13 أبريل، 2024 7:25 ص
Search
Close this search box.

كتاب “الأصابع البيضاء للجحيم “* .. هو الشعر مهما تناسوا: سيرة الشاعر أو شعر الإنسان

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : بقلم – عصام الزهيري :

منذ السطور الأولى في كتاب (الأصابع البيضاء للجحيم)؛ للشاعر “مؤمن سمير”. ومنذ فصوله الأولى المكرسة لسيرة وشعر عدد من مشاهير الشعراء: “نزار قباني، محمود درويش، سميح القاسم، أمل دنقل، سعيد عقل”. يشعرالقاريء بأنه كما لو كان في حضرة حوار يفتقده. وهو حوار الشعر للشعر، والشاعر للشاعر، القصيدة للقصيدة، والإنسان للإنسان، وجهًا لوجه. وهو حوار ممتع وقليل التكرار فيما ينتجه الشعراء من كتاباتهم. وهو لقاء لا يقل متعة عن لقاء القصيدة نفسها ولا عن لقاء الشاعر أثناء حديث مباشر عن حياته وقصائده.

عبر فصول كتاب (الأصابع البيضاء) يتحول الشعراء المشاركين فيه – وهم جمهرة غفيرة – إلى مرايا لذات الشاعر الكاتب وقصيدته. مرايا تحول الكتابة عن كل هؤلاء الشعراء المختلفين بكل ما يفصل فيما بينهم وبين تجاربهم من مساحات إلى لعبة تركيب وتحليل تنتقل بمتعة وانسيابية ما بين سيرة الشاعر وقصيدته. فكل من تناولهم الكتاب من شعراء هم مرتبطون بشكل أو بآخر بذات الشاعر الكاتب وبذات تجربته وقصيدته إرتباطًا وثيقًا. واهتمام الكتاب بتجاربهم وسيرهم ليس اهتمام الباحث وإنما اهتمام المستكشف الذي يروم التقاط الجواهر والنقاط الجوهرية والتفتيش عما التصق بالذات وبالتجربة من لآلئها.

يقول في الفصل الخاص بـ”نزار قباني”: “سيظل شاعرًا يلتقط روح الحياة عبر تفاصيلها وروائحها وحسيتها وليس من العادل ولا الطبيعي أن ننعي عليه كونه ليس شاعر أفكار ولا تصورات ولا فلسفة إلى درجة نفي شاعريته”. وذلك بعد أن يرصد تبدلات علاقته بـ”نزار” التي تبدأ من تحذير أبوي من هذا الشاعر الموصوم بالإنفلات الأخلاقي، وهو الموقف الذي جوبه به “نزار” منذ الأربعينيات نتيجة ممارسته للرفض والحب علنًا. والكاتب خلال مرحلة ما من تطلعه للشعر يجد نفسه في موقف يشبه الاستجابة الماكرة للحذر الأبوي الأخلاقي من شاعرية “نزار”، يقول: “ثم قل هربًا من حسد الجميع لهذا النموذج النجم، كنت أذكر الماغوط الأقرب لنا بوحشيته وعدم هندامه واقتناصه للحياة بفجاجتها وواقعيتها.. أين نحن بفقرنا وصعلكتنا من المخملية والنعومة حتى لو انضغمت بالمبدئية والشجاعة ؟”.

بالمثل تقريبًا يلحظ الشاعر كيف انحصر الإعجاب بـ”أمل دنقل” عند قصائده السياسية دون قصائده الإنسانية الأكثر فنية وقربًا من شرط الشعر. وهو يعلل حدوث ذلك بأسباب تتعلق بنا وبواقعنا السياسي وليس بتجربته هو. ويعود في مقاله الذي جمع فيه بين “دنقل” و”سعيد عقل” تحت عنوان: “شاعران إشكاليان” إلى التنبيه لتلك الحالات التي تختلط فيها سيرة الشاعر وشعره بالموقف السياسي بحيث تصبح رؤيته شاعرًا فقط متعذرة.

وربما لا يكون “دنقل” و”عقل” هما وحدهما الشاعرين اللذين يمثلان سؤالًا إشكاليًا في نظر الكاتب. بل إن كل شاعر تناوله الكتاب بدا كذلك في عين الدهشة الطفولية التي يرى بها الشعر الناس والأشياء. فالنساج الرعوي الذي يعبيء الموسيقى هو عنوان الفصل الذي يتناول الشاعر “محمد عيد إبراهيم”. ويصفه بأنه صاحب القصيدة الأكثر تعقيدًا في الشعرية العربية. ويلحظ فيه إخلاصه الصارم لقيم التحديث والتقدم والحرية. وبعد استعراض لمحات من شعره وسيرته؛ يقول: “لا يحلم هذا النص الجارح وهذا المثقف الطموح إلا بلغة مخاتلة، بيضاء، متخلية عن ماضيها وحمولتها المعرفية، لا تقول شيئًا، كي نعيد نحن نحتها فتقول كل شيء، ونلمس نحن نفوسنا المختبئة تحت الرمال، ونهز رؤوسنا ونحن نمضي بلا غبار..”.

وفي فصل عن الشاعر “سمير درويش” يخبرنا الكاتب أنه وضعه تحت الملاحظة منذ ديوانه الأول الذي لمح فيه ذكرًا وصدى للشاعر “حلمي سالم” الذي كان يمثل في نظره “كيانًا ثقافيًا”. وبعد استعراض عدد من دواوين الشاعر الأخرى تلت ديوانه الأول؛ يقول: “سمير درويش طوال هذه السنوات كان يبحث عن سمير درويش، عن الخروج والإنعتاق من ذاته المثقلة بتاريخ الشعر العربي كله إلى ذاته التي تكتشف الشعر، وهي تتنفس مع السماء وسط زحام المارة”. وهو يرى أن هذا البحث عن الحرية تحقق في علاقة الشاعر بالقصيدة وبالأنثى بالموازاة: “الأنثى التي كانت مقدسة في الماضي حتى في قصيدته هو وإن بدرجات، رضيت أخيرًا أن تتحول قداستها وأسطوريتها إلى لحم ودم، إلى طعام ورائحة وملمس”.

الشاعر “عماد أبوصالح” يصفه الكتاب تحت عنوان: “جحيم المعتزل” بأنه: “نموذج للإنسان الوحيد طريد الأيديولوجيات، الخائف من كل شيء، والذي يعيد تفسير الأشياء وتقشير جلدها فلا يكتشف إلا المرعب القاسي”. لكنه في عودة تالية لاكتشاف شعره يجده متميزًا بشعرية غير منمطة وإن كانت تذهب إلى وجهتها في بساطة ويسر، تعادي كل ما هو فخم ومتعالي، وتتماهى مع الهامشي والبسيط، العاري من البلاغة ومن اليقين. وفي تناوله للشاعر “إبراهيم داود” تحت عنوان: “حنين الروح وسقياها” يرى أنه: “قدم نفسه في بداية وجوده وأثناء صراعه الوجودي مع أجيال الكتابة التقليدية التي كانت تحاصره وتخاصم كل تجديد كمفجر للغة، وكصياد ماكر يلعب مع العالم من حيث هو معجم كبير”. وهو يلحظ غياب أي نتوءات أو تناقضات تفصل بين توجه الشاعر الشخصي في القضايا العامة والأدبية والثقافية وبين شعره ونصوصه الإبداعية الخالصة.

داخل هذه المساحة الممتعة والمغوية، الفاصلة والواصلة بين سيرة الشاعر وشعر الإنسان، تدور مجمل أسئلة وتأملات كتاب (الأصابع البيضاء للجحيم).

* الأصابع البيضاء للجحيم، مؤمن سمير، دار “ابن رشد”، مصر 2019

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب