خاص: قراءة – سماح عادل
أحيانا يحتاج القراء إلى مطالعة نصوص ساخرة، تضحك قلوبهم، وترسم الابتسامة على شفاههم، وكما هو معروف المصريون يتمتعون بخفة دم لا توصف، وهذا رأي لا يخلو من انحياز، لذا سنكون اليوم مع كتاب ساخر بعنوان “ما وراء التسريحة” للكاتب المصري “محمود الغول” وهو كتاب جعلني أضحك من قلبي، خاصة في بعض المواقف وأمام بعض الجمل.
يدور الكتاب عن حكاية ليست جديدة وهي تصغير البشر في حجم عقلة الأصبع، لكنه تناولها بتميز، وبطريقة ساخرة لطيفة، حيث يسعى الدكتور “فرغلي” إلى تصغير البشر توفيرا للطاقة والغذاء الذين قاربا على الانتهاء على كوكب الأرض.
يساعده البطل “بخيت”، ذلك الرجل المغلوب على أمره الذي زوجته أمه من ابنة خالته “حسنات” والتي تشبه تماما، ثم يتحول “بخيت” لعامل في مشرحة، نتيجة لغياب الدكتور فرغلي، وبعد أن تحدث له مصيبة وهي ضياع مفاتيح المشرحة وراء التسريحة تبدأ سلسلة مغامراته.
تصغير..
فيقرر أن يصغر حجمه بعد أن يكتشف وجود الدكتور “فرغلي” في بيجامته، ويتعرف منه على التركيبة، ويتقابل مع كل الكائنات المختبئة وراء التسريحة، بعد أن ينفذ بأعجوبة من براثن “حسنات” الشمطاء وبعد أن يحصل على المفتاح من وراء التسريحة تتكرر محاولات قتله من قبل “حسناء” ثم يتضخم بشكل مضاعف، ثم تنقلب الحكاية وتتحول “حسناء” إلى سيدة صغيرة الحجم لنعرف أنه ربما هناك جزء ثاني من الكتاب.
يجيد الكاتب تشبيك الكلمات، والمواقف المضحكة، ويمتلك خيالا خصبا في رسم الأحداث التي تتسارع ولا تترك للقارئ فرصة لالتقاط الأنفاس، عالم كامل من الفانتازيا، استخدم فيها الكاتب اللغة الفصحى يتخللها جمل كثيرة من العامية المصرية التي لها سحر خاص.
الزوجة المفترية..
يتناول الكاتب نموذج الزوجة المفترية “حسنات”، التي تضطهد زوجها وتعامله بعنف، والذي كان مضحكا لأبعد الحدود، خاصة عندما نطالع وصف “بخيت” المقهور لها، وخوفه الشديد منها، وكذلك الحشرات الذي أعطاهم الكاتب صفات مضحكة، والكائنات العجيبة التي اخترعها من خياله والتي تتخذ فردات الشرابات المفقودة كبديل لمن يفقد منهم.
التراث المصري الشعبي..
الكتاب محمل بلقطات كثيرة من التراث المصري الشعبي، ما بين كلمات ومواقف مثل الإله بس، والذي يسمى أبو رجل مسلوخة، ومثل الفوضى وضياع الأشياء وراء التسريحة ومثل اختيار أسماء الشخصيات التي لها معاني موحية، وأشياء أخرى مضحكة.
نشر الكتاب في سلسلة في صحيفة “فيتو” قبل تجميع الحلقات في كتاب وهذا يجعلنا نتسائل عن أهمية الكتابة الساخرة بالنسبة للقارئ المصري وربما الشرقي بشكل عام، خاصة مع الانفتاح الذي وفرته وسائل التواصل الاجتماعي، وإتاحة النشر وتوفره، هل يمكن تصنيفها في خانة الكتابة الممتعة الخفيفة والتي يقبل عليها نوع معين من القراء، وما مدى التقدير الذي تحوزه تلك الكتابة من قبل القراء الآخرين.
في النهاية ربما يكون استمتاع القراء هو الذي يعطي الفرصة لانتشار الكتابات الساخرة وكذلك قدرة الكاتب على استخدام خياله ورسم عوالم ساحرة متكاملة البناء، وهذا ما قام به الكاتب “محمود الغول” في كتابه “ما وراء التسريحة” وأجاد فيه.