27 سبتمبر، 2024 2:24 م
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (8).. رصاصة الرحمة أم معالجة للألم أم مسيجة بالعرف والمحذورات

كتابة الواقع (8).. رصاصة الرحمة أم معالجة للألم أم مسيجة بالعرف والمحذورات

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يصور الكاتب معاناة مجتمعه في فترة زمنية محددة، أو أبناء جنسه، ويرصد ما تعرضت له أفراد طبقته، أو فئته الاجتماعية، أو أبناء نوعه الاجتماعي ذكرا كان أم أنثى، حتى أن الشخصيات التي يكتب عنها تفرح لتسجيل معاناتهم وقسوة حياتهم، في حين يموه كاتب آخر على شخصياته حتى لا تنكشف لهم أو لغيرهم، في أعماله، ويداري ملامحهم، لكن في كل الأحوال لا يستطيع الكاتب التخلص من أسر واقعه تماما، لأن لاوعيه يكون متشيع به وبأحداثه وشخصياته.

ولقد شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
  2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
  3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
  4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
  5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

رصاصة الرحمة..

تقول الكاتبة الأردنية “تبارك الياسين”: “لا أظن أنها تصنف من الرواية، إلا اذا كتبت بطريقة روائية، كما فعل الكاتب “حليم بركات” في رواية ذاتية  بعنوان “طائر الحوم”.

الخيال مطلوب ولا أظن أن من يكتب سيرته الذاتية  يفكر أن تكون بعيدة عن الخيال، لأن الخيال جزء من حياته ويحتل النصيب الأكبر في كتاباته الإبداعية، ولكن دون أن تبتعد عن الواقعية والتوثيق”.

وعن  هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول: “كثيرًا جدا ما راودني هذا السؤال ما الذي يهدفه الروائي من كتابة سيرته،  ثم أصبحت لدي  قناعة أن من يكتب سيرته الذاتية وكأنه أطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على حياته الإبداعية”.

وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتها المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم تقول: “اللاشعور يختزن الكثير من المواقف والمشاعر قد تظهر دون رغبة منا يجرنا أحيانا لشخصيات في محيطنا، كل منا له حكاية، فلا أجد ضيرا باستعارة حياة أحدهم.

أنا كتبت فعلا عن صديقاتي وتجاربهن في الحياة ودون أن أخبرهن بذلك”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم تقول: “قرأن بأنفسهن ووجدن حياتهن بين الصفحات، كن سعيدات بما كتبته وكيف استطعت استخراج مالم يستطعن إخراجه أو البوح به”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين تقول: “صدقًا لا أعلم الدافع لكتابة سيرة ذاتية، أنا شخصيا لا أحبذها، لكن كلها من تعري وانكشاف الذات من عوامل السيرة الذاتية المهمة، لتكون أكثر صدقا، وتحاكي الواقع، واقعه الذي عاشه بكل سنوات حياته. كما في السيرة الذاتية ل”سلفادور دالي” التي رصدت الحياة السرية ل”سلفادور دالي”.

معالجة الألم بملح الخيال..

وتقول الكاتبة السورية “فاطمة خضور”: “نعم الرواية السيرية أو رواية السيرة الذاتية هي رواية لكنها تختلف عن الرواية التقليدية، وهو أن الحدث في الرواية التقليدية قابل لأن يتفرع إلى أحداث أخرى وينقسم إلى عدة مشاهد، بينما الحدث في رواية السيرة الذاتية يقوم فقط على شخصية الراوي ويتمحور حولها، معتبرا أن الحدث في حالة رواية السيرة الذاتية قابل لأن يتطور ويتقدم للأمام أو حتى يرجع، بحيث يكشف لنا حياة صاحب السيرة بأدق التفاصيل”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب عن سيرته الذاتية وينشرها في كتاب تقول: “الكتابة عن سيرة الراوي الحقيقي الذي يتكون من لحم ودم هي سيرة حقيقية لم تدخل في مجال التخييل وصنع الراوي كما هو الحال في رواية السيرة الذاتية التي يسرد فيها الراوي أحداث في خيال بعيد عن الحقيقة، أما أن يدون الراوي الحقيقي سيرته فهي جزء من الاعتزاز بمنجزه وبما تركه من أثر ثقافي يخدم فيه الأدب وتتناقله الأجيال”.

وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتها المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم تقول: “نعم، لقد كتبت في روايتي “مضاجعة الموت” عن عائلتي وبعض أصدقائي الذين تأثرت بهم بسبب الحرب الشرسة التي مرت ببلدي الحبيب، ولم ينتابن أي شعور بالخوف على العكس تماما، فقد استأذنتهم قبل خوضي بمشروعي الروائي، وحصلت منهم على معلومات أعدت صياغتها، وعالجت الألم بوضع ملح الخيال فوق أحداثها لتشهد الأجيال القادمة ماذا حصل بأمهاتهم السوريات في هذه الفترة، فكل قصة تتحدث عن الوجع السوري بطريقة مختلفة”.

وعن ردة فعل من كتبت عنهم تقول: “قلمي ينتمي للفقراء والبسطاء من العامة لذا كانت فرحتهم كبيرة بسبب ورود اسمهم في كتاب جال أغلب الدول العربية”.

وعن “البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب للكتابة عن ذاته والآخرين تقول: “السؤال فيه مفارقة فما علاقة البوح والتعري والانكشاف بالتوثيق لأحداث فارقة، فيجب أن يكون السؤال مبنياً على ثنائية البوح والصمت مثلاً أو ثنائية الإنكشاف والاستتار وهكذا، فعند الكشف الحقيقي لكتابة الذات قد يضمر الروائي أشياءً ولا يبوح بها كونها تشكل هاجساَ داخلياً يمنعه من أن يعريه ويكشفه، وهذا شأن خاص ومتماهي مع الشخصية في كل زمان ومكان، أما الكتابة عن الآخرين فهو عمل يدخل في مجال تدوين السيرة الذاتية لهم كما يملونها هم على الكاتب أو مبثوثة في المصادر الأخرى”.

مسيجة بالعرف وما يقره الثالوث المقدس..

ويقول الكاتب الجزائري “محمد حيدار”: “هناك صنفان من السيرة الذاتية: سيرة ذاتية وحسب، وهي عبارة عن بطاقة تعريف مسهبة تتضمن أحداثا شخصية واقعية، وهي تدخل ضمن حقل التاريخ، وتعد من مصادره الموثوق بها، شأنها شأن الترجمة الشخصية، وهناك رواية السيرة الذاتية «السير ذاتية» التي تخضع فنيا، بطبيعة الحال، لتقنيات النص الروائي ولا تكتفي بالوقائع بل تطعمها بالخيال وقد يكون هو الغالب عليها، ولا تعد مصدرا، فمن حيث اللغة مثلا في حين يكتفي النوع الأول بالسهولة والتبسيط، أي بلغة التاريخ.

يخضع النوع الثاني إلى كثير من الشاعرية والإيحاء، أي لغة الظلال، ثم وكما يقتصر النوع الأول، من حيث الشخوص، على ــ ليس الواقعي منها فقط ــ بل الواقعي الحي، ذي اللحم والدم، يتسع النوع الثاني إلى الشخصية الخيالية، إلى جانب غيرها إن أراد.

أما حجم إعمال الخيال، فهو بالقدر الذي يجعل ما يُكتب، عملا روائيا مقبولا فنيا، وليس تدوينا للوقائع ورصدا لها فقط”.

وعن ما هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول: “هو يهدف إلى تخليد حياته، وأيضا حياة من يذكرهم، لأن السيرة تقتضي ذكر آخرين ممن عاصروا صاحبها وشاركوه الدراسة أو العمل أو الرحلة، فالإنسان لا يعيش حياته منفردا، وتلك معلومات مفيدة بالنسبة للتاريخ، سيما إذا كان لصاحب السيرة مساهمات في جهد عام، ثم إنه يهدف إلى تعميم إفادة الآخرين من بعض التجارب التي مر بها وقد تكون هامة ونافعة، وهناك من يكتب سيرته تبجحا وتباهيا”.

وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتب عنهم يقول: “جربت ولكن بطريقة غير مباشرة، أي دون ذكر الأسماء صراحة، أو تحديد الإشارة التي تجعل الشخص يتفطن إلى أنني أعنيه، فالأدب رمز وإيحاء حتى في هذه المسألة على ما أعتقد إلا لمن أراد الهجاء والتشهير طبعا”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم يقول: “بحكم الطريقة التي ذكرتها آنفا لم يحدث رد فعل ولن يحدث”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين يقول: “عادة كتابة الشخص عن نفسه في أوساطنا لم تبلغ درجة التعري والبوح بالمسكوت عنه، فالكتابة عن الذات، عكس ما هي عند الآخرين، تتجه عندنا اتجاها معيارا، أي بمعنى كتابة: «ما يجب أن يُقال، أو ما يجب أن يعرفه عنك الآخرون» في حدود معينة، مسيجة بالعرف ووفق ما يقره الثالوث المقدس، وهو ما يجعل هذا النوع من الكتابة انتقائيا مغاليا في المثالية والمعيارية، ولعل ذلك هو قدرنا.

وكما قلت في كتيب اشتغل عليه الآن، اسميته: “بين الحفر” وهو عبارة عن سيرة ذاتية: إن السكوت عن الأمر لا يعني بالضرورة أنه خطير، بل ربما كان لايستحق الذكر، ولذلك تم إغفاله من قبل صاحب السيرة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة