21 ديسمبر، 2024 8:04 ص

كمت 15: كان الأعمال أحرارا قبل تبلور النظام الإقطاعي

كمت 15: كان الأعمال أحرارا قبل تبلور النظام الإقطاعي

خاص: قراءة- سماح عادل

في ملف (الحضارة المصرية القديمة)، نواصل قراءة الكتاب الثاني في (موسوعة مصر القديمة) للكاتب المصري “سليم حسن”.

نظام العمل وقانون العمال في عهد الدولة القديمة..

يؤكد الكتاب على أنه يمكن تقسيم العمل في الدولة القديمة إلى ثلاثة أنواع: الأعمال الحكومية، والأعمال الحرة كالحرف والصناعات، ثم أصحاب الضياع الكبيرة، وقد كانت الأعمال العظيمة التي تتطلب مجهودا كبيرا ومصاريف باهظة تقوم بها الحكومة، وأصبحت تحتكرها، وأهم هذه الأعمال استغلال مناجم النحاس والذهب. وكانت الحكومة منفردة باستغلال المحاجر التي تستوجب انخراط عدد كبير من الأيدي العاملة.

المصانع الحكومية..

كما كان للملك عدة مصانع تصنع فيها محاصيل الضياع والضرائب التي كانت تورد على شكل خامات، فمنذ العصر الطيني نرى على الآثار أن الذهب والنحاس كانا يصنعان بواسطة صياغ يعملون برقابة رؤساء، وقد كان هؤلاء الصياغ  يصنعون المجوهرات للأسرة المالكة، ويصنعون أشياء من الكماليات كان يقدمها الملك إلى المقربين إليه، بالإضافة إلى النبيذ والمنسوجات الكتانية الدقيقة، وورق المحفوظات والأثاث المرصع والمطعم، وأنواع الزيوت والعطور والأواني الفاخرة المصنوعة من الأحجار الصلبة، والأواني الخزفية المطلية، كل هذه الأشياء تقوم على صناعتها الأيدي الماهرة في المصانع الملكية، ويدار عملهم وفقا لنظام صارم، وتدل الألقاب منذ الأسر الأولى على ذلك، مثل رئيس إدارة العمال، ورئيس الخبازين، ورئيس صناع الحلوى، ومدير مصنع الطحن، ومدير صناع احتفال الملك، ومدير المرطبات.

قانون العمال الملكيين..

كان هناك نظام غاية في الدقة منذ فجر التاريخ، كانت المدن تحوي طبقة من العمال اليدويين لهم حقوقهم الخاصة، وكان يجند من بينهم العمال الملكيون، وهناك ثلاث وثائق تثبت أن هذه الطبقة من العمال كان أفرادها أحرارا وليسوا عبيدا، الوثيقة الأولى يرجع عهدها إلى عهد الملك “خفرع”، وهي عقد بيع عقار يظهر فيه أن شخصا يدعى “محي”، وصناعته عامل في الجبانة، كان من حقه أن يوقع شاهدا مع كهنته على عقد البيع، مما يدل على أنه كان متمتعا بكل حقوقه المدنية.

والوثيقة الثانية أمر الملك “منكاورع” ببناء قبر “دبحن”، وقد خصص لهذا العمل خمسين رجلا وأمر بألا يسخر واحد منهم بل يشتغل برضاه، أما الوثيقة الثالثة فيرجع عهدها إلى عصر الملك “نوسر رع”، وهي وصية العظيم “وب ام نفرت” رئيس القصر الملكي، لابنه الأكبر “إبي” ليشرف على وقف مقبرته، وقد جاء في ذيل هذه الوصية رسم خمسة عشرة شاهدا، كل باسمه وصناعته، مما يدل على أن أصحاب الحرف والصناعات كانوا طوائف أحرار، ليسوا تابعين لفرد معين ولا للحكومة.

وقد جاء في تعاليم “فتاح حتب” ما يأتي: كان الفقير والغني في المدن على قدم المساواة في الحقوق، فإن الفقير كان في إمكانه أن يصبح غنيا بنفسه. ويمكن استنتاج أنه كان يوجد في البلاد طبقة من صغار العمال والصناع الأحرار، يشتغلون للحكومة وللمعابد ولكبار الملاك، وكذلك كان يوجد معهم رؤساء صناع وحرف يعملون بكل حرية واستقلال في مصانعهم الخاصة، وحوانيتهم ومعاملهم في المدن، ويعزز هذا الرأي أنه في عهد الأسرتين الثالثة والرابعة كانت الملكيات الصغيرة ونظام الفردية منتشرين في البلاد ولم تكن طبقة الأشراف التي ابتلعت ثروة البلاد، واستحوذت عليها قد تم تكوينها.

ومنذ بداية الأسرة الخامسة أخذ ينتشر في البلاد نظام اقتصادي جديد، وهو صناعات الضياع التي نشأت في البلاد، وقد كان سبب ظهور هذا النظام تكوين طبقة كبيرة في البلاد تسيطر على ضياع واسعة في مختلف الجهات، ففي العصر الذي كانت فيه الأملاك العقارية تقسم بدون انقطاع، وتنتقل من يد إلى أخرى بسرعة، بالبيع أو بالقسمة أو بتنفيذ وصية، لم يكن هناك مجال لوجود صناعات ريفية ذات أهمية، فلم يكن للصناعات نصيب خارج المدن التي نشأت فيها، لأن سكانها يشترون معظم منتجاتها. على أن هذه الحالة لم تتغير منذ أخذ نظام الأسرة يتغير، وأصبح عقارها متجمعا في يد الابن الأكبر، بصفته المشرف العام على أفراد الأسرة كلها، وقد أصبح كل مالك في ضيعته سيدا مطلق التصرف، وقد كان حوله أقاربه وأصدقاءه وخدامه وزراعه، وهؤلاء جميعا بدؤا يفقدون شيئا من حريتهم.

حقا إن ما تنتجه هذه الضياع كان يغذي المجتمع، لكنه من جهة أخرى كان لابد من وجود أيدي عاملة باستمرار مكلفة بصناعة المواد الأولية، التي كانت حتى هذا الوقت تقوم بصناعتها بوجه عام مصانع المدن، وقد بدأ منذ ذلك العهد الجديد يلتف الصناع تدريجيا حول قصور العظماء أصحاب الضياع، في المصانع التي كانوا يقيمونها لهم، ولذلك نجد علية القوم يصورون على مقابرهم مناظر هذه الحرف، كل على حسب قدرته وثروته ، فنجد فيها (الصياغ والمثالين والنحاسين وصناع المجوهرات وصناع الأبنوس والنجارين والدباغين وصناع الأحذية والنساجين وصناع الفخار والجعة والخبازين والصاقلين)، وكل هؤلاء استوطنوا هذه الضياع الشاسعة الغنية.

وبدلا من عمل عقود مع هؤلاء الصناع للقيام بإتمام العمل، يظهر أنهم كانوا يأخذون مرتبا طوال مدة حياتهم، وتدل النقوش على أن كل صناعة كان يرثها الابن عن الأب، وبذلك تكونت في البلاد طائفة صناعية وراثية، يظهر أنها كان لها حقوقا شرعية، تحدد بعقد مدى الحياة، وكان يجدد باستمرار، وقد كان صاحبه يعتبر كأنه شبه تملي في الضيعة، ومن بعده يخلفه ابنه، وقد نتج عن ذلك تطور يشبه التطور الذي ربط قانون الفلاح الذي يشتغل في أراضي الضيعة، وهذا القانون جعل كل فلاح خاضعا للتشريع الخاص الذي يسنه صاحب الملك.

وبذلك خرجت طائفة العمال من النظام القديم الخاص بالحقوق العامة، مما أرخى العنان للموجة التي كانت ترتفع نحو عصر الإقطاع ونظامه. وهذا النظام الصناعي قد تجلى لنا بأكمل مظاهره في مصاطب الأسرتين الخامسة والسادسة، فكل معلوماتنا عن الحرف والصناعات في عهد الدولة القديمة استخلصت من المناظر التي عثر عليها في مقابر الجيزة وسقارة في هذا العصر، إذ نرى في كثير من هذه المصاطب صاحب الضيعة واقفا أو جالسا، وهو يشرف على كل ما يدور في ضيعته، من مختلف الأعمال الزراعية والتجارية والصناعية، وتدل الدراسة الدقيقة لهذه المناظر، في مقابر الدولة القديمة والدولة الوسطى، على أن المتوفي كان يأمل في أن يحتفظ  في حياته الآخرة بما كان يملكه في دنياه، ولذلك كان ينقش أسماء زوجته وأولاده وألقابهم، كما كان ينقش بالضبط اسمه وألقابه هو، وكذلك كانت الحال مع أهم موظفي بيته.

على أن حالة الصانع في هذا العصر لم تنحط عما كانت عليه من قبل، بل كانت أعماله تدون في دفاتر منظمة، ويأخذ أجرا محددا في مقابل انجازه، وبوجه عام كان حظه محددا في أن يشتغل بالوراثة، وقد كان حظه مرتبطا بحظ الضيعة التي يعمل فيها.

 

طرق المواصلات..

كانت الحركة العامة للمواصلات بواسطة النيل صعودا وهبوطا لحمل الإنسان والبضائع، هذا في الوجه القبلي، أما في الوجه البحري فكان النهر مقسما إلى أفرع وترع، مزدحمة تحفها المستنقعات، يضاف إلى ذلك أن الإقليم الساحلي كان يحتوي على بحيرات وبرك، وفي هذه الحالة كانت الملاحة تسهل التجارة وتجبر الأهالي على استعمالها.

أما في انتقالات الناس اليومية والذهاب إلى الأسواق فكان يمشون على أرجلهم،  أو يركبون الحمير ويستعملون الجسور التي تربط بين القرى والبلاد، وكانت تستعمل الثيران لجر الأحمال الثقيلة وخاصة الأحجار الضخمة التي كانت تحمل على جرارات، على أن المصري نفسه كان يستعمل للقيام بهذه العملية، فصاحب الضيعة كان يحمل على محفة على الأعناق متجولا في الحقول.

ولكن عموما فإن الطرق النيلية كانت هي أهم وسيلة في التجارة المصرية، حتى أن القوم أصبحوا يعبرون عن سياحتهم في النهر شمالا وجنوبا بالنزول إلى النيل والصعود منه، وكان في تصورهم الديني الإله “رع” يسير في الفجر في سفينة الصباح، وعند الغروب يسبح في سفينة الليل، أما النجوم فكانت تسبح في قواربها الخاصة.

وكان للموتى قوارب لخدمتهم، وكانت توضع نماذج منها في مقابرهم، وكانت هذه القوارب تستعمل في الاحتفال بالجناز لنقل رفات المتوفين في توابيتهم، وكذلك لنقل تماثيلهم وأقاربهم وأصدقائهم وخدمهم والكهنة والبكائين، والطعام اللازم للولائم الجنائزية، والصناديق التي تحتوي على الأثاث المأتمي الذي كان لابد منه لضمان بقاء المتوفى في عالم الآخرة، ولحمل الموسيقيين والمغنين والراقصين الذين كانت مهمتهم إدخال السرور على أقارب المتوفي، الذين كانوا يشاركونه آخر وجبة.

منذ عصر ما قبل الأسرات كانت تصنع سفن من الخشب الصلب، كان بمقدور هذه السفن أن تحمل شحنة عظيمة، وتسير بها في الأمواج الهائجة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة