27 سبتمبر، 2024 10:28 ص
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (7).. اعتراف أم تأليه للذات أم طلب للخلاص من ظلمة داخلية

كتابة الواقع (7).. اعتراف أم تأليه للذات أم طلب للخلاص من ظلمة داخلية

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يكون هدف الكاتب من كتابة سيرته الذاتية التطهر، التطهر قبل الاقتراب من الموت، وحين يعيش سنوات طوال، أو حتى التطهر من الألم وهو مازال شابا. ربما محاولة لإثارة إعجاب الآخرين وتأليه ذاته، وجلب مزيد من التصفيق وصيحات الإعجاب،

ولقد شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟

2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟

3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟

4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟

5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

كل كتابة هي كتابة عن الذات .. هي بمعنى ما أو آخر سيرة ذاتية!

بين الواقع والخيال..

يقول الكاتب الفلسطيني “بسام أبو شاويش”: “بداية أعتقد أن الاتجاه إلى كتابة السيرة الذاتية لدى الكتاب/ات في المنطقة العربية هو حديث العهد إلى حد ما. فمنذ أواسط القرن الماضي لم نشهد إلا ندرة من كتب السيرة الذاتية لعل أهمها “الأيام” للعميد “طه حسين”، ويمكن القول إن أيام طه حسين هي أولى الإرهاصات العربية لهذا النوع من الأدب.

من المؤكد أن السيرة الذاتية كفن هي نوع من الرواية وإن كان يغلب عليها الطابع الذاتي أو البعد الشخصي للكاتب لكنها تظل رواية بامتياز…لماذا؟

ببساطة شديدة فإن معظم إن لم يكن كل الكتاب عرب وغير عرب يلجئون أثناء كتابة رواياتهم إلى إحداث عاصروها وشخصيات عن قرب فيوظفوا الحدث والشخصية في خدمة النص، وهذا أمر معروف ومتعارف عليه لدى معظم الكتاب”.

ويواصل: “وغالبا ما يختار الكاتب أمكنة حقيقية وشخصيات واقعية وأحداث وقعت بالفعل لتكون مادة لروايته. لكنه يلجأ إلى إضافة أبعادا أخرى جديدة سواء للحدث أو المكان أو الشخصية وذلك بما يخدم النص ويؤكد الفكرة أو الرسالة التي يسعي لتوصيلها.

يختلف الأمر بين الشرق والغرب فيما يتعلق بحجم الخيال في السيرة الذاتية فنجد أن الكاتب الغربي قد تجاوز كل المحاذير ووضع نفسه عاريا أمام قارئه فليس ثمة خيال هنا. بل الواقع بكل قسوته وربما هشاشته أحيانا. لم يتورع الكاتب في الغرب عن الخوض في أدق التفاصيل المتعلقة به والتي قد نعتبرها نحن شخصية جدا وربما لا تهم القارئ في شيء، ولعل كتاب الغرب يعتبرون السيرة الذاتية نوع من الاعتراف التطهر قبل الموت إذ نجدهم يلجئون لكتابة سيرهم الذاتية في الهزيع الأخير من حياتهم.

عندنا الأمر مختلف فمهما كان الكاتب موضوعيا وشجاعا حتى فإنه لا يمكن أن يعري نفسه أمام قارئه. تبقى لدينا دائما التابوات التي لا يجرؤ على المساس بها، أحد خاصة عندما يتعلق الأمر بالدين أو الجنس وربما السياسة الحد ما.

لذلك يخلط الكاتب العربي الحقيقة بالخيال ويضيف أبعادا جديدة للشخصية قد تكون أبعادا نفسية أو ذاتية واجتماعية وسياسية أحيانا، ليقدم لنا غالبا شخصية ملتبسة يصعب على الناقد أو القارئ الإحاطة بكل جوانبها.ولعل هذا الأمر يعتمد بشكل ما على ذكاء الكاتب وقدرته على المراوغة فيأتي نصه بالتالي مراوغا….!!!”.

ويواصل: “يلجأ الكتاب عادة إلى كتابة السيرة الذاتية كنوع من البوح الذاتي. وإن كان الأمر يختلف بين كتابنا وكتاب الغرب.

في الغرب كتابة السيرة الذاتية قديمة وقد مرت بقفزات كثيرة على أيدي كتاب/ات كبار. لعل كتابة السيرة في الغرب نضجت إلى حد بعيد بينما مازالت عندما تحبو رغم مضي أكثر من ثمانين عاما على أيام طه حسين التي يمكن اعتبرها حدثا استثنائيا في هذا السياق.

وربما يلجأ البعض للسيرة كنوع من محاولة تقديم نفسه لجمهوره بشكل مختلف أو كنوع من التحدي لظروف ما أو حتى لسلطة ما. وأحيانا تأتي السيرة كنوع من رواية تاريخية يهدف من خلالها الكاتب إلى تقديم رواية مغايرة للتاريخ مختلفة تماما عما عهده الناس”.

ويبين: “على الصعيد الشخصي لم أجرب كتابة سيرة ذاتية ربما لأنني أعتقد أنها يمكن أن تكون عملي الأخير الذي اعتزل بعده. أظن أنني لو كتبت سيرتي الذاتية فسأقول فيها كل شيء وعلى كل الأصعدة ولن يبق لدي بعدها ما أضيفه.!!!”.

مع ذلك فقد تناولت في كتاباتي شخوصا حقيقيين عرفتهم وعشت معهم وكانوا جزءا مهما من أحداث مهمة عاصرتها أو شاركت فيها. لكنني حرصت دائما ألا أقدم الشخصية وكأنها صورة فوتوغرافية. كنت أسعى لمعرفة والإحاطة بكل أبعاد الشخصية قبل البدء في تحويلها إلى شخصية روائية. وبالمناسبة ليس كل من نتعايش معهم في المجتمع سواء في العمل أو على صعيد العلاقات الاجتماعية يمكن أن يصلحوا كشخصيات روائية، عين الكاتب المدققة الخبيرة وحدها تكتشف من يصلح ومن لا يصلح وهذه مسألة مهمة.

والأمر هنا يتعلق بخبرة الكاتب وليس بالشخصية موضوع الدراسة فقد تكون مجرد شخصية هامشية لا يلتفت إليها أحد أكثر غنى من شخصية وزير أو حتى رئيس!!!”.

ويتابع: “لم يحدث أن انتابتني أي مخاوف وأنا أتناول شخصيات حقيقية لأنني ببساطة أقدم في الرواية شخصية من صنعي أنا. صحيح أن المادة الخام موجودة أمامي لكنها في النص تتحول إلى شيء مختلف تماما. الكاتب يقدم شخصياته كما يراها هو لا كما يراها الآخرون. لذلك فحتى الشخصية الواقعية يمكن بإضافة بعض الرتوش والأبعاد أن تصبح شخصية مختلفة تماما عن الأصل.

مع ذلك فهي تبقي هي هي في نظر الكاتب. لماذا؟. لأنه ببساطة ينظر إليها بهذه الطريقة ويراها بهذا الشكل.لذلك أكتب عن شخصيات حقيقية وأنا مطمئن تماما.

لكنني يمكنني هنا أن أتحدث عن تجربة أحد الكتاب الذي اعرفه جيدا. كتب ذات رواية عن شخصية واقعية ولسوء الحظ قدم تلك الشخصية بأسلوب ساخر وعندما علم صاحب الشخصية بالأمر احتج بشدة وحصلت قطيعة بينهما امتدت لسنوات. رغم أن صاحب الشخصية لم يقرأ حرفا مما كتب عنه. لقد سمع بالأمر من آخرين!!!!”.

ويجمل في النهاية: “المسألة الأخيرة التي لابد من التنويه عنها ونحن نتحدث عن كتابة السيرة الذاتية هي الدوافع الحقيقية وراء اللجوء لهذا الصنف من الكتابة خصوصا في المنطقة العربية. ثمة دوافع متعددة وتختلف من كاتب/ة لآخر. فالبعض يلجأ للسيرة بسبب ما توفره من مادة أدبية غزيرة للكاتب يمكن أن يوظفها لخدمة نصه، وأيضا بما تقدمه من شخصيات عاصرها الكاتب وعرفها جيدا مما يتيح له الكتاب عنها بإسهاب. أيضا طبيعة الأحداث ونوعيتها تلعب دورا مهما في اللجوء إلى السيرة الذاتية. فلربما كاتب بلغ أرذل العمر ولم يشهد حربا واحدة ولم يتأثر بحدث مهم وكاتب آخر ربما شهد حروبا وأحداث مصيرية فالبون شاسع بين الاثنين.

وأظن أن السيرة الذاتية يمكن أن تكون وسيلة أكثر فعالية في تقديم رواية تاريخية حقيقية خصوصا ونحن نعاني طوال مئات السنين من تاريخ مزور فرضه علينا المنتصرون”.

تأليه الذات..

وتقول الكاتبة السورية “فاطمة عيزوقي: “السيرة الذاتية حديث عابر المعنيّ فيه قائله. انفعال المتلقي منوط بمجاملة وفضول. الايغو هو لسان الكاتب. والخيال شمعة تتأرجح وفق فتح وإغلاق نوافذ العقل لديه.

أنا مع أي لوَن وثوب ترغب الفكرة فيه للظهور إلى العلن. ولو كانت عارية تارة أو منقبة تارة أخرى. لأن كل فكرة هي نقطة علّام لشيء ما في داخل نفس ما”.

وتضيف: “رغبة الكاتب في الخلود ذاك التوق الأزلي اعتقد أنه دافع قوي للكتابة عموما لكن في السيرة الذاتية تكون هذه الرغبة لحوح وسافرة

ولا شك أنه يمهد الطريق لسواه كيلا يرتكب أخطائه من وجهة نظره، مع التحفظ، كما أنه يدخل المتلقي لورشة عقله ليمكنه من لمس أدواته ونافذته التي يرى بها الكون. عله يقوم بقبول أبوته أو أمومته الفكرية ويكون التبني شرعياً.

وعن تجربة كتابة شخصيات من الواقع تقول: “في بدايات الكتابة وعمر الطفولة كوننا نرى الأشخاص حولنا عمالقة كأشرار أو أخيار أغلبنا جرب أن يمجدهم أو يلعنهم. لكن الخوف من النقمة أو التقصير أو المغالاة كانت نصيبنا مما قلناه عنهم”.

وعن ردود أفعال الشخصيات تقول: “غالبا حين أذكر الجلاد أو القمع أو صنوف المعاناة التي مرت بها أغلب فتيات القرى في الجبال في حقبة م.. تكون ردة فعل المحيط الغضب المكبوت أو العتبأو حتى الاستنكار” .

وعن فيما يفكر الكاتب وهو يكتب سيرته تقول: “الشق الأول من السؤال ما يدفع الكاتب لكتابة ذاته أظنها نوع من لحظة تأليه ذاتية شاركنا إياها.. إعلان ما عن ذاتيته التي وجدها ملهمة. وتستحق أن يرفع عنها الستار. وأظنه شخص تواق للتصفيق والإصغاء. كحرمان طفولي ربما”.

الشق الثاني للسؤال: الكاتب أو الشاعر لا خيار لديه. هو قد أخذ رهينة منذ ولد. رهينة في عالم الخيال والسحر . ثم رهن نفسه- بملء إرادته- كي يقتنع أنه حر، إنه قربان لمعبد الكلمة. يضمخ قدمي الكون بعطر حرفه تقرباً لروحه العظيمة.. إن الكتابة عادة سرية. الفارق أنها تنجب أطفالاً وتعلن نسبهم.. لكل من مسّه ولامسه موسيقى المعنى”.

طلبا للخلاص من دوائر مظلمة..

ويقول: “عبدالرقيب مرزاح الوصابي” كاتب من اليمن: “السيرة الذاتية ولنقل قريبا من ذلك السيرة الغيرية نوعان مستقلان تماما عن الرواية حسب علم نظرية الأدب، ولكل نوع من هذه الأنواع الأدبية معاييره وضوابطه التي تميزه عن معايير أي نوع أدبي آخر، ولكن قد يغدو بمقدور الروائي الأصيل أن يجعل من السيرة الذاتية أو السيرة الغيرية رواية، متى توافر فيه الخيال والحرفية العالية، أما أن يكون الروائي صاحب خيال مجنح ولكنه لا يمتلك الحرفية الأصيلة، فإنه بذلك سيصنع فوضى عارمة.

وعلى الضفة الأخرى إذا كان الروائي يمتلك الحرفية غير أنه ينقصه الخيال فمعناه أن يبتكر نظاما عبثيًا لا حياة فيه، ما أود قوله إن ثمة روابط ونقاط تلاق بين الرواية والسيرة كـ ” لأحداث و الشخصيات والزمان والمكان”، لكن المغامرة تتطلب اجتماع الخيال والحرفية وقدرة الروائي على التحليق عبر فضاءات التجريد، إذا الإبداع الحقيقي ليس انعكاسًا مرآويا للواقع”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول: “تختلف الأهداف من كاتب إلى آخر، فلكل روائي غاياته ومقاصده، ومن الصعب تحديد المقاصد في صور نمطية تعلق بالذاكرة، لأننا حينئذٍ سنقع في أخطاء كارثية، من أبسطها التحامل وإلقاء الكلام على عواهنه، صحيح أنه ما كل سيرة ذاتية أو غيرية بالإمكان أن تحول إلى رواية، اللهم باستثناء سيرة عبقرية وملهمة فوق الزمان والمكان قد تمكن الروائي صاحب الخيال و الحرفية في الآن ذاته من جعلها رواية نوعية متميزة، ولعل من تلك الأهداف التي قد تدفع كاتب باتجاه كتابة سيرته الذاتية أو سيرة غيره، التطهر من الألم، والاستفراغ طلبا للخلاص من دوائر مظلمة لا يستطيع تجاوزها إلا بكتابتها.

وعن ‎ تجربة أن يكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتب عنهم يقول: “جربت وأتوقع أني نجحت إلى مدى بعيد، ولكني قبل الشروع بالكتابة عن تلك الشخصيات قررت التعامل معها باعتبارها منمنات تساعدني إلى خلق شخصيات جديدة، خلقا إبداعيًا يجعلها بعيدة كل البعد عن الشخصيات في الواقع والمستمدة منه، مُحاولًا في التوقيت ذاته الاحتماء بالقدرة اللغوية على تقديم عالم آخر بالأسلوب الذي يشبه اللحظة التي كنت عليه عند فعل الكتابة الإبداعية “رواية- قصة- مسرح”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم يقول: “لم يتعرف على ذاته جيدًا في العمل الإبداعي الذي كتبته ولكن وقع على وجه من أوجه التشابه بينه وبين الشخصية الممتدة في أحداث هذا العمل الإبداعي أو ذاك”.

‎ وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين يقول: ” الرغبة في البوح دافع حقيقي في توثيق الأحداث وكتابة مشاهد من حياة صاحب السيرة الذاتية، وأحيانا يكون ذلك بدافع سبر أغوار النفس ومحاولة فهم ما حدث، استعدادًا لتجاوز الذات ومحاولة إيقاع العلاقة التي تربطنا بالآخرين، ومن يدري فقد يكون الدافع لدى البعض الاحتفال بالألم والتصالح مع الذات بحثا عن التوازن والسلام الداخلي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة