خاص: إعداد- سماح عادل
لكل كاتب أحداث حياتية عاشها، يشعر أنها تستحق أن يتم تسجيلها، وأن يحفظها من مراوغات الذاكرة، أحداث عادية لكن لها قيمتها بالنسبة لصاحبها.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:
- هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
- ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
- هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
- ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
- البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟
الواقع مصدر مهم للكتابة..
تقول الكاتبة الليبية “محبوبة خليفة”: “أعتقد أن السيرة الذاتية هي صنفٌ أصيل من أصناف الرواية وهناك أعمال روائية استندت على سيرة كاتبها الذاتية غير أن بعض الكتاب يفضلون تغيير أسماء أبطال العمل وبالطبع لديهم أسبابهم المتعددة، ليس أولها الملاحقة القانونية ربما إن اشتملت هذه السيرة على وقائع من التاريخ بأسماء أبطال هذه الوقائع أو المشاركين فيها.
أيضاً قد يتحرَّج الكاتب-الراوي في هذه الحالة- من جرأته في سرد سيرة أبطاله في مناطق معينة من الرواية فيخبئها وراء أسماء مفترضة.
في روايتها (بيت العائلة) كتبت الكاتبة (سامية سراج الدين) وقائع كثيرة عرفتُ كثيراً منها كقارئة، ولو لم تضع اسمها على الغلاف لأيقنتُ أن الكاتبة من هذه الأسرة السياسية المصرية المعروفة. وهذه الرواية نموذجاً مثالياً للسيرة الذاتية كان الخيال أحد أبطالها”.
وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب تقول: “الحقيقة هذا سؤال مهم جداً
ولي رأي قلته في السابق ولم يعجب البعض، وهو أنه لكل منّا حياة عريضة تصلح لنرويها. فليس شرطاً أن أكون روائياً أو كاتباً لأدوِّن سيرتي كرواية وأقدمها للناس ربما تكون في سيرتي وقائع ملفتة ومشتركة مع مجايلي هذه الحكاية، شريطة أن يكون في هذه السيرة شيءٌ جديد يستقبله القاريء، فيقبله إن أراد كرواية أو كسيرة ذاتية للراوي. وبالطبع لن أضيف جديد إن قلت أن أدوات الكتابة لابد أن تتوفر فيمن يجرؤ ويعافر ليحصل على مكان بين أهل القلم”.
وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتها المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم تقول: “نعم كثيراً، لكنني لم أخش أية ردة فعل لثلاثة أسباب:
أولها أن من كتبت عنهم هم جزء أصيل من سيرتي، وكان لابد أن ترد أسماؤهم لتكتمل وقائع الرواية. والسبب الثاني، أنني أخفيت بعض الأسماء، وأوردت بعض الإشارات
أو العلامات الدالة لمن كانت لديه حصافة، ويعرف تاريخاً بعينه عشته وعاشوه معي، وثالثاً أنني تحريت الحقيقة فليس لي صالحاً بالخيال أو الادعاء في هذا المجال”.
وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم تقول: “كما أسلفت أفراد أسرتي وأصدقائي أسعدهم ذلك جداً.
أما بعض من قرأ روايتي فرأوا فيها مبالغة وأنني تجنّيتُ على عهدٍ سياسي عشته، ومعظمهم من صغار السن ولم يقرأوا شيئاً عن هذا التاريخ وفاجأتهم روايتي .
وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين تقول: “الأخيرة ربما. أنا أعتبر الواقع مصدراً مهماً للكتابة، وهذا ما أوضحته في إجابتي على السؤال الأول .فبعضنا لديه حياة غنية شديدة التعقيد ربما، وصورها ملونة أحياناً، ورمادية أحياناً أخرى، فإن كان صاحب هذه الحياة لديه القدرة الإبداعية ليصيغها في عملٍ يقدمه للناس فلما لا”.
كل له رواية حقيقية عاشها.
وتقول الكاتبة العراقية: “زهراء حسن”: “السيرة الذاتية تشبه الرواية في السرد والبناء، لكن أحداثها حقيقية وهذا الفرق بينها وبين العمل الروائي الذي يلعب الخيال دورا كبيرا في بناء شخصياته وأفكاره.
أستطيع أن أعد السيرة الذاتية رواية لأن حياتي رواية تروى بغض النظر عن أهمية هذه الحياة وأهمية أحداثها، وحياتك رواية تروى وحياتها رواية تروى، وحياته رواية تروى، وحياتهم رواية تروى أيضا، فكلنا لنا رواية حقيقية عشناها في هذا العالم هذه هي سيرتنا الذاتية، أما ماهو الفرق بين السيرة الذاتية والراوية فالفرق واضح وبين، فالسيرة تتحدث عن شخص ولد ولعب دورا في الحياة والتقى بناس أثروا وتأثروا وكل الأحداث أخذت من الواقع.
والراوية تدخل في هذا المضمار تتحدث عن بطل واحد أو عدة أبطال وعن الزمن الذي يحيط الرواية والأشخاص الذين يلعبون دورا مهما في حياة البطل، غير أن الأحداث قد لاتكون لها صلة بواقع حقيقي.
يكتب الكاتب/ الكاتبة الرواية ولا يضع أمامه حجم الخيال، وإذا كان الكاتب/ة صاحب موهبة حقيقية، يأتي الخيال مكملا للسرد ذاته، يضيف عليه من نكهته ويضعه في صياغة فنية تكمل العمل الروائي.
أتذكر أني قرأت راوية موبي ديك ل هرمان ملفل، الرواية كانت متقنة الصنع وأضاف الخيال لها الكثير، وهذا الاتقان يعود لكاتبها وقدرته في السرد والوصف ونقل الأفكار بطريقة شاعرية صادقة”.
وتضيف: “ربما يهدف الكاتب من كتابة سيرته أن يتعلم الآخر من تجربته علها تفيده في طريق الحياة وتشعل ضوء أخضرا في مسيرته، وإذا عدنا إلى كتاب فدوى طوقان “رحلة جبلية.. رحلة صعبة”، سنجد أن فدوى ذكرت في مقدمة كتابها أن هذه السيرة قد تساعد الأشخاص الذين يمرون بظروف صعبة كيف يحفرون في الصخر ويصعدون الجبل، وأنا اعتبر هذا الكتاب هو أيقونة السير الذاتية، فهي تصف صعوبات حياتها التي لا تصدق وتجاوزها لتلك الصعوبات، في زمن كانت المرأة فيه لا تخرج من البيت، إلا إلى حمام السوق”.
وتواصل: “كتبت ذات مرة قولا لجدتي، على صفحتي في الفيس بوك، وكانت جدتي غاضبة لأن جدي تزوج عليها فقالت جملة نتيجة غضبها وسخطها، ولأني أعرف أن الذاكرة تعطب وتنسى أردت أن احفظ هذه الجملة حفاظا عليها من النسيان، لأن في البال كتابة راوية قد اضمنها هذه الجملة، فانقلبت الدنيا عند الأهل، وصرت أوضح أن جدتي كانت غاضبة وأن هذه الجملة تعني غضبها أكثر مما تعني جدي.
وصرت أشرح ماذا أريد أن أقول، وصرت أقول إن هذه الجملة سيمر عليها زمن وستنتهي من القاموس اللغوي الشعبي، إلا أن وجدت نفسي امحو البوست كله، لأنني تعبت فعلا من التوضيح!”.
وتوضح: “قد يكون الدافع هو حب الكتابة والشغف بها وهي بنفس الوقت عملية تطهير للذات من أدرانها أن يجرؤ الكاتب على قول كل الحقائق التي يراها والأفكار التي يعتنقها هو بحد ذاته نوع من التوثيق، وإلا كيف لنا أن نعرف الحقائق إذا لم يعلن الكاتب عن فكره، أنا أحب أن أقول أفكاري على العلن ومن خلال الكتابة.
وقد دفعت ثمن إعلان أفكاري غاليا، لذا أرى أن الرواية هي توثيق لحدث ما لا تحتمله الحقيقة لأنه يعرض صاحبه للمساءلة التي قد يكون في غنى عنها فعلا، لكن الرواية تحتمله خصوصا إذا زين بالخيال واحتال الكاتب فيها على الزمن.
الأحداث ووقائعها واضف القراءة والتجربة الحياتية الذاتية، هذه مصادر تثري وتغني الرواية وتعتمد على قدرة الكاتب في قيادة السرد والبناء”.