7 أبريل، 2024 3:21 م
Search
Close this search box.

كمت (1): اكتشاف عصر ما قبل التاريخ في مصر وأثاره

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

في هذا الملف سوف يتم قراءة كتب عن الحضارة المصرية القديمة في محاولة لكشفها للقارئ، والكشف عن كنوزها الدفينة، ومساندة أيضا لمحاولات إحياء الحضارة والثقافة المصرية الأصيلة.. حيث سيهتم الملف بعرض المعلومات القيمة التي تزخر بها كتب كثيرة عن الحضارة المصرية القديمة وأسرارها. وسوف تكون البداية مع (موسوعة مصر القديمة) للدكتور “سليم حسن”، وهي موسوعة شهيرة ومعروفة بقيمتها العلمية.

تكمن أهمية (موسوعة مصر القديمة) للدكتور “سليم حسن” في أنه  من أوائل المصريين الذين أسسوا علم الآثار المصرية في اللغة العربية، وهو بالتحديد الثاني في الترتيب بين ثلاثة من العلماء المصريين العظام وهم: الأول “احمد كمال باشا” و”سليم حسن” و”سامي جبرة”، وهم الذين جمعوا بين العمل الكشفي بالحفائر الأثرية التي قاموا بها في مختلف المناطق الأثرية في مصر، واكتشفوا أثارا جديدة وأثروا علم “الأركيولوجي” علم الآثار وعلم “الانثربولوجي” علم دراسة حضارة الإنسان، بما كتبوه وصنفوه وسجلوه تسجيلا علميا عن الآثار التي اكتشفوها وعن الآثار الأخرى التي لم تكن لها تسجيلات علمية، وأيضا بما ألفوه من بحوث علمية تتناول تاريخ مصر القديمة من كافة النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية.

تعتبر موسوعة الدكتور “سليم حسن” أعظم موسوعة في التاريخ المصري القديم، فهي تعد الموسوعة المتكاملة الوحيدة في أية لغة من لغات العالم التي وضعها وصنفها عالم واحد بمفرده، تناول فيها شرحا دقيقا وتحليلا مستفيضا عن مراحل وتاريخ الحضارة المصرية، بدء من عصور ما قبل التاريخ حتى قرب نهاية العصر البطلمي، يمكن من الناحية العلمية اعتبار هذه الموسوعة تصنيفا واضحا لمدرسة مصرية صميمة وأصيلة في فلسفة التاريخ .

محاولة جريئة..

يقول “سليم حسن” في مقدمة أول كتاب في الموسوعة عام 1940: “أحمد الله واشكره فهذه محاولة جريئة أردت بها أن أجمع في مؤلف واحد تاريخ شعب عريق قديم له عقيدته وفلسفته في الحياة، وله ثقافته ونظامه وطرائق عيشته، ولم اتخذ من تاريخ الفرعون  نموذجا لتاريخ شعبه كما جرت العادة بذلك في الكتب، ولم أجعل حياته وعاداته ونظمه وثروته ومعتقداته مقياسا للحكم على أحوال رعيته، فقد يكون الفرق بينهما كبيرا والهوة سحيقة بل جعلت حال الشعب أساسا لما كتبت وفي ذلك ما يقربنا من الحقيقة ويجنبنا مزالق الخطأ والضلال. وإذا لازمنا التوفيق وأمكننا أن نبني تاريخا من المادة التي وجدناها مبعثرة في مقابر الدولة القديمة ومعابدها كان ذلك من غير شك أساسا متينا ودعامة قوية لدرس كل مدنيات العالم، إذ أن مصر هي المنبع الأول الذي ظهرت لنا منه كتابات مدونة ومن هذه المدنية اغترف العبرانيون والإغريق والأسيويون، ومن ثم تسربت إلى أوروبا.

هناك فارقا واضحا بين المدنية المصرية القديمة وبين ما عداها من مدنية الإغريق وغيرهم، ذلك أن المصري كان يفكر دائما في دائرة الحس ولا يسمح لعقله بأن يحلق في أجواء المعقولات والمعاني، وتبعا لطريقته هذه في التفكير كان لابد له من أن يجسم آلهته ويصورها ويتخذ لها من الحيوان والكائنات مظاهر يقدسها ويعبدها مع اعتقاده بالوحدانية، وهناك موضوعات جديدة حاولت شبكها، على غير مثال سابق، بل لم يطرق الكثير منها من قبل لقلة المصادر وغموضها، فأطلقنا للخيال بعض الحرية لينسج من العناصر التاريخية القليلة التي وجدناها عن هذه الموضوعات ثوبا تظهر به ونقصد بذلك أن نكسو عظام الحقائق التاريخية الجافة لحما ثم نبعث فيه روحا يحركها فتصبح حية يراها القارئون ويتمثلونها، وإن من يعرف اللغة المصرية القديمة وصعوبة فهمها واحتمال اللفظ كثيرا من المعاني يتلمس العذر لعلماء الآثار في اختلافهم وتعدد آرائهم وتباين مذاهبهم في موضوعات كثيرة، على أنا أوردنا أقوم هذه الآراء وأقربها إلى المنطق والعقل وأقواها حجة ودليلا”.

الجزء الأول..

في الكتاب الأول من الموسوعة  يبدأ الفصل الأول بمقدمة عن تاريخ مصر وما قبل التاريخ، ويؤكد الكتاب أنه ظلت معلومات العالم عن تاريخ مصر القديم ضئيلة هزيلة حتى منتصف القرن ال19، وذلك لعدم معرفة قراءة نقوشها، حقا أن عدد لا باس به من قدماء كتاب الغريق واليونان الذين وفدوا إلى أرض كمصر طلبا للوقوف على غرائبها قد وصفوا البلاد وصفا مسهبا وكتبوا بقدر ما وصلت إليهم معلوماتهم عن تاريخها المجيد، ولكن لسوء الحظ كان كل ما وصل إلينا من كتاباتهم قد أخذوه أما عن طريق الرواية أو مجرد وصف جغرافي، وقد بقيت هذه الروايات مصدرنا الوحيد عن تاريخ مصر القديم حتى باكورة القرن التاسع عشر،  وأهم هؤلاء الكتاب المؤرخ “هروردوت” و”ديدور الصقلي” و”استرابون” وغيرهم ممن قاموا بسياحات في مصر في عهد ملوك البطالسة والعهد الروماني.

وهكذا بقى تاريخ البلاد الحقيقي قبل عصر البطالسة سرا غامضا إلا ما وصل إلينا عن طريق المؤرخ المصري “مانيتون” الذي كتب تاريخ بلاد عهد البطالسه نقلا عن أصول مصرية قديمة، كما يظهر ولكن للأسف لم يصل إلينا منه إلا مختصر، على أن كثيرا مما ذكره في كتابه لم تحققه المصادر الأصلية التي عثر عليها للآن بعد كشف أسرار اللغة المصرية، وقد بقى العالم يرتكز في معلوماته عن تاريخ مصر على ما تركه لنا كتاب اليونان ومختصر “مانيتون” ولم تكن هناك طريقة لتصحيح أخطائهم وسد الفجوات التي كانت تعترض الباحث في تاريخ البلاد.

ومن أجل ذلك قام العلماء بمحاولات لحل رموز اللغة المصرية حتى يصلوا إلى معرفة تاريخ البلاد الحقيقي مثل الأب “كرشر” إلا أن ذلك لم يسفر عن نتيجة مرضية، ولكن منذ أن رست الحملة الفرنسية على شاطئ النيل بدأت صفحة جديدة في تاريخ البلاد، إذ في الوقت الذي كانت فيه الجنود الفرنسية تحارب المماليك كانت هناك حملة فرنسية أخرى علمية تجول في البلاد لدرسها درسا علميا منظما، فبحثوا جغرافية البلاد ونباتها وزرعها وحيواناتها وحرفها والعادات والآثار، ونقلوا النقوش القديمة وقاموا بتدوين كل بحوثهم في مؤلف خاص يشمل عدة مجلدات أطلق عليه (وصف مصر).

ومنذ حل الرموز اللغة المصرية أخذ تاريخ البلاد الحقيقي ينجلي شيئا فشيئا مما قضى على الأساطير والخرافات التي نقلها كتاب اليونان وقد بقيت هذه الأساطير تعتبر في أعين العالم إلى هذا الوقت أنها تاريخ البلاد الذي يعتمد عليه

دراسة ما قبل التاريخ..

ويذكر الكتاب أنه وتزامنا مع ذلك تطور علم دراسة ما قبل التاريخ ومن الطريف أن أبحاث علماء ما قبل التاريخ قد ظلت غير معترف بها عند علماء الآثار المصرية معظم القرن التاسع عشر، وسبب ذلك أن هؤلاء الأثريين كانوا يشكون في وجود عصر في تاريخ مصر قبل عهد الدولة القديمة، وذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن سكان مصر لم يكن لهم عهد طفولة كباقي الأمم، ورفض علماء الآثار أن يبحثوا عن منشأ الثقافة المصرية الزاهرة التي لابد لها أن تصل إلى ما وصلت إليه تدريجيا بعد انقضاء عدة قرون، ولهذا السبب أبوا أن يفحصوا الآلات المصنوعة من الحجر وهي التي وجدوها عفوا أثناء قيام بأعمال الحفر أو التي جمعت من فوق سطح الأرض وقد فسروا وجودها بأنها من عمل الطبيعة أو صنعت في عهد الأسر الملكية.

وكان العالم “ارسلان” أول من أثبت وجود علم ما قبل التاريخ في مصر وقد دعم قوله بالبراهين، حيث حضر في مصر 1868 وقام أثناء رحلته بأبحاث منتجة فجمع من حافة الصحراء التي أقيم عليها الأهرام بعض الآلات التي تشبه ما عثر عليها في أوروبا، كما عثر في الهضبة التي تشرف على وادي الملوك عند الأقصر على مصنع عظيم من “الظران” يرجع عهده إلى العصر الحجري القديم، وفي الجنوب من هذه المنطقة عثر على آلات من العصر الحجري الحديث، وبعد فترة وجيزة عثر العالمان “لنرمان” و”هنري” على بعض آلات لها أهمية عظيمة بالقرب من جبانة طيبة، وكانت نتيجة هذا الكشف أن اعترفت جمعية درس أصل الإنسان في عام 1870 بإمكان وجود عصر ما قبل التاريخ في مصر.

ثم جاء “جاك دي مرجان” الذي كان مديرا للآثار المصرية في ذلك الوقت فجمع في مجلدين ضخمين كل ما كتب عن هذا الموضوع وأيد فكرة أن هناك عصر ما قبل التاريخ في مصر، وأضاف أن الآلات التي عثر عليها وتعتبر الآلات ما قبل التاريخ المصري تكاد تكون مماثلة لما هو محفوظ في متاحف أوروبا من نفس العصر، وبعد ذلك أثبت بصفة نهائية أن عصر الحجر المهذب في مصر قد سبق عصر الحجر المصقول، وأن الأخير قد خلفه عصر استعمال المعادن كما هو الحال في انجلترا وفرنسا وغيرهما، وفي عام 1897 وضع “دي مرجان” نتائج أبحاثه أمام العالم ومهدت أبحاث “فلندرز بتري” و “دي مرجان” الطريق لإيجاد الصلة بين عصر ما قبل التاريخ المصري وعصر الدولة القديمة وقد أطلق على هذه الفترة عصر ما قبل الأسرات

الكاتب..

“سليم حسن”  عالم آثار، وعالم إنسان، وعالم مصريات، وأستاذ جامعي، ولد بقرية ميت ناجي التابعة لمركز ميت غمر محافظة الدقهلية بمصر1893، وقد توفى والده وهو صغير فقامت أمه برعايته وأصرت على أن يكمل تعليمه، بعد أن أنهى مرحلة التعليم الابتدائية والثانوية وحصل على شهادة البكالوريا عام 1909 ألتحق بمدرسة المدرسين العليا. وكان أحد تلامذة “أحمد كمال باشا”. ثم اختير لإكمال دراسته بقسم الآثار الملحق بهذه المدرسة لتفوقه في علم التاريخ وتخرج منها في عام 1913.

حاول “سليم حسن” الالتحاق بالمتحف المصري ليكون أمينا مساعدا بالمتحف ولكن مساعيه باءت بالفشل حيث كانت وظائف المتحف المصري حكرا على الأجانب فقط، فعمل مدرسا للتاريخ بالمدارس الأميرية. في عام 1921 عين في المتحف المصري بعد ضغط من الحكومة المصرية ممثلة في “أحمد شفيق باشا” وزير الأشغال، وفي المتحف المصري تتلمذ “سليم حسن” على يد العالم الروسي “جولنشيف”.

في عام 1922 سافر “سليم حسن” إلى أوروبا برفقة “أحمد كمال باشا” لحضور احتفالات الذكرى المئوية لعالم الآثار الفرنسي “شامبليون”، حيث زار فرنسا وإنجلترا وألمانيا وخلال تلك الفترة كتب العديد من المقالات الصحفية تحت عنوان (الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية) كشف فيها عن السرقة والنهب الذي يحدث للآثار المصرية مثل رأس نفرتيتي التي شاهدها في “برلين”.

في العام 1925 تمكن “أحمد كمال باشا” من إقناع وزير المعارف “زكي أبو السعود” بإرسال بعض المصريين للخارج لدراسة علم الآثار وكان من بينهم “سليم حسن” حيث سافر في بعثة إلى فرنسا وألتحق بقسم الدراسات العليا بجامعة “السوربون”، وحصل على دبلوم اللغات الشرقية واللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) من الكلية الكاثوليكية، كما حصل أيضا على دبلوم الآثار من كلية اللوفر، وأتم بعثته عام 1927بحصوله على دبلوم اللغة المصرية ودبلوم في الديانة المصرية القديمة من جامعة “السوربون”.

عاد “سليم حسن” إلى القاهرة وعين أمينا مساعدا بالمتحف المصري وأنتدب بعدها لتدريس علم الآثار بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) ثم عين أستاذا مساعدا بها. أشترك “سليم حسن” في عام 1928 مع عالم الآثار النمساوى “يونكر” في أعمال الحفر والتنقيب في منطقة الهرم، سافر بعدها إلى النمسا وحصل هناك على الدكتوراه في علم الآثار من جامعة “فيينا”.

أعماله..

في العام 1929 بدأ “سليم حسن” أعمال التنقيب الأثرية في منطقة الهرم لحساب جامعة القاهرة لتكون المرة الأولى التي تقوم فيها هيئة علمية منظمة أعمال التنقيب بأيد مصرية، وكان من أهم الاكتشافات التي نتجت عن أعمال التنقيب مقبرة (رع ور) وهى مقبرة كبيرة وضخمة وجد بها العديد من الآثار.

استمر “سليم حسن” في أعمال التنقيب في منطقة أهرامات الجيزة وسقارة حتى عام 1939 اكتشف خلال تلك الفترة حوالي مائتي مقبرة أهمها مقبرة الملكة (خنت كاوس) من الأسرة الخامسة ومقابر أولاد الملك (خفرع)، بالإضافة إلى مئات القطع الأثرية والتماثيل ومراكب الشمس الحجرية للملكين (خوفو وخفرع).

عين “سليم حسن” في عام وكيل عام لمصلحة الآثار المصرية ليكون بذلك أول مصري يتولى هذا المنصب ويكون المسئول الأول عن كل آثار البلاد، وقد أعاد إلى المتحف المصري مجموعة من القطع الأثرية كان يمتلكها الملك فؤاد، وقد حاول الملك فاروق استعادة تلك القطع ولكن “سليم حسن” رفض ذلك مما عرضه لمضايقات شديدة أدت إلى تركه منصبه عام 1940.

استعانت الحكومة المصرية في عام 1954 بخبرة “سليم حسن” الكبيرة فعينته رئيسا للبعثة التي ستحدد مدى تأثير بناء السد العالي على آثار النوبة. أنتخب “سليم حسن” في عام 1960 عضوا بالإجماع في أكاديمية نيويورك التي تضم أكثر من 1500 عالم من 75 دولة.

مؤلفاته بالعربية: (موسوعة مصر القديمة (الثامنة عشر جزئًا)- جغرافية مصر القديمة- الأدب المصري القديم أو أدب الفراعنة).

توفى الدكتور “سليم حسن” في 30 سبتمبر عام 1961.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب