25 سبتمبر، 2024 8:19 م
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (3).. مراعاة الحيادية مطلوبة في السيرة أم الكتابة ساحة مبارزة مفتوحة

كتابة الواقع (3).. مراعاة الحيادية مطلوبة في السيرة أم الكتابة ساحة مبارزة مفتوحة

خاص: إعداد- سماح عادل

عند الكتابة لا يستطيع الكاتب نفي الواقع بعيدا عن خياله، وإنما يشكل الواقع مخزونه الذي ينهل من خيراته، مهما بلغ من براعة في استخدام خياله، لابد له وأن يستخدم مفردات واقعه، وربما تكمن البراعة في قدرته على تشكيل مفردات الواقع تلك وعجنها وتشكيلها في بناء جمالي يمتع أذهان القراء.

شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟

2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟

3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟

4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟

5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

مراعاة الحيادية..

تقول الكاتبة المصرية “انجي مطاوع”: “السيرة الذاتية في رأيي لا يجب تحويلها لعمل روائي إبداعي وفقط، فهي عمل وثائقي له اعتباره وعلينا مراعاة فنياته للحيادية، وإلا لم سميت سير ذاتية. فهي توثيق ووصف لحياة شخص وما مر به أثناء حياته حتى وصل تأثيره ليكون قدوة تحتذى، أو مثال يسعى الجمهور لمعرفة كيف كان وكيف وصل؟، وما إلى ذلك، دون اللعب بتلك الحقائق إلا في أضيق الحدود، كإضافة شخصيات أو أحداث تواكب حياته ولم تختلط به وذلك للمساعدة مثلا في تطور الحكي وإيصال معنى أو فكرة ما، دون الإخلال بأصل سيرة الشخصية خاصة إذا كانت عن شخصية فارقت دنيانا.

قد يكتب البعض سيرتهم الذاتية أثناء حياتهم كتوثيق لعلاقات وأسرار غير متاحة للدائرة المحيطة بهم لأسباب عديدة مثل “سعاد حسني” و”هيلاري كلينتون” في أمريكا، والأمثلة عديدة. ففي الغالب هذه الشخصيات لا تأتمن غيرها على سرد ما تريده بالكيفية التي تريدها، وأحيانا خشيه الإفصاح عما لا تريد الكشف عنه، وأحيانا للشهرة وإعادة تسليط الأضواء التي تنزوي بخروجهم عن حلبة سباق ما كانوا يقومون به، أو لكبر السن وظهور جيل جديد بمهارات وصول أكبر”.

وتضيف: “كتبت عن عدة شخصيات خلال سنوات داخل رواياتي وقصصي، لم أقلق من أغلبها، فقط قصة داخل مجموعة “روح وجسد” هي ما توترني لأنها عن شخصيات حقيقية أصدقاء واختفوا فجأة، وللأن لا يعلم أي شخص أين ذهبوا، وبتأويلي لما حدث بطريقة الدراما السوداء قد يعتبرها ذويهم شيء يجب العقاب عليه”.

وتواصل: “نكتب عن ذواتنا وعن من حولنا، أصدقاء نعرف خباياهم أو غرباء مروا مرور الكرام ولكن بأثر باق داخلنا لنبوح بما يقلق مضجعنا أو فكرنا، وأحيانا تعرية وكشف لما لا يعجبنا في محيطنا سواء اجتماعيا أو سياسيا فربما نحدث تغير ولو بسيط. وأحيانا نكتب لتوثيق أحداث مهمة مرت بنا أو قبلنا كتوثيق تأريخي وتاريخي لأحداث اجتماعية وسياسية أثرت على المجتمع”.

الكتابة ساحة مبارزة مفتوحة..

ويقول القاص والروائي العراقي “تحسين كرمياني”: “لا أظن ذلك، الرواية تخضع لقالب فنّي متقن وفق عناصر حددها النقد، الشخصية والمكان والزمان والصراعات وطبيعة السرد والفضاء والعجائبية والغرائبية وووو..إلخ. وللرواية لغة خاصة بها، وإن تداخلت اليوم جميع لغات الأجناس الأدبية الأخرى لتشكل ثوب الرواية، كالشعرية والتصويرية والتشكيلية والصحافية والفلسفية.. ووو..إلخ. عكس السيرة والتي تكون مفتوحة بلا محددات تحيد من فلتانها، فهي سرد وقائع حصلت بلغة يومية مسطحة مفهومة، وهي تروى بطريقة أفقية من غير التلاعب بطبيعة سردها كالفلاشباك مثلاً، عكس الرواية والتي تطورت لتتخذ مسارات قد تكون متشابكة لكنها في النهاية تكون ذات ثيمة واضحة ونهاية سابقاً كانت مغلقة واليوم مفتوحة.

الرواية تعتمد على حوادث وشخصيات تتصارع سواء واقعية أو متخيلة ضمن حيز زمني قد يطول لسنوات وعهود وقد يكون لساعات، أمّا السيرة فهي مكاشفة للذات ودلق الأسرار الشخصية وإن كانت أغلبها مقننة من الأسرار الحساسة الشخصية جداً والخادشة أو تخوفاً من الفضيحة، كون مجتمعنا لا يقبل بذلك، ويصعب تمرير الأكاذيب فيها إّلا فيما ندر، وهذا يتوقف على سارد الذات من باب شحنها بالمقبلات المرغوبة، الرواية تعتمد على الخيال بالدرجة الأساس، وإسناد من الواقع، وهي عمل ابتكاري، لخلق عوالم جمالية، أمّا السيرة تستند على حوادث يومية عابرة ويكون دور الخيال فيها فقط استرجاعها من أزمنتها وإعادة تأثيثها في فرشة.

ومن هذا المنطلق تكون السيرة خارج إطار الرواية أو هي وليدتها الخدج في أغلب الأحايين، بتداخل الصنفين نجد أن هناك سيّر تحذو حذو الرواية في طبيعة سردها ولغتها المختزلة والشاعرية المقحمة جرّاء خبرة الكاتب والإلمام التام بتقانة الرواية وثقافته الموسوعية، لإخراجها من التاريخانية إلى فضاء الرواية الواسع”.

ويضيف: “طبعاً للخيال دور في كتابة الرواية، من غير الخيال لا يمكن كتابة رواية تتصافح مع عقلية القارئ، أو تصنع لنا عالماً جميلاً، ينتصر فيه الحق، وتتشكل فيها حيوات مأمولة هروباً من الواقع المزري، فالخيال هو يصنع الدهشة ويخلق الجمال، وكتابة الواقع من غير الخيال قلت سابقاً أشبه بالنميمة، فهو من يحرر الروائي/ ة من واقعيته المبتذلة، أو السطحية الممقوتة ويأخذه إلى عوالم غير مكتشفة ليتزود بما يرغب من حوادث ومشاهد لبناء روايته قد لا تحصل بل يعتمد على خبراته لتكون مقنعة.

أمّا بالنسبة الكتابة عن الذات من غير الخيال حتماً سيرمي بالعمل في خانة الإنشاء والتاريخانية والعرضحال، إذا كانت الثقافة ضحلة، والخيال معطوباً، والدربة الفنيّة محدودة، ستكون الكتابة عن الذات عليلة، وسيبقى الخيال هو المعول الذي يهدم أبواب المستحيل لتمر سفينة العقل عبر بحار ومدن اليوتوبيا للبحث عن اللؤلؤ والمرجان”.

وعن هدف الروائي/ ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول: “صعب أن نحدد ذلك، ربما العجز عن مواصلة كتابة الروايات تدفع بالكاتب أن يجرب ذلك في كتاب السيرة، أو هي مكاشفة لحياته الأدبية وأسرارها، أو هي تكملة قيافة منجزاته بعمل مقبول كون السيرة غالباً ما تكون محفزة الفضول بسبب أسرارها ومكاشفاتها، وربما هناك أشياء يعجز الكاتب التعبير عنها أو لم تكن جاهزة لتصبح روايات وظلّت عالقة في الذهن لحساسيتها لذلك يحررها الكاتب في كتاب قد يختم به حياته ومسيرته الأدبية، وهناك من يريد أن يقدم تجربته الكتابية عبر السيرة شارحاً فيها ثقافته ومعاناته وعذاباته، في النهاية السيرة الأدبية هي صنف أدبي مستقل وإن تتداخل فيها لغة جميع الأجناس الأدبية كما أسلفنا، وغالباً ما تكون السيرة أمتع من الروايات وأكثر مقبولية عند الكثير، لأنها نشر غسيل”.

وعن تجربته أن يكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتب عنهم يقول: “الكتابة عمل الشجعان، ومن لا يتعامل بصراحة يتوارى خلف الرمزية أو الغموض، والكتابة سابقاً عمل معيشي، عند الغرب، لا يمكن للكاتب أن يتخلص من المحيط ومن الشخصيات القريبة منه أوان الكتابة، مهما استنجد الكاتب بالخيال ستسقط عدسات خياله على المقربين لمواصلة الكتابة، الكتابة عن الشخصيات المتخيلة والأحداث المبتكرة بحاجة إلى براعة ودربة وثقافة موسوعية، وإلى خيال فالت وثقافة بصرية وتشكيلية شبه خارقة.

الرواية هي بنت الواقع، والخيال يرتكز على الواقع لينطلق إلى صحاري الذات في رحلة اصطياد قد تكون موفقة وقد تكون خائبة، ما أكتبه شخصياً يستند على الواقع مغلفاً بسربال الخيال، لم أشعر بالخوف يوماً ما عندما أكتب، أكتب بصراحة تامة، من قصدته سيتعرف على نفسه من خلال سطور قليلة أو صفحات قليلة، حتى أن هناك من الأصدقاء يتخوف الحديث عن أسراره أمامي، أحدهم قال لي: ذهنك قنّاص سيمرر كل ما نقوله أمام حضرتك في عملك القادم! وحصل ذلك بالفعل في الكثير من حوارات رواياتي ومسرحياتي وقصصي، نساء أسررن لنساء: أنت فلانة وكذا في رواية “بعل الغجرية” وفي رواية “حكايتي مع رأس مقطوع” وفي رواية “زقنموت”! وفي روايتي “ليالي المنسية” والتي كانت نقل شبه صادم لوقائع حقيقية مما حدا بمنعها في “الأردن” كما أخبرني ناشرها السيد ماهر الكيالي.

في مسرحيتي “من أجل صورة زفاف” كل شخصياتي أدبية معروفة بالاسم الصريح وهم أصدقاء من مدينة واحدة هي بعقوبة مركز محافظة ديالى، قلت ما في دواخلهم من هموم أدبية وسياسية وأحلام، حتى أن الراحل المسرحي والروائي محي الدين زه نكنه أتصل بي وطلب تحويل الأسماء إلى أرقام لأن ما يدور من حوارات كانت مسؤولية واضحة تعلن تمردهم على كل ما يجري، لذا بناء على طلبه بدلت أسمه فقط في المسرحية إلى اسم رمزي يعرف به كان يستخدمه في النشر، كذلك شخصيات مسرحية “عمو بابا ميّت” وكل ما يقوم بانتهاك حرمات الحياة أتناوله بلا تردد.

في أعمالي لا يوجد شيء اسمه تابوهات محرمة أو ثالوث مدنس، في الكتابة أعجن الحياة وأقصف بكلمات ثقيلة كل جهة مهما كانت سيادتها، أظن أن صفحتي في الفيسبوك خير دليل على شجاعة ما أكتب، وكل التغريدات هي عبارة عن تلخيصات تستهدف الأدب والأدباء من باب المحبة طبعاً للذين ما زالوا يتراوحون في دائرة محددة في سردياتهم، والقصد من ذلك رغبتي في تفعيلهم ومنحهم جرعات لإخراجهم من الرتابة والتكرار لإنتاج أعمال ننتظرها”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم يقول: “أظن هذا السؤال له صلة بالسؤال السابق، لا يوجد رد فعل واقعي، الأديب كائن خجول مجتمعياً، ينأى بنفسه من مزالق الخصومات الواقعية، يكتفي بالسكوت، أو الزعل، أو يقوم بحذف الصداقة في الفيسبوك، أو يبدأ بتغريدات مضادة مرموزة على صفحته كرسائل غير مباشرة، أغرب ما حصل لي، هناك من قرر أن لا يقرأ لي، بعدما اكتشف نفسه أو كاشفوه، وظلّ يواصل التلصص والتربص بخفاء تام، مع المحافظة على الصداقة، بحثاً عن نفسه، وغالباً ما تكون القراءة فاحصة مجهرية من قبلهم، وهذا ما أبغية ويثلج صدري كوني اصطدت قارئاً ضمنياً لا عابراً”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدراً هاماً للكتابة، هو ما يدفع الكاتب/ ة لكتابة ذاته للآخرين يقول: “سبق وأن قيل الكثير بخصوص كتابة الذات واسقاط أفكار الكاتب على شخصياته، وهناك جدل حول الموضوع قديم، الكاتب ابن واقعه، ابن بيئته، ابن مرحلة تاريخية محددة، ابن جغرافية محددة، ابن زمنه، لا يستطيع التخلص من نفسه أوان الكتابة، عن ماضيه، فالماضي رقيب حميدي، نافع، الكتابة هي التعبير عن جراح النفس البشرية، كون الكاتب جزء حسّاس وراصد، رافض وغاضب دائماً.

الكتابة استهداف للخروقات الإيجابية والسلبية، وهي محاولة تحريك العالم أو تسليته أو تثقيفه أو بناءه، وكل كتاب لبنة مضافة إلى بناء العالم النفسي، أو إنارة الطريق أمامه، كل كتابة هي توثيق لمرحلة زمنية، وطرح أفكار وإن كانت ميتافكشن، فالكتابة ساحة مبارزة مفتوحة، هناك من يعري حياته وحياة الآخرين من باب الاحتجاج والغضب على ما يجري على أرض الواقع من خروقات لا إنسانية وهضم الحقوق والتناحرات العرقية والعقائدية والمذهبية التي لا ولن تنتهي، هناك من يجعل من نفسه عندليباً في محاول ضخ جرعات من الجمال للحياة عبر كتب تسلية، وهؤلاء طبعاً غير موهوبين، لم يعانوا من الويلات وشظف العيش والحرمان ولديهم فضول الكتابة.

هناك من يستدرج التاريخ للكشف عن الملابسات التي حصلت في محاولة إعادة إنتاج صياغته خارج أطر التزوير والتجيير السياسي، صياغة أدبية جمالية جديدة لرد الاعتبار للمهمش والمقصي. الكتابة هي تدوين للتاريخ البشري والحفاظ على الحقائق مهما على صوت الباطل والمدفع والمشانق، لأن الزمن خير مكتبة للحفاظ عليها وإبرازها في توقيتاتها الفاعلة والنافعة”.

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة