16 نوفمبر، 2024 7:34 ص
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (5).. امتزاج بين التدوين والحكاية الفنية أم توق لمعرفة الذات

كتابة الواقع (5).. امتزاج بين التدوين والحكاية الفنية أم توق لمعرفة الذات

خاص: إعداد- سماح عادل

إلى أي مدى مسموح بأن يلعب الخيال في رسم الشخصيات، وصياغة الأحداث، وتكسير الزمن؟، وهل يضع الكاتب إمتاع أذهان القراء كهدف حين يشرع في كتابة سيرة ذاتية، له أو لآخرين؟، وهل حين يكتب سيرته يحاول  بذلك  تحرير ذاته أو فهمها؟.

شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
  2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
  3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
  1. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
  2. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

الرواية والرواية السيرية..

يقول الكاتب والناقد العراقي “طلال سالم الحديثي”: “لو عدنا الى الدراسات المهمة التي تحدثت عن أركان الرواية وصنعتها وأنواعها وخاصة دراسات (فورستر) و(أدوين موير) و(برسي لوبوك) وغيرهم فإننا لا نستطيع اعتبار السيرة الذاتية بمثابة رواية بالمعنى الكلاسيكي الذي تحدثت عنه الدراسات التي بحثت في شؤون رواية القرن التاسع عشر والقرن العشرين، باعتبار أن السيرة الذاتية لون أدبي آخر مختلف إلى حد ما عن (صنعة الرواية).

وفي أدبنا العربي نماذج ما زالت حية تجعل من السيرة الذاتية لونا أدبيا رائعا وعظيما، ولكن تجنيس هذا اللون غالبا لا يدخل في باب الرواية، وأذكر هنا على سبيل المثال كتاب ميخائيل نعيمة (سبعون) في ثلاثة أجزاء وكتاب جورج حنا (قبل المغيب) وأيام طه حسين وعصفور توفيق الحكيم.

فالسير الذاتية غير الروائية، والتي غالبا ما تعتمد على يوميات الكاتب ويندرج ضمنها أحيانا الرسائل المتبادلة بينه وبين آخرين حتى وإن حملت بين سطورها رومانتيكية الحب والعاطفة كما هي الحال  بين(جبران) و(مي زيادة) وغيرهما من أصحاب العشق المتعفف، وتلك الكتابات التي تنشأ وتكتب من أجل تحرير النفس (الذات) التي غالبا ما تقع تحت وطأة ظروف قاسية ولا يريد صاحبها البوح بها لأحد.

إنها شكل من أشكال الهروب من الواقع المرير مثلها مثل الخمرة أو الأفيون وكل وسائل التخلص من نير تلك الظروف التي يجد بعض الناس أنفسهم ضمن شروطها مرغمين على التعايش معها من غير أن يقدموا على الانتحار”.

ويضيف: “في الرواية التي مادتها التجربة الشخصية الفردية يجب أن يدخل الخيال والمتخيل كعنصر مهم من عناصر تركيب الرواية الناجحة فلا تغدو الحياة الشخصية هي الجوهر الأساس بقدر ماهي عنصر من عناصر الرواية السردية، وعندئذ لا تصبح الحياة جامدة محنطة أو مجرد تتابع لأحداث غايتها التطابق مع الواقع، كما هي الحال في المذكرات الشخصية أو في السير الذاتية لأشخاص مرموقين أو متميزين: قادة، علماء، خبراء، رؤساء، ولاسيما أن مثل هؤلاء الناس يسعون من خلال مذكراتهم الى تثبيت صفحات متطابقة لماجرى في حياتهم الشخصية في حين يحلق السارد المبدع في فضاء أوسع، فضاء أقل ما يمكن أن نقول عنه أنه جمالي وابداعي وفني، وبهذا يمنح كاتب الرواية السيرية نفسه حق التحليق وحق استخدام ضمائر متعددة متنوعة وحتى أصوات مختلفة مع عملية تكسير للزمن من خلال التنقل الحر من مرحلة زمنية الى أخرى، ومن صيغة فنية الى أخرى بعكس كتاب المذكرات التقليديين المحكومين بالماضي العام”.

ويواصل “ويرى آخرون كالأستاذ خليل شكري مياس في دراسته عن سيرة جبرا ابراهيم جبرا أن النص السير ذاتي خطابا شأنه في ذلك شأن أي نص حكائي فلابد من أن تكون له قوانينه وحدوده، ويتضمن شعريته الخاصة.

ويقول أيضا ولتحديد السمات السردية الذاتية عن بقية الأنواع الأدبية ولاسيما الرواية بشكل عام ورواية السيرة الذاتية بشكل خاص إذ لا فرق بين النوعين من حيث طرائق الكتابة، إذا حللنا النصوص تحليلا داخليا سنلجأ الى دراسة السرد السير ذاتي في محورين متبعين في ذلك اتبعه فيليب لوجون في دراسته للسير الذاتية، إذ اختار النظر إليها من حيث هي نص أدبي معرضا عن المنحيين النفسي والتاريخي في دراسته. وإن كنا لا نتفق معه في تقصيه لهذين الجانبين كليا وذلك لأهميتها في النص السير ذاتي، والعلامة الوثيقة التي تربطهما”.

ويكمل: “وقد أشار الأستاذ عبد السلام المسدي إلى ذلك عندما قال بأن السيرة الذاتية إنما هي حصيلة امتزاج نوعين من الكتابة: التدوين التاريخي والحكاية الفنية.

ويمكن تحديد هذين المحورين بما يأتي:

1 ) العناصر المنتمية لداخل النص السير ذاتي.

2 ) التطابق بين المؤلف والسارد والشخصية المركزية.

3 ) الميثاق السير ذاتي.

4 ) العناصر المنتمية لخارج النص.

5 ) العناصر المحيطة بالنص التي تشكل بحسب جينيت العتبات التي تسيج النص وتسميه وتحميه وتدافع عنه وتميزه عن غيره وتعين موقعه في جنسه وتحث القارىء على اقتنائه ونسميها هنا العناصر الموجهة للنص وتشمل العناوين الأساسية والفرعية والداخلية، واسم المؤلف؛ والغلاف، ودار النشر، والإهداء، وفاتحة الكتاب، والمقدمة.

العناصر التي لا تأتي مصاحبة للنص بشكل مباشر بل تكون معزولة عنه وتنتمي إلى النص الملحق، وتشمل كتابات الكاتب الأخرى التي تتعالق مع ماجاء في سيرته أو ما كتب عنه التي يمكن أن تلتقي مع ما جاء في السيرة”.

وفي النهاية يقول: “وأخيرا نتساءل مع من تساءل قائلا: هل ثمة من يجادل في حقيقة كون رواية (السيرة الذاتية) بوصفها نوعا أدبيا مثل بقية الأنواع؟!

نعم يمكن أن يجادل فيما لو كان المرء- حتى وإن كان ناقدا مشهورا- يضع للفن مقاسات قديمة قد لا تتوفر في نوع أدبي حديث نسبيا بالقياس لفن صنعة الرواية بمواصفاتها الكلاسيكية، إذ يستطيع الكاتب من خلال هذا اللون الإبداعي أن يخرق كل التقاليد من جهة كما لو أنه يقدم لونا أدبيا جديدا بقدر ما يستطيع أن يستثمر كل الإبداعات الأدبية السابقة في الوقت نفسه، وبهذا يستطيع تحقيق معادلة صعبة وجيدة، أي يحرث في أرض شبه بكر ويحقق لنفسه بصمة خاصة تختلف عن باقي البصمات التقليدية على أهميتها، بما يوفره هذا اللون الأدبي الممتع من مرونة حيوية لا تقيده بسلاسل وعبودية الشروط المسبقة لكتابة رواية بالمعنى العام لهذه الصفة/ الصيغة/ الجنس الأدبي المتعارف عليه.

ولعل السطور التي سبقت تكفي لبيان ما بين الرواية والرواية السيرية من فروق هي في المحصلة النهائية لا تجمعها صفحات أربع كهذه الصفحات التي هي في حقيقتها رؤوس أقلام وردت في بحوث أساتذة أجلاء بحثوا في ميدان الرواية وأبانوا ما استطاعوا وبالأدلة عن جوانب الفن الروائي العام والفن السيري الخاص وارجو أن يكون هذا كافيا في هذا المقام”.

توق التعرف على الذات..

وتقول “القاصة ميرفت الخزاعي” من العراق: “تعد السير الذاتية أو الروائية كما يطلق عليها من أخطر الأنواع أو الأجناس الكتابية لأنها تحتوي أو تتضمن أسرارا أو جوانب مخفية، وغالبا ما تكون شخصية وخاصة وبالتالي فعملية الكشف عنها أو افشائها دقيقة وتحتاج لشجاعة وجرأة. لكنها مادة جيدة لجذب القراء إذا ما صيغت ببراعة”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب تقول: “أظن المغري في كتابة سيرة روائية أو رواية سيرية ذاتية.هو الحنين لذكريات الماضي ولعالم الطفولة العجيب البريء الممتلئ بالأسرار وحب الاكتشاف والاطلاع.واللذة التي يقصدها المؤلف حين يشرك معه  القراء ويبوح لهم بمكنونات قلبه. والرغبة في إخبارهم بما لم يشهدوه أو يعاصروه و ربما هي محاولة لإعادة رسم الماضي بفرشاة الحاضر”.

وتقول عن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتها المخاوف من رد فعل منك كتبت عنهم: “كانت لي تجربة شخصية أو محاولة للكتابة عنها ووجدت في الأمر متعة لكنه أيضا لا يخلو من المسؤولية.فالبوح ورفع الاستار عن بعض الحكايات أو الذكريات قد يعني نبشها من قبورها وإعادتها للحياة. كما أنني شعرت ببعض القلق من جراء فعل ذلك وما قد يترتب عليه. والخوف أو الهم الأكبر كان من الزيف أو التلفيق أو ما نسميه (الخيال) الذي غالبا ما نقوم بإضافته لقصتنا وليس الحقيقة أو الواقع. فالخيال لا حدود له ولا يمكن التكهن بما قد ينتج من استعماله بشكل خاطئ أو غير دقيق (على الكاتب أن يكون حذرا)”.

وتضيف: “رصد الشخصيات وتمثيلها حسب  وجهة نظر الكاتب قد لا تكون حيادية أو منفصلة أو مستقلة، فقد يعطي لإحدى الشخصيات أهمية، خاصة إذا كان قد تعاطف معها أو ارتبط معها بعلاقة حب، صلة قربى، صداقة، أو خلافا لذلك فقد يجعل الكاتب القراء يكرهون شخصية ما فقط لكونه لم يحبها أو عانى بسببها.الكتابة من زاوية نظر الكاتب  ورؤيته ومعاصرته للأحداث تمنح الكتاب مصداقية أكثر لكنه بالمقابل يضعه أمام اختبار إنساني وأخلاقي.

وتتابع عن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم: “لا يمكن التكهن دائما بردود أفعال الشخصيات أو قياس مدى تأثرهم أو انفعالهم، لكنني غالبا ما استثمر حيوات أو حكايات شخصيات من الواقع في كتابة قصصي وبالتالي ألمسُ أو استشعر وأرى انعكاس ذلك على أصحابها الحقيقين.وللأمانة وبكل صراحة، أجد أن الكتابة عن الأموات أسهل بكثير وأسلم أحيانا لأنه قد يُخلص الكاتب من الشعور ببعض الذنب أو التحيز أو الأنانية”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين تقول: “إنها الرغبة بالاعتراف أو محاولة التخفيف عن كاهل الكاتب بما قد يحمله من ذكريات تثقلُ ظهره وتؤرق مناماته أو الكشف عن خبايا والإعلان عن أسرار قد يدفع بالكاتب أحيانا لاستغلال أو استثمار أحداث حياته أو حياة المقربين منه. أو ربما هو توق الكاتب للتعرف على نفسه أكثر والاقتراب منها وعلى محيطه والرغبة في لمس الفرق بين ما كان وما أصبح عليه”. 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة