16 نوفمبر، 2024 5:52 ص
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (12).. التخلص من جراح حياتية أم طقس تطهر أم كشف معاناة سنوات العمر

كتابة الواقع (12).. التخلص من جراح حياتية أم طقس تطهر أم كشف معاناة سنوات العمر

خاص: إعداد- سماح عادل

حين نكتب ربما من خلال البوح على الورق نحاول أن نعترف بالجراح التي انحفرت عميقا فينا، لا نعترف بتأثيرها القاسي علينا فقط، وإنما نتلمسها محاولين مداوتها، مساءلتها، هدهدتها كي تلتئم وتتركنا نتعافي من نزفها في أرواحنا، وربما يحاول آخرون التطهر بالكتابة، أو التفاخر برحلة معاناة وعذاب قد تكللت بالنجاح وبتحقيق الذات.

شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
  2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
  3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
  4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
  5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

التخلص من جراح حياتية..

تقول الكاتبة التونسية “زهرة الظاهري”: “قبل البدء في الإجابة عن السؤال ما إذا كانت السيرة الذاتية صنف من الرواية، دعونا نتعرف أولا أو لنقل لنتذكر معا مفهوم الرواية وأهم  العناصر التي يجب توفرها لبنية الرواية.

تعد الرواية صنفا من أصناف السرد القصصي وهي أكبر أنواع السرد من حيث حجمها وعدد شخصياتها وتشعب أحداثها وتنوع زمانها ومكانها. ومن أهم مكوناتها نجد الشخوص والزمان والمكان والأحداث والصراع والفكرة والنهاية واللغة أو الأسلوب الذي هو ما يميز كل كاتب عن الٱخرين.

لنقم الٱن بمقارنة بسيطة بين السيرة الذاتية والرواية.

ألا نتفق جميعا أن جميع هذه العناصر والمكونات المتوفرة في الرواية نجدها متوفرة أيضا في السيرة الذاتية؟

ولئن كانت الرواية عملا فنيا يعتمد بالأساس على التخييل ونسج الأحداث من محض المخيلة ولو أن ذلك يكون نسبيا نوعا ما نظرا لتداخل الخيال بالواقع في عديد الأعمال الروائية خاصة الروايات الواقعية. فإن السيرة الذاتية أو الرواية السيرية فن أدبي يعنى بسرد سيرة حياة الكاتب وهو ما يجعلها تختلف عن الرواية من جانب كونها فنا أدبيا متخيلا له سماته الجمالية ومقوماته الفنية المتداولة. غير أن هذا الاختلاف البين بينهما  لا يعني أن السيرة الذاتية منفصلة عنها أو خارجة عن إطارها بل هي صنف من الرواية، بما أنها تحتكم إلى جميع عناصر بناء الرواية.

ولئن ذهب بعض النقاد إلى أنه لابد من تحديد فروقات جوهرية بين الرواية والسيرة إذ لا يمكن للرواية أن تكون سيرة ذاتية ولا يمكن للسيرة أن تكون رواية فذلك لم يكن يعني ضرورة الفصل بينهما بطريقة كلية بقدر ما كان يرمي إلى المحافظة على السيرة الذاتية وتعزيزها، لما لها من مواصفات دقيقة خاصة بها خاصة وأن الرواية تستوعب كل الفنون الإبداعية مما يجعل الفصل بين السيرة والرواية أمر غير مؤكد إن لم نقل غير ممكن”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب تقول: “لا أعتقد أن الكتّاب الذين كتبوا سيرهم الذاتية كانت غايتهم الأصلية هي الإفصاح عن الخبايا الحياتية وتقديمها للٱخر كنوع من الفضفضة أو الإفشاء. لأن كتابة السيرة الذاتية هي فن أدبي قبل كل شيء. وهي رافد إبداعي يتجاوز نطاق السيرة ليحلق إلى فضاءات أرحب في  جماليته وفكره وعمقه.

علاوة على أن بعض المبدعين يعتبرون تجاربهم الحياتية مخزونا مهما لإبداعاتهم يستغلونه حتى في كتابة الرواية وليس بالضرورة في سيرتهم الذاتية. فالتجربة الحياتية زاخرة بالحكايات وبالإثارة التي يمكن كتابتها على نحو إبداعي شيق.

وربما تسكن الكاتب في كتابة السيرة الذاتية رغبة في تشريك القارئ ملامح واقعية من حياته يراها جديرة بالاكتشاف فغالبا ما يكون القارئ شغوفا بمعرفة بعض الملامح الحياتية للكاتب بما في ذلك بيئته التي نشأ فيها ومايكتنفها من مؤشرات مفصلية وذاتية.

غير أن كاتب السيرة الذاتية لابد أن يكون واعيا بأنه إزاء قارئ ذكي وفطن يبحث عن جمالية الأسلوب واللغة في الحكاية قبل كل شيء. والأهم من كل ذلك وحسب اعتقادي الشخصي فإن كل كاتب يرغب في كتابة سيرته الذاتية تكون له دوافعه الخاصة سواء كانت دوافع نفسية أو جمالية أو أن تتولد في داخله رغبة في تصوير الأشياء كما يراها هو نفسه وبحسب وجهة نظره وهو ما يمكنه تحقيقه في كتابة السيرة الذاتية أكثر من أي نوع إبداعي ٱخر”.

وتضيف: “كتبت رواية سيرية خاصة بطفولتي لاعتقادي الجازم بأن كتابة السيرة ليست رهينة عمر محدد أو فترة زمنية معينة وإنما هي توقف عند تجربة ما من الحياة وقد توقفت عند مرحلة صباي الأول ورأيت أن فيه من الأهمية الشيء الكثير لأكتبه أو ربما لأتخلص من بعض جراحاته. هذه الرواية السيرية  ماتزال حتى اليوم مجرد مخطوط لم يصدر بعد. وفعلا ذكرت في عملي هذا جوانب من الحياة التي عشتها في عهد الصبا وحتى بلوغ سن معين من الشباب. وطبعا ثمة إشارة إلى علاقتي بأشخاص محيطين بي سواء من العائلة أو الأصدقاء أو الأقارب والجيران.

ولأكون صادقة فقد انتابتني مخاوف كثيرة وأنا أكتب عن كل هؤلاء لإيماني بأن كتابة السيرة الذاتية لابد أن تكون على جانب كبير من الصدق والمصداقية. ولأتغلب على تلك المخاوف وتجنبا للإحراجات الممكنة، كل ما فعلته أنني غيرت أسماء الشخصيات وجعلت لهم أسماء أخرى من محض خيالي وغالبا ما تكون تلك الأسماء مطابقة بطريقة ما لأفعالهم وسلوكاتهم.على اعتبار أنه من مميزات السيرة أن تلتزم الحقيقة”.

والسيرة الذاتية الصادقة هي التي تكسر القناعات التي كرستها رسميات الحياة الاجتماعية بثقافتها وعاداتها وتقاليدها. لذلك ليس من السهل أبدا خاصة في مجتمعاتنا الشرقية أن يدون الكتاب والكاتبات على وجه الخصوص سيرة ذاتية بكل مافيها من أشياء مخفية وذلك بسبب هيمنة ثقافة الخوف من كشف الحقيقة”.

وتواصل عن رد فعل الشخصيات: “كما أشرت سابقا فقد قمت بكتابة رواية سيرية بعنوان “ظل أعرج” وقد تحدثت فيها بالخصوص عن حيثيات حياة طفلة متمردة نشأت داخل أسرة محافظة جدا تعطي الأولية دوما للأولاد. هذه الرواية لم يقع نشرها لحد الٱن والحقيقة لست ضامنة لموقف الٱخرين الذين كتبت عنهم. وربما لم أتمكن من قول كل الحقيقة”.

وتؤكد: “فكرة البوح بالأحاسيس والهواجس والأفكار والتوثيق لأحداث فارقة في حياة الكاتب، واعتبار الواقع مصدرا هاما لكتابة الذات أوذوات الٱخرين كلها عوامل تجعل الكاتب يهتم بكتابة السيرة الذاتية. غير أن لي مٱخذ عن صفتي التعري والانكشاف. وهو مايعمل عليه بعض الكتاب ويستندون إليه لتحقيق مزيد من الشهرة أو المبيعات لكتبهم. وهذا حسب رأيي لايتطابق مع المعايير الأدبية الحقيقية بل هو استسهال واستهانة بقيمة الأدب”.

طقس تطهر..

ويقول الكاتب المصري”حسين منصور”: “هل السيرة الذاتية  صنف من الرواية؟ ما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكترب الروائي عن ذاته؟ السؤال في حد ذاته يمكن وصفه بأنه مطاط؛ فالحكم على الأنواع الأدبية يكون عن طريق الشكل لا عن طريق الموضوع، فالسيرة الذاتية إذا التزم فيها الكاتب  آليات الرواية وأهمها السرد والمكان والشخصيات، وما يضيفه الكاتب من بصمة خاصة على العمل، وكذلك اللغة التي يجب أن تكون إبداعية غير نمطية؛ فهى رواية كاملة الأركان وما خالف ذلك فقد خرج من باب الرواية إلى أبواب أخرى قد تكون اليوميات، أو المذكرات، أو المحاورات، وهكذا.

ولا ينكر أحد أن هناك مصطلحاً راسخا هو (رواية السيرة الذاتية) لكن من الممكن أن رواية السيرة الذاتية تشوبها بعض العيوب على سبيل المثال.

  1. وقوع الكاتب في فخ الكتابة بضمير المتكلم (أنا) أو الراوى البطل لأنه يكون دائماً محدود الأفق ملتزماً بسرد الوقائع الحقيقية.
  2. التمحور حول الذات.

٣- الوقوع في دائرة الأحكام إذا اهتم بتبرير رفضه أو قبوله للمواقف سياسية كانت أم إنسانية بشكل يخالف ما يقتضيه العمل الأدبى.

  1. أن يتحول الكاتب إلى شاهد على الأحداث أو الزمن وليس سارداً لها.

ويواصل: “لا إبداع بغير خيال وفى حالة كتابة الذات على الكاتب أن يقدم ذاته كملهمة لا كمحور للعمل إن أراد له أن يكون عملا أدبيا يحمل رسالة عامة. وهنا لا يمكن أن تكون هناك حدود للخيال الذي يكون إيجابيا في دفع السرد وحيويته، وبما يمنحه الحرية في إضافة شخوص لم يكونوا موجودين في الحياة الحقيقية في الحدث المسرود لأن هذا ما يجعل النص جديراً بالانتماء لنوع الرواية.

وعن هدف الروائي حين يكتب سيرته الذاتية ونشرها في كتاب يقول: “الإجابة على السؤال أو هذه النقطة لا يمكن تعميمها، بل من أن يكون موجهاً بشكل شخصي إلى من أنجز سيرة ذاتية خاصة به أدبياً. وأستطيع أن أتداخل في هذه القضية على سبيل التوقع، لا على الحقيقة أو التسليم بأنه: ربما يرى الكاتب  أن في سيرته ما يصلح  كأنموذج بشرى مميز  أو قد تكون سيرته الشخصية محملة بشهادة على عصر ما كما في “يوميات نائب في الأرياف”، أو ربما وهو ما اعتقده هو خلق ستار بقف خلفه الكاتب حتى لا يواجه بالمعارضين أو المتسائلين عن حقيقة القضية المعروضة إذا  قدمها الكاتب في شكل مذكرات أو يوميات محددة الزمان والمكان.

والأشخاص؟ فيرفع عن نفسه الحرج خاصة إذا اشتملت السيرة الذاتية البحتة على ما يعتبره المجتمع أموراً مشينة دون تقدير لحالات الضعف الإنساني التي يمر بها الكاتب مثل بقية البشر”.

وعن تجربة أن يكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم يقول: “قصصي تدور في أغلبها في أماكن عشت فيها وأعرفها  تماماً وبالتالي ترد شخصيات قريبة أذكرها صراحة مثل أبى، وأمي وجدي وجدتي ويكون بها بعض طقوس حياتهم اليومية ولو على سبيل الرمز، فأمي حاضرة بشكل قوى، لدرجة أنى جمعت قصصاً لي تحت عنوان (قصص إلى أمي) ونشرت في موقع “صدى القصة” أما أبى فيأتي ذكره رمزاً للسلطة، أو الحكمة، أو كمصدر للحكايات.

كتبت أمي في خوفها، وضعفها، وبراءتها، وكتبت عن جيران بأسمائهم وكنيتهم وكتبت عن جار باسم شهرته المميز في قصه “سمن وعسل”، ولم يقرا أحد من والدي ما كتبت لأنهما كانا أميين ولم أقرأ لهما قصص وقراً إخوتي قصصي، ويكمن الخوف من معرفة بعض من كتبت عنهم في ردود الأفعال المتهكمة الساخرة في مجتمع لا يقدر الأدب ولا يدرك القيمة المعنوية للكتابة، أما في رواية (ثم) التي كتبت فيها عن زملاء التجنيد بأسمائهم الحقيقية فأنا أتمنى أن تصل نسخة منها إلى كل شخص حقيقي فيها”.

وعن البوح أم التعري والانكشاف، أم توثيق الأحداث  أم اختيار الواقع مصدراً هاماً للكتابة هو ما يدفع الكاتب إلى كتابة ذاته والآخرين يقول: “اسمحي لي أن أعيدك إلى النقطة الخاصة بلماذا يكتب الروائي سيرته الذاتية، فكل كاتب له دوافعه الخاصة، وفي ما يخصى أقول – كتاباتي القصصية ضمت كل تلك الدوافع فأعمد مرة إلى توثيق الأماكن والطقوس الشعبية والدينية وفي رواية (ثم) وتقت لأحداث تزامنت مع حرب تحرير الكويت المعروفة تاريخياً بعاصفة الصحراء، وفى كل قصصي أعتبر الواقع مصدراً هاماً لكتابة ذاتي، والآخرون يأتون في الأحداث على شکل مرور عابر، أو يكونون محور القصة ومحورها الأساسي. ولا أعتبر نفسي – حتى الآن – في كتاباتى مكاشفا  أو متعريا بشكل مباشر، فلا أتعرى صراحة أمام القارئ على أترك لذكائه المساحة المناسبة للتأويل ولكنى أعتبر الكتابة طقس تطهر ولو سر وراء حجاب”.

مخاض ومعاناة سنوات العمر..

وتقول الكاتبة العراقية: “شيماء عبد الله”: “كل شيء في الحياة ممكن أن يتغير ويتطور، حسب احتياج البشرية له، وبالتالي قد تعتبر السيرة الذاتية صنفا من الرواية إذا ازداد الاحتياج إلى وجودها لإشباع رغبات القراء الذين يحبون معرفة سيرة حياة كُتّابهم الذي أولعوا بقراءة كتاباتهم وبالتالي سيبدؤون بالبحث عن سير هؤلاء، وكيف ستكون طريقة طرح هذه السير هل هي واقعية تماما أم يتخللها بعض من الخيال، قد يكون كاتب السيرة ليس ذاته الشخص المكتوب عنه وبالتالي قد يضيف بعض من الأحداث حسب ماقد توصل إليه من معلومات، خصوصا إذا كان الشخص المكتوب عنه متوفي بذلك سيكون الخيال ضروري في السيرة لدمج الأحداث حسب تصور الكاتب. وعن نفسي لا أفضل في السيرة الذاتية طرح أمور غير واقعية قد تبعد القاريء عن حقيقة سيرتي أو سيرة من أكتب عنه”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وبنشرها في كتاب تقول: “حسب رأي هدف الروائي من كتابة سيرته الذاتية هو إبراز مدى الصعوبات التي مر بها في حياته حتى تمكن من الوصول إلى الشهرة، ومدى التغييرات التي جعلت منه قارئاً وكاتباً مشهورا وكيف تمكن من مواجهة التحديات لتحقيق حلمه بأن يكون كاتب يشار له بالبنان”.

وعن هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتها المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم تقول: “نعم جربت في روايتي التكلم عن شخصيات مرت في حياتي وكان هذا بالاتفاق معهم، فلم أشعر بالخوف من ردات فعلهم، حيث لم أكتب عنهم باسمهم الصريح بل بأسماء من خيالي وأضفت أحداث أيضا من خيالي حيث أخذت مقتطفات من أحداث حياتهم حسب احتياج الرواية”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو مايدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين تقول: “قد يكون البوح جزء مهم لأجل الكتابة بالعموم لأنه أغلب الكتاب قد تجدهم  يعانون الكثير من الضغوطات النفسية، فكل قلم هو بوح لدواخلنا، وبالتالي لا أرى أن الكتابة قد تعري الكاتب وعن أية تعرية قد نتكلم بل هي مخاض سنين ومعاناة أيام وليالي قد مر بها فهو يوثق أحداث مرت في حياته وهي مصدر للكتابة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة