خاص: إعداد- سماح عادل
قد تكون كتابة الواقع بهدف البوح، أو بهدف الانتقام من الأعداء، أولئك الأشخاص الذين يؤذوننا، أو رسم صورة جميلة لأشخاص طيبين، وقد تكون بهدف التوثيق، وعرض رؤي عديدة لنفس الأحداث التي جرت في الواقع، كما قد تكون أيضا محاولة من السارد لتشريح وكشف الشخصيات التي عايشها في الحياة.
ولقد شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:
1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟
الانتقام من الأعداء..
تقول الكاتبة المصرية “مي الحجار”: “لا يمكن القول أن كتب السيرة الذاتية تكون دائما على شكل واحد ثابت، بل يبدع كل كاتب وأديب إلى أن يضع بصمته الخاصة وطريقته فيما يكتب، فنجد بعضهم يلجأ إلى كتابة رواية أدبية بشكل شبه تقليدى لشكل الرواية المتعارف عليه. فيمزج فيها بين واقع حياته وخياله، ويمكن للقراء والنقاد بعد ذلك استكشاف كون هذه الرواية سيرة ذاتية لكاتبها أم لا.
كما نجد كتابا يلجئون إلى كتابة وقائع واعترافات خاصة جدًا في كتبٍ مستقلة وأحيانا تحمل طابعًا أدبيًا. ولكن الأكيد لا أحد يستطيع قول كل شئ مهما كانت شدة جرأته. دائما تبقى هناك أسرار يعجز أعظم كاتب عن سردها. إما لأنها تؤلمه بشدة. أو لأنها قد تقوده للهلاك لو عرفت. فيلجأ الكاتب هنا لنسب هذه الأسرار لأبطال روايته”.
وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب: “في عصرنا الحالي الأسباب متعددة. المال، الشهرة، وإن كان نادرا وحالات معدودة التي حقق بها الكتاب، للكاتب مقابل مادي جيد. أو أسباب أكثر نبلا. مثل عرض قصة كفاحه ونجاحه. فأغلب السير الذاتية تحمل عظة وقصة مهمة ودروس في الإنسانية.
وأهم أسباب كتابة السيرة الذاتية في وجهة نظري “الاحتجاج” وإعلان التمرد، ورفض وقائع مؤلمة كرواية “الأيام” للدكتور طه حسين التي عالجت أوضاع واحتياجات الطفل ثم الشاب والرجل المعاق في المجتمع، ومشاق سعيه وراء أحلامه، حتى لو كان نابغة بلا شك مثل الدكتور طه حسين.
وسبب آخر جدير بالذكر لكتابة السيرة الذاتية “الفضفضة” أو البوح لمجرد البوح وإطلاق العنان للسان والقلم وكشف المستور، وتعرية النفوس أو نشر المسكوت عنه. فيقرأ القارئ فيظن من فرط المصدقية وحلاوة الأسلوب أنه بطل هذه “السيرة” أو الرواية”.
وعن هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتها المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم: “حدث طبعا نعم أنا افضح أعدائي واجعل قرائي يلعنوهم للأبد كلما قرؤوا كتبي. في الواقع أنا لا انتقم من الشخص المؤذى لو صادفته فى الحياة . فقط أتجنبه ولكنى أتأمله كثير ثم انتقم منه بتحويله للبطل الشرير في روايتي. طبعا بعد إضافة بعض الخيال وإخفاء هويته الحقيقية.
أما الأشخاص الأسوياء نفسيا الطيبين فأنا لا أسمح لنفسي بتحويلهم لأبطال في رواية إلا بعد إذنهم وإخفاء هويتهم. وغالبا أنا لا أخبر أحد أنى كتبت عنه. وامزج الواقع بالخيال حتى لا يشك ضحية قلمي بأنه بطل روايتي. وغالبا لا أعرف نفسي بأني كاتبة أو روائية أمام الغرباء. أحب أن يتصرف الناس أمامي بأريحية دون أن يشعروا لحظة أنهم محل مراقبة مني. وأنهم في لحظة قد يتحولوا لأبطال في رواياتي.
وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم: “الفرح.. القلائل.. الذين اعتقدوا أنهم يشبهون بطل أو بطلة رواية لي.. طغى عليهم إحساس بالفرح والسعادة. إن هناك من شعر بهم وكتب عنهم. ولكن هناك الكثيرون كتبت عنهم ولم يكتشفوا بعد ذلك. لأني كما ذكرت سابقا أخفيت الهويات وخلطت الواقع بالخيال.
وتجيب عن سؤال البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين: “الله هو المبدع الأعظم. الذى كتب برحمته قصص حياتنا. فلا شك أن روعة القصص الحقيقية لو كتبت بصدق وإخلاص كما كتبها الله لأخذت العقول والقلوب. الحياة الحقيقية بها أسرار واكتشافات قلة قليلة تجرأت وخطتها بأقلامها. والبوح شهوة. إذا امتزجت بالموهبة ولدت رواية أو سيرة ذاتية ملهمة وبديعة الأحداث.
توثيق وعرض رؤى..
ويقول الكاتب العراقي: “علي الحديثي”: “لا يمكن أن نعدّ السيرة الذاتية صنفًا روائيًا، فلكلّ واحد منهما لغته وصياغته، أمّا الخيال فهو مسموح به في التعبيرات السردية الوصفية التي يمكن أن يدخل الخيال فيها، أمّا الأحداث فلا يمكن أن يدخلها الخيال، لأنه حينها سيكون تزويرًا للواقع”.
ويضيف: “لا يمكن تحديد هدف الروائي من ذلك، فلكلّ روائي هدفه الخاصّ به، ولكن عمومًا كتابة السيرة الذاتية هي جزء من إرسال رسالة للآخر ليقول له بهذه المعاناة كتبت، هكذا تعبت واجتهدت لأكتب أفكاري… وهكذا”..
ويواصل: “نعم جرّبت، ولم تعتريني المخاوف، لأنّي غالبًا استأذن الشخص بذكر اسمه الصريح، ومن يرفض ذكر اسمه فلن أغيّر الحدث، وإنّما أعمد إلى تغيير اسمه فقط”.
وبؤكد: ” بما أنّي استأذن الشخص المعنيّ، كما ذكرت سابقًا، فردود أفعال من ذكرتهم كانت الفرحة وشكري على ذلك، ولكنّي وجدت أشخاصًا ذكرتهم لم يكونوا يبالون، كأنّ الأمر لا يعنيهم، يعني لم يبدوا ابتهاجًا ولا امتعاضًا”
ويجيب: “أرى أنّ البوح هو المحركّ الأساس لكتابة الكاتب عن ذاته، وهذا لا ينفي الدوافع الأخرى، أمّا ذكر الآخر فأرى التوثيق هو المحور لذلك، أمّا ما يتعلّق باعتبار الواقع، فهذه مشكلة (تاريخية)، لأنّ الروائي حينها سيعكس الواقع (الحدث) برؤيته، وآراء الأشخاص تتباين حدّ التناقض في رؤيتهم للحديث الواحد… وعمومًا، الكتابة نوع من أنواع التعرّي والتعرية، وربّما هي أهمّ تلك الأنواع”.
كشف وتشريح للشخصيات..
وتقول الكاتبة العراقية: “سلامة الصالحي”: “أنا شخصيا أعتبر السيرة الذاتية المحكمة والمضاف لها أحيانا تصورات وأحلام الكاتب هي نوع من السرد الروائي فهي لها مقومات الرواية التي كتبها الزمن، وعمر الكاتب وأيامه وتجاربه التي هي بالتأكيد تجارب مجتمعه أيضا والتي عاصرها وعاشها وربما مافيها من غرائب وعجائب قد تدخل ضمن الواقعية السحرية، مثلما يحدث في روايتي “رأسي في مكان آخر” التي إستمديتها من سيرتي الشخصية وأستفدت مما جرى لي من أحداث غير معقولة في إضفاء بنية العجائبية على النص، إذ قد يتعدى ماجرى لي خط الخيال المفترض في الرواية وقد يبدو أنه قد فاق ذلك”.
وتواصل: “كل الروايات التي يكتبها الروائيين هي تختمر في نفوسهم وفي المناطق الافتراضية ومدن الخيال تغذيها الأنوات الثلاثة للكاتب ومايمر به أو قد مر به في حياته. فلكل إستهلال روائي بذرة من حياة الراوي وتجاربه. وقد يهدف أيضا إلى توثيق سيرة مدينته أو زمانه ومكانه عبر سيرته الذاتية”
وتؤكد: “بالتأكيد تكون أحيانا نواة بعض الشخصيات هي من الافراد الذين صادفونا أو سمعنا عنهم. أو جذبتنا بعض الظروف التي مروا بها في الكتابة عنهم”.
وتواصل: “قد يفرح البعض ويطلب مني أحيانا توثيق تجربته أو الحدث العصيب الذي تعرض له وقد يرفض البعض الآخر خصوصا العائلة من أخوة وأخوات أي ظهور لهم في أي نص مكتوب”.
وأخيرا: “الكتابة الإبداعية هي بوح ذاتي مرتبط بالموضوعي هو يكشف ذاته بذاته. وعندما تتعرض الشخصية للرؤية السردية فأنها تخضع للتشريح والكشف بالتأكيد. ولا أجانب إلا الواقع إن قلت أنه نوع من التعري وكشف أعماق الشخصيات التي حولنا وليس شخصي”.