، وهذه السفن كانت تبنى على نموذج السفن النيلية غير أنها كانت أكبر حجما وأثقل وزنا، حتى يمكنها أن تقاوم هياج البحر وتتحمل شحنة كبيرة من السلع، مما يعني بطلان النظرية القديمة القائلة بأن الفينيقيين هم أول قوم نزلوا البحر، وقد كان في مصر موان غنية على شاطئ الدلتا منذ عصر ما قبل الأسرات، كمدينة “متليس” فوة التي رمز لها بالخطاف والقارب على لوحة نعرمر، وكانت أساطيل هذه المدن تقوم برحلات تجارية مع السواحل السورية.

وعلى ذلك فإن القول بأن سفن “سنفرو” و”سحورع” كانت فينيقية غير صحيح، فالمصريون منذ عصر ما قبل التاريخ كانوا يسبحون في البحر، والبعوث التي كانوا يقومون بها في عهد الدولة القديمة ما هي إلا استمرار لتجارتهم الخارجية، التي كانوا يقومون بها من موانيء النيل في العصور الأقدم،  وكان نشاطهم البحري نتيجة التجارب التي كانوا يقومون بها في نيلهم.

التجارة الداخلية والعملة..

المصادر حول هذا الموضوع غير موجودة،  يقول بيرن: “يظهر أنه من الأمور الصعبة أن أعترف بأن مدنية متقدمة من الناحية التشريعية، مثل المدنية المصرية في عهد الدولة القديمة، لا تعرف إلا نظام المبادلات بالمواد الطبيعية، دون مقياس متفق عليه يحدد قيمتها، مع أنها كانت تعرف بيع النسيئة، ومع أن لها نظام ضرائب ناضجا وغاية في الإتقان. نظام المبادلة لا يتفق في سذاجته مع كل الدقة التي نلاحظها في نظام الوراثة والبيع والوصايا، والقضايا التي كانت تنجم عن ذلك عندهم “.

كل ما يتوافر من نقوش عن سير المعاملات ينحصر في المبادلات، ففي كل مدينة وفي كل قرية كان يقام سوق في المحال العمومية، وكان المدنيون والفلاحون يتقابلون هناك في أوقات معينة، ويتبادلون سلعهم المتنوعة فلاحون وصيادون وصناع، وهناك مقابر عدة من عهد الدولة القديمة رسم عليها مناظر الأسواق في نشاطها، ويبدو أن هذه المناظر خاصة بالضياع، التي كانت يتبادل فيها سكان هذه الجهات سلعهم، ولكن لابد من أن المدن الكبيرة كان لها أسواقها.

التجارة الداخلية..

يبدو أن المبادلة كانت تجري بين السلع قليلة القيمة، كما أنه توجد اعتبارات اجتماعية هامة، وهي أنه كان يوجد في عهد الدولة القديمة طوائف اجتماعية، هي أولا: طائفة الأشراف، أو كبار الموظفين الذين يملكون ضياعا، وخاصة في عهد الأسرتين الخامسة والسادسة، وقد كانوا منتشرين في الوجه القبلي أكثر من الوجه البحري، ثانيا: طبقة الكتاب من درجات مختلفة، ثالثا: طبقة الفلاحين، رابعا: طبقة الصناع.

طائفة الأشراف لم تكن بحاجة إلى أي شيء خارج ضياعهم، إذ كان محصول الأرض يمدهم بأكثر مما يحتاجون، وكل ما يريدون صنعه يجلبونه من مصانعهم الملحقة بقصورهم، أما طائفة الكتبة كانوا يشرفون على ميزانية الحكومة في كل الأماكن التي يؤدون فيها وظيفتهم، أي أنهم يعاونون في تصريف جزء ضخم من العقار الذي يدفع عنه جزية.

أما الفلاحون والصناع فكانوا تابعين للضياع التي كانت تتعهد بمعيشتهم، أو كانوا يعيشون أحرارا من كسبهم الخاص، ففي الحالة الأخيرة كان الفلاح يستثمر أرضه ويهتم بأحواله الاقتصادية، ويذهب إلى السوق ليبيع ما يزيد عن حاجته من منتجات أرضه، أما الصانع الصغير فكان من جهته يبادل في حانوته، أو في السوق، كل منتجات صناعته، بما يقتات به أو ما يحتاج إليه من المصنوعات الأخرى، وهكذا كان سير الحياة في نطاق ضيق في الضياع أو المدن الصغيرة.

ومع ذلك لا يمكن الاعتقاد بأن المصري وقف عند هذا الحد في معاملاته، ويعزز ذلك أن حجر بلرم  ذكر ثروات الأفراد المنقولة وأنها كانت تشتمل على معادن ثمينة كانت تحصى في أوقات معينة.

النقود..

المصريون في العهد المنفي لم يجهلوا استعمال المعادن الثمينة مقياسا لتقدير قيمة الأشياء، غير أنه لا يوجد دليل مادي على كيفية استعمالها في عهد الدولة القديمة، وقد أشار إلى استعمال النحاس والذهب أساسا للمبادلات في ذلك العهد الأستاذ برستد، يقول: “يحتمل أنه في بعض الأعمال التجارية، وخاصة التي كانت قيمتها عظيمة، أن كان النحاس والذهب يستعملان على هيئة خواتم لكل وزن معين كعملة”.

تدل لوحة الجيزة ووثائق أخرى عدة من عصور أحدث، أن مصر كان لها منذ زمن بعيد، أو على الأقل منذ الأسرة الرابعة، نظام نقود رسمي، وكان لا يتغير إلا عندما تتدخل الإدارة فيه لعملية خاصة بها، أما لفائدتها أو لإعطائها صبغة قانونية، فمثلا كانت المالية تفرض الضرائب على الممولين، بجعلهم يدفعون قيمة  تقدر بوزن خاص من المعدن، وكان الممول يدفعها حسب ما في يده من قمح ونبيذ وزيت وحيوان، أما الصانع فكان يدفع من منتجات صناعته.

وهكذا كان الحال في المعاملات الشخصية عندما كان الأمر يقتضي إجراءات قضائية، فكانت المواد تقدر حسب القواعد المتبعة في الحكومة، غير أن قيمة الدفع ومقداره كان يترك لاختيار المتعاقدين، ولكن قيمة الشيء نفسه الذي كان يدفع ثمنه كان يقدر على قاعدة معيار من المعدن، يعتبر وحدة، والعيار الرسمي “شعت” كان حينئذ يعد القيمة الحقيقية لوزن خاص من الذهب، وهذا الوزن قد وصل إلينا من مسألة حسابية في ورقة “رند” التي يرجع تاريخها إلى نهاية الدولة الوسطى، وقد بقى مدة طويلة غير مفهوم.

وبعد عهد الدولة القديمة أدخل على معايير الوزن نوع جديد يسمى “كيت”، ويزن تسعة جرامات، وفي عهد الأسرة الثامنة عشرة كان “الكيت” شائعة الاستعمال، على حين أن الحلقة القديمة التي تزن 15 جراما كانت تحتضر، وكذلك اختفى استعمال “الشعت”، وأصبح القوم لا يستعملون في تقدير متاجرهم إلا “الكيت” من الذهب، ولا نزاع أن المصري هو أول من فكر في إيجاد وحدة لها وزن معين، للتعامل في كل أمور الدولة.

تجارة مصر الخارجية وعلاقتها بالأقاليم القريبة..

العلاقات بين مصر وآسيا..

تدل التطورات التي حدثت في الدلتا في عصر ما قبل الأسرات على أنه قد نشأت مدنا عظيمة، عند مصبات فروع النيل قديما بالقرب من البحر المتوسط، وكان رخاء هذه المدن وثراؤها مثل “متليس” فوة و”صا الحجر” و”أبو صير”  وغيرها يرجع إلى تبادل سلعها مع مدن سواحل سورية، ومع مقاطعات الوجه القبلي في الداخل، وتدل الظواهر أن ملوك مصر كانوا يراقبون كل حركات الأقوام والقبائل التي كانت تهدد البلاد من حين إلى آخر، وتكون سببا في قطع العلاقات التجارية الخارجية، وما ينجم عنها من نضوب موارد الدولة، فكانوا يقضون على أية حركة عدائية من هذا النوع، كما في سينا التي كانت نبعا لاستخراج النحاس والفيروز.

وكان المصري يجلب من سوريا الأخشاب والعطور المستخرجة منها، وزيت الزيتون والنبيذ، ورغم أن النبيذ المصري كان من الأنواع الجيدة فإن النبيذ الآسيوي كان يجلب إلى مصر، فالعلاقات التجارية بين مصر وسوريا من الحقائق التاريخية، وكان لها أثر فعال في نمو مصر وتقدمها، وهذه العلاقات لم تكن عن طريق البحر فقط بل عن طريق البر أيضا.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة