27 سبتمبر، 2024 8:15 م
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (9).. استبطان للذات أم نوع من النرجسية أم سيرة وطن وأجيال متعاقبة

كتابة الواقع (9).. استبطان للذات أم نوع من النرجسية أم سيرة وطن وأجيال متعاقبة

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يصرح الكاتب عند نشر سيرته على القراء بذلك، على الرغم من أنه يكون قد أعمل فيها الخيال لتصبح رواية، وقد يميل آخر إلى أن يستوحي شخصيات من الواقع دون أن يسجل كل تفاصيلها الحياتية، بينما يفضل آخر أن يقوم بعملية صهر درامي حتى أنه قد يدخل أكثر من شخصية في الواقع ليرسم بها ملامح شخصيته الروائية.

ولقد شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
  2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
  3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
  4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
  5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

استبطان الذات..

تقول الكاتبة الأردنية “بديعة النعيمي”: “قد تكون أعمال الكاتب في كثير من الأحيان من أحداث حياته وتجاربه ومن هنا نستطيع أن نقول بأن السيرة الذاتية هي مرجع أساس للكتابة، لذلك نجدها تتداخل مع الأجناس الأدبية مثل القصة والرواية وحتى القصيدة لكنها لن تكون أحدها. فالرواية مثلا تعتمد على الخيال مما يخرجها من كونها سيرة ذاتية ذلك لأن ميثاق السيرة الذاتية يظهر تطابقا بين المؤلف والسارد والشخصية أما ميثاق الرواية فلا يحقق هذا التطابق. حيث يعتبر الخيال أكثر العناصر تحديدا لهذين الجنسين، فالسيرة تعتمد على الذاكرة واستبطان الذات والبوح النفسي أما الرواية فتعتمد على الخيال.

لكننا قد نجد بعض الكتاب مثل “محمد شكري” قد ألبس سيرته الذاتية ثوب الرواية في “الخبز الحافي” لكنه صرح بأنها سيرة ذاتية حيث أطلق عليها سيرة ذاتية روائية فتكون السيرة الذاتية قد تمازجت مع الرواية.

ونجد أحيانا بأن الكاتب لن ينجو من الوقوع في مصيدة ما مر به من أحداث في حياته، فنجد الواقع يتداخل بالمتخيل في نسق روائي من غير أن يصرح هو بذلك، ولكن  البعض لم  يعتبرها سيرة ذاتية ما لم يصرح ويكتب العمل ضمن السيرة الذاتية.

ومن وجهة نظري لا أستطيع اعتبار السيرة الذاتية صنفا روائيا حتى لو حدث ذلك التمازج بينهما لأن الرواية تمزج الخيال بالواقع بينما السيرة الذاتية تعتمد الحقيقة والواقع دون بهرجة الأحداث وحذف بعض جوانبها وإضافة أخرى”.

وتضيف: “أما عن هدف الروائي حين يكتب سيرته الذاتية في كتاب فربما ليدون خلاصة تجاربة ويسطر مفاهيمه وآرائه الفكرية والسياسية وغيرها.

لا بد بأن أي كاتب قد جرب الكتابة عن شخصية من محيطه أو من عائلته ولا أظن بأن المخاوف تنتاب الكاتب حين يكتب عن شخصية، لأن العمل يبقى ضمن إطار المتخيل فقد يكتب عن شخصية مهمة بكل جرأة بعيدا عن تلك المخاوف”.

وتواصل: “يلجأ بعض الكتاب أحيانا إلى كتابة السيرة الذاتية كمتنفسا لهم وسبيلا يقيهم ألسنة المتقولين، فيعري ويكشف ذاته أو حتى ذات غيره تحت عباءة الخيال. والبعض يكتب ليسجل أحداثا فارقة ومهمة”.

نوع من النرجسية..

ويقول الكاتب العراقي: “سعد سعيد”: “أنا شخصيا لا أميل الى اعتبار السيرة الذاتية رواية، لأنها وإن بدت كذلك إلا أنها تفتقر إلى واحد من أهم مرتكزاتها وأقصد الخيال.

الأجدر بالسيرة الذاتية أن تكون واقعية وحقيقية وإلا فقدت مشروعيتها، ولذلك يجب على الكاتب الابتعاد عن الخيال حين يكتب عن سيرته الذاتية”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول: “طبعا لكل كاتب أهدافه ومسوغاته لفعل ذلك، ولكنني أميل إلى اعتبار هذا نوع من نرجسية شديدة خاصة إن لم يكن يوجد في حياته ما يمكن أن يفيد الناس أو يضيف شيئا الى معلوماتهم”.

وعن تجربة أن يكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم يقول: “من أين يمكنني أن أستوحي شخصيات رواياتي إن لم يكن ممن يحيطون بي. نعم أفعل ذلك طوال الوقت من دون خوف لأنني لا استنسخ الشخصيات بل استوحيها”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم يقول: “لم أمر بهذه التجربة والحمد لله لأنني أجيد إخفاء الأصول التي آخذ منها شخصياتي”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين يقول: “التصدي لمهمة الكتابة ليس بالأمر السهل ولذلك لا أعتقد بأن أي من الأسباب آنفة الذكر يمكن أن يكون الدافع الوحيد، بل يمكن أن تكون هذه الأسباب جميعها هي الدافع، ويبقى رأيي بأن النرجسية يمكن أن تكون الدافع الأكبر إلى التورط بهذا”.

سيرة وطن وأجيال متعاقبة..

ويقول الكاتب العراقي “أحمد غانم عبد الجليل”: “رواية السيرة الذاتية في رأيي من أصعب أنواع الكتابة الروائية، لأنها مواجهة مباشرة مع الذات بشكل فني موازٍ للحقيقة، تشمل ما عاش وعايش الكاتب من مواقف وظروف وأزمات حياتية على مختلف الأصعدة، كما أنها تتطلب قدرًا كبيرًا من الشجاعة والأمانة في نقل الحقائق دون رتوش تجميلية تجعل من الشخصية المحورية/ الكاتب في وضع إيجابي متميز على الدوام بينما يجسِد سلبيات من حوله بصورة مبالغ بها، وكأننا أمام شخصية من الشخصيات التراثية الشعبية.

أما مدى الخيال في السيرة الذاتية، فيجب أن يكون في حدود تخدم الحبكة الدرامية التي تمثل وحدة النص، أو لنقل بنيانه الأساس ضمن الإيقاع السردي الخاص بالعمل”.

ويواصل: ” الكاتب عندما يقرر كتابة سيرة ذاتية يكون قد مرَ بتجربة أو عدة تجارب شديدة الأهمية والخصوصية في ذات الوقت، حتى لو كانت مرتبطة بشكل من الأشكال بالقضايا العامة على مستوى بلد بأسره خلال حقبة زمنية أو أكثر، عندها تكون السيرة الذاتية بمثابة سيرة وطن وأجيال متعاقبة، بالنسبة لي مررت بتجربة حياتية اقترنت بالسياسة والعهد الديكتاتوري الذي نشهد آثاره لحد الآن، وكانت لها تداعيات متعددة على شتى نواحي الحياة، وفي نفس الوقت تروي سيرة وطن عبر عقود، هنا السيرة الذاتية قد تكون بمثابة مرآة تعكس صورة متكاملة لمحنة الملايين. مثل رواية “بجعات برّية” للكاتبة الصينية “يونغ تشانغ”.

كما لا يجب أن لا تُعد الرواية وثيقة تاريخية يؤخذ بها من قبل الباحثين المتخصصين، وهذا ما يحدث أحيانًا للأسف،  مما يزيد من اللغط ومحاولات تزييف الحقائق، كما أجد في ذلك عملية استغلال من أجل تسويق النص تجاريًا، لذا لا بد للكاتب أن يهتم بالتنويه عن الأمور التي يمكن أن تكون موضع التباس”.

ويوضح: “أنا عمومًا أكتب عن شخصيات من وحي الخيال مستقاة من الواقع، لكن حتى لو كتبت عن شخصيات حقيقية فلا بد أن أدخلها في عملية صهر درامي، فقد أكتب عن عدة شخصيات من خلال شخصية سردية واحدة، وبذلك من الصعب جدًا أن يعتقد شخص من المحيطين أنه المقصود دون سواه، لأن كتاباتي تتناول قضايا لا أشخاص.

على سبيل المثال شخصية (مصطفى) في رواية “بين الجنة والنار” كانت ثمرة دمج العديد من الشخصيات الحقيقية، وفق رؤيتي الخاصة، لأن الكتابة أكثر من مجرد تدوين بحجة تجسيد الواقع، وبالتالي أردت أن أنقل من خلال تلك الشخصية تجسيد بعض ما عاشه جيل شهد الحروب على عدة مستويات، لا على جبهات القتال فحسب”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة