19 أبريل، 2024 11:45 ص
Search
Close this search box.

كتاب الجنس في الرواية العراقية.. تدهور المجتمع يتجلى في العلاقات الجنسية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

الجنس موضوع شائك خاصة في مجتمعاتنا الشرقية، لكنه في نفس الوقت مؤشر هام يتم من خلاله استنتاج بعض الحقائق بخصوص علاقة المرأة بالرجل، ووضع المرأة في المجتمع، ومقدار تطور المجتمع أو انحطاطه، بل أن الجنس ممكن من خلاله رصد تدهور المجتمعات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

صدر مؤخرا كتاب (الجنس في الرواية العراقية) للكاتب العراقي “داود سلمان الشويلي” إصدار 2018، وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه تصدى لموضوع هام قلت فيه المصادر والمراجع، فهو يتناول الجنس في الرواية العراقية من خلال تناول بعض نماذج من الروائيين العراقيين. والكتاب يركز على كيفية تناول موضوع الجنس ودلالاته الخاصة بالمجتمع العراقي، حيث تعكس الروايات شاءت أم أبت المجتمعات التي كتبت عنها، وترصد التغيرات المختلفة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وحتى ثقافيا، وحين تتناول رواية علاقة الرجل بالمرأة من خلال الجنس تظهر دلالات كثيرة اجتماعية لتلك العلاقات، هذا ما اهتم به الكتاب، الذي يعد مصدرا هاما.لذا سوف نقدم قراءة له.

توازن المجتمع..

في المقدمة يبين الكاتب أنه تحصل على إجابات كثيرة في متابعته لموضوع الجنس في الرواية العراقية على مدى أكثر من خمسة عشر عاما، مشيرا إلى أن الكتاب الوحيد الذي تناول موضوع الجنس في الأدب كان في ثمانينات القرن الماضي، وهو كتاب الناقد المصري “غالي شكري” ( أزمة الجنس في القصة العربية)الذي صدر في1971. وأوضح الكاتب أن قضية الجنس من القضايا التي كانت ومازالت محورا مهما من المحاور التي حفلت بها الرواية والقصة القصيرة في الأدب العراقي منذ نشأته، مادام الجنس بنوعيه المشروع وغير المشروع، إذا صحت التسمية، واحدا من العوامل المؤثرة في شخصية الفرد والجماعة، وأكد على دوره الكبير في رسم الصورة الحقيقية لعلاقة الرجل بالمرأة على السواء، باعتباره مقياس لتوازن المجتمع.

فالقاعدة المعرفية بحسب الكتاب تقول أن المجتمع المتوازن يفرز علاقات جنسية متوازنة وليس العكس، إلا أن المسألة الأشد خطورة هي زاوية النظر التي من خلالها يمكن للكتاب أن ينظروا إلى هذه القضية، فهناك من الكتاب من يجعل هذه القضية محورا أساسيا لمجمل كتاباته، مهما كانت وجهة نظره وزاوية الرؤية لها، ومنهم من يجعل هذه القضية واحدة من القضايا التي تمتلئ بها الحياة الواقعية أو الفنية على السواء.

الجنس عند عبد الرحمن مجيد الربيعي..

يتناول الفصل الأول من الكتاب الجنس عند الكاتب العراقي “عبد الرحمن مجيد الربيعي”، مؤكدا أن “الربيعي” واحد من الكتاب الذي امتلأت نتاجاته الروائية بهذه القضية، إلا أنه لم يجعل منها محورا أساسيا تدور حوله أحداث رواياته، بل أن قضية الجنس عنده أخذت أبعادا خاصة من خلال ما يحمله الكاتب من وجهة نظر مميزة لهذه القضية، التي ترتبط بمجمل القضايا التي تطرحها الحياة المعيشة لأبطاله، مضيفا ان كتابات “الربيعي” كانت تنطوي على التاريخ لكنها في المحصلة ليست روايات تاريخية، وأن قضية الجنس عند “الربيعي” تتخذ مسارات حسب عواملها وأسباب تكونها والظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية كذلك للفترة التي تتخذ منها الرواية زمنا لها. الكتاب تناول روايات “الربيعي” الثلاث الأولى حسب تسلسل تواريخ نشرها، لأن ذلك سيتيح تتبع نظرة الكاتب إلى قضية الجنس حسب تقادم الزمن وحسب الفترة التي تتحدث عنها تلك الرواية.

في روايته (الوشم) كان السؤال الذي حير بطل “الربيعي” هل بالإمكان أن تكون المرأة تعويضا كاملا عن الخيبة السياسية؟، إن الجنس عند بطل الرواية “كريم الناصري” تنفيسا عن الخيبة السياسية، تلك الخيبة التي جرت من ورائها خيبة مع المرأة، والتي أراد منها أن تكون منقذا، وهكذا كان في سعيه باحثا عما في المرأة لا في الحب، لأن ما في المرأة الحب الرومانسي، الإخلاص، الهدوء، الأمان.. كل ذلك نسف في داخله، فظل جسدا مدنسا كجسدي “مريم” و”شهرزاد” و”يسرى” كذلك، وكان يحن إلى الماضي، اثناء انتماءه للتنظيم السياسي وحبه ل”أسيل عمران”، لهذا فإنه يبحث عما في المرأة أي عما نسف في نفسه لا عن المرأة كجسد.

وفي رواية “القمر والأسوار” ما رسمه “الربيعي” كان محكوما بالفترة التاريخية التي تحدث عنها اجتماعيا، وقضية الجنس الذي أبعدته التقاليد والقيم عن محيط هذه الشريحة الاجتماعية التي اختارها الكاتب، فما كتبه كان عن بعض الممارسات التي تشم منها رائحة الجنس لا يكفي لصياغة مفهوم خاص حوله، ليس للكاتب ونظرته إلى هذه القضية فحسب، بل لتلك الفترة التاريخية التي استل منها أحداث روايته. إن الجنس كان عبارة عن لوحات صغيرة صورها الكاتب من خلال ما اكتنزته ذاكرته عن عهد الطفولة، ليرسم بعض ما تفرزه تلك الأزقة الشعبية بكل ما تحمله من قيم وعادات.

العلاقات الجنسية في المجتمع الإقطاعي..

في الفصل الثاني  يتناول الكتاب الكاتب العراقي “هشام توفيق الركابي” وروايته (صعود النسغ) التي ركز فيها على العلاقة بين الرجل والمرأة، وأخذت مساحة كبيرة في روايته، وقد كانت (صعود النسغ) رواية اجتماعية سياسية بالدرجة الأولى،  وقد برز المستوى الإنساني في مجمل العلاقات الجنسية التي جاءت بالرواية. إن المعادلة التي يقدمها “الركابي” في هذه الرواية من خلال منهجه الفكري هي أن المجتمع وليس الفرد هو ثمرة الوضع السياسي والإقطاعي السيئ للقلة الفاسدة. إن الكاتب وهو يتناول العلاقة بين الرجل والمرأة أراد أن يوصل رسالة وهو يقدم حال المجتمع في تلك الفترة من تاريخ العراق، والرسالة هي أن ما وصلت إليه تلك العلاقة من نهايات قد جاءت بتأثير العامل الاقتصادي أساسا، يضاف إليها عوامل أخرى سواء في الريف أو في المدينة. لم يكن الجنس عند شخوص الرواية أطراف العلاقة هو القضية الأساس في حياتهم، أو كان يشكل مأساة حياتهم أو أزمة من أزماتها، وإنما كان عند بعضهم حالة تعويض عن ضغوط الحياة التي يعيشها.

الجنس في روايات حازم مراد..

الفصل الثالث في الكتاب خصص لروايات الكاتب العراقي “حازم مراد”. ففي رواية (بيت الذكريات) وهي الرواية الرابعة للكاتب، وتشكل حالة متطورة في مسيرة أعماله الإبداعية، في هذه الرواية يتمكن الكاتب بصورة لا بأس بها من لغته التي افتقد سيطرته عليها، وفهمه لدورها في روايته (التائهة التافهة)، وهي روايته الأولى، إذ انسابت ببساطة وعفوية ودعمت جملها قدرته على تقديم الحدث وتصويره فنيا، إلا أن ما يسيء إلى فن “حازم مراد” الروائي والقصصي بحسب الكتاب، هو التطويل الممل مما يجعل من هيكل الرواية ثوبا فضفاضا.

وقد عني “حازم مراد” بما هو قبل العملية الجنسية ذلك لأنه معني أساسا بما سوف تخوضه بطلته من امتحان عسير وصعب، وهذا الامتحان مادته جسدها وأحاسيسها.  إن أغلب بطلات الكاتب مدفوعات لا شعوريا إلى امتهان أجسادهن، بعد أن يقنعن أنفسهن بتبريرات واهية تخفت حدتها ومن ثم تزول مع طول المران، والممارسة في عملية المنح التي يمارسنها بسخاء لا حدود له، إضافة إلى انخداعهن بأبسط الكلمات التي يتفوه بها الرجال.

أن رجال “حازم مراد” لا يريدون من المرأة إلا حرارتها، والمرأة تندفع إليهم عمياء صماء بكماء، متسلحة بحكمة القرود الهندية الثلاثة، لتشعل في نفسها تلك الحرارة اللهبة بعد أن تمس جسدها يد الرجل ومن بعد ذلك الطوفان.

الجنس في رواية ما بعد 2003..

في الفصل الرابع  درس الكتاب روايات الكاتب العراقي “ناطق خلوصي” التي كتبها بعد 2003، وقد قام الكاتب” داود سلمان الشويلي” بعمل ثلاث دراسات عن أعمال الكاتب “ناطق خلوصي”، يبين الكاتب  في الدراسة الأولى أن الروائي “ناطق خلوصي” له تاريخ طويل بالكتابة السردية، متمكنا في أن يعبر عن أدواته الفكرية بأدوات تعبيرية متمكنة وعالية التقنية، فقدم رواية فنية ناضجة بحق.

وفي الدراسة الثانية توصل إلى أن الروائي استطاع أن يعري المجتمع ومنظومته الأخلاقية في فترة من الفترات الحرجة التي مر بها العراق، حيث أفرزت هذه الفترة مثل هذا السقوط الأخلاقي، متمثلا بأخلاقية العلاقة بين الرجل والمرأة.

وفي الدراسة الثالثة درس الكاتب “داوود الشويلي” ثلاث قضايا، القضية الاولى التي تطرحها هي التحولات الدراماتيكية في حياة الكثير من أبناء المجتمع العراقي بعد احتلال عام 2003، والقضية الثانية هي قضية علاقتها بالواقع المعاش من ناحية الخير والشر وجوانبهما المختلفة والمتناقضة، والقضية الثالثة هي قضية الجنس، بل هي القضية الرئيسية التي تقاسم القضايا الأخرى في الاهتمام، حيث أنها ثيمة مفضلة عند الكاتب، وقد قدمها في أغلب رواياته، وقد كانت القضيتان الأخريتان قضايا ثانوية أمام هذه القضية وروافدا تصب فيها.

في روايته (أبواب الفردوس) طرح الروائي العراقي “ناطق خلوصي” مسألة الجنس بين أبطالها، أي علاقة الرجل بالمرأة من خلال رؤية شفافة، تنظر إلى هذه المسألة ذاتها على أنها ذات تأثير كبير في المجتمع سلبا أو إيجابا. في رواية (أبواب الفردوس) الموضوع هو موضوع الأخلاق المتمثل بالعلاقات الجنسية غير الشرعية من وجهة نظر الدين، وطرق الحصول على المال في مجتمع النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. تعددت صورة الجنس في رواية (أبواب الفردوس) واتخذت لها أشكالا وهيئات عدة. إن منظومة الدين الأخلاقية هي من يختار الروائي لأبطال روايته التمسك بها، ويمثلها القرآن والمغفرة لله. إن اختيار الروائي لهذه المنظومة جاء متسقا وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، إضافة إلى توافق هذه المنظومة والمنظومة الأخلاقية الإنسانية.

أما رواية (بستان الياسمين) ل”ناطق خلوصي” تطرح قضايا عديدة ومختلفة، منها تقديم رصد دقيق للتحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في نفسية بعض أبناء هذا المجتمع، الذي وصل الحال به بعد أكثر من عشر سنوات من الحصار الظالم، الذي فرضته أمريكا عليه، وتكلل بغزو العراق واحتلاله، فكان هذا الانقلاب الكبير الذي أصاب شريحة كبيرة من هذا المجتمع. والقضية الثانية هي قضية الخير في مقابل الشر حيث ينتصر الخير في النهاية.

والجنس عند “ناطق خلوصي” مكان واسع وثري بالدلالات في رواياته، حيث يشكل القضية الثالثة التي تطرحها روايته (بستان الياسمين) بل أنها تقاسم القضايا الأخرى في الاهتمام، حيث أنه ثيمة مفضلة لدى الكاتب، وقد قدمها في أغلب رواياته ومنها (أبواب الفردوس) و(البحث عن ملاذ) و(اعترافات زوجة رجل مهم)، إذ أن الجنس من الموضوعات الأثيرة لديه، لأن الواقع الذي ينهل منه مليء بهذه القضية منذ بدء الخليقة إلى يومنا الحاضر.

يقسم “ناطق خلوصي” الجنس عند أشخاص الرواية إلى نوعين: نوع جنس المحارم الذي يقع أو يكاد يقع بين الأهل، والنوع الثاني هو الجنس الاعتيادي غير المشروع بعيدا عن المحارم، من وجهة نظر دينية وقانونية وعرفية، والجنس عنده يتسم بالانضباط الجاد، فهو يكون بعيدا عن الإسفاف الذي يقع في كتابات أشباه الرواة، فيشكل عنصرا مبتذلا ورخيصا للإثارة، وثيمة مقحمة على النص.

وتوصل الكتاب إلى أن قضية الجنس عند الروائي “ناطق خلوصي” لفترة ما بعد 2003 تبين تغير المجتمع العراقي بعد الاحتلال الأمريكي، وفرض سياسة لا هي ديمقراطية للمنظومة السياسية التي سلم الاحتلال العراق لها، ولا هي استبدادية على الشعب الذي ازداد معدل الفقر لديه كثيرا، فوجد الجنس في ذلك المجتمع مرتعا خصبا لأن يتوسع ويمتد أفقيا وعموديا، لا لشيء سوى أنهم الأمريكان أرادوا أن يذلوا العراقيين على أيدي ما سمي أنهم عراقيون، وهم أنصاف العراقيين، على حد تعبير الكتاب، لأنهم يحملون جنسيات أخرى غير الجنسية العراقية. ويؤكد الكتاب أن المجتمع تغير فتغيرت نظرته للجنس، وهذا ليس معناه أن الجنس غير الشرعي دينيا كان العراق خاليا منه، وإنما ليس بهذه الدرجة التي يقدمها “خلوصي” في رواياته. إن الجنس لدى “خلوصي” ذو قيمة حياتية كبيرة عند من يبحث عنه، أو يقوم به كأية قيمة حياتية لأي شيء ضروري فيها.

بذور النار..

تناول الفصل الخامس رواية “بذور النار” للكاتبة العراقية “لطيفة الدليمي”، موضحا أن قضية الجنس في رواية “بذور النار” تتمثل في كونها هاجسا إنسانيا يختلقه إحساس بعدم الراحة النفسية، وما يشوب ذلك من قلق وحيرة وفراغ إنساني كياني ونفسي، بسبب غياب الطرف الآخر، أي الوصول إلى حالة الشعور بالتوتر النفسي. تبرز قضية الجنس في الرواية عند إحساس الشخصية بافتقادها إلى النصف الآخر، وعلاقة الجنس في رواية “بذور النار” تأتي كوسيلة لإملاء الفراغ “حالة التوحد” لدى الرجل والمرأة على السواء، معبرا عنها بإحساسات مادية حسية.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب