خاص: إعداد- سماح عادل
يبدع الكاتب حينما يستطيع المزج بين الخيال والواقع، حينما يستطيع أن يشكل عالما متكاملا من الخيال والأحلام، ولكن يعتمد في بعض عناصر هذا العالم على مفردات من الواقع، فتستطيع ذات الكاتب أن تتمتع بذلك العالم الخيالي الواسع وهي أيضا مستندة على الواقع.
لقد شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:
- هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
- ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
- هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
- ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
- البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟
كل كتابة هي كتابة عن الذات..
هي بمعنى ما أو آخر سيرة ذاتية!
يقول الشاعر والكاتب الفلسطيني “سمير اليوسف”: “أنا شخص نرجسي للغاية ومن الطبيعي أن كل ما أكتبه هو عن نفسي، أي سيرة ذاتية، بمعنى ما أو آخر.
ينطبق هذا الكلام على كتابة أطروحة أكاديمية لنيل شهادة “ماجستير” بقدر ما ينطبق على روايتي “الحرّ الغانم في سيرة سلمى خانم” ذات البوح الشخصي الفضائحي والساخر.
كيف بالضبط يمكن لأطروحة أكاديمية مثل “مسألة الوجود الخارجي في نظرية ديفيد هيوم المعرفية” أن تكون بمثابة سيرة ذاتية؟
لا تتكون الذات بواسطة ما يحدث لها ويجري أمامها فقط وإنما أيضاً ما لا يحدث فعلاً أو للدقة ما يحدث في الخيال والأحلام. وهذه تلعب دوراً حاسماً في صياغة الهوية الذاتية ومن ثم السيرة الذاتية. وبهذا المعنى فإن الأطروحة الأكاديمية المذكورة هي سيرة ذاتية من حيث أن الغرض منها ذاتي ونرجسي، تبرير رؤيتي الذاتية بأن الذات هي اليقين الوحيد وأن ما عداها مجرد مسألة إفتراض أو اعتقاد”.
الإطروحة هي بمثابة استخدام لأفكار فيلسوف (الاسكتلندي ديفيد هيوم) يؤمن بأننا لا نعرف معرفة حقة وجود عالم خارجي وإنما فقط نؤمن بوجوده. هذا ليس إنكاراً لوجود العالم الخارجي، كما ينحو أتباع المنهج المثالي، وإنما شك في صحة المعرفة، والمنهج المعرفي المتبع في التوكيد على الوجود الموضوعي للعالم الخارجي. من العبث الكلام على وجود ما هو ليس موضوع معرفة”.
ويوضح: “اُفضّل الخيال على الواقع في تقريباً كل شيء وأي تطفل على الخيال عندي هو بمثابة إعتداء لا يُغتفر وأسارع إلى التصدي له. قراءة الكتب، النشاط الوحيد الذي ثابرت عليه بدأب وإخلاص، هو عموماً إقامة في الخيال وعلى الأقل النفق الذي استخدمته للفرار من الواقع إلى الخيال. وإلى عالم الخيال أحمل معي ما أحبه وأحتاج إلى استخدامه من عالم الواقع.
في رواية “الحرّ الغانم في سيرة سلمى خانم” وهي رواية فضائحية ساخرة عن زواجي الفاشل، علاقتي بزوجتي (مطلقتي) وابنتها، يختلط الواقع بالخيال إلى درجة يصير من العسير التمييز ما بين الإثنين إلا في حالة الإسراف في السخرية بحيث يظهر المتخيّل واضحاً نظراً إلى استحالة تصديق ما يُروى”.
ويضيف: “والآن أشتغل على رواية باللغة الإنجليزية وفيها الكثير من الشخصيات الواقعية الفعلية ولكن ما يُنسب إليها من صفات وأفعال يجعلها أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع لذلك أسميها رواية وليس سيرة ذاتية وإن كان عامل السيرة هو الأصل والأساس”.
الخيال بمحاذاة الواقع..
وتقول الكاتبة العراقية “زينب فاضل المرشدي”: “تعد السيرة الذاتية صنف من أصناف الرواية إذا ما استوفت شروطها وتحققت عناصرها من زمان ومكان وشخوص ..الخ
تعتمد السيرة الذاتية على الواقعية بنسبة أكبر ولكنها لا تخلو من خيال الكاتب في المعالجات غالبا، ويظل هذا الخيال بمحاذاة الواقع ولا يمكن أن يبتعد عنه كثيرا لذا فإن السيرة الذاتية محكومة بالواقعية”.
وتضيف: “لا يمكن التكهن بدوافع الكاتب لكاتبة سيرته الذاتية وهي تختلف عن دوافع كتابة السيرة الذاتية لأشخاص آخرين، ولكنه عموما قد يكتب عن نفسه حين يعتز بتاريخه وما قدمه خلال مسيرته الأدبية أو أن يكتب لتوثيق أحداث مر بها أو شهدها، وهذا يحدث غالبا في نقل الأحداث السياسية وإسقاطاتها على الواقع الاجتماعي”.
وتبين: “كانت لي تجربة في كتابة سيرة ذاتية في رواية “جويرية” وقد اخترتها كونها حكاية مثيرة للجدل وأنموذجا عن الفكرة التي وددت طرحها، فكانت الخطوة الأولى أخذ الإذن من صاحبة الشأن لكتابة رواية باسم مستعار، واشترطت أن أضف اليها بعض من الخيال والمعالجات الخاصة بي بعيدا عن مسار القصة الحقيقي”.
قبول المتلقي للنص..
ويقول الكاتب الكردي العراقي “أريان صابر الداوودي”: “الذات شخصية من شخصيات المجتمع شئنا أم أبينا، والسيرة الشخصية لكل كاتب بلا ريب مليئة بالمشاهد والمتاعب والآلام والأفراح، لكن الأمر الفاصل بين المتلقي والكاتب، هو النص، والرواية بمعناها الحقيقي هو الخيال، وإن كانت الأحداث واقعية، فعلى الروائي أن يُدخل المتلقي إلى المشهد الذي يكتبه من خلال طريقه سرده، واستخدام اللغة والتلاعب بالكلمات.
أما بالنسبة للسيرة الذاتية إن كانت صنف من أصناف الرواية أم لا، هذا يعود للعمل الأدبي، لو استطاع المؤلف أن يبدع في عمله فلا يهم المتلقي إن كانت تلك النصوص سيرته الذاتية أم لا، المهم هو تعامل المتلقي مع النص.
عندما يكتب عن سيرته، بلا ريب يفكر بأنه يحمل الكثير في خياله ومشاعره من الممكن أن يقدمه للمتلقي وسيجعل الأخير يشعر بما يشعر”.
ويؤكد: “أنا شخصياً كتبت الكثير من شخصياتي عن أشخاص أعرفهم حق المعرفة، ووصفت أدق تفاصيلهم، ولم أفكر يوماً عن ردة فعلهم؛ لأنهم لا يقرأون.
الواقع، البوح، التعري، الايروتيك… الخ، بالمناسبة، لا يهمني حتى اسم المؤلف، لا يهمني كمتلقي، ما يهمني هو النص الذي أقرأه، به أرتقي، به أدخل عوالم الكاتب، وبه أستمتع”.