16 نوفمبر، 2024 5:24 ص
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (10).. توثيق أحداث غير عادية أم إعادة بناء الذات أم رسم الواقع بحذافيره

كتابة الواقع (10).. توثيق أحداث غير عادية أم إعادة بناء الذات أم رسم الواقع بحذافيره

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك بعض من الكتاب من يحبون كتابة الواقع بحذافيره، ونقله كما هو، معتبرين أن ذلك يوفر لهم الأريحية في الكتابة والصدق الذي يصل إلى قلب القارئ بسهولة، في حين يعتبر بعض الكتاب أن السيرة تدوين تفاصيل حياتية وتأملها مما يمكنهم من فهم ذواتهم بشكل أعمق أو إعادة بناء ذواتهم بشكل مختلف، في حين يعتبر كتاب آخرون أن السيرة توثيق لأحداث غير عادية في حياة الكاتب أو شخصيات أخرى.

شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟

2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟

3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟

4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟

5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

توثيق أحداث غير عادية..

تقول الروائية السورية “نجاح إبراهيم”: “السيرة الذاتية هي رواية بحدِّ ذاتها، أو شكل من أشكالها إن أردنا ذلك، لأنها تتضمن كلَّ العناصر التي تبنى عليها الرواية، كالشخصيات، المكان، الزمان، عنصر التشويق، الخيال، الحوار، التداعيات، العنوان، الأحداث، ولهذا لها الاعتراف بأن تنسب إليها بقوّة.

والسيرة لابدَّ وأن تستند إلى الخيال لأنها تتشرب من نسغه وإن قدمت واقعاً، إذ ليس من رواية ذاتية تكون شفافة بالكامل، لابدَّ من التلاعب بالأحداث الإضافة إليها، فحين تكتب هذه الأحداث فإن ساردها يلجأ إلى تغيير فيها، فتتجنب الواقع وتحيد عنه، إذ يجتهد الراوي لأن يجعلها تشدُّ القارئ من خلال دفق خياله ولغته”.

وعن هدف الروائي حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب تقول: ” لاعتقاده بأنها ذات أهمية ولضرورتها والفائدة منها، ثم إن في غالبيتها تعدُّ تعريفاً عن حياته كونه مبدعاً، وما دار فيها من أحداث جديرة بالكتابة، وبالتالي هي سلة تجاربه الإنسانية التي قام بها، ورغبته في كشف اللثام عنها ووضع حياته بين يديِّ القارئ الذي وثق بإبداعه وأفسح له مكاناً في نفسه”.

وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء وهل انتابتها المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم تقول: “بدأت بالكتابة عن نفسي في روايتي الأولى “عطش الإسفيدار” فشخصية غالية الساردة ألبستها الكثير مني ومن أحداث مرت بي، وبعد أن فازت الرواية وانتشرت خشيت أن أُفهَم بشكل خاطئ خاصة ممن يعرفونني. في كلِّ عمل روائي أجدني قد انتشلت شخصياتٍ ممن هم حولي أو مرّوا بحياتي، أو سمعتُ عنهم، ففي العمل الأخير الذي مازال مخطوطاً اتصلت بالشخص الذي وضعته كإحدى شخصيات عملي واستأذنته لأن الكثير من الأقوال والأفعال تدلُّ عليه فهو يحمل صفة ناقد تشكيلي وآراؤه موجودة على “غوغل” لهذا أسرعت لأخذ مباركته. ردود أفعال من أتخذ شخصياتهم في رواياتي غير متواجدة لأن معظمهم مهمّشون، لا يتابعون هذا الفنَّ، بل ليسوا بقراء له”.

وعن ردُّ الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم تقول: “نادراً ما أخبر أحداً عن وجود شخصيته في عملي الروائي، باستثناء الناقد التشكيلي الذي تحدثتُ عنه والذي كل أفعاله وأقواله تنمُّ عنه، لأنني أسقط الكثير من الخيال على الشخصيات”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدراً هاماً للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين تقول: “في الوطن العربي يخشى الروائي أن يعري نفسه أمام قرائه كي لا يسقط في نظرهم إن قارب الحقيقة في سرد الأحداث، فمرّة طلبتُ من الروائي السوري العالمي الدكتور عبد السلام العجيلي أن يكتب سيرته بعدما روى لي شفهياً بعضها إلاَّ أنه أبى وقال ضاحكاً: “خلينا مستورين يا نجاح” إذاً لا يمكن أن يكون التعري محبذاً للرّوائي في مجتمعاتنا العربية، ربما هو التوثيق لأحداث غير عادية تضيف شيئاً إلى عالم الرواية الآسر وتشدُّ القارئ إن كُتبت وتزيده متعة وفائدة”.

إعادة بناء الذات بشكل مختلف..

ويقول الكاتب المغربي “مصطفى لغتيري”: “صراحة، لا أخفيك أنني شخصيا لا أتقبل مصطلح السيرة الذاتية كفرع من جنس الرواية إلا بكثير من التحفظ، لذا أفضل عليه مصطلح “السيرة الروائية”، وذلك نابع من تصور للأدب أو من به يعتبر الأدب بشتى أجناسه بعيدا عن تهمة العكس الميكانيكي للواقع، بل يسعى الأدب في رأيي إلى إعادة إنتاج الواقع، انطلاقا من تصور خاص للكاتب، ينبني على رؤياه لذاته وللعالم من حوله، فما يسمى بالسيرة الذاتية غالبا ما يتملك الوهم أصحابها أو قراءها بأنها تحكي حياة كاتبها بكثير من الأمانة والواقعية، وهذا غير صحيح بالمرة، فيكفي أن الكاتب ينتقي من حياته أحداثا دون غيرها، ليصبح تحت طائلة الخيال الأدبي المبني أساسا على الانتقاء.

كما أن الكاتب يكتب عن نفسه وهو في سن متقدمة، فكيف له أن يتذكر حياته بكل تلك التفاصيل التي عاشها خلال طفولته، هذا إذا افترضنا إنه ينقلها بأمانة، فالكتاب عموما يحبون أن يقدموا عن أنفسهم صورة معينة، لذا يبرعون في تقديم ما ينتظره القراء منهم أو يعمدون أحيانا إلى خلق نوع من الصدمة لدى متلقيهم باختلاق أحداثا استثنائية، حتى يتركوا أثرا قويا فيهم”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول: “طبعا هناك أهداف عدة من كتابة ما يسمى بالسيرة الذاتية، وأظن أن أولها هو كتابة نص أدبي يحظى بمقروئية واسعة، لأن القراء عموما يستهويهم التلصص على حياة الكاتب، بل حياة الناس عموما ليعرفوا بعض تفاصيلها ” الحقيقية”، وهذا ما أدى إلى نجاح برامج تلفزيون الواقع لأنها تنقل مباشرة الحياة الواقعية للناس، كما أن الجانب التوثيقي يحكم هذا النوع من الكتابة، فبدل أن يأتي شخص مجهول أو معروف ليكتب سيرة كاتب ما، فيقدمها كما يحلو له، يعمد الكاتب هو نفسه لفعل ذلك، حتى يقدم للقراء الصورة التي يحب ترويجها عن نفسه.

هذا فضلا عن الرغبة في إغناء هذا الجنس الأدبي، الذي لا تخفى أهميته بالنسبة لتاريخ الأدب عموما، وتطوير الجنس الروائي بشكل خاص، كما يمكن للسيرة الذاتية إتاحة الفرصة للكاتب من أجل تقديم وجهة نظره حول قضايا معينة بشكل يكاد يكون مباشرا، إما من خلال انتقادها أو تزكيتها، دون أن ننسى أن السيرة تعد كذلك فرصة لتقديم المسار التكويني للكاتب مما يعتبر”سيرة ذهنية وفكرية” للكاتب بموازاة مع السيرة الاجتماعية له”.

وعن تجربة أن يكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتب عنهم يقول: “في مساري الأدبي كتبت سيرتين روائيتين الأولى سميتها “حب وبرتقال” صدرت طبعتها الأولى في سوريا وطبعتها الثانية في المغرب، وهي عبارة عن ذكرياتي مع أمي كما أتذكرها وأنا في هذه السن، فاحتفيت فيها ببعض تفاصيل حياتي رفقتها، والثانية سميتها “شهوة الأمكنة”، صدرت قبل ثلاث سنوات بالمغرب، حاولت أن التقط فيها ذكرياتي عن الأماكن التي زرتها خلال الطفولة، وأثرت في نفسي بشكل عميق.

ولا أخفيك أنني ترددت بداية في نشر السيرة الأولى، لأنني ذكرت فيها بعض أفراد العائلة وبعض الناس، الذين جمعتني بهم ظروف الحياة، وذلك اتقاء لسوء الفهم، لكنني في نهاية المطاف، انتصرت لمنطق أن الأدب يجب النظر إليه كأحد تجليات الخيال مهما كانت واقعيته، ويجب أن اقتنع أنا نفسي بهذه الفكرة وأدافع عنها، قبل أن يقتنع به أي شخص غيري، فعمدت إلى نشر الرواية، متحملا مسؤوليتي في تقبل ردود الأفعال كيفما كانت، ولحسن الحظ كان تلقيها بشكل طيب”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم يقول: “ما كتبته عن بعض الأشخاص في السيرتين الروائيتين، كان عموما شيئا طيبا، لذا كان استقباله بشكل طيب كذلك، ولم أتلق أي رد فعل عنيف، بل بالعكس كان فقط بعض اللوم من قبل بعض الأشخاص، لأنني لم اذكرهم في السيرتين الروائيتين”.

وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين يقول: “طبعا لكل كاتب أهدافه من الكتابة، وقد تختلف هذه الأهداف وقد تتفق، لكن تبقى في عمومها أهدافا مرتبطة بالكاتب نفسه، في تصوره لعمله الإبداعي، والغايات التي يسعى لتحقيقها من فعل الكتابة.

شخصيا أكتب أولا من أجل فهم ذاتي بشكل عميق، وثانيا من أجل فهم العالم من حولي بشكل دقيق، فالكتابة تتيح لصاحبها الاهتمام بالتفاصيل، وإعادة النظر في كثير من الأمور التي كانت تبدو له من البديهيات، كما يمكن أن أقول أن الكتابة أتاحت لي كذلك الفرصة لإعادة بناء الذات بشكل مختلف، من خلال التمحيص والمقارنة و الحجة والرؤيا الشاملة التي لا تنبني إلا من خلال الانكباب على التفاصيل الدقيقة. وسواء تعلق الأمر بالسيرة الذاتية أو بالرواية أو الكتابة عن الذات أو عن الآخرين يبقى هاجس العمق ومحاولة الكشف عن العلاقات المتخفية التي تنتظم تصرفات الناس، ومنطق الحداثة والتنوير، كل هذه الأمور وغيرها تحكمني بشكل كبير في تعاملي مع الكتابة لشتى تجلياتها”.

رسم الواقع وكتابته بحذافيره..

تقول الكاتبة السورية “فاطمة البقاعي”: “نعم بالنسبة لي تعد السيرة الذاتية من أجمل أنواع الرواية، بل هو صنف مميز جداً بحيث يستطيع الراوي المتحدث عن ذاته الكتابة بأريحية كونه يعرف الأحداث مسبقاً، بسرد واقعه بحلوه ومره، بفرحه وترحه، بل ويستطيع أن يتقن لعبة السرد ويبكي القارئ أو يضحكه بكل بساطة، في حالة كتابة السيرة الذاتية الخيال يفرض نفسه فقط بطريقة وجمالية السرد، حيث أن السيرة الذاتية لا كذب فيها ولا تنميق، تجر الأحداث بعضها بعضاً، هي مسيرة حياة وباعتقادي لا تنتهي إلا بنهاية حياة الرواي.

غالباً تجذبنا النصوص التي تتحدث عن الذات بطريقة عجيبة، كالمغناطيس، نلتهم فصولها بشغف، وكم اكتشفنا عمق التشابه بيننا وبين تلك القصص المحكية عن الذات”.

وتضيف: ” بكتابة السيرة الذاتية لا أهداف معينة، يجد الرواي ذاته من خلال الكتابة، ربما هو الكبت الذي يعاني منه إن كان يعيش ظروفاً قاسية والعكس أيضا صحيح، هو عشق الكتابة أولا وثم تجسيد أحداث جرت مع الرواي لا أحد يستطيع كتابتها والتعبير عنها إلا هو، ربما نجد بعض التحفظات فالكاتب لا يستطيع خط كل ما يجول في خاطره، حيث أن هناك حكايات لا تحكى، أو ربما لا تستحق أن تكون من ضمن الأحداث التي يسردها الكاتب لضعفها، يستطيع القارئ بحنكته ونظره الثاقب أن يكتشف ما بين السطور ويبقى السؤال لدى البعض لماذا؟

فتلك الكتابات يخلدها من حولنا، أو ربما المقربون لتظل كإرث يتركه للأجيال القادمة، كل كاتب مهما كان حجمه وصفته وفي معظم نصوصه هذا إن لم نقل كلها يتسرق حفنة من سيرته يضيفها إلى نصوصه، كلنا نجد الأريحية إن كتبنا في نصوصنا أشياء منا، وليس هذا بعيب كوننا نكتب بصدق وهذا ما نريد إيصاله للقراء، الصدق ولا شيء سواه”.

وتواصل: “نعم جربت الكتابة عن شخصيات واقعية مازلت تعيش في محيطي، بصراحة كنت أخاف مع كل جزء أكتبه، أخاف ألا أجيد التعبير، أن أظلم البطل في بعض المطارح، أن أقولها حقائق ربما تخدش شعور من كتبت عنه، وبالنسبة لي أنا أحب نقل الواقع بحذافيره، لا أعرف الكذب والترقيع، وصراحتي الزائدة تسببت لي بمشاكل عديدة، ولكني رغم متعتي وأنا أكتب عني وعن غيري وجدتُ بأن الكتابة الذاتية من أصعب الكتابات على الإطلاق ومن يقول غير هذا كونوا على ثقة بأنه يكذب”.

وتكمل: “ردات الفعل في أكثر الأحيان كانت قاسية كون الحقائق تفرض نفسها على النص أياً كان لهذا كان على التوخي والحذر والابتعاد قدر المستطاع عن الكتابة والإبحار في قصص أروي من خلال سيرة حياة أشخاص مقربين فتبقى بالنسبة لي السيرة الأجمل التي رويتها في حياتي هي سيرتي الشخصية فلا أحد يستطيع محاسبتي على مشاعر وأحداث أنا عشتها وليسوا هم”.

وتؤكد: “البوح بالطبع والانكشاف بعيداً عن التعري والغوص في أشياء لا طائل منها إلا إثارة القارئ وهذا لا يخدم السيرة على الإطلاق بل يخدش حيائها ويضعفها وبهذا نترك أثر سيئ لدى القراء عنا ككتاب وهذا ليس بصالحنا، وتوثيق لحقائق وأحداث مهمة ربما تكون قد حدثت معنا ولا أحد يدري عنها، وهذه الأشياء ربما تكون بسيطة لدى البعض ولكنها جدا مهمة لدى الكاتب صاحب السيرة الذاتية، اسمها ذاتية يعني لا يستطيع أحد اقتحام هذا الذات إلا هو.

فعلاً يعتبر الواقع مصدراً هاماً للكتابة بحيث أن أول عمل إبداعي يخطه الكاتب هو التحدث عن الواقع الذي يعيشه، ويعيشه المقربين حوله، وما أكثرها قصص الواقع التي دفعتنا ودفعت الكتاب من قبلنا لكتابة أجمل النصوص وأروعها، نصوصاً خلدها التاريخ، وستظل آلة الزمن وطالما مازال في صدورنا عروق تنبض تحثنا على رسم الواقع وكتابته بحذافيره حتى يتوافنا الموت”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة