28 سبتمبر، 2024 2:19 م
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (15).. حقل للتوثيق وتشخيص الواقع أم تدوين الذكريات بحذر

كتابة الواقع (15).. حقل للتوثيق وتشخيص الواقع أم تدوين الذكريات بحذر

خاص: إعداد- سماح عادل

يجزم بعض الكتاب أن الكاتب حين يهم بخط سيرته الذاتية يخشى من الانكشاف التام أمام القراء، نظرا لطبيعة مجتمعاتنا المحافظة.

شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟

2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟

3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟

4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟

5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

حقل للتوثيق وتشخيص الواقع..

يقول الكاتب اليمني “محمد عبده الشجاع”: “السيرة الذاتية هي فن قائم على مسارين الأول السيرة الذاتية التي تكشف جوانب صاحبها كما هي، من ذكريات ومذكرات ومواقف وقصص وأحداث وتفاصل، قد تكون دقيقة أو مختارة بعناية فائقة، ويكون فيه وضوح أنها تعكس حياة صاحبها وعلاقاته بمن حوله ومحيطه وأفكاره، وقد يكون فيها الخيال حاضرا بطريقة ما، وهذا يعتمد على براعة الكاتب نفسه.

المسار أو النوع الثاني هو مزيج من السيرة الذاتية والعمل الأدبي السردي الذي يطغى بشكل كبير، أي أن القارئ يلمح سيرة ذاتية لكن بقالب سردي أدبي روائي، بمعنى أدق أنها تكون أقرب إلى العمل الروائي، بحيث يستطيع الكاتب اجادة الاسقاطات وتشتيت ذهن القارئ بصورة جيدة حتى يبعده عن التسليم بأن هذه العمل سيرة ذاتية، وهناك أعمال كثيرة لا حصر لها، والسيرة الذاتية هي من أهم الروافع التي تدعم الكاتب على كتابة عمل أدبي، ولا يمكن الاستغناء بأي حال عن السيرة كماضي وتحويلها إلى عمل أدبي.

فالذي سيكتب عن الجامعة بالتأكيد كان أحد طلابها وجزء من الأحداث بطريقة أو بأخرى عايشها، وهكذا الحواري والأرياف وتجارب الحب وغيرها وحتى الصراعات والحروب

بالتأكيد إذا تحول الأمر إلى عمل أدبي سيكون فيه إعمال الخيال بشكل لا محدود، لأنك محكوم ككاتب بضرورة الخروج بعمل جيد في اللغة والحبكة وتعدد الثيمات وغيرها من تقنية الرواية، فالخيال هنا يصبح هو الأصل والسيرة هي الفرع أو النواة إن صح التعبير.

أما في حالة الذات وهو موضوع السؤال فإن الكتاب عن الذات لا يحتاج إلى لغة شيقة من أجل القارئ بدون الخيال، بمعنى أنك أمام خبر أو واقعة لا تحتاج لخيال بقدر ما تحتاج إلى لغة وصياغة متينة.

وهنا أتذكر الراحل جابر عصفور وحلقات رائعة كان يكتبها لمجلة العربية عن بدايات حياته في القراءة وتعلقه ببعض الكتاب والكتب، يحكي واقع وذات؛ بلغة جيدة بدون خيال واسع مثلا وهناك نماذج كثيرة وإن كان على شكل حلقات”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول: “بداية كتابة السيرة من قبل الروائي ليس كل شخص لديه الإمكانية لكتابة السيرة، أو بالأصح لا يكتب السيرة الذاتية بشكلها العادي أو الروائي إلا من لديه القدرة الكاملة على ذلك، ومن لديه موضوع يستحق الكتابة وثيمات يستطيع الارتكاز عليهن، وإلا يصبح الأمر كأنه تقليد أو موضة، بمعنى أن الكتابة بحد ذاتها تحتاج لأن ترتكز على فكرة حقيقة قابلة لأن تكون عمل له تأثير أو قبول، وربما يخلق جدلًا على نطاق واسع لدى القراء والنقاد وأصحاب الآراء والانطباعات.

أما الهدف فهو متعدد الغايات بكل تأكيد، قد يكون من باب المكاشفة، وقد يكون خوض مغامرة جديدة أدبية، وإبراز جوانب من حياة يشعر أنها مختلفة، لكن في الحقيقة كتابة السيرة الذاتية بشقيها الأدبي السردي والشخصي تحتاج إلى جرأة وشجاعة، والبيئة العربية غير مناسبة، ما تزال تحتكم إلى العادات والتقاليد، ومن الصعب خوض تجربة المكاشفة باستثناء بعض التجارب التي ظهرت في الخليج وفي المغرب العربي وبعض الأقطار الأخرى، هناك تجارب نسائية عديدة.

وعملية الفصل في الأشكال الأدبية واردة حتى بين التجارب الذكورية والنسوية، أي أن الشاهد هنا، لا يمكن تحديد الأجناس الأدبية دون الدخول في الجدل عن ماهيتها ونوعيتها، لأن هناك القارئ الناقد والانطباعي، وهناك من يكون أفكار جديدة بينهما وهكذا، مثلها مثل الجدل الدائر بين الأدب النسوي والذكوري مع الفارق في البناء والسياق.

على كل حال قد يكون الهدف أيضا ابراز الذات التي تشعر أحيانا بالتهميش والتغييب من قبل المجتمع أو المحيط بقصد أو بدون قصد، أو أنها بحاجة إلى الظهور ولفت الأنظار ومحاولة إيجاد حركة في المجتمع، وهو مسار ربما سبقت إليه المجتمعات الأخرى من خلال ظهور مدارس نقدية وأدبية مختلفة”.

وعن تجربة أن يكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم يقول: “بالتأكيد كانت هناك اسقاطات حملت كثير من المخاوف من ردة الفعل، لكن كان فيها جانب إيجابي وفيها جانب سلبي يكشف بعض القضايا وهو أمر حساس للغاية في المجتمع والمحيط وتحديدًا قضايا المرأة إلى جانب ثيمات رئيسية كالدين والسياسة”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم يقول: “هناك أكثر من تجربة حدثت لي شخصيا، تناولت بعض القضايا بصورة مجازية أو إشارات وقد تعرضت لمشكلة كبيرة، كانت كافية لأن أعيد بعض الحسابات والأفكار، لكن دائما هناك نتائج إيجابية أيضا تحدث في السياق وتظهر بصور مختلفة على مستوى المجتمع، قد تخدم كثيرا قضايا الحقوق وتغيير وجهات النظر حول أمور كانت تعد من الثوابت”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين يقول: “بعيدًا عن التعري ثمة حاجة ملحة تدفع الكاتب للبوح وسرد الأحداث، والكتابة واحدة من الرغبات التي تسيطر على هواجس الكثير من الأشخاص، فمن خلالها يعبر عن شواهد كثيرة ومعطيات. إضافة إلى أن الكتابة واحدة من أهم الفنون التي لا يمكن كبتها، بحيث تصبح مادة مهمة للكاتب وكذلك للمتلقي، وهي حقل للتوثيق وتشخيص الواقع والتنبؤ و إعمال الخيال وكشف جوانب عديدة، ناهيك عن المتعة التي تصاحب عملية التدوين، كما أنها جزء من توثيق مراحل من التاريخ، وهي حالة من الحالات القابلة للتطور والتغير، فالكتابة فن سابق لكل الفنون ومن خلاله عرفت قضايا كثيرة ومسائل وأحدث كونية.

كما أنها أي الكتابة تجيب على أسئلة كثيرة وتحتوي العديد من الأفكار والممكنات في سياقاتها المختلفة”.

تدوين الذكريات بحذر..

تقول “سهير علوي” روائية يمنية: “لابد أن الرواية التقليدية تختلف عن الرواية سيرة ذاتية، لأن السيرة الذاتية تعتمد على وقائع وحقائق، أحداث وقعت في الماضي وانقضى زمانها، يستعيدها الكاتب في السيرة الذاتية أو الغيرية مما يجعلنا نعيشها وكأنها حصلت للتو، كما أنها لا تقبل بالخيال، لأن التخيل يفقدها المصداقية.

أي أن رواية السيرة الذاتية تتطلب شجاعة ومصداقية في تناول الذات، متى ما تخلص الروائي من الضغوط النفسية والأسرية والاجتماعية في سرد الحقائق بصدق ودقة، استطاع أن يكتب سيرته الذاتية كما في رواية “الخبز الحافي” وروايات آنو إرني التي ظهرت بوضوح في أعمالها الروائية”.

وتواصل: “أنا أعتبر السيرة الذاتية نوع من أنواع الرواية ولكن بنكهة أخرى، استعادة الماضي أكثر ما يشغل بال كتاب السيرة الذاتية، وفق رؤية أن تستعيد ذاتك وتعيش من جديد الحياة التي طالما افتقدتها، وإعادة النظر في التفاصيل بعد اتخاذ مسافة بين الذات والأحداث تتجلى كفرصة حقيقية لمشاركة العالم مسيرته وتجربته”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية ونشرها في كتاب: “الأهداف التي يضعها الكاتب أو الروائي حين يستلهم سيرته الذاتية متعددة ومختلفة من روائي إلى آخر، وهي في مجملها أهداف تهيئ له الوصول إلى نقطة النهاية، لا بأس بقليل من الإضافات السردية المتخيلة، حتى يجد القارئ الواقع ممزوجًا بالخيال على حسب السياق.

أما عن حجم الخيال المطلوب، لا أظن أن للخيال حدودًا، في كل الأحوال هذا يعتمد على ما يدور في رأس الروائي/ة، فقد يسهب الكاتب بخياله في السيرة الذاتية عندما لم يكن راض تمامًا عن بعض التجارب والمواقف التي خاضها، فيضيف بعض الخيال تفاديًا للرتابة في السرد، أو من أجل التشويق والإثارة، أو ربما لأنه اعتاد على الحياة البديلة، التعويضية المتخيلة. ولكن الكثير من الخيال يفقد السيرة الذاتية مصداقيتها فتصبح رواية أقرب إليها من السيرة الذاتية”.

وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتها المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم يقول: “نعم كتبت عن شخصيات واقعية مع تغيير بسيط في الأحداث والأسماء، ولم آخذ رأي من كتبت عنهم لأن الموضوع ليس مُهمًا بالنسبة لهم، ولأنهم بعيدين كل البعد عن الاشتغالات الإبداعية والأعمال الأدبية التي انشرها، وأكاد أجزم أنهم يتفهمون ما كتبته، حين اخترت الشخصيات لم أتعمق في وصفهم تمامًا إنما أخذت ما يستفزُّ في شخصياتهم وسلوكياتهم، وفي التوقيت ذاته لم يكن ذلك مُطابقًا تمامًا للسياق أو تراتبيةِ الأحداث الذي رتبت فيها الشخصيات ولم اعتبرها سيرة، اعتبرتها رواية”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم يقول: “لا أعرف ما سيكون رد فعلهم إذا علموا؟ وأيٍّ كان ردهم هذا غير مهم بالنسبة لي، بالنسبة لدوافع الكاتب أو الكاتبة لكتابة أحداث مهمة في حياته أثرت فيه لدرجة الكتابة عنها، الدوافع كثيرة في هذا المجال، فلكل كاتب وجهة نظر، تجاه تدوين الأحداث والشخصيات التي تستفزه أحيانًا، أو تلهمه تارة أخرى، أو قد تثيرُ فيه الشغف والفضول، هناك الكثير من الدوافع والأسباب، تجربتي لم أعتبرها سيرة ذاتية إنما مدخل لرواية أحببت أن أسردها، ومع ذلك كله وغيره فإنني أثناء الكتابة لاحظت أنها قد تغيرت كلُّ المواقفِ والمشاهد والشخصيات التي كنت أنوي الكتابة عنها من خلالِ السياق”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين: “في كل الأحوال، فإنَّ الكاتب حين يكتبُ روايةً عن نفسه أو سيرته الذاتية يستحيل أن يكتب أشياء يمكن أن تعريه، وتخدش من صورته، لاسيما في مجتمعاتنا العربية، وذلك لسببٍ بَسيطٍ أنَّ الرواية ستصبحُ في متناول الجميع، فبالتالي عليه الحذر من كشف المستور والتعري، حتى الرواية المتخيلة يعمل عليها الكاتب بحذر شديد بالذات إذا كان في مجتمعات عربية محافظة، ومع ذلك نجد بعض الروائيين يكتبون سيرتهم الذاتية بأريحية ومصداقية ونرى ذلك بوضوحٍ في رواية الخبز الحافي. على كل حال متعة كتابة السيرة الذاتية تختلف عن متعة كتابة رواية متخيلة ولكل نوع منهما نكهتها وجمالياتها”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة