19 ديسمبر، 2024 1:05 م

كتاب اليوجا المصري 3..  الأرض كائن حي تغير عبر دورات الزمن الكبرى

كتاب اليوجا المصري 3..  الأرض كائن حي تغير عبر دورات الزمن الكبرى

خاص: قراءة- سماح عادل

الزمن مفهوم وضعه الإنسان لكي يستوعبه بعقله، لكنه في الواقع يمر بدورات، ولا يسير بشكل خطي متصاعد، هذا ما تناوله كتاب (اليوجا المصري فلسفة التنوير”المعرفة الروحانية”) للكاتب الأمريكي”د. مواتا آشبى” ترجمة “صفاء محمد”، وهو كتاب هام وكاشف.

مصر القديمة..                   

انتقل الكتاب للحكي عن مصر وتاريخها القديم: “يروى التراث الشفهي عن أهرامات مصر القديمة أنها تعود إلى حقبة زمنية بعيدة جدا، ربما 10 آلاف أو 5 آلاف عام قبل الميلاد ، وأنه كانت تجرى فيها طقوس الولادة الروحانية وهى من طقوس اليوجا المتقدمة جدا، وأنها بنيت من أجل حفظ المعرفة القديمة “المعرفة الباطنية” من أجل الأجيال القادمة.

يعتقد الأثريون أن أهرامات مصر بنيت فقط لتكون مقابر لملوك مصر القديمة، ولكن حتى الآن لم يثبت أن أيا من هذه الأهرامات كان يستخدم كمقبرة. يقوم المؤرخون في كثير من الأحيان بتقديم تاريخ الإنسانية بشكل زائف يتبنى وجهات نظر معينة أو يحابى ثقافة معينة على حساب ثقافة أخرى. لذلك فان معظمنا لا يستطيع تكوين فكرة واضحة عن ماضي الإنسانية.

ولكي نعرف تاريخ اليوجا في مصر القديمة علينا أن ننظر إلى تاريخ مصر القديمة من زاويتين أو من وجهتي نظر مختلفتين. علينا أن نبحث في كيف كان يرى المؤرخون القدامى تاريخ مصر، وعلينا أيضا أن نبحث في ماذا كتب قدماء المصريين أنفسهم عن تاريخهم وعن ما لديهم من علوم روحانية. ولنبدأ برأي المؤرخين القدامى أمثال هيرودوت وبلوتارك والذين وصفوا الشعب المصري بأنه “أكثر شعوب الأرض تدينا.”

الحياة الأبدية..

وعن وعي المصريين القدماء بالحياة الأبدية يواصل الكتاب: “لك أن تتخيل الحياة في بلد كمصر القديمة، حيث الشعب كله يعي فكرة الحياة الأبدية والبعث بعد الموت ويعي فكرة إعادة التجسد ويقبلها. كان الوعي الجمعي للشعب كله يدرك وجود النترو “الكيانات الإلهية”. كان الإيمان بالبعث والحياة الأخرى شيئا لا يقبل الجدال أو النقاش عند قدماء المصريين، في حين أن إنسان العصر الحديث يحتاج إلى أن يقنع نفسه بتلك الفكرة بأساليب وطرق مختلفة.

قصص ميثولوجية..

وعن بث الوعي الروحي من خلال قصص ميثولوجية: “اعتمد قدماء المصريين في نشر الوعي الروحي بين جموع الشعب على تجميع الفلسفة والحكمة القديمة في شكل قصص ميثولوجية، تتناول نشأة الكون وتطوره، ومنها الأسطورة الشهيرة “أسطورة بعث أوزيريس”، و”أسطورة حورس وست.”

ومن أكثر كتب الحكمة شهرة في مصر القديمة أيضا “كتاب الخروج إلى النهار”، والمعروف لدى الأثريين باسم “كتاب الموتى”، وهو يدور حول يوجا “الماعت” أي يوجا الفعل.

هناك طريقان لاكتساب المعرفة الروحانية.

الطريق الأول: هو طريق الطبيعة، طريق التعلم من التجربة والخطأ.

والطريق الثاني: هو طريق اليوجا.

يتطلب الطريق الأول “طريق الطبيعة” من الإنسان أن يتجسد أكثر من مرة، وأن يولد ويعي ويموت ويولد من جديد، ويذوق الموت أكثر من مرة. أما طريق اليوجا فهو الطريق الأسرع والأقل ألما. فعلم اليوجا يساعد الإنسان على الوصول إلى المعرفة الروحانية في أقصر وقت ممكن.

وهؤلاء الذين اختاروا الطريق الثاني هم من أنشئت من أجلهم المعابد، والتي كانت في مصر القديمة عبارة عن مراكز لنشر العلوم الروحانية، وكانت هي الجامعة والمستشفى وهى الملجأ والملاذ لكل من يبحث عن المعرفة الباطنية”.

رموز الفلسفة المصرية القديمة..

ويضيف الكتاب عن الفلسفة: “كانت رموز الفلسفة المصرية القديمة ونظيرتها الأثيوبية رموزا قوية جديرة بالإعجاب، وهي رموز تدور كلها حول معرفة الإله، وكانت ترى “الدين” بمعنى المعرفة الروحانية، وليس بمعنى العبادة في كل جانب من جوانب الحياة. لذلك ابتكر قدماء المصريين نظاما فريدا لليوجا يمزج المعرفة الروحانية بكل جوانب الحياة، وهو ما يفسر استمرار تلك الحضارة لآلاف السنين. ويفسر ثراء هذه الحضارة بحيث أصبحت هي قبلة الباحثين والأثريين الذين أقبلوا على دراستها ومحاولة فهمها، ولكنه في معظم الأحيان كان اقتراب الباحث العقلاني، أكثر منه اقتراب طالب المعرفة الروحانية.

إن العالم الذي نعي فيه ليس عالما عقلانيا ماديا فقط، وإنما هناك عالم روحاني ماورائى كامن خلف كل مظاهر الطبيعة، لذلك فليست كل الإجابات على الأسئلة الوجودية إجابات عقلانية. علينا أن نستخدم ذكاء القلب، و”الحدس” الوعي الروحي لكي نصل إلى الحقيقة، وأن لا نخاف من التخلي عن أفكار قديمة لتحل محلها أفكار جديدة، وهكذا يتسع الأفق تدريجيا إلى أن نصل في النهاية إلى الحكمة.

يساعدنا ذكاء القلب على التخلص من ضيق الأفق الذي يتمثل في الجهل والغضب والذي ينعكس بدوره سلبيا على صحتنا الجسمانية والنفسية.

تاريخ العالم ولانهائية الكون..

يطرح الكتاب مصطلح جديد: “توصل العلم الحديث مؤخرا إلى أن الزمن هو عنصر نسبى، وأنه من صنع العقل. يقوم عقل الإنسان بخلق مفهوم الزمن لكي يستطيع فهم التغيرات التي تحدث حوله بتتابع وتسلسل معين. الزمن هو فكرة توجد في عقولنا فقط لأننا نعتقد في وجودها.

تناولت ميثولوجيا الحضارات القديمة فكرة الزمن، وتحدثت عن دورات مختلفة للزمن ومنها الأيون  aeon وغيرها من الدورات الزمنية الطويلة جدا. نظرت الحضارات القديمة للأرض باعتبارها كائن حي شهد تغيرات عبر دورات الزمن الكبرى، وما زال حتى عصرنا الحديث يشهد تغيرات تعيد تشكيل سطح الأرض دوما بفعل البراكين والزلازل وعوامل التعرية.

وهناك نصوص قديمة تناولت فكرة وجود حضارات قديمة جدا أقدم من الحضارة المصرية كانت أكثر تقدما من الحضارة الحديثة، وأننا نعي حاليا في نهاية دورة كونية كبرى بدأت بحضارات في غاية التطور والتقدم، ثم بدأ التدهور التدريجي بمرور الزمن.

ومن تلك الحضارات القديمة جدا والتي نشأت في بداية الدورة الكبرى “حضارة أتلانتيس”. زار الفيلسوف الإغريقي “سولون” مصر في عام 591 قبل الميلاد، وفيها سمع عن أرض قديمة تدعى “أتلانتيس” قامت فيها حضارة كانت متقدمة جدا، ولكنها دمرت بسبب إساءة التعامل مع قوى الطبيعة، لأنهم لم يحققوا التوازن بين التطور الروحي والتطور التكنولوجي.

وفي عام 493 قبل الميلاد زار الفيلسوف الإغريقى أفلاطون مصر وسمع من كهنتها أن الأرض شهدت في العصور العتيقة أكثر من طوفان، وأن كل طوفان كان يغير معالم سطح الأرض بشكل جذري وكان أضخمها الطوفان الذي أغرق أرض أتلانتيس.

ومما يروى عن حضارة أتلانتيس أن سكانها كان بمقدورهم رفع الأحجار الثقيلة التي تزن عدة أطنان بقوة العقل. وربما كانت هذه التكنولوجيا المتقدمة هي التي انتقلت بعد ذلك إلى سكان بعض الحضارات القديمة كمصر واستخدمت بعد ذلك في بناء أهرامات الجيزة وأبو الهول، وفي بناء مدينة ماتشو بيتشو في بيرو.

جاء في كتابات الكاهن المصري مانيتون السمنودي في عام 081 قبل الميلاد أن تاريخ مصر القديمة يعود إلى أكثر من 10 ألف عام قبل الميلاد. وهو ما يتفق أيضا مع ما جاء في كتابات هيرودوت وبعض المؤرخين الإغريق والرومان القدامى”.

العلاقة بين مصر القديمة وأثيوبيا والهند ..

وعن العلاقة بين حضارات ثلاث يكمل الكتاب: “يقول المؤرخ الإغريقي بلوتارك: عندما تسمع الأساطير المصرية القديمة تتحدث عن الكيانات الإلهية “النترو” وهي ترتحل وتتصارع وأحيانا تتعرض للقتل والتمزق إلى أشلاء كما حدث مع أوزيريس، فلا تنظر إلى تلك الأحداث بطريقة حرفية، لأنها في الحقيقة رموز لمعاني ماورائية .

يقول الفيلسوف الإغريقي أفلاطون:

“إن فلاسفة اليونان يبدون كأطفال بالمقارنة بالمصريين”.

من مقبرة رمسيس الثالث، صورة توضح الأربعة أجناس الرئيسية للبشر في منطقة الشرق الأوسط، وهم الأفارقة، والمصريين، والأسيويين، والليبيين”.

الأصول العتيقة..

وعن وجود عالم ثابت يتابع الكتاب: “إن فيما وراء هذا الكون الدائم التغير، والخاضع لقوانين الزمان والمكان هناك عالم آخر “مطلق/ ثابت”. ذلك العالم هو الجوهر.

هناك صورة لأحد التماثيل التي تعود إلى عصر ما قبل الأسرات بمصر القديمة، تمثل الربة الأم. وقد ظهرت الربة الأم في عدة مناطق بإفريقيا منذ أقدم العصور وبنفس التفاصيل “الصدرالكبير والأرداف الممتلئة والخصر الضيق”. ونلاحظ أن الذراعان قد تحولا إلى ما يشبه الأجنحة “رمز حورس”. وقد استمرت فكرة أجنحة الأم السماوية بعد ذلك في الفن المصري، وظهرت في عصر الأسرات في طريقة تصوير ايزيس وماعت في أغلب الأحيان بأجنحة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة