15 نوفمبر، 2024 4:25 م
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (1).. بوح مكبوت أم قناع يستر الذات أم تخليد لذكريات ملهمة

كتابة الواقع (1).. بوح مكبوت أم قناع يستر الذات أم تخليد لذكريات ملهمة

خاص: إعداد- سماح عادل

حين يكتب الروائي/ة عن ذاته، أو عن أحداث واقعية، أو عن شخصيات تعامل معها وعايشها، فيما كان يفكر؟، ولما قرر أن يكتب عن أحداث وقعت بالفعل، وعن شخصيات من لحم ودم؟، هذا ما سنحاول معرفته في هذا الملف الشيق.

ولقد شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟

2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟

3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟

4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟

5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

بوح مكبوت..

يقول الكاتب اليمني “الغربي عمران”: ” ما صدر تحت تجنيس السيرة الذاتية، ليس بسيرة، إذ أن الكاتب لا يمتلك الجرأة في نقل سيرته في مجتمع مترصد ومشبع بثقافة العيب والحرام. ومن كتب أدرجها تحت تصنيف رواية سيرية. بحيث ينتقي ما يراه مناسب للرفع من شأنه أمام مجتمع القراء.

والسيرة الذاتية مثل اليوميات أو المذكرات نوع من أنواع السرد ليس إلا، وهذا ليس انتقاص فلكل جنس خصائصه وجمالياته وجمهوره.

ولا توجد نسب محددة من الخيال حين نكتب السيرة الذاتية إذ أن من المفترض نقل وقائع ومسيرة ذاتية ولا دخل لذلك بالخيال بل بالذاكرة، وما أن تدخل الخيال فقدت السيرة سيريتها. إما وخيال روائي أو حقائق سيرية. أو الخلط بين وبين…”.

وعن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يضيف: “نوع من النرجسية، وأيضا نضوب الخيال الذى يفتش فيما في خبايا نفسه لكي يكتب ويقدم نفسه ليست كما عاشت بل كما يتمنى لو كان فارسا ومجددا وكائن مثالي…”.

وعن هل جرب أن يكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتب عنهم يواصل: “جربت بل ودوما التقط شخصياتي وحكاياتي من شخصيات أعرفها، لكن بمجرد أن أبحر أجد أن الشخصية التي أعجبتني محاولا كتابتها قد ذوت من الصفحات الأولى وتوالدت شخصيات خيالية وأحداث تتلوها أحداث لينتهي بما لم أخطط له وأتصوره”.

وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم يقول: “لم أنجح في كتابتها فالشخصيات الخيالية تتوالد وتسيطر دوما”.

ويجيب عن سؤال البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين: “- الواقع مصدرا هامة للكتابة بالفعل، لكن الواقع وكل ما ترسب في الوعي لكتابته يتلاشى مع التقدم في انجاز العمل، ويسيطر الخيال من شخصيات إلى أحداث، أو أن من الخيال ماهو أكثر تشويق وأكثر رحابة وحرية.

وقد يبوح الكاتب من خلال شخصياته الخيالية هنا وهناك، بوح مكبوت، وكشف مستتر، وتعري غير فاضح أمام مجتمع نشأ على ثوابت العيب والحرام”.

قناع يستر الذات..

ويقول الكاتب السوري “محمد أمين الساطي”: “لكل كاتب هدفٌ شخصيٌّ من وراء الكتابة، لكنه بالنهاية يكتب وفقاً لإدراكه لذاته وللمجتمع المحيط به. الأشخاص الذين لعبوا دوراً في صناعة التاريخ يكتبون من أجل الخلود، لذلك نجدهم يحاولون تسويغ الدور الذي لعبوه في هذه الأحداث، لأن تاريخهم الشخصي سيصبح في سلة النفايات، إذا كان غير مرفق بالوقائع التاريخية.

الآخرون يكتبون ليستعيدوا توازنهم النفسي، ولمواصلة السير في هذه الحياة القاسية، وليُشبعوا بالوقت نفسه غريزة حبّ الظهور القابعة في داخل كلّ واحد منا.

كتابة السيرة الذاتية باختصار، هي حوار صريح مع الذات، لكي نظهر للآخرين ما يدور في خاطرنا، ولنصنع عالمنا الخاص الذي نتمناه، ولنهرب من واقع نرفضه ويرفضنا، ولنحقق أحلام اليقظة التي نعيشها، وذلك بإسقاطها على أبطال القصص التي نكتبها”.

ويضيف: “لكن مهما بلغت الجرأة لدى الكاتب، فهو غير قادر على أن يتعرّى بشكل كامل، إنه بحاجة إلى الاستعانة بقناع يلبسه ليقدم به نفسه للقارئ.

إن الأفكار المخيفة التي تمرّ بخاطرنا في بعض الأحيان، تمنعنا من أن نعبر عنها، خوفاً من ألا نرتقي إلى توقعات المجتمع المحيط بنا، ومن أجل حماية ذاتنا من الانطباعات السلبية التي قد تدمّر صورتنا عند القراء، فيجب علينا أن نخفي بعض هذه الأفكار السوداء”.

تخليد ذكريات تلهم القاريء..

وتقول الكاتبة المصرية “شيرين شحاته”: “السيرة الذاتية كما يراها عقلي عمل ينسج من أحداث مضت حكايته، لحظات تبرق داخل حياة المُسلط عليهم الضوء والذي لا يخفت وميضه أو يهدأ وشيشه بغير اللجوء لقلم وأوراق بطل الحكاية ليرسخها حاضرًا ومستقبلًا.

والسيرة الذاتية تعد صنف من الرواية تتمحور حول شخصية الراوي والوقت الذي يعيش فيه، الخيال بها لابد وأن يكون محدود وبعيد تمامًا عن الأحداث الجوهرية المنوط بها الدفع بالعمل للأمام”.

وتواصل: “والروائي حين يكتب سيرته الذاتية فهو يرغب في تخليد الأوقات والظروف التي مر بها، لا أن تعيش لوقته الحالي دون غيره، وهو بالتأكيد فتش داخل حياته على ما يليق ليضعه داخل كتاب قد يكون مُلهم لكثير من الأجيال فيتقبلوا ظروف مشابهة تمر بهم ويسعوا جاهدين لتجاوزها كبطل السيرة الذاتية، والتي ما أن أتحدث عنها حتى أجدني مُسرعة أرتب صفحات كتاب “الأيام” لطه حسين داخل عقلي فأتذكر تفاصيله وكأنني أقرؤه للتو”.

وتضيف: “بطريقة واضحة وبنية لا تمهد لفكرة التأويل لم أتعمد الكتابة عن شخصيات محيطة من أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربين، ففكرة أن تكتب عن شخص بعينه لابد وأن تكون خالصة الأمانة، فليس من المباح معها أدوات التزيين ليكون البطل نفسه أول المصفقين لي، وبالمثل فإن المشاعر السلبية لا يجب أن تلعب دور البطولة بالعمل فتضع يدها على العمل لتخط من وجهة نظرها لا من نظر الحقيقة وبذلك يتحول العمل من كتاب سيرة لرواية أحداثها من نسج الهوى، و لكن وبكل تأكيد فإن كثير من الأعمال الروائية قد استلهمت أبطالها من أشخاص نعايشها، ألقوا بذورهم داخلنا لتنبت كأعمال روائية ورقية بوقت لاحق والتي قد تبعث بنا بعد فترة مفاجأة التعرف على أن هؤلاء الأبطال قد عاشوا معنا بوقت سابق أو مازالنا في مرحلة التعرف عليهم أكثر”.

وتوضح: “ويختلف الأمر من كاتب لآخر وهو يكتب سيرته الذاتية، فالبعض قد يتعامل معها كتوثيق يراه ضروري لأحداث فارقة وضرورية بحياته يرغب في مشاركتها مع نسبة أكبر من الأشخاص، والبعض قد يتعامل معها كبوح انتقل بصوته من الداخل وإلى خارج محيط الرأس، لتهدأ الأفكار وتترتب بعمل مكتوب، و قد يكون هناك من يرغب في الكشف عن وقائع لا يتوقع غيره أنه عايشها، فيختص من سيقرأ عمله بمطالعتها بل والعيش معها.

أما لو كانت الكتابة عن الغير فلا بد وأن تستدعي الدقة والأمانة بل والاهتمام بكل مصدر يؤدي بنا لمصداقية العمل كي لا يخرج كعمل لا يمت لكتب السيرة ولو بهيئة صفح معدودة، وكتب السيرة سواء ذاتية أو غيرية ليست بالأمر السهل، فهو يكشف صدق علاقة المرء مع نفسه وقدرته على ضبطها ليخرج العمل أمينَا خالي من الحكايات المُزينة”.

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة